القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة
مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري
|
مكتبة الميرغني الإليكترونية خاصة بجميع مؤلفات السادة المراغنة |
إهداءات ^^^ ترحيب ^^^ تهاني ^^^ تعازي ^^^ تعليقات ^^^ إعلانات | |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
02-06-2013, 10:41 AM | #81 | |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*بَاب مَنْ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ
الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ الْثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ فِيهِ الْوُضُوءُ الشرح: حديث علي بن أبي طالب قال: " كنت رجلا مذاء " وهو بتثقيل الذال المعجمة والمد أي كثير المذي، وهو بإسكان المعجمة: الماء الذي يخرج من الرجل عند الملاعبة، وسيأتي الكلام عليه في الطهارة أيضا. واستدل به بعضهم على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع، وهو خطأ، ففي النسائي أن السؤال وقع وعلي حاضر. *3*باب ذِكْرِ الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا فِي الْمَسْجِدِ الشرح: قوله: (باب ذكر العلم) أي إلقاء العلم والفتيا في المسجد، وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من توقف فيه لما يقع في المباحثة من رفع الأصوات فنبه على الجواز. الحديث: حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (أن رجلا قام في المسجد) لم أقف على اسم هذا الرجل، والمراد بالمسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويستفاد منه أن السؤال عن مواقيت الحج كان قبل السفر من المدينة، و " قرن " بإسكان الراء وغلط من فتحها. وقول ابن عمر: " ويزعمون الخ " يفسر بمن روى الحديث تاما كابن عباس وغيره. وفيه دليل على إطلاق الزعم على القول المحقق لأن ابن عمر سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يفهمه لقوله: " لم أفقه هذه " أي الجملة الأخيرة فصار يرويها عن غيره، وهو دال على شدة تحريه وورعه، وسيأتي الكلام على فوائده في الحج إن شاء الله تعالى. *3*باب مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ الشرح: قوله: (باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله) قال ابن المنير: موقع هذه الترجمة التنبيه على أن مطابقة الجواب للسؤال غير لازم، بل إذا كان السبب خاصا والجواب عاما جاز، وحمل الحكم على عموم اللفظ لا على خصوص السبب لأنه جواب وزيادة فائدة. ويؤخذ منه أيضا أن المفتي إذا سئل عن واقعة واحتمل عنده أن يكون السائل يتذرع بجوابه إلى أن يعديه إلى غير محل السؤال تعين عليه أن يفصل الجواب، ولهذا قال: " فإن لم يجد نعلين " فكأنه سأل عن حالة الاختيار فأجابه عنها وزاده حالة الاضطرار، وليست أجنبية عن السؤال لأن حالة السفر تقتضي ذلك. وأما ما وقع في كلام كثير من الأصوليين أن الجواب يجب أن يكون مطابقا للسؤال فليس المراد بالمطابقة عدم الزيادة، بل المراد أن الجواب يكون مفيدا للحكم المسئول عنه قاله ابن دقيق العيد. وفي الحديث أيضا العدول عما لا ينحصر إلى ما ينحصر طلبا للإيجاز، لأن السائل سئل عما يلبس فأجيب بما لا يلبس، إذ الأصل الإباحة، ولو عدد له ما يلبس لطال به، بل كان لا يؤمن أن يتمسك بعض السامعين بمفهومه فيظن اختصاصه بالمحرم، وأيضا فالمقصود ما يحرم لبسه لا ما يحل له لبسه لأنه لا يجب له لباس مخصوص بل عليه أن يجتنب شيئا مخصوصا. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ الشرح: قوله: (وابن أبي ذئب) هو بالضم عطفا على قول آدم: " حدثنا ابن أبي ذئب " والمراد أن آدم سمعه من ابن أبي ذئب بإسنادين. وفي رواية غير أبي ذر " وعن الزهري " بالعطف على نافع ولم يعد ذكر ابن أبي ذئب. قوله: (أن رجلا) لم أقف على اسمه، وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الحج أيضا إن شاء الله تعالى. (خاتمة) : اشتمل كتاب العلم من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وحديثين، منها في المتابعات بصيغة التعليق وغيرها ثمانية عشر، والتعاليق التي لم يوصلها في مكان آخر أربعة وهي: كتب لأمير السرية، ورجل جابر إلى عبد الله بن أنيس، وقصة ضمام في رجوعه إلى قومه، وحديث إنما العلم بالتعلم. وباقي ذلك وهو ثمانون حديثا كلها موصولة، فالمكرر منها ستة عشر حديثا، وبغير تكرير أربعة وستون حديثا، وقد وافقه مسلم على تخريجها إلا ستة عشر حديثا وهي الأربعة المعلقة المذكورة، وحديث أبي هريرة " إذا وسد الأمر إلى غير أهله"، وحديث ابن عباس " اللهم علمه الكتاب"، وحديثه في الذبح قبل الرمي، وحديث عقبة بن الحارث في شهادة المرضعة، وحديث أنس في إعادة الكلمة ثلاثا، وحديث أبي هريرة " أسعد الناس بالشفاعة"، وحديث الزبير " من كذب علي"، وحديث سلمة " من تقول علي"، وحديث علي في الصحيفة، وحديث أبي هريرة في كونه أكثر الصحابة حديثا، وحديث أم سلمة " ماذا أنزل الليلة من الفتن"، وحديث أبي هريرة حفظت وعاءين. والمراد بموافقة مسلم موافقته على تخريج أصل الحديث عن صحابيه وإن وقعت بعض المخالفة في بعض السياقات. وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم اثنان وعشرون أثرا: أربعة منها موصولة، والبقية معلقة. قال ابن رشيد: ختم البخاري كتاب العلم بباب من أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه إشارة منه إلى أنه بلغ الغاية في الجواب عملا بالنصيحة، واعتمادا على النية الصحيحة. وأشار قبل ذلك بقليل بترجمة من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه إلى أنه ربما صنع ذلك، فأتبع الطيب بالطيب بأبرع سياق وأبدع اتساق. رحمه الله تعالى. |
|
|
02-06-2013, 10:42 AM | #82 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*2*كتاب الوضوء
*3*باب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الوضوء. باب ما جاء في قول الله عز وجل: (إذا قمتم إلى الصلاة) الآية) وفي رواية الأصيلي: " ما جاء في قول الله " دون ما قبله، ولكريمة " باب في الوضوء وقول الله عز وجل الخ". والمراد بالوضوء ذكر أحكامه وشرائطه وصفته ومقدماته. والوضوء بالضم هو الفعل، وبالفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهور فيهما، وحكي في كل منهما الأمران. وهو مشتق من الوضاءة، وسمي بذلك لأن المصلي يتنظف به فيصير وضيئا: وأشار بقوله: " ما جاء " إلى اختلاف السلف في معنى الآية فقال الأكثرون: التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين. وقال آخرون: بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف، إلا أنه في حق المحدث على الإيجاب، وفي حق غيره على الندب. وقال بعضهم: كان على الإيجاب ثم نسخ فصار مندوبا. ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أسماء بنت زيد بن الخطاب حدثت أباه عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث. ولمسلم من حديث بريدة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله. فقال: عمدا فعلته " أي لبيان الجواز. وسيأتي حديث أنس في ذلك في باب الوضوء من غير حدث. واختلف العلماء أيضا في موجب الوضوء فقيل: يجب بالحدث وجوبا موسعا، وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معا ورجحه جماعة من الشافعية، وقيل بالقيام إلى الصلاة حسب، ويدل له ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة " واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) إيجاب النية في الوضوء، لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها، ومثله قولهم: إذا رأيت الأمير فقم، أي لأجله. وتمسك بهذه الآية من قال: إن الوضوء أول ما فرض بالمدينة، فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة، وأنه لم يصل قط إلا بوضوء. قال: وهذا مما لا يجهله عالم. وقال الحاكم في المستدرك: وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة. ثم ساق حديث ابن عباس: " دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي قالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك. فقال: ائتوني بوضوء. فتوضأ. . الحديث". قلت: وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه حينئذ. وقد جزم ابن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبا وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة، ورد عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي، وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا لكن قال: عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه. وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه، لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند. وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لهيعة. قوله: (وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة مرة) كذا في روايتنا بالرفع على الخبرية، ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق، أي فرض الوضوء غسل الأعضاء غسلا مرة مرة، أو على الحال السادة مسد الخبر، أي يفعل مرة، أو على لغة من ينصب الجزأين بأن. وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل أي الوجه مرة واليد مرة الخ. والبيان المذكور يحتمل أن يشير به إلى ما رواه بعد من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وهو بيان بالفعل لمجمل الآية، إذ الأمر يفيد طلب إيجاد الحقيقة ولا يتعين بعدد، فبين الشارع أن المرة الواحدة للإيجاب وما زاد عليها للاستحباب، وستأتي الأحاديث على ذلك فيما بعد. وأما حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال. " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " ففيه بيان الفعل والقول معا، لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه، وله طرق أخرى كلها ضعيفة. قوله: (وتوضأ أيضا مرتين مرتين) كذا في رواية أبي ذر، ولغيره " مرتين " بغير تكرار، وسيأتي هذا التعليق موصولا في باب مفرد مع الكلام عليه. قوله: (وثلاثا) أي وتوضأ أيضا ثلاثا، زاد الأصيلي ثلاثا على نسق ما قبله، وسيأتي موصولا أيضا في باب مفرد. قوله: (ولم يزد على ثلاث) أي لم يأت في شيء من الأحاديث المرفوعة في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم أنه زاد على ثلاث، بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم ذم من زاد عليها، وذلك فيما رواه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال. " من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم " إسناده جيد، لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص من الثلاث، وأجيب بأنه أمر سيئ والإساءة تتعلق بالنقص، والظلم بالزيادة. وقيل: فيه حذف تقديره من نقص من واحدة. ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا " الوضوء مرة ومرتين وثلاثا، فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ"، وهو مرسل رجاله ثقات. وأجيب عن الحديث أيضا بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه، بل أكثرهم مقتصر على قوله: " فمن زاد " فقط، كذا رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره. ومن الغرائب ما حكاه الشيخ أبو حامد الإسفرايني عن بعض العلماء أنه لا يجوز النقص من الثلاث، وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور، وهو محجوج بالإجماع. وأما قول مالك في المدونة: لا أحب الواحدة إلا من العالم، فليس فيه إيجاب زيادة عليها. والله أعلم. قوله: (وكره أهل العلم الإسراف فيه) يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف أحد التابعين قال: كان يقال: " من الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر". وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وابن مسعود، وروي في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. قوله: (وأن يجاوزوا الخ) يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن ابن مسعود قال: ليس بعد الثلاث شيء. وقال أحمد وإسحاق وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث. وقال ابن المبارك: لا آمن أن يأثم. وقال الشافعي: لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث، فإن زاد لم أكرهه. أي لم أحرمه، لأن قوله لا أحب يقتضي الكراهة. وهذا الأصح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه. وحكى الدارمي منهم عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة، وهو قياس فاسد، ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق. واختلف عند الشافعية في القيد الذي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث، فالأصح إن صلى به فرضا أو نفلا، وقيل الفرض فقط، وقيل مثله حتى سجدة التلاوة والشكر ومس المصحف، وقيل ما يقصد له الوضوء وهو أعم، وقيل إذا وقع الفصل بزمن يحتمل في مثله نقض الوضوء عادة، وعند بعض الحنفية أنه راجع إلى الاعتقاد فإن اعتقد أن الزيادة على الثلاث سنة أخطأ ودخل في الوعيد، وإلا فلا يشترط للتحديد شيء بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم، ولا سيما إذا قصد به القربة للحديث الوارد " الوضوء على الوضوء نور". قلت: وهو حديث ضعيف، ولعل المصنف أشار إلى هذه الرواية، وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة إن شاء الله تعالى. ويستثنى من ذلك ما لو علم أنه بقي من العضو شيء لم يصبه الماء في المرات أو بعضها فإنه يغسل موضعه فقط، وأما مع الشك الطارئ بعد الفراغ فلا، لئلا يؤول به الحال إلى الوسواس المذموم. |
02-06-2013, 10:43 AM | #83 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ
الشرح: قوله: (باب لا تقبل صلاة بغير طهور) هو بضم الطاء المهملة، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل. وهذه الترجمة لفظ حديث رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر، وأبو داود وغيره من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وله طرق كثيرة لكن ليس فيها شيء على شرط البخاري، فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة وأورد في الباب ما يقوم مقامه. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ الشرح: قوله: (لا تقبل) كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يسم فاعله، وأخرجه المصنف في ترك الحيل عن إسحاق بن نصر، وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ " لا يقبل الله " والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة. ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا، وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا لم تقبل له صلاة " فهو الحقيقي، لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع، ولهذا كان بعض السلف يقول: لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا، قاله ابن عمر. قال: لأن الله تعالى قال: (إنما يتقبل الله من المتقين) . قوله: (أحدث) أي وجد منه الحدث، والمراد به الخارج من أحد السبيلين، وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الأغلظ، ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما، وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء - كمس الذكر ولمس المرأة والقيء ملء الفم والحجامة - فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها. وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. وقيل إن أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك، وفيه بعد. واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا، وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء، وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا. قوله: (يتوضأ) أي بالماء أو ما يقوم مقامه، وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا " الصعيد الطيب وضوء المسلم " فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه، ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة. والله أعلم. *3*باب فَضْلِ الْوُضُوءِ وَالْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ الشرح: قوله: (باب فضل الوضوء، والغر المحجلون) كذا في أكثر الروايات بالرفع، وهو على سبيل الحكاية لما ورد في بعض طرق الحديث " أنتم الغر المحجلون " وهو عند مسلم، أو الواو استئنافية والغر المحجلون مبتدأ وخبره محذوف تقديره لهم فضل، أو الخبر قوله: " من آثار الوضوء " وفي رواية المستملي " والغر المحجلين " بالعطف على الوضوء أي وفضل الغر المحجلين كما صرح به الأصيلي في روايته. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ الشرح: قوله: (عن خالد) هو ابن يزيد الإسكندراني أحد الفقهاء الثقات، وروايته عن سعيد بن أبي هلال من باب رواية الأقران. قوله: (عن نعيم المجمر) بضم الميم وإسكان الجيم هو ابن عبد الله المدني، وصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز، وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيما كان يباشر ذلك. ورجال هذا الإسناد الستة نصفهم مصريون، وهم الليث وشيخه والراوي عنه، والنصف الآخر مدنيون. قوله. (رقيت) بفتح الراء وكسر القاف أي صعدت. قوله: (فتوضأ) كذا لجمهور الرواة، وللكشميهني يوما بدل قوله فتوضأ وهو تصحيف، وقد رواه الإسماعيلي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ " توضأ " وزاد الإسماعيلي فيه " فغسل وجهه ويديه فرفع في عضديه، وغسل رجليه فرفع في ساقيه " وكذا لمسلم من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال نحوه، ومن طريق عمارة بن غزية عن نعيم وزاد في هذه: أن أبا " هريرة قال: " هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ " فأفاد رفعه، وفيه رد على من زعم أن ذلك من رأي أبي هريرة بل من روايته ورأيه معا. قوله: (أمتي) أي أمة الإجابة وهم المسلمون، وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوة وليست مرادة هنا. قوله: (يدعون) بضم أوله أي ينادون أو يسمون. قوله: (غرا) بضم المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذو غرة، وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو على الحال، أي أنهم إذا دعوا على رءوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف وكانوا على هذه الصفة. قوله: (محجلين) بالمهملة والجيم من التحجيل وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس، وأصله من الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال، والمراد به هنا أيضا النور. واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة رضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي، وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام، فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضا مرفوعا قال: " سيما ليست لأحد غيركم " وله من حديث حذيفة نحوه. و " سيما " بكسر المهملة وإسكان الياء الأخيرة أي علامة. وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي " وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه، ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة. قوله: (من آثار الوضوء) بضم الواو، ويجوز فتحها على أنه الماء قاله ابن دقيق العيد. قوله: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) أي فليطل الغرة والتحجيل. واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى نحو (سرابيل تقيكم الحر) واقتصر على ذكر الغرة وهي مؤنثة دون التحجيل وهو مذكر لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء، وأول ما يقع عليه النظر من الإنسان. على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الأمرين، ولفظه " فليطل غرته وتحجيله " وقال ابن بطال: كني أبو هريرة بالغرة عن التحجيل لأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله، وفيما قال نظر لأنه يستلزم قلب اللغة، وما نفاه ممنوع لأن الإطالة ممكنة في الوجه بأن يغسل إلى صفحة العنق مثلا. ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على كل من الغرة والتحجيل. ثم إن ظاهره أنه بقية الحديث، لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم وفي آخره: قال نعيم لا أدري قوله من استطاع الخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة، ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه والله أعلم. واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل فقيل: إلى المنكب والركبة، وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا. وعن ابن عمر من فعله أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو عبيد بإسناد حسن، وقيل المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق، وقيل إلى فوق ذلك. وقال ابن بطال وطائفة من المالكية: لا تستحب الزيادة على الكعب والمرفق لقوله صلى الله عليه وسلم "من زاد على هذا فقد أساء وظلم " وكلامهم معترض من وجوه، ورواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال. وأما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهي مردودة بما نقلناه عن ابن عمر، وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية. وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترض بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى، كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وفي الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء، لأن الفضل الحاصل بالغرة والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب، فكيف الظن بالواجب؟ وقد وردت فيه أحاديث صحيحة صريحة أخرجها مسلم وغيره، وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد لكن إذا لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه. والله أعلم. |
02-06-2013, 10:44 AM | #84 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
الشرح: قوله: (باب) بالتنوين (لا يتوضأ) بفتح أوله على البناء للفاعل. قوله: (من الشك) أي بسبب الشك. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ح وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْفَتِلْ أَوْ لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا الشرح: قوله: (حدثنا علي) هو ابن عبد الله المديني وسفيان هو ابن عيينة. قوله: (وعن عباد) هو معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب، وسقطت الواو من رواية كريمة غلطا لأن سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا، ثم إن شيخ سعيد فيه يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال كلاهما عن عمه أي عم الثاني وهو عباد، ويحتمل أن يكون محذوفا من مراسيل ابن المسيب، وعلى الأول جرى صاحب الأطراف. ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن ماجه ورواته ثقات لكن سئل أحمد عنه فقال إنه منكر. قوله: (عن عمه) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري، سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة، واختلف هل هو عم عباد لأبيه أو لأمه. قوله: (أنه شكا) كذا في روايتنا شكا بألف ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي، وصرح بذلك ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل. ووقع في بعض الروايات " شكي " بضم أوله على البناء للمفعول، وعلى هذا فالهاء في أنه ضمير الشأن. ووقع في مسلم " شكي " بالضم أيضا كما ضبطه النووي. وقال: لم يسم الشاكي، قال: وجاء في رواية البخاري أنه الراوي. قال: ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن " شكى " بالفتح أي في رواية مسلم، وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس قال إنه لم يظهر له كلام النووي. قوله: (الرجل) بالضم على الحكاية. وهو وما بعده في موضع النصب. قوله: (يخيل) بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد الياء الأخيرة المفتوحة، وأصله من الخيال، والمعنى يظن، والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين. قوله: (يجد الشيء) أي الحدث خارجا منه، وصرح به الإسماعيلي ولفظه " يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شيء " وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاص اسمه إلا للضرورة. قوله: (في الصلاة) تمسك بعض المالكية بظاهره فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة، وأوجبوا الوضوء على من كان خارجها، وفرقوا بالنهي عن إبطال العبادة، والنهي عن إبطال العبادة متوقف على صحتها، فلا معنى للتفريق بذلك، لأن هذا التخيل إن كان ناقضا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض. قوله: (لا ينفتل) بالجزم على النهي، ويجوز الرفع على أن " لا " نافية. قوله: (أو لا ينصرف) هو شك من الراوي، وكأنه من علي، لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ لا ينصرف من غير شك. قوله: (صوتا) أي من مخرجه. قوله: (أو يجد) أو للتنويع وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو لمس المحل ثم شم يده، ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض لأن الصورة تحمل على لمس ما قاربه لا عينه. ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين، لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله الخطابي. وقال النووي: هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها. وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء. وروي عن مالك النقض مطلقا، وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها، وروي هذا التفصيل عن الحسن البصري، والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي، وهو رواية ابن القاسم عنه. وروى ابن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقا كقول الجمهور، وروى ابن وهب عنه. أحب إلي أن يتوضأ. ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه، وحمل بعضهم الحديث على من كان به وسواس، وتمسك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، وأجيب بما دل على التعميم، وهو حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " وقوله: فلا يخرجن من المسجد أي من الصلاة، وصرح بذلك أبو داود في روايته. وقال العراقي: ما ذهب إليه مالك راجح، لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد، وألغى الشك في السبب المبرئ، وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة وألغى الشك في الحدث الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل. وجوابه أن ذلك من حيث النظر قوي، لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق. وقال الخطابي: يستدل به لمن أوجب الحد على من وجد منه ريح الخمر لأنه اعتبر وجدان الريح ورتب عليه الحكم، ويمكن الفرق بأن الحدود تدرأ بالشبهة والشبهة هنا قائمة، بخلاف الأول فإنه متحقق. *3*باب التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ الشرح: قوله: (باب التخفيف في الوضوء) أي جواز التخفيف. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى وَرُبَّمَا قَالَ اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ عَنْ شِمَالِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قُلْنَا لِعَمْرٍو إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ الشرح: قوله: (سفيان) هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار المكي لا البصري، وكريب بالتصغير من الأسماء المفردة في الصحيحين. والإسناد مكيون. سوى علي وقد أقام بها مدة. وفيه رواية تابعي عن تابعي: عمرو عن كريب. قوله. (وربما قال اضطجع) أي كان سفيان يقول تارة نام وتارة اضطجع، وليسا مترادفين بل بينهما عموم وخصوص من وجه، لكنه لم يرد إقامة أحدهما مقام الآخر، بل كان إذا روى الحديث مطولا قال اضطجع فنام كما سيأتي، وإذا اختصره قال نام أي مضطجعا أو اضطجع أي نائما. قوله: (ثم حدثنا) يعني أن سفيان كان يحدثهم به مختصرا ثم صار يحدثهم به مطولا. قوله: (ليلة فقام) كذا للأكثر، ولابن السكن " فنام " بالنون بدل القاف وصوبها القاضي عياض لأجل قوله بعد ذلك " فلما كان في بعض الليل قام " انتهى. ولا ينبغي الجزم بخطئها لأن توجيهها طاهر وهو أن الفاء في قوله " فلما " تفصيلية، فالجملة الثانية وإن كان مضمونها مضمون الأولى لكن المغايرة بينهما بالإجمال والتفصيل. قوله: (فلما كان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (في بعض الليل) وللكشميهني " من " بدل في، فيحتمل أن تكون بمعناها ويحتمل أن تكون زائدة وكان تامة، أي فلما حصل بعض الليل. قوله: (شن) بفتح المعجمة وتشديد النون أي القربة العتيقة. قوله: (معلق) ذكر على إرادة الجلد أو الوعاء، وقد أخرجه بعد أبواب بلفظ معلقة. قوله: (يخففه عمرو ويقلله) أي يصفه بالتخفيف والتقليل. وقال ابن المنير: يخففه أي لا يكثر الدلك، ويقلله أي لا يزيد على مرة مرة. قال: وفيه دليل على إيجاب الدلك، لأنه لو كان يمكن اختصاره لاختصره، لكنه لم يختصره. انتهى. وهي دعوى مردودة، فإنه ليس في الخبر ما يقتضي الدلك، بل الاقتصار على سيلان الماء على العضو أخف من قليل الدلك. قوله: (نحوا مما توضأ) قال الكرماني. لم يقل مثلا لأن حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره انتهى. وقد ثبت في هذا الحديث كما سيأتي بعد أبواب " فقمت فصنعت مثل ما صنع " ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كل جهة. قوله: (فآذنه) بالمد أي أعلمه، وللمستملي فناداه. قوله: (فصلى ولم يتوضأ) فيه دليل على أن النوم ليس حدثا بل مظنة الحدث لأنه صلى الله عليه وسلم كان تنام عينه ولا ينام قلبه فلو أحدث لعلم بذلك، ولهذا كان ربما توضأ إذا قام من النوم وربما لم يتوضأ، قال الخطابي: وإنما منع قلبه النوم ليعي الوحي الذي يأتيه في منامه. قوله: (قلنا) القائل سفيان، والحديث المذكور صحيح كما سيأتي من وجه آخر، وعبيد بن عمير من كبار التابعين، ولأبيه عمير بن قتادة صحبة. وقوله: " رؤيا الأنبياء وحي " رواه مسلم مرفوعا، وسيأتي في التوحيد من رواية شريك عن أنس. ووجه الاستدلال بما تلاه من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده. وأغرب الداودي الشارح فقال: قول عبيد بن عمير لا تعلق له بهذا الباب. وهذا إلزام منه للبخاري بأن لا يذكر من الحديث إلا ما يتعلق بالترجمة فقط، ولم يشترط ذلك أحد. وإن أراد أنه لا يتعلق بحديث الباب أصلا فممنوع والله أعلم. وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. |
02-06-2013, 10:45 AM | #85 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ الْإِنْقَاءُ الشرح: قوله: (باب إسباغ الوضوء) الإسباغ في اللغة الإتمام، ومنه درع سابغ. قوله: (وقال ابن عمر) هذا التعليق وصله عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح، وهو من تفسير الشيء بلازمه، إذ الإتمام يستلزم الإنقاء عادة، وقد روى ابن المنذر بإسناد صحيح أن ابن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات، وكأنه بالغ فيهما دون غيرهما لأنهما محل الأوساخ غالبا لاعتيادهم المشي حفاة والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ فَقُلْتُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا الشرح: قوله: (حدثنا عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي، والحديث في الموطأ، والإسناد كله مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي: موسى عن كريب، وأسامة بن زيد أي ابن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، له لأبيه وجده صحبة. وستأتي مناقبه في مكانها إن شاء الله تعالى. قوله: (دفع من عرفة) أي أفاض. قوله: (بالشعب) بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل، واللام فيه للعهد. قوله: (ولم يسبغ الوضوء) أي خففه، ويأتي فيه ما تقدم في توجيه الحديث الماضي. قوله: (فقلت الصلاة) و بالنصب على الإغراء، أو على الحذف، والتقدير أتريد الصلاة؟ ويؤيده قوله في رواية تأتي " فقلت أتصلي يا رسول الله " ويجوز الرفع، والتقدير حانت الصلاة. قوله: (قال الصلاة) هو بالرفع على الابتداء، وأمامك بفتح الهمزة خبره. وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم لما يصل بذلك الوضوء شيئا، وأما من زعم أن المراد بالوضوء هنا الاستنجاء فباطل، لقوله في الرواية الأخرى " فجعلت أصب عليه وهو يتوضأ " ولقوله هنا " ولم يسبغ الوضوء". قوله: (نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء) فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة، قاله الخطابي، وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث. (فائدة) : الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم، أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه بإسناد حسن من حديث علي بن أبي طالب، فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب. وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. *3*باب غَسْلِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ الشرح: قوله: (باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة) راده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعا، والإشارة إلى تضعيف الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بيمينه. وجمع الحليمي بينهما بأن هذا حيث كان يتوضأ من إناء يصب منه بيساره على يمينه، والآخر حيث كان يغترف، لكن سياق الحديث يأباه، لأن فيه أنه بعد أن تناول الماء بإحدى يديه أضافه إلى الأخرى وغسل بهما. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلَالٍ يَعْنِي سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ يَعْنِي الْيُسْرَى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن عبد الرحيم) هو أبو يحيى المعروف بصاعقة. وكان أحد الحفاظ، وهو من صغار شيوخ البخاري من حيث الإسناد، وشيخه منصور كان أحد الحفاظ أيضا، وقد أدركه البخاري لكنه لم يلقه. وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي: زيد عن عطاء. قوله: (أنه توضأ) زاد أبو داود في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم " أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء". وللنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث " توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة". قوله: (فغسل وجهه) الفاء تفصيلية لأنها داخلة بين المجمل والمفصل. قوله: (أخذ غرفة) وهو بيان الغسل وظاهره أن المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه، لكن المراد بالوجه أولا ما هو أعم من المفروض والمسنون، بدليل أنه أعاد ذكره ثانيا بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفة مستقلة، وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة، وغسل الوجه باليدين جميعا إذا كان بغرفة واحدة لأن اليد الواحدة قد لا تستوعبه. قوله: (أضافها) بيان لقوله فجعل بها هكذا. قوله: (فغسل بها) أي بالغرفة. وللأصيلي وكريمة " فغسل بهما " أي باليدين. قوله: (ثم مسح برأسه) لم يذكر لها غرفة مستقلة، فقد يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل، لكن في رواية أبي داود " ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده، ثم مسح رأسه " زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد " وأذنيه مرة واحدة " ومن طريق ابن عجلان " باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه " وزاد ابن خزيمة من هذا الوجه " وأدخل إصبعيه فيهما". قوله: (فرش) أي سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل. قوله: (حتى غسلها) صريح في أنه لم يكتف بالرش، وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم " فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل " فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل كما سيأتي عند المصنف من حديث ابن عمر، وأما قوله: " تحت النعل ": فإن لم يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذة وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف. قوله: (فغسل بها رجله يعني اليسرى) قائل: " يعني " هو زيد بن أسلم أو من دونه، واستدل ابن بطال بهذا الحديث على أن الماء المستعمل طهور، لأن العضو إذا غسل مرة واحدة فإن الماء الذي يبقى في اليد منها يلاقي ماء العضو الذي يليه. وأيضا فالغرفة تلاقي أول جزء من أجزاء كل عضو فيصير مستعملا بالنسبة إليه. وأجيب بأن الماء ما دام متصلا باليد مثلا لا يسمى مستعملا حتى ينفصل، وفي الجواب بحث. (تنبيه) : ذكر ابن التين أنه رواه بلفظ " فعل بها رجله " بالعين المهملة واللام المشددة قال: فلعله جعل الرجلين بمنزلة العضو الواحد فعد الغسلة الثانية تكريرا لأن العل هو الشرب الثاني انتهى، وهو تكلف ظاهر، والحق أنها تصحيف. |
02-06-2013, 10:46 AM | #86 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
3*باب التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الْوِقَاعِ الشرح:
قوله: (باب التسمية على كل حال وعند الوقاع) أي الجماع، وعطفه عليه من عطف الخاص على العام للاهتمام به، وليس العموم ظاهرا من الحديث الذي أورده، لكن يستفاد من باب الأولى لأنه إذا شرع في حالة الجماع وهي مما أمر فيه بالصمت فغيره أولى. وفيه إشارة إلى تضعيف ما ورد من كراهة ذكر الله في حالين الخلاء والوقاع، لكن على تقدير صحته لا ينافي حديث الباب لأنه يحمل على حال إرادة الجماع كما سيأتي في الطريق الأخرى. ويقيد ما أطلقه المصنف ما رواه ابن أبي شيبة من طريق علقمة عن ابن مسعود " وكان إذا غشي أهله فأنزل قال: اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبا". الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَبْلُغُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ الشرح: قوله: (جرير) و ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر من صغار التابعين، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين. قوله: (فقضي بينهم) كذا للمستملي والحموي، وللباقين " بينهما " وهو أصوب، ويحمل الأول على أن أقل الجمع اثنان، وسيأتي مباحث هذا الحديث في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. وأفاد الكرماني أنه رأى في نسخة قرئت على الفربري قيل لأبي عبد الله يعني المصنف: من لا يحسن العربية يقولها بالفارسية؟ قال: نعم. *3*باب مَا يَقُولُ عِنْدَ الْخَلَاءِ الشرح: قوله: (باب ما يقول عند الخلاء) أي عند إرادة الدخول في الخلاء إن كان معدا لذلك وإلا فلا تقدير. (تنبيه) : أشكل إدخال هذا الباب والأبواب التي بعده إلى باب الوضوء مرة مرة، لأنه شرع في أبواب الوضوء فذكر منها فرضه وشرطه وفضيلته وجواز تخفيفه واستحباب إسباغه ثم غسل الوجه ثم التسمية ولا أثر لتأخيرها عن غسل الوجه لأن محلها مقارنة أول جزء منه ح فتقديمها في الذكر عنه وتأخيرها سواء، لكن ذكر بعدها القول عند الخلاء، واستمر في ذكر ما يتعلق بالاستنجاء، ثم رجع فذكر الوضوء مرة مرة. وقد خفي وجه المناسبة على الكرماني فاستروح قائلا: ما وجه الترتيب بين هذه الأبواب مع أن التسمية إنما هي قبل غسل الوجه لا بعده، ثم توسيط أبواب الخلاء بين أبواب الوضوء؟ وأجاب بقوله: قلت البخاري لا يراعي حسن الترتيب، وجملة قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بصحيحه لا غير انتهى. وقد أبطل هذا الجواب في كتاب التفسير فقال لما ناقش البخاري في أشياء ذكرها من تفسير بعض الألفاظ بما معناه: لو ترك البخاري هذا لكان أولى، لأنه ليس من موضوع كتابه، وكذلك قال في مواضع أخر إذا لم يظهر له توجيه ما يقوله البخاري، مع أن البخاري في جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبي عبيدة والنضر بن شميل والفراء وغيرهم، وأما المباحث الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعي وأبي عبيدة وأمثالهما، وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسي وابن كلاب ونحوهما. والعجب من دعوى الكرماني أنه لا يقصد تحسين الترتيب بين الأبواب، مع أنه لا يعرف لأحد من المصنفين على الأبواب من اعتنى بذلك غيره، حتى قال جمع من الأئمة: فقه البخاري في تراجمه. وقد أبديت في هذا الشرح من محاسنه وتدقيقه في ذلك ما لا خفاء به، وقد أمعنت النظر في هذا الموضع فوجدته في بادئ الرأي يظن الناظر فيه أنه لم يعتن بترتيبه كما قال الكرماني، لكنه اعتنى بترتيب كتاب الصلاة اعتناء تاما كما سأذكره هناك، وقد يتلمح أنه ذكر أولا فرض الوضوء كما ذكرت، وأنه شرط لصحة الصلاة، ثم فضله وأنه لا يجب إلا مع التيقن، وأن الزيادة فيه على إيصال الماء إلى العضو ليس بشرط. وأن ما زاد على ذلك من الإسباغ فضل. ومن ذلك الاكتفاء في غسل بعض الأعضاء بغرفة واحدة، وأن التسمية مع أوله مشروعة كما يشرع الذكر عند دخول الخلاء، فاستطرد من هنا لآداب الاستنجاء وشرائطه، ثم رجع لبيان أن واجب الوضوء المرة الواحدة وأن الثنتين والثلاث سنة، ثم ذكر سنة الاستنثار إشارة إلى الابتداء بتنظيف البواطن قبل الظواهر، وورد الأمر بالاستجمار وترا في حديث الاستنثار فترجم به لأنه من جملة التنظف، ثم رجع إلى حكم التخفيف فترجم بغسل القدمين لا بمسح الخفين إشارة إلى أن التخفيف لا يكفي فيه المسح دون مسمى الغسل. ثم رجع إلى المضمضة لأنها أخت الاستنشاق، ثم استدرك بغسل العقبين لئلا يظن أنهما لا يدخلان في مسمى القدم، وذكر غسل الرجلين في النعلين ردا على من قصر في سياق الحديث المذكور فاقتصر على النعلين على ما سأبينه. ثم ذكر فضل الابتداء باليمين، ومتى يجب طلب الماء للوضوء. ثم ذكر حكم الماء الذي يستعمل وما يوجب الوضوء. ثم ذكر الاستعانة في الوضوء. ثم ما يمتنع على من كان على غير وضوء، واستمر على ذلك إذا ذكر شيئا من أعضاء الوضوء استطرد منه إلى ما له به تعلق لمن يمعن التأمل، إلى أن أكمل كتاب الوضوء على ذلك. وسلك في ترتيب الصلاة أسهل من هذا المسلك فأورد أبوابها ظاهرة التناسب في الترتيب، فكأنه تفنن في ذلك والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ تَابَعَهُ ابْنُ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ إِذَا أَتَى الْخَلَاءَ وَقَالَ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ إِذَا دَخَلَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الشرح: قوله: (الخبث) بضم المعجمة الموحدة كذا في الرواية. وقال الخطابي: إنه لا يجوز غيره، وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب، قال النووي: وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة، إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشتبه بالمصدر. والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، يريد ذكران الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما، ووقع في نسخة ابن عساكر: قال أبو عبد الله - يعني البخاري - ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة، فإن كانت مخففة عن الحركة فقد تقدم توجيهه، وإن كان بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي: المكروه، قال: فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار، وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب، ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره " أعوذ بالله من الخبث والخبيث " أو " الخبث والخبائث " هكذا على الشك، الأول بالإسكان مع الإفراد، والثاني بالتحريك مع الجمع، أي من الشيء المكروه ومن الشيء المذموم، أو من ذكران الشياطين وإناثهم. وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهارا للعبودية، ويجهر بها للتعليم. وقد روى العمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال: " إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث " وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية. قوله: (تابعه ابن عرعرة) اسمه محمد، وحديثه عند المصنف في الدعوات. قوله. (وقال غندر) هذا التعليق وصله البزار في مسنده عن محمد بن بشار بندار عن غندر بلفظه، ورواه أحمد بن حنبل عن غندر بلفظ إذا دخل. قوله: (وقال موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي. قوله: (عن حماد) هو ابن سلمة يعني عبد العزيز بن صهيب، وطريق موسى هذه وصلها البيهقي باللفظ المذكور. قوله: (وقال سعيد بن زيد) هو أخو حماد بن زيد، وروايته هذه وصلها المؤلف في الأدب المفرد قال: حدثنا أبو النعمان حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال: حدثني أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال. . فذكر مثل حديث الباب، وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله: " إذا دخل الخلاء " أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده. والله أعلم. وهذا في الأمكنة المعدة لذلك بقرينة الدخول، ولهذا قال ابن بطال. رواية " إذا أتى " أعم لشمولها انتهى. والكلام هنا في مقامين: أحدهما هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن، أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت؟ الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة. الثاني متى يقول ذلك؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل: أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها، وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا مذهب الجمهور. وقالوا فيمن نسي: يستعيذ بقلبه لا بلسانه. ومن يجيز مطلقا كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل. (تنبيه) : سعيد بن زيد الذي أتى بالرواية المبينة صدوق تكلم بعضهم في حفظه، وليس له في البخاري غير هذا الموضع المعلق، لكن لم ينفرد بهذا اللفظ، فقد رواه مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز مثله، وأخرجه البيهقي من طريقه وهو على شرط البخاري. |
02-06-2013, 10:47 AM | #87 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب وَضْعِ الْمَاءِ عِنْدَ الْخَلَاءِ
الشرح: قوله: (باب وضع الماء عند الخلاء) هو بالمد، وحقيقته المكان الخالي، واستعمل في المكان المعد لقضاء الحاجة مجازا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ مَنْ وَضَعَ هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ الشرح: قوله: (ورقاء) و ابن عمر. قوله: (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي يزيد) مكي ثقة لا يعرف اسم أبيه، ووقع في رواية الكشميهني ابن أبي زائدة وهو غلط. قوله: (فوضعت له وضوءا) بفتح الواو أي ماء ليتوضأ به، وقيل يحتمل أن يكون ناوله إياه ليستنجي به، وفيه نظر. قوله: (فأخبر) تقدم في كتاب العلم أن ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس هي المخبرة بذلك، قال التيمي: فيه استحباب المكافأة بالدعاء. وقال ابن المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور: إما أن يدخل إليه بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب ليتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئا، فرأي الثاني أوفق، لأن في الأول تعرضا للاطلاع، والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء، والثاني أسهلها، ففعله يدل على ذكائه، فناسب أن يدعي له بالتفقه في الدين ليحصل به النفع، وكذا كان. وقد تقدمت باقي مباحثه في كتاب العلم. *3*باب لَا تُسْتَقْبَلُ الْقِبْلَةُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ إِلَّا عِنْدَ الْبِنَاءِ جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ الشرح: قوله: (باب لا تستقبل القبلة) في روايتنا بضم المثناة على البناء للمفعول وبرفع القبلة، وفي غيرها بفتح الباء التحتانية على البناء للفاعل ونصب القبلة، ولام تستقبل مضمومة على أن لا نافية، ويحوز كسرها على أنها ناهية. قوله: (إلا عند البناء جدار أو نحوه) وللكشميهني " أو غيره " أي كالأحجار الكبار والسواري والخشب وغيرها من السواتر. قال الإسماعيلي: ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور. وأجيب بثلاثة أجوبة: أحدها أنه تمسك بحقيقة الغائط لأنه المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذه حقيقته اللغوية، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازا فيختص النهي به، إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة، وهذا الجواب للإسماعيلي وهو أقواها. ثانيها أن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء، وأما الجدار والأبنية فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفا قاله ابن المنير، ويتقوى بأن الأمكنة المعدة ليست صالحة لأن يصلى فيها فلا يكون فيها قبلة بحال، وتعقب بأنه يلزم منه أن لا تصح صلاة من بينه وبين الكعبة مكان لا يصلح للصلاة، وهو باطل. ثالثها الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر المذكور في الباب الذي بعده، لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم كله كأنه شيء واحد قاله ابن بطال وارتضاه ابن التين وغيره، لكن مقتضاه أن لا يبقى لتفصيل التراجم معنى، فإن قيل لم حملتم الغائط على حقيقته ولم تحملوه على ما هو أعم من ذلك ليتناول الفضاء والبنيان، لا سيما والصحابي راوي الحديث قد حمله على العموم فيهما لأنه قال - كما سيأتي عند المصنف في باب قبلة أهل المدينة في أوائل الصلاة - فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر، فالجواب أن أبا أيوب أعمل لفظ الغائط في حقيقته ومجازه وهو المعتمد، وكأنه لم يبلغه حديث التخصيص، ولولا أن حديث ابن عمر دل على تخصيص ذلك بالأبنية لقلنا بالتعميم، لكن العمل بالدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وقد جاء عن جابر فيما رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم تأييد ذلك، ولفظه عند أحمد " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء. قال: ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة"، والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي خلافا لمن زعمه، بل هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه، لأن ذلك هو المعهود من حاله صلى الله عليه وسلم لمبالغته في التستر، ورؤية ابن عمر له كانت عن غير قصد كما سيأتي فكذا رواية جابر، ودعوى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال، ودل حديث ابن عمر الآتي على جواز استدبار القبلة في الأبنية، وحديث جابر على جواز استقبالها، ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر إلا جواز الاستدبار فقط، ولا يقال يلحق به الاستقبال قياسا، لأنه لا يصح إلحاقه به لكونه فوقه، وقد تمسك به قوم فقالوا بجواز الاستدبار دون الاستقبال حكي عن أبي حنيفة وأحمد وبالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقا، قال الجمهور: وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق، وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة، ويؤيده من جهة النظر ما تقدم عن ابن المنير أن الاستقبال في البنيان مضاف إلى الجدار عرفا. وبأن الأمكنة المعدة لذلك مأوى الشياطين فليست صالحة لكونها قبلة، بخلاف الصحراء فيهما. وقال قوم بالتحريم مطلقا، وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد. وقال به أبو ثور صاحب الشافعي، ورجحه من المالكية ابن العربي، ومن الظاهرية ابن حزم، وحجتهم أن النهي مقدم على الإباحة، ولم يصححه حديث جابر الذي أشرنا إليه. وقال قوم بالجواز مطلقا، وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود، واعتلوا بأن الأحاديث تعارضت فليرجع إلى أصل الإباحة. فهذه المذاهب الأربعة مشهورة عن العلماء، ولم يحك النووي في شرح المهذب غيرها. وفي المسألة ثلاثة مذاهب أخرى: منها جواز الاستدبار في البنيان فقط تمسكا بظاهر حديث ابن عمر، وهو قول أبي يوسف. ومنها التحريم مطلقا حتى في القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس، وهو محكي عن إبراهيم وابن سيرين عملا بحديث معقل الأسدي " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو بغائط " رواه أبو داود وغيره، وهو حديث ضعيف لأن فيه راويا مجهول الحال. وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها، لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس، وقد ادعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة، وفيه نظر لما ذكرناه عن إبراهيم وابن سيرين، وقد قال به بعض الشافعية أيضا حكاه ابن أبي الدم. ومنها أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتها، فأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله: " شرقوا أو غربوا " قاله أبو عوانة صاحب المزني، وعكسه البخاري فاستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة كما سيأتي في باب قبلة أهل المدينة من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ وَلَا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا الشرح: قوله: (فلا يستقبل) بكسر اللام لأن " لا " ناهية واللام في القبلة للعهد أي للكعبة. قوله: (ولا يولها ظهره) ولمسلم " ولا يستدبرها " وزاد " ببول أو بغائط " والغائط الثاني غير الأول، أطلق على الخارج من الدبر مجازا من إطلاق اسم المحل على الحال كراهية لذكره بصريح اسمه، وحصل من ذلك جناس تام، والظاهر من قوله " ببول " اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة، ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة، ويؤيده قوله في حديث جابر " إذا هرقنا الماء". وقيل مثار النهي كشف العورة، وعلى هذا فيطرد في كل حالة تكشف فيها العورة كالوطء مثلا، وقد نقله ابن شاش المالكي قولا في مذهبهم وكأن قائله تمسك برواية في الموطأ " لا تستقبلوا القبلة بفروجكم " ولكنها محمولة على المعنى الأول أي حال قضاء الحاجة جمعا بين الروايتين والله أعلم. وسيأتي الكلام على قول أبي أيوب " فننحرف ونستغفر " حيث أورده المصنف في أوائل الصلاة إن شاء الله تعالى. *3*باب مَنْ تَبَرَّزَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ الشرح: قوله: (باب من تبرز) بوزن تفعل من البراز بفتح الموحدة وهو الفضاء الواسع، كنوا به عن الخارج من الدبر كما تقدم في الغائط. قوله: (على لبنتين) فتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون تثنية لبنة وهي ما يصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يحرق. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَقَدْ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ وَقَالَ لَعَلَّكَ مِنْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ فَقُلْتُ لَا أَدْرِي وَاللَّهِ قَالَ مَالِكٌ يَعْنِي الَّذِي يُصَلِّي وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْأَرْضِ يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ الشرح: قوله: (يحيى بن سعيد) هو الأنصاري المدني التابعي، وكذا شيخه وشيخ شيخه في الأوصاف الثلاثة، ولكن قيل إن لواسع رؤية فذكر لذلك في الصحابة، وأبوه حبان هو ابن منقذ بن عمر له ولأبيه صحبة، وقد تقدم في المقدمة أنه بفتح المهملة وبالموحدة. قوله: (أنه كان يقول) أي ابن عمر كما صرح به مسلم في روايته، وسيأتي لفظه قريبا، فأما من زعم أن الضمير يعود على واسع فهو وهم منه وليس قوله " فقال ابن عمر " جوابا لواسع، بل الفاء في قوله: " فقال " سببية، لأن ابن عمر أورد القول الأول منكرا له، ثم بين سبب إنكاره بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يمكنه أن يقول: فلقد رأيت الخ ولكن الراوي عنه - وهو واسع - أراد التأكيد بإعادة قوله: " قال عبد الله بن عمر". قوله: (أن ناسا) يشير بذلك إلى من كان يقول بعموم النهي كما سبق، وهو مروي عن أبي أيوب وأبي هريرة ومعقل الأسدي وغيرهم. قوله: (إذا قعدت) ذكر القعود لكونه الغالب وإلا فحال القيام كذلك. قوله: (على حاجتك) كنى بهذا عن التبرز ونحوه. قوله: (لقد) اللام جواب قسم محذوف. قوله: (على ظهر بيت لنا) وفي رواية يزيد الآتية " على ظهر بيتنا " وفي رواية عبيد الله بن عمر الآتية " على ظهر بيت حفصة " أي أخته كما صرح به في رواية مسلم، ولابن خزيمة " دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت". وطريق الجمع أن يقال: إضافته البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته فله منه سبب، وحيث أضافه إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي أسكنها النبي صلى الله عليه وسلم فيه واستمر في يدها إلى أن ماتت فورث عنها، وسيأتي انتزاع المصنف ذلك من هذا الحديث في كتاب الخمس إن شاء الله تعالى، وحيث أضافه إلى نفسه كان باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونها كانت شقيقته ولم تترك من يحجبه عن الاستيعاب. قوله: (على لبنتين) ولابن خزيمة " فأشرفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على خلائه " وفي رواية له: " فرأيته يقضي حاجته محجوبا عليه بلبن " وللحكيم الترمذي بسند صحيح " فرأيته في كنيف " وهو بفتح الكاف وكسر النون بعدها ياء تحتانية ثم فاء. وانتفى بهذا إيراد من قال ممن يرى الجواز مطلقا: يحتمل أن يكون رآه في الفضاء. وكونه رآه على لبنتين لا يدل على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض، ويرد هذا الاحتمال أيضا أن ابن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء إلا بساتر كما رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به، ولم يقصد ابن عمر الإشراف على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة وإنما صعد السطح لضرورة له كما في الرواية الآتية فحانت منه التفاتة كما في رواية للبيهقي من طريق نافع عن ابن عمر. نعم لما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة عن غير قصد أحب أن لا يخلي ذلك من فائدة فحفظ هذا الحكم الشرعي. وكأنه إنما رآه من جهة ظهره حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور، ودل ذلك على شدة حرص الصحابي على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعها، وكذا كان رضي الله عنه. قوله: (قال) أي ابن عمر (لعلك) ، الخطاب لواسع، وغلط من زعم أنه مرفوع. وقد فسر مالك المراد بقوله: " يصلون على أوراكهم " أي من يلصق بطنه بوركيه إذا سجد، وهو خلاف هيئة السجود المشروعة وهي التجافي والتجنح كما سيأتي بيانه في موضعه، وفي النهاية: وفسر بأنه يفرج ركبتيه فيصير معتمدا على وركيه. وقد استشكلت مناسبة ذكر ابن عمر لهذا مع المسألة السابقة فقيل: يحتمل أن يكون أراد بذلك أن الذي خاطبه لا يعرف السنة، إذ لو كان عارفا بها لعرف الفرق بين الفضاء وغيره، أو الفرق بين استقبال الكعبة وبيت المقدس، وإنما كنى عمن لا يعرف السنة بالذي يصلي على وركيه لأن من يفعل ذلك لا يكون إلا جاهلا بالسنة، وهذا الجواب للكرماني، ولا يخفى ما فيه من التكلف، وليس في السياق أن واسعا سأل ابن عمر عن المسألة الأولى حتى ينسبه إلى عدم معرفتها. ثم الحصر الأخير مردود، لأنه قد يسجد على وركيه من يكون عارفا بسنن الخلاء، والذي يظهر في المناسبة ما دل عليه سياق مسلم، ففي أوله عنده عن واسع قال: " كنت أصلي في المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي، فقال عبد الله: يقول الناس " فذكر الحديث، فكأن ابن عمر رأى منه في حال سجوده شيئا لم يتحققه فسأله عنه بالعبارة المذكورة، وكأنه بدأ بالقصة الأولى لأنها من روايته المرفوعة المحققة عنده فقدمها على ذلك الأمر المظنون، ولا يبعد أن يكون قريب العهد بقول من نقل عنهم ما نقل فأحب أن يعرف الحكم لهذا التابعي لينقله عنه، على أنه لا يمتنع إبداء مناسبة بين هاتين المسألتين بخصوصهما وأن لإحداهما بالأخرى تعلقا بأن يقال: لعل الذي كان يسجد وهو لاصق بطنه بوركيه كان يظن امتناع استقبال القبلة بفرجه في كل حالة كما قدمنا في الكلام على مثار النهي. وأحوال الصلاة أربعة: قيام وركوع وسجود وقعود، وانضمام الفرج فيها بين الوركين ممكن إلا إذا جافى في السجود فرأى أن في الإلصاق ضما للفرج ففعله ابتداعا وتنطعا، والسنة بخلاف ذلك، والتستر بالثياب كاف في ذلك، كما أن الجدار كاف في كونه حائلا بين العورة والقبلة إن قلنا إن مثار النهي الاستقبال بالعورة، فلما حدث ابن عمر التابعي بالحكم الأول أشار له إلى الحكم الثاني منبها له على ما ظنه منه في تلك الصلاة التي رآه صلاها. وأما قول واسع " لا أدري " فدال على أنه لا شعور عنده بشيء مما ظنه به، ولهذا لم يغلظ ابن عمر له في الزجر. والله أعلم. |
02-06-2013, 10:47 AM | #88 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْبَرَازِ
الشرح: قوله: (باب خروج النساء إلى البراز) أي الفضاء كما تقدم، وهو بفتح الموحدة ثم راء وبعد الألف زاي. قال الخطابي: أكثر الرواة يقولونه بكسر أوله، وهو غلط لأن البراز بالكسر هو المبارزة في الحرب. قلت: بل هو موجه لأنه يطلق بالكسر على نفس الخارج، قال الجوهري: البراز المبارزة في الحرب، والبراز أيضا كناية عن تفل الغذاء وهو الغائط، والبراز بالفتح الفضاء الواسع انتهى. فعلى هذا من فتح أراد الفضاء، فإن أطلقه على الخارج فهو من إطلاق اسم المحل على الحال كما تقدم مثله في الغائط، ومن كسر أراد نفس الخارج. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْجُبْ نِسَاءَكَ فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً فَنَادَاهَا عُمَرُ أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدْ أُذِنَ أَنْ تَخْرُجْنَ فِي حَاجَتِكُنَّ قَالَ هِشَامٌ يَعْنِي الْبَرَازَ الشرح: قوله: (حدثنا يحيى بن بكير) تقدم هذا الإسناد برمته في بدء الوحي، وفيه تابعيان عروة وابن شهاب، وقرينان الليث وعقيل. قوله: (المناصع) بالنون وكسر الصاد المهملة بعدها عين مهملة جمع منصع بوزن مقعد وهي أماكن معروفة من ناحية البقيع، قال الداودي: سميت بذلك لأن الإنسان ينصع فيها أي يخلص. والظاهر أن التفسير مقول عائشة. والأفيح بالحاء المهملة المتسع. قوله: (احجب) أي امنعهن من الخروج من بيوتهن، بدليل أن عمر بعد نزول آية الحجاب قال لسودة ما قال كما سيأتي قريبا. ويحتمل أن يكون أراد أولا الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد أحب أيضا أن يحجب أشخاصهن مبالغة في التستر فلم يجب لأجل الضرورة، وهذا أظهر الاحتمالين. وقد كان عمر يعد نزول آية الحجاب من موافقاته كما سيأتي في تفسير سورة الأحزاب، وعلى هذا فقد كان لهن في التستر عند قضاء الحاجة حالات: أولها بالظلمة لأنهن كن يخرجن بالليل دون النهار كما قالت عائشة في هذا الحديث " كن يخرجن بالليل " وسيأتي في حديث عائشة في قصة الإفك " فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل " انتهى. ثم نزل الحجاب فتسترن بالثياب، لكن كانت أشخاصهن ربما تتميز، ولهذا قال عمر لسودة في المرة الثانية بعد نزول الحجاب: أما والله ما تخفين علينا. ثم اتخذت الكنف في البيوت فتسترن بها كما في حديث عائشة في قصة الإفك أيضا فإن فيها " وذلك قبل أن تتخذ الكنف"، وكان قصة الإفك قبل نزول آية الحجاب كما سيأتي شرحه في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: (فأنزل الله الحجاب) وللمستملي " آية الحجاب " زاد أبو عوانة في صحيحه من طريق الزبيدي عن ابن شهاب " فأنزل الله الحجاب (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) الآية"، وسيأتي في تفسير الأحزاب أن سبب نزولها قصة زينب بنت جحش لما أولم عليها وتأخر النفر الثلاثة في البيت واستحيا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالخروج فنزلت آية الحجاب، وسيأتي أيضا حديث عمر " قلت: يا رسول الله إن نساءك يدخلن عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب"، وروى ابن جرير في تفسيره من طريق مجاهد قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم - ومعه بعض أصحابه وعائشة تأكل معهم إذ أصابت يد رجل منهم يدها، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت آية الحجاب. وطريق الجمع بينها أن أسباب نزول الحجاب تعددت، وكانت قصة زينب آخرها للنص على قصتها في الآية، والمراد بآية الحجاب في بعضها قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن) . وقوله: (حدثنا زكريا) هو ابن يحيى. وسيأتي حديثه هذا في التفسير مطولا، ومحصله أن سودة خرجت بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها - وكانت عظيمة الجسم - فرآها عمر بن الخطاب فقال. يا سودة، أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين. فرجعت فشكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتعشى، فأوحي إليه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن. قال ابن بطال: فقه هذا الحديث أنه يجوز للنساء التصرف فيما لهن الحاجة إليه من مصالحهن، وفيه مراجعة الأدنى للأعلى فيما يتبين له أنه الصواب وحيث لا يقصد التعنت، وفيه منقبة لعمر، وفيه جواز كلام الرجال مع النساء في الطرق للضرورة، وجواز الإغلاظ في القول لمن يقصد الخير، وفيه جواز وعظ الرجل أمه في الدين لأن سودة من أمهات المؤمنين، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر الوحي في الأمور الشرعية، لأنه لم يأمرهن بالحجاب مع وضوح الحاجة إليه حتى نزلت الآية، وكذا في إذنه لهن بالخروج. والله أعلم. *3*باب التَّبَرُّزِ فِي الْبُيُوتِ الشرح: قوله: (باب التبرز في البيوت) عقب المصنف بهذه الترجمة ليشير إلى أن خروج النساء للبراز لم يستمر، بل اتخذت بعد ذلك الأخلية في البيوت فاستغنين عن الخروج إلا للضرورة. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ الشرح: قوله: (عبيد الله) أي ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو تابعي صغير من فقهاء أهل المدينة وإثباتهم، والإسناد كله مدنيون. الحديث: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الشرح: قوله: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) و الدورقي، ويزيد هو ابن هارون كما لأبي ذر والأصيلي، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري الذي روى مالك عنه هذا الحديث كما تقدم. ولم يقع في رواية يحيى " مستدبر القبلة " أي الكعبة كما في رواية عبيد الله بن عمر لأن ذلك من لازم من استقبل الشام بالمدينة، وإنما ذكرت في رواية عبيد الله للتأكيد والتصريح به، والتعبير تارة بالشام وتارة ببيت المقدس بالمعنى لأنهما في جهة واحدة. *3*باب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ الشرح: قوله: (باب الاستنجاء بالماء) أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه، وعلى من نفى وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذا لا يزال في يدي نتن. وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء. وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعله. ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء. وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ وَاسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلَامٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَعْنِي يَسْتَنْجِي بِهِ الشرح: قوله: (هشام بن عبد الملك) هو الطيالسي، والإسناد كله بصريون. قوله: (أجيء أنا وغلام) زاد في الرواية الآتية عقبها " منا " أي من الأنصار، وصرح به الإسماعيلي في روايته، ولمسلم " نحوي " أي مقارب لي في السن، والغلام هو المترعرع قاله أبو عبيد. وقال في المحكم: من لدن الفطام إلى سبع سنين، وحكى الزمخشري في أساس البلاغة أن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء، فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز. قوله: (إداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد. قوله: (من ماء) أي مملوءة من ماء. قوله: (يعني يستنجي به) قائل " يعني " هو هشام. وقد رواه المصنف بعد هذا عن سليمان بن حرب فلم يذكرها، لكنه رواه عقبة من طريق محمد بن جعفر عن شعبة فقال: " يستنجي بالماء " والإسماعيلي من طريق ابن مرزوق عن شعبة " فأنطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي صلى الله عليه وسلم"، وللمصنف من طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة " إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به"، ولمسلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس " فخرج علينا وقد استنجى بالماء " وقد بان بهذه الروايات أن حكاية الاستنجاء من قول أنس راوي الحديث، ففيه الرد على الأصيلي حيث تعقب على البخاري استدلاله بهذا الحديث على الاستنجاء بالماء قال: لأن قوله " يستنجي به " ليس هو من قول أنس إنما هو من قول أبي الوليد أي أحد الرواة عن شعبة، وقد رواه سليمان بن حرب عن شعبة فلم يذكرها، قال: فيحتمل أن يكون الماء لوضوئه انتهى. وقد انتفى هذا الاحتمال بالروايات التي ذكرناها، وكذا فيه الرد على من زعم أن قوله " يستنجي بالماء " مدرج من قول عطاء الراوي عن أنس فيكون مرسلا فلا حجة فيه كما حكاه ابن التين عن أبي عبد الملك البوني، فإن رواية خالد التي ذكرناها تدل على أنه قول أنس حيث قال: فخرج علينا. ووقع هنا في نكت البدر الزركشي تصحيف، فإنه نسب التعقب المذكور إلى الإسماعيلي وإنما هو للأصيلي، وأقره فكأنه ارتضاه وليس بمرضي كما أوضحناه. وكذا نسبه الكرماني إلى ابن بطال وأقره عليه، وابن بطال إنما أخذه عن الأصيلي. |
02-06-2013, 10:53 AM | #89 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب مَنْ حُمِلَ مَعَهُ الْمَاءُ لِطُهُورِهِ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالطَّهُورِ وَالْوِسَادِ الشرح: قوله: (باب من حمل معه الماء لطهوره) هو بالضم أي ليتطهر به. قوله: (وقال أبو الدرداء أليس فيكم) هذا الخطاب لعلقمة بن قيس، والمراد بصاحب النعلين وما ذكر معهما عبد الله بن مسعود لأنه كان يتولى خدمة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وصاحب النعلين في الحقيقة هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل لابن مسعود صاحب النعلين مجازا لكونه كان يحملهما، وسيأتي الحديث المذكور موصولا عند المصنف في المناقب إن شاء الله تعالى. وإيراد المصنف لحديث أنس مع هذا الطرف من حديث أبي الدرداء يشعر إشعارا قويا بأن الغلام المذكور من حديث أنس هو ابن مسعود، وقد قدمنا أن لفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لابن مسعود بمكة وهو يرعى الغنم " إنك لغلام معلم " وعلى هذا فقول أنس " وغلام منا " أي من الصحابة أو من خدم النبي صلى الله عليه وسلم. وأما رواية الإسماعيلي التي فيها " من الأنصار " فلعلها من تصرف الراوي حيث رأى في الرواية " منا " فحملها على القبلية فرواها بالمعنى فقال من الأنصار، أو إطلاق الأنصار على جميع الصحابة سائغ وإن كان العرف خصه بالأوس والخزرج، وروى أبو داود من حديث أبي هريرة قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة فاستنجى " فيحتمل أن يفسر به الغلام المذكور في حديث أنس، ويؤيده ما رواه المصنف في ذكر الجن من حديث أبي هريرة أنه كان يحمل مع النبي صلى الله عليه وسلم الإداوة لوضوئه وحاجته، وأيضا فإن في رواية أخرى لمسلم أن أنسا وصفه بالصغر في ذلك الحديث، فيبعد لذلك أن يكون هو ابن مسعود والله أعلم، ويكون المراد بقوله أصغرنا أي في الحال لقرب عهده بالإسلام. وعند مسلم في حديث جابر الطويل الذي في آخر الكتاب أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق لحاجته فاتبعه جابر بإداوة، فيحتمل أن يفسر به المبهم، لا سيما وهو أنصاري. ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة " فأتبعه وأنا غلام " بتقديم الواو فتكون حالية، لكن تعقبه الإسماعيلي بأن الصحيح " أنا وغلام " أي بواو العطف. *3*باب حَمْلِ الْعَنَزَةِ مَعَ الْمَاءِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ الشرح: قوله: (باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء) العنزة بفتح النون عصا أقصر من الرمح لها سنان، وقيل هي الحربة القصيرة. ووقع في رواية كريمة في آخر حديث هذا الباب: العنزة عصا عليها زج بزاي مضمومة ثم جيم مشددة أي سنان، وفي الطبقات لابن سعد أن النجاشي كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يؤيد كونها كانت على صفة الحربة لأنها من آلات الحبشة كما سيأتي في العيدين إن شاء الله تعالى". الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ الْعَنَزَةُ عَصًا عَلَيْهِ زُجٌّ الشرح: قوله: (سمع أنس بن مالك) أي " أنه سمع " ولفظة " أنه " تحذف في الخط عرفا. قوله: (يدخل الخلاء) المراد به هنا الفضاء لقوله في الرواية الأخرى " كان إذا خرج لحاجته " ولقرينة حمل العنزة مع الماء فإن الصلاة إليها إنما تكون حيث لا سترة غيرها. وأيضا فإن الأخلية التي في البيوت كان خدمته فيها متعلقة بأهله. وفهم بعضهم من تبويب البخاري أنها كانت تحمل ليستتر بها عند قضاء الحاجة، وفيه نظر لأن ضابط السترة في هذا ما يستر الأسافل والعنزة ليست كذلك. نعم يحتمل أن يركزها أمامه ويضع عليها الثوب الساتر، أو يركزها بجنبه لتكون إشارة إلى منع من يروم المرور بقربه، أو تحمل لنبش الأرض الصلبة. أو لمنع ما يعرض من هوام الأرض، لكونه صلى الله عليه وسلم كان يبعد عند قضاء الحاجة، أو تحمل لأنه كان إذا استنجى توضأ، وإذا توضأ صلى، وهذا أظهر الأوجه، وسيأتي التبويب على العنزة في سترة المصلي في الصلاة. واستدل البخاري بهذا الحديث على غسل البول كما سيأتي. وفيه جواز استخدام الأحرار - خصوصا إذا أرصدوا لذلك - ليحصل لهم التمرن على التواضع. وفيه أن في خدمة العالم شرفا للمتعلم، لكون أبي الدرداء مدح ابن مسعود بذلك. وفيه حجة على ابن حبيب حيث منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم لأن ماء المدينة كان عذبا. واستدل به بعضهم على استحباب التوضؤ من الأواني دون الأنهار والبرك، ولا يستقيم إلا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم وجد الأنهار والبرك فعدل عنها إلى الأواني. قوله: (تابعه النضر) أي ابن شميل، تابع محمد بن جعفر، وحديثه موصول عند النسائي. قوله: (وشاذان) أي الأسود بن عامر وحديثه عند المصنف في الصلاة ولفظه " ومعنا عكازة أو عصا أو عنزة " والظاهر أن " أو " شك من الراوي لتوافق الروايات على ذكر العنزة والله أعلم. وجميع الرواة المذكورين في هذه الأبواب الثلاثة بصريون. *3*باب النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ الشرح: قوله: (باب النهي عن الاستنجاء باليمين) أي باليد اليمنى، وعبر بالنهي إشارة إلى أنه لم يظهر له هل هو للتحريم أو للتنزيه أو أن القرينة الصارفة للنهي عن التحريم لم تظهر له، وهي أن ذلك أدب من الآداب. وبكونه للتنزيه قاله الجمهور، وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم، وفي كلام جماعة من الشافعية ما يشعر به، لكن قال النووي. مراد من قال منهم لا يجوز الاستنجاء باليمين أي لا يكون مباحا يستوي طرفاه، بل هو مكروه راجح الترك، ومع القول بالتحريم فمن فعله أساء وأجزأه. وقال أهل الظاهر وبعض الحنابلة: لا يجزئ، ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها كالماء وغيره، أما بغير آية فحرام غير مجزئ بلا خلاف، واليسرى في ذلك كاليمنى والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ الشرح: قوله: (حدثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة، وهو بصري من قدماء شيوخ البخاري. قوله: (هو الدستوائي) أي ابن أبي عبد الله لا ابن حسان، وهما بصريان ثقتان مشهوران من طبقة واحدة. قوله: (عن أبيه) أي أبي قتادة الحارث وقيل عمرو وقيل النعمان الأنصاري، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول مشاهده أحد ومات سنة أربع وخمسين على الصحيح فيهما. قوله: (فلا يتنفس) بالجزم و " لا " ناهية في الثلاثة، وروي بالضم فيها على أن لا نافية. قوله: (في الإناء) أي داخله، وأما إذا أبانه وتنفس فهي السنة كما سيأتي في حديث أنس في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى. وهذا النهي للتأدب لإرادة المبالغة في النظافة، إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره عن شربه. قوله: (وإذا أتى الخلاء) أي فبال كما فسرته الرواية التي بعدها. قوله: (ولا يتمسح بيمينه) أي لا يستنج. وقد أثار الخطابي هنا بحثا وبالغ في التبجح به وحكى عن أبي علي بن أبي هريرة أنه ناظر رجلا من الفقهاء الخراسانيين فسأله عن هذه المسألة فأعياه جوابها، ثم أجاب الخطابي عنه بجواب فيه نظر، ومحصل الإيراد أن المستجمر متى استجمر بيساره استلزم مس ذكره بيمينه، ومتى أمسكه بيساره استلزم استجماره بيمينه وكلاهما قد شمله النهي، ومحصل الجواب أنه يقصد الأشياء الضخمة التي لا تزول بالحركة كالجدار ونحوه من الأشياء البارزة فيستجمر بها بيساره، فإن لم يجد فليلصق مقعدته بالأرض ويمسك ما يستجمر به بين عقبيه أو إبهامي رجليه ويستجمر بيساره فلا يكون متصرفا في شيء من ذلك بيمينه انتهى. وهذه هيئة منكرة بل يتعذر فعلها في غالب الأوقات، وقد تعقبه الطيبي بأن النهي عن الاستجمار باليمين مختص بالدبر، والنهي عن المس مختص بالذكر فبطل الإيراد من أصله، كذا قال. وما ادعاه من تخصيص الاستنجاء بالدبر مردود، والمس وإن كان مختصا بالذكر لكن يلحق به الدبر قياسا، والتنصيص على الذكر لا مفهوم له بل فرج المرأة كذلك، وإنما خص الذكر بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خص. والصواب في الصورة التي أوردها الخطابي ما قاله إمام الحرمين ومن بعده كالغزالي في الوسيط والبغوي في التهذيب أنه يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه وهي قارة غير متحركة فلا يعد مستجمرا باليمين ولا ماسا بها، ومن ادعى أنه في هذه الحالة يكون مستجمرا بيمينه فقد غلط، وإنما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء. *3*باب لَا يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ الشرح: قوله: (باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال) أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا. وقال بعض العلماء: يكون ممنوعا أيضا من باب الأولى لأنه نهي عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة. وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة بأن مظنة الحاجة لا تختص بحالة الاستنجاء، وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشيء يعطي حكمه، فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسما للمادة. ثم استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره: " إنما هو بضعة منك " فدل على الجواز في كل حال، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة. انتهى. والحديث الذي أشار إليه صحيح أو حسن، وقد يقال حمل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين العلماء، ومن قال به يشترط فيه شروطا، لكن نبه ابن دقيق العيد على أن محل الاختلاف إنما هو حيث تتغاير مخارج الحديث بحيث يعد حديثين مختلفين، فأما إذا اتحد المخرج وكان الاختلاف فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف، لأن التقييد حينئذ يكون زيادة من عدل فتقبل. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي، وقد صرح ابن خزيمة في روايته بسماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة، وصرح ابن المنذر في الأوسط بالتحديث في جميع الإسناد، أورده من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي فحصل الأمن من محذور التدليس. قوله: (فلا يأخذن) كذا لأبي ذر بنون التأكيد ولغيره بدونها، وهو مطابق لقوله في الترجمة " لا يمسك " وكذا في مسلم التعبير بالمسك من رواية همام عن يحيى، ووقع في رواية الإسماعيلي " لا يمس " فاعترض على ترجمة البخاري بأن المس أعم من المسك، يعني فكيف يستبدل بالأعم على الأخص؟ ولا إيراد على البخاري من هذه الحيثية لما بيناه. واستنبط منه بعضهم منع الاستنجاء باليد التي فيها الخاتم المنقوش فيه اسم الله تعالى لكون النهي عن ذلك لتشريف اليمين فيكون ذلك من باب الأولى، وما وقع في العتبية عن مالك من عدم الكراهة قد أنكره حذاق أصحابه، وقيل: الحكمة في النهي لكون اليمين معدة للأكل بها فلو تعاطى ذلك بها لأمكن أن يتذكره عند الأكل فيتأذى بذلك. والله أعلم. قوله: (ولا يتنفس في الإناء) جملة خبرية مستقلة إن كانت لا نافية، وإن كانت ناهية فمعطوفة، لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيدا بقيد أن يكون المعطوف مقيدا به، لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول وإنما هو حكم مستقل. ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكرها هنا أن الغالب من أخلاق المؤمنين التأسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ. وثبت أنه شرب فضل وضوئه، فالمؤمن بصدد أن يفعل ذلك، فعلمه أدب الشرب مطلقا لاستحضاره، والتنفس في الإناء مختص بحالة الشرب كما دل عليه سياق الرواية التي قبله. وللحاكم من حديث أبي هريرة " لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه " والله أعلم. *3*باب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ الشرح: قوله: (باب الاستنجاء: بالحجارة) أراد بهذه الترجمة الرد على من زعم أن الاستنجاء مختص بالماء. والدلالة على ذلك من قوله " أستنفض " فإن معناه استنجي كما سيأتي. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا أَوْ نَحْوَهُ وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ فَلَمَّا قَضَى أَتْبَعَهُ بِهِنَّ الشرح: قوله: (حدثنا أحمد بن محمد المكي) هو أبو الوليد الأزرقي جد أبي الوليد محمد بن عبد الله صاحب تاريخ مكة، وفي طبقته أحمد بن محمد المكي أيضا لكن كنيته أبو محمد واسم جده عون ويعرف بالقواس. وقد وهم من زعم أن البخاري روى عنه، وإنما روى عن أبي الوليد، ووهم أيضا من جعلهما واحدا. قوله: (عن جده) عني سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي، وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق الذي ولي إمرة المدينة وكان يجهز البعوث إلى مكة كما تقدم في حديث أبي شريح الخزاعي، وكان عمرو هذا قد تغلب على دمشق في زمن عبد الملك بن مروان، فقتله عبد الملك وسير أولاده إلى المدينة، وسكن ولده مكة لما ظهرت دولة بني العباس فاستمروا بها، ففي الإسناد مكيان ومدنيان. قوله: (اتبعت) تشديد التاء المثناة، أي سرت وراءه، والواو في قوله " وخرج " حالية وفي قوله " وكان " استئنافية. وفي رواية أبي ذر فكان بالفاء. قوله: (فدنوت منه) زاد الإسماعيلي " أستأنس وأتنحنح، فقال: من هذا؟ فقلت: أبو هريرة". قوله: (ابغني) بالوصل من الثلاثي أي أطلب لي، يقال بغيتك الشيء أي طلبته لك. وفي رواية بالقطع أي أعني على الطلب، يقال أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه، والوصل أليق بالسياق، ويؤيده رواية الإسماعيلي ائتني. قوله: (أستنفض) بفاء مكسورة وضاد معجمة مجزوم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع على الاستئناف، قال القزاز: قوله أستنفض أستفعل من النفض وهو أن تهز الشيء ليطير غباره، قال: وهذا موضع استنظف، أي بتقديم الظاء المشالة على الفاء، ولكن كذا روي. انتهى. والذي وقع في الرواية صواب ففي القاموس استنفضه استخرجه، وبالحجر استنجى، وهو مأخوذ من كلام المطرزي قال: الاستنفاض الاستخراج، ويكنى به عن الاستنجاء، ومن رواه بالقاف والصاد المهملة فقد صحف. انتهى. ووقع في رواية الإسماعيلي " استنجى " بدل أستنفض وكأنها المراد بقوله في روايتنا أو نحوه، ويكون التردد من بعض رواته. قوله: (ولا تأتني) كأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يفهم أبو هريرة من قوله استنجي أن كل ما يزيل الأثر وينقي كاف ولا اختصاص لذلك بالأحجار، فنبهه باقتصاره في النهي على العظم والروث على أن ما سواهما يجزئ، ولو كان ذلك مختصا بالأحجار - كما يقوله بعض الحنابلة والظاهرية - لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنى، وإنما خص الأحجار بالذكر لكثرة وجودها، وزاد المصنف في المبعث في هذا الحديث أن أبا هريرة قال له صلى الله عليه وسلم لما فرغ " ما بال العظم والروث؟ قال: هما من طعام الجن " والظاهر من هذا التعليل اختصاص المنع بهما. نعم يلتحق بهما جميع المطعومات التي للآدميين قياسا من باب الأولى، وكذا المحترمات كأوراق كتب العلم. ومن قال علة النهي عن الروث كونه نجسا ألحق به كل نجس متنجس، وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة ألحق به ما في معناه كالزجاج الأملس. ويؤيده ما رواه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو بعظم وقال " إنهما لا يطهران " وفي هذا رد على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئ وإن كان منهيا عنه، وسيأتي في كتاب المبعث بيان قصة وفد الجن وأي وقت كانت إن شاء الله تعالى. قوله: (وأعرضت) كذا في أكثر الروايات، وللكشميهني " واعترضت " بزيادة مثناة بعد العين والمعنى متقارب. قوله: (فلما قضى) أي حاجته (أتبعه) بهمزة قطع أي ألحقه، وكني بذلك عن الاستنجاء. وفي الحديث جواز اتباع السادات وإن لم يأمروا بذلك، واستخدام الإمام بعض رعيته، والإعراض عن قاضي الحاجة، والإعانة على إحضار ما يستنجى به وإعداده عنده لئلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ فلا يأمن التلوث. والله تعالى أعلم. |
02-06-2013, 10:56 AM | #90 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب لَا يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ
الشرح: قوله: (باب) بالتنوين (لا يستنجى) بضم أوله. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ هَذَا رِكْسٌ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الشرح: قوله: (زهير) هو ابن معاوية الجعفي الكوفي. والإسناد كله كوفيون، وأبو إسحاق هو السبيعي وهو تابعي وكذا شيخه عبد الرحمن وأبوه الأسود. قوله: (ليس أبو عبيدة) أي ابن عبد الله بن مسعود. وقوله: (ذكره) أي لي. (ولكن عبد الرحمن بن الأسود) أي هو الذي ذكره لي بدليل قوله في الرواية الآتية المعلقة حدثني عبد الرحمن، وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن - مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له - لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح فتكون منقطعة بخلاف رواية عبد الرحمن فإنها موصولة، ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق، فمراد أبي إسحاق هنا بقوله " ليس أبو عبيدة ذكره " أي لست أرويه الآن عن أبي عبيدة وإنما أرويه عن عبد الرحمن. قوله: (عن أبيه) هو الأسود بن يزيد النخعي صاحب ابن مسعود. وقال ابن التين: هو الأسود ابن عبد يغوث الزهري، وهو غلط فاحش فإن الأسود الزهري لم يسلم فضلا عن أن يعيش حتى يروى عن عبد الله بن مسعود. قوله: (أتى الغائط) أي الأرض المطمئنة لقضاء الحاجة. قوله: (فلم أجد) وللكشميهني فلم أجده أي الحجر الثالث. قوله: (بثلاثة أحجار) فيه العمل بما دل عليه النهي في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار " رواه مسلم، وأخذ بهذا الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مراعاة الإنقاء إذا لم يحصل بها فيزاد حتى ينقى، ويستحب حينئذ الإيتار لقوله " ومن استجمر فليوتر"، وليس بواجب لزيادة في أبي داود حسنة الإسناد قال " ومن لا فلا حرج"، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب. قال الخطابي: لو كان القصد الإنقاء فقط لخلا اشتراط العدد عن الفائدة، فلما اشترط العدد لفظا وعلم الإنقاء فيه معنى دل على إيجاب الأمرين. ونطيره العدة بالأقراء فإن العدد مشترط ولو تحققت براءة الرحم بقرء واحد. قوله: (فأخذت روثة) زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثه حمار، ونقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير. قوله: (وألقى الروثة) استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثة قال: لأنه لو كان مشترطا لطلب ثالثا، كذا قال، وغفل رحمه الله عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود في هذا الحديث فإن فيه " فألقى الروثة وقال: إنها ركس، ائتني بحجر " ورجاله ثقات أثبات. وقد تابع عليه معمر أبو شعبة الواسطي وهو ضعيف أخرجه الدارقطني، وتابعهما عمار بن رزيق أحد الثقات عن أبي إسحاق، وقد قيل إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه الكرابيسي، وعلى تقدير أن يكون أرسله عنه فالمرسل حجة عند المخالفين وعندنا أيضا إذا اعتضد، واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة فلم يجدد الأمر بطلب الثالث، أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحات وذلك حاصل ولو بواحد، والدليل على صحته أنه لو مسح بطرف واحد ورماه ثم جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر لأجزأهما بلا خلاف وقال أبو الحسن بن القصار المالكي: روى أنه أتاه بثالث، لكن لا يصح، ولو صح فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم لأنه اقتصر في الموضعين على ثلاثة فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة. انتهى. وفيه نظر أيضا لأن الزيادة ثابتة كما قدمناه، وكأنه إنما وقف على الطريق التي عند الدارقطني فقط. ثم يحتمل أن يكون لم يخرج منه شيء إلا من سبيل واحد. وعلى تقدير أن يكون خرج منهما فيحتمل أن يكون اكتفى للقبل بالمسح في الأرض وللدبر بالثلاثة، أو مسح من كل منهما بطرفين. وأما استدلالهم على عدم الاشتراط للعدد بالقياس على مسح الرأس ففاسد الاعتبار، لأنه في مقابلة النص الصريح كما قدمناه من حديث أبي هريرة وسلمان والله أعلم. قوله: (هذا ركس) كذا وقع هنا بكسر الراء وإسكان الكاف فقيل: هي لغة في رجس بالجيم، ويدل عليه رواية ابن ماجه وابن خزيمة في هذا الحديث فإنها عندهما بالجيم، وقيل الركس الرجيع رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة. قاله الخطابي وغيره. والأولى أن يقال رد من حالة الطعام إلى حالة الروث. وقال ابن بطال لم أر هذا الحرف في اللغة، يعني الركس بالكاف. وتعقبه أبو عبد الملك بأن معناه الرد كما قال تعالى: (أركسوا فيها) أي ردوا، فكأنه قال: هذا رد عليك. انتهى. ولو ثبت ما قال لكان بفتح الراء يقال ركسه ركسا إذا رده. وفي رواية الترمذي: هذا ركس يعني نجسا، وهذا يؤيد الأول. وأغرب النسائي فقال عقب هذا الحديث: الركس طعام الجن، وهذا إن ثبت في اللغة فهو مريح من الإشكال. قوله: (وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يعني يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق وهو جده قال: حدثني عبد الرحمن يعني ابن الأسود بن يزيد بالإسناد المذكور أولا، وأراد البخاري بهذا التعليق الرد على من زعم أن أبا إسحاق دلس هذا الخبر كما حكى ذلك عن سليمان الشاذكوني حيث قال: لم يسمع في التدليس بأخفى من هذا. قال "ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن " ولم يقل ذكره لي. انتهى. وقد استدل الإسماعيلي أيضا على صحة سماع أبي إسحاق لهذا الحديث من عبد الرحمن بكون يحيى القطان رواه عن زهير فقال بعد أن أخرجه من طريقه: والقطان لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق، وكأنه عرف ذلك بالاستقراء من صنيع القطان أو بالتصريح من قوله فانزاحت عن هذه الطريق علة التدليس. وقد أعله قوم بالاضطراب وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي إسحاق في كتاب العلل واستوفيته في مقدمة الشرح الكبير، لكن رواية زهير هذه ترجحت عند البخاري بمتابعة يوسف حفيد أبي إسحاق وتابعهما شريك القاضي وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما، وتابع أبا إسحاق على روايته عن عبد الرحمن المذكور ليث بن أبي سليم وحديثه يستشهد به أخرجه ابن أبي شيبة. ومما يرجحها أيضا استحضار أبي إسحاق لطريق أبي عبيدة وعدوله عنها بخلاف رواية إسرائيل عنه عن أبي عبيدة فإنه لم يتعرض فيها لرواية عبد الرحمن كما أخرجه الترمذي وغيره، فلما اختار في رواية زهير طريق عبد الرحمن على طريق أبو عبيدة دل على أنه عارف بالطريقين وأن رواية عبد الرحمن عنده أرجح والله أعلم. *3*باب الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً الشرح: قوله: (باب الوضوء مرة مرة) أي لكل عضو، والحديث المذكور في الباب مجمل، وقد تقدم بيانه في باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً الشرح: سفيان هو الثوري، والراوي عنه الفريابي لا البيكندي، وصرح أبو داود والإسماعيلي في روايتهما بسماع سفيان له من زيد بن أسلم. *3*باب الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ الشرح: قوله: (حدثنا أحمد بن محمد المكي) هو أبو الوليد الأزرقي جد أبي الوليد محمد بن عبد الله صاحب تاريخ مكة، وفي طبقته أحمد بن محمد المكي أيضا لكن كنيته أبو محمد واسم جده عون ويعرف بالقواس. وقد وهم من زعم أن البخاري روى عنه، وإنما روى عن أبي الوليد، ووهم أيضا من جعلهما واحدا. قوله: (عن جده) عني سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي، وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق الذي ولي إمرة المدينة وكان يجهز البعوث إلى مكة كما تقدم في حديث أبي شريح الخزاعي، وكان عمرو هذا قد تغلب على دمشق في زمن عبد الملك بن مروان، فقتله عبد الملك وسير أولاده إلى المدينة، وسكن ولده مكة لما ظهرت دولة بني العباس فاستمروا بها، ففي الإسناد مكيان ومدنيان. قوله: (اتبعت) تشديد التاء المثناة، أي سرت وراءه، والواو في قوله " وخرج " حالية وفي قوله " وكان " استئنافية. وفي رواية أبي ذر فكان بالفاء. قوله: (فدنوت منه) زاد الإسماعيلي " أستأنس وأتنحنح، فقال: من هذا؟ فقلت: أبو هريرة". قوله: (ابغني) بالوصل من الثلاثي أي أطلب لي، يقال بغيتك الشيء أي طلبته لك. وفي رواية بالقطع أي أعني على الطلب، يقال أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه، والوصل أليق بالسياق، ويؤيده رواية الإسماعيلي ائتني. قوله: (أستنفض) بفاء مكسورة وضاد معجمة مجزوم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع على الاستئناف، قال القزاز: قوله أستنفض أستفعل من النفض وهو أن تهز الشيء ليطير غباره، قال: وهذا موضع استنظف، أي بتقديم الظاء المشالة على الفاء، ولكن كذا روي. انتهى. والذي وقع في الرواية صواب ففي القاموس استنفضه استخرجه، وبالحجر استنجى، وهو مأخوذ من كلام المطرزي قال: الاستنفاض الاستخراج، ويكنى به عن الاستنجاء، ومن رواه بالقاف والصاد المهملة فقد صحف. انتهى. ووقع في رواية الإسماعيلي " استنجى " بدل أستنفض وكأنها المراد بقوله في روايتنا أو نحوه، ويكون التردد من بعض رواته. قوله: (ولا تأتني) كأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن يفهم أبو هريرة من قوله استنجي أن كل ما يزيل الأثر وينقي كاف ولا اختصاص لذلك بالأحجار، فنبهه باقتصاره في النهي على العظم والروث على أن ما سواهما يجزئ، ولو كان ذلك مختصا بالأحجار - كما يقوله بعض الحنابلة والظاهرية - لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنى، وإنما خص الأحجار بالذكر لكثرة وجودها، وزاد المصنف في المبعث في هذا الحديث أن أبا هريرة قال له صلى الله عليه وسلم لما فرغ " ما بال العظم والروث؟ قال: هما من طعام الجن " والظاهر من هذا التعليل اختصاص المنع بهما. نعم يلتحق بهما جميع المطعومات التي للآدميين قياسا من باب الأولى، وكذا المحترمات كأوراق كتب العلم. ومن قال علة النهي عن الروث كونه نجسا ألحق به كل نجس متنجس، وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة ألحق به ما في معناه كالزجاج الأملس. ويؤيده ما رواه الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو بعظم وقال " إنهما لا يطهران " وفي هذا رد على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئ وإن كان منهيا عنه، وسيأتي في كتاب المبعث بيان قصة وفد الجن وأي وقت كانت إن شاء الله تعالى. قوله: (وأعرضت) كذا في أكثر الروايات، وللكشميهني " واعترضت " بزيادة مثناة بعد العين والمعنى متقارب. قوله: (فلما قضى) أي حاجته (أتبعه) بهمزة قطع أي ألحقه، وكني بذلك عن الاستنجاء. وفي الحديث جواز اتباع السادات وإن لم يأمروا بذلك، واستخدام الإمام بعض رعيته، والإعراض عن قاضي الحاجة، والإعانة على إحضار ما يستنجى به وإعداده عنده لئلا يحتاج إلى طلبها بعد الفراغ فلا يأمن التلوث. والله تعالى أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ الشرح: قوله: (حدثنا الحسين بن عيسى) هو البسطامي بفتح الموحدة، ويونس هو المؤدب، وفليح ومن فوقه مدنيون، وعبد الله بن زيد هو ابن عاصم المازني، وحديثه هذا مختصر من حديث مشهور في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بعد من حديث مالك وغيره، لكن ليس فيه الغسل مرتين إلا في اليدين إلى المرفقين. نعم روى النسائي من طريق سفيان بن عيينة في حديث عبد الله بن زيد التثنية في اليدين والرجلين ومسح الرأس وتثليث غسل الوجه، لكن في الرواية المذكورة نظر سنشير إليه بعد إن شاء الله تعالى. وعلى هذا فحق حديث عبد الله بن زيد أن يبوب له غسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثا. وقد روى أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين، وهو شاهد قوي لرواية فليح هذه، فيحتمل أن يكون حديثه هذا المجمل غير حديث مالك المبين لاختلاف مخرجهما. والله أعلم. |
02-06-2013, 11:10 AM | #91 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا
الشرح: قوله: (عطاء بن يزيد) و الليثي المدني. والإسناد كله مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين: حمران وهو بضم المهملة ابن أبان، وعطاء، وابن شهاب. وفي الإسناد الذي يليه أربعة من التابعين: حمران وعروة ومما قرينان، وابن شهاب وصالح بن كيسان وهما قرينان أيضا. قوله: (دعا بإناء) وفي رواية شعيب الآتية قريبا " دعا بوضوء"، وكذا لمسلم من طريق يونس، وهو بفتح الواو اسم للماء المعد للوضوء وبالضم الذي هو الفعل، وفيه الاستعانة على إحضار ما يتوضأ به. قوله: (فأفرغ) أي صب. قوله: (على كفيه ثلاث مرارا) كذا لأبي ذر وأبي الوقت، وللأصيلي وكريمة مرات بمثناة آخره، وفيه غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطا. قوله: (ثم أدخل يمينه) يه الاغتراف باليمين. واستدل به بعضهم على عدم اشتراط نية الاغتراف، ولا دلالة فيه نفيا ولا إثباتا. قوله: (فمضمض واستنثر) وللكشميهني " واستنشق " بدل واستنثر، والأول أعم، وثبتت الثلاثة في رواية شعيب الآتية في باب المضمضة، ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد. نعم ذكره ابن المنذر من طريق يونس عن الزهري وكذا ذكره أبو داود من وجهين آخرين عن عثمان واتفقت الروايات على تقديم المضمضة. قوله: (ثم غسل وجهه) فيه تأخيره عن المضمضة والاستنشاق، وقد ذكروا أن حكمة ذلك اعتبار أوصاف الماء، لأن اللون يدرك بالبصر والطعم يدرك بالفم والريح يدرك بالأنف فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل الوجه وهو مفروض، احتياطا للعبادة. وسيأتي ذكر حكمة الاستنثار في الباب الذي يليه. قوله: (ويديه إلى المرفقين) أي كل واحدة كما بينه المصنف في رواية معمر عن الزهري في الصوم، وكذا لمسلم من طريق يونس وفيها تقديم اليمنى على اليسرى والتعبير في كل منهما بثم وكذا القول في الرجلين أيضا قوله: (ثم مسح برأسه) هو بحذف الباء في الروايتين المذكورتين، وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح، وبه قال أكثر العلماء. وقال الشافعي: يستحب التثليث في المسح كما في الغسل، واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول، قال أبو داود في السنن: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة؛ وكذا قال ابن المنذر إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء. والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء. وبالغ أبو عبيدة فقال: لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي، وفيما قال نظر، فقد نقله ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما، وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة. قوله: (نحو وضوئي هذا) قال النووي: إنما لم يقل " مثل " لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره. قلت: لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف في الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن عن حمران عن عثمان ولفظه " من توضأ مثل هذا الوضوء " وله في الصيام من رواية معمر " من توضأ وضوئي هذا"، ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران " توضأ مثل وضوئي هذا " وعلى هذا فالتعبير بنحو من تصرف الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازا، لأن " مثل " وإن كانت تقتضي المساواة ظاهرا لكنها تطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود. والله تعالى علم. قوله: (ثم صلى ركعتين) فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء، ويأتي فيهما ما يأتي في تحية المسجد. قوله: (لا يحدث فيهما نفسه) المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه يقتضي تكسبا منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه. ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلا ورأسا، ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ لم يسر فيهما. ورده النووي فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة. نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلا أعلى درجة بلا ريب. ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقا، ووقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث " لا يحدث نفسه بشيء من الدنيا". وهي في الزهد لابن المبارك أيضا والمصنف لابن أبي شيبة، ومنها ما يتعلق بالآخرة فإن كان أجنبيا أشبه أحوال الدنيا، وإن كان من متعلقات تلك الصلاة فلا، وسيأتي بقية مباحث ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. قوله: (من ذنبه) ظاهره يعم الكبائر والصغائر لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، وهو في حق من له كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزداد في حسناته بنظير ذلك. وفي الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم، والترتيب في أعضاء الوضوء للإتيان في جميعها بثم، والترغيب في الإخلاص، وتحذير من لها في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا من عدم القبول، ولا سيما أن كان في العزم على عمل معصية فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجها. ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تغتروا " أي فتستكثروا من الأعمال السيئة بناء على أن الصلاة تكفرها، فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله، وأني للعبد بالاطلاع على ذلك. قوله: (وعن إبراهيم) أي ابن سعد، وهو معطوف على قوله " حدثني إبراهيم بن سعد " وزعم مغلطاي وغيره أنه معلق، وليس كذلك، فقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بالإسنادين معا، وإذا كانا جميعا عند يعقوب فلا مانع أن يكونا عند الأويسي. ثم وجدت الحديث الثاني عند أبي عوانة في صحيحه - من حديث الأويسي المذكور - فصح ما قلته بحمد الله تعالى، وقد أوضحت ذلك في تعليق التعليق. قوله: (ولكن عروة يحدث) يعني أن شيخي ابن شهاب اختلفا في روايتهما له عن حمران عن عثمان، فحدثه به عطاء على صفة وعروة على صفة، وليس ذلك اختلافا وإنما هما حديثان متغايران، وقد رواهما معاذ بن عبد الرحمن فأخرج البخاري من طريقه نحو سياق عطاء، ومسلم من طريقه نحو سياق عروة، وأخرجه أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه. قوله: (لولا آية) زاد مسلم " في كتاب الله " ولأجل هذه الزيادة صحف بعض رواته آية فجعلها " أنه " بالنون المشددة وبهاء الشان. قوله: (ويصلي الصلاة) أي المكتوبة. وفي رواية لمسلم " فيصلي هذه الصلوات الخمس". قوله: (وبين الصلاة) أي التي تليها كما صرح به مسلم في رواية هشام بن عروة. قوله: (حتى يصليها) أي يشرع في الصلاة الثانية. قوله: (قال عروة: الآية إن الذين يكتمون ما أنزلنا) يعني الآية التي في البقرة إلى قوله اللاعنون كما صرح به مسلم، ومراد عثمان رضي الله عنه أن هذه الآية تحرض على التبليغ، وهي وإن نزلت في أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ، وقد تقدم نحو ذلك لأبي هريرة في كتاب العلم، وإنما كان عثمان يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة خشية عليهم من الاغترار والله أعلم. وقد روى مالك هذا الحديث في الموطأ عن هشام بن عروة، ولم يقع في روايته تعيين الآية فقال من قبل نفسه: أراه يريد (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) . انتهى. وما ذكره عروة راوي الحديث بالجزم أولى. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا قَالَ عُرْوَةُ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ الشرح: قوله: (عطاء بن يزيد) و الليثي المدني. والإسناد كله مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين: حمران وهو بضم المهملة ابن أبان، وعطاء، وابن شهاب. وفي الإسناد الذي يليه أربعة من التابعين: حمران وعروة ومما قرينان، وابن شهاب وصالح بن كيسان وهما قرينان أيضا. قوله: (دعا بإناء) وفي رواية شعيب الآتية قريبا " دعا بوضوء"، وكذا لمسلم من طريق يونس، وهو بفتح الواو اسم للماء المعد للوضوء وبالضم الذي هو الفعل، وفيه الاستعانة على إحضار ما يتوضأ به. قوله: (فأفرغ) أي صب. قوله: (على كفيه ثلاث مرار) كذا لأبي ذر وأبي الوقت، وللأصيلي وكريمة مرات بمثناة آخره، وفيه غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ولو لم يكن عقب نوم احتياطا. قوله: (ثم أدخل يمينه) يه الاغتراف باليمين. واستدل به بعضهم على عدم اشتراط نية الاغتراف، ولا دلالة فيه نفيا ولا إثباتا. قوله: (فمضمض واستنثر) وللكشميهني " واستنشق " بدل واستنثر، والأول أعم، وثبتت الثلاثة في رواية شعيب الآتية في باب المضمضة، ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بعدد. نعم ذكره ابن المنذر من طريق يونس عن الزهري وكذا ذكره أبو داود من وجهين آخرين عن عثمان واتفقت الروايات على تقديم المضمضة. قوله: (ثم غسل وجهه) فيه تأخيره عن المضمضة والاستنشاق، وقد ذكروا أن حكمة ذلك اعتبار أوصاف الماء، لأن اللون يدرك بالبصر والطعم يدرك بالفم والريح يدرك بالأنف فقدمت المضمضة والاستنشاق وهما مسنونان قبل الوجه وهو مفروض، احتياطا للعبادة. وسيأتي ذكر حكمة الاستنثار في الباب الذي يليه. قوله: (ويديه إلى المرفقين) أي كل واحدة كما بينه المصنف في رواية معمر عن الزهري في الصوم، وكذا لمسلم من طريق يونس وفيها تقديم اليمنى على اليسرى والتعبير في كل منهما بثم وكذا القول في الرجلين أيضا قوله: (ثم مسح برأسه) هو بحذف الباء في الروايتين المذكورتين، وليس في شيء من طرقه في الصحيحين ذكر عدد المسح، وبه قال أكثر العلماء. وقال الشافعي: يستحب التثليث في المسح كما في الغسل، واستدل له بظاهر رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، وأجيب بأنه مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيحمل على الغالب أو يختص بالمغسول، قال أبو داود في السنن: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة؛ وكذا قال ابن المنذر إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح مرة واحدة، وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل، إذ حقيقة الغسل جريان الماء. والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء. وبالغ أبو عبيدة فقال: لا نعلم أحدا من السلف استحب تثليث مسح الرأس إلا إبراهيم التيمي، وفيما قال نظر، فقد نقله ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس وعطاء وغيرهما، وقد روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة. قوله: (نحو وضوئي هذا) قال النووي: إنما لم يقل " مثل " لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره. قلت: لكن ثبت التعبير بها في رواية المصنف في الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن عن حمران عن عثمان ولفظه " من توضأ مثل هذا الوضوء " وله في الصيام من رواية معمر " من توضأ وضوئي هذا"، ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران " توضأ مثل وضوئي هذا " وعلى هذا فالتعبير بنحو من تصرف الرواة لأنها تطلق على المثلية مجازا، لأن " مثل " وإن كانت تقتضي المساواة ظاهرا لكنها تطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود. والله تعالى علم. قوله: (ثم صلى ركعتين) فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء، ويأتي فيهما ما يأتي في تحية المسجد. قوله: (لا يحدث فيهما نفسه) المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه لأن قوله يحدث يقتضي تكسبا منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفو عنه. ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلا ورأسا، ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ لم يسر فيهما. ورده النووي فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة. نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلا أعلى درجة بلا ريب. ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقا، ووقع في رواية للحكيم الترمذي في هذا الحديث " لا يحدث نفسه بشيء من الدنيا". وهي في الزهد لابن المبارك أيضا والمصنف لابن أبي شيبة، ومنها ما يتعلق بالآخرة فإن كان أجنبيا أشبه أحوال الدنيا، وإن كان من متعلقات تلك الصلاة فلا، وسيأتي بقية مباحث ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. قوله: (من ذنبه) ظاهره يعم الكبائر والصغائر لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيدا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، وهو في حق من له كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزداد في حسناته بنظير ذلك. وفي الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم، والترتيب في أعضاء الوضوء للإتيان في جميعها بثم، والترغيب في الإخلاص، وتحذير من لها في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا من عدم القبول، ولا سيما أن كان في العزم على عمل معصية فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجها. ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تغتروا " أي فتستكثروا من الأعمال السيئة بناء على أن الصلاة تكفرها، فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله، وأني للعبد بالاطلاع على ذلك. قوله: (وعن إبراهيم) أي ابن سعد، وهو معطوف على قوله " حدثني إبراهيم بن سعد " وزعم مغلطاي وغيره أنه معلق، وليس كذلك، فقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بالإسنادين معا، وإذا كانا جميعا عند يعقوب فلا مانع أن يكونا عند الأويسي. ثم وجدت الحديث الثاني عند أبي عوانة في صحيحه - من حديث الأويسي المذكور - فصح ما قلته بحمد الله تعالى، وقد أوضحت ذلك في تعليق التعليق. قوله: (ولكن عروة يحدث) يعني أن شيخي ابن شهاب اختلفا في روايتهما له عن حمران عن عثمان، فحدثه به عطاء على صفة وعروة على صفة، وليس ذلك اختلافا وإنما هما حديثان متغايران، وقد رواهما معاذ بن عبد الرحمن فأخرج البخاري من طريقه نحو سياق عطاء، ومسلم من طريقه نحو سياق عروة، وأخرجه أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه. قوله: (لولا آية) زاد مسلم " في كتاب الله " ولأجل هذه الزيادة صحف بعض رواته آية فجعلها " أنه " بالنون المشددة وبهاء الشان. قوله: (ويصلي الصلاة) أي المكتوبة. وفي رواية لمسلم " فيصلي هذه الصلوات الخمس". قوله: (وبين الصلاة) أي التي تليها كما صرح به مسلم في رواية هشام بن عروة. قوله: (حتى يصليها) أي يشرع في الصلاة الثانية. قوله: (قال عروة: الآية إن الذين يكتمون ما أنزلنا) يعني الآية التي في البقرة إلى قوله اللاعنون كما صرح به مسلم، ومراد عثمان رضي الله عنه أن هذه الآية تحرض على التبليغ، وهي وإن نزلت في أهل الكتاب لكن العبرة بعموم اللفظ، وقد تقدم نحو ذلك لأبي هريرة في كتاب العلم، وإنما كان عثمان يرى ترك تبليغهم ذلك لولا الآية المذكورة خشية عليهم من الاغترار والله أعلم. وقد روى مالك هذا الحديث في الموطأ عن هشام بن عروة، ولم يقع في روايته تعيين الآية فقال من قبل نفسه: أراه يريد (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) . انتهى. وما ذكره عروة راوي الحديث بالجزم أولى. والله أعلم. |
02-13-2013, 05:54 PM | #92 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الِاسْتِنْثَارِ فِي الْوُضُوءِ
ذَكَرَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب الاستنثار) هو استفعال من النثر بالنون والمثلثة وهو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ - أي يجذبه بريح أنفه - لتنظيف ما في داخله فيخرج بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا. وحكى عن مالك كراهية فعله بغير اليد لكونه يشبه فعل الدابة، والمشهور عدم الكراهة. وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون اليسرى، بوب عليه النسائي وأخرجه مقيدا بها من حديث علي. قوله: (ذكره) أي روى الاستنثار (عثمان) وقد تقدم حديثه، (وعبد الله بن زيد) وسيأتي حديثه. قوله: (وابن عباس) تقدم حديثه في صفة الوضوء في باب غسل الوجه من غرفة وليس فيه ذكر الاستنثار، وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديثه مرفوعا " استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا"، ولأبي داود الطيالسي " إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا " وإسناده حسن. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ الشرح: قوله: (أبو إدريس) هو الخولاني. قوله: (أنه سمع أبا هريرة) زاد مسلم من طريق ابن المبارك وغيره عن يونس أبا سعيد مع أبي هريرة. قوله: (فليستنثر) ظاهر الأمر أنه للوجوب، فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر أن يقول به في الاستنثار، وظاهر كلام صاحب المغني يقتضي أنهم يقولون بذلك، وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا بالاستنثار، وصرح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار، وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه. واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنه الترمذي وصححه الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي " توضأ كما أمرك الله " فأحاله على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق. وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء، فقد أمر الله سبحانه باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله أمره، ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة، وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضا، وقد ثبت الأمر بها أيضا في سنن أبي داود بإسناد صحيح، وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا لكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد، وهذا دليل قوي، فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الإعادة، ذكره كله ابن المنذر، ولم يذكر في هذه الرواية عددا. وقد ورد في رواية سفيان عن أبي الزناد ولفظه " وإذا استنثر فليستنثر وترا " أخرجه الحميدي في مسنده عنه، وأصله لمسلم. وفي رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة عند المصنف في بدء الخلق " إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه"، وعلى هذا فالمراد بالاستنثار في الوضوء التنظيف لما فيه من المعونة على القراءة، لأن بتنقية مجرى النفس تصح مخارج الحروف، ويزاد للمستيقظ بأن ذلك لطرد الشيطان. وسنذكر باقي مباحثه في مكانه إن شاء الله تعالى. قوله: (ومن استجمر) أي استعمل الجمار - وهي الحجارة الصغار - في الاستنجاء. وحمله بعضهم على استعمال البخور فإنه يقال فيه تجمر واستجمر، حكاه ابن حبيب عن ابن عمر ولا يصح عنه، وابن عبد البر عن مالك، وروى ابن خزيمة في صحيحه عنه خلافه. وقال عبد الرزاق عن معمر أيضا بموافقة الجمهور، وقد تقدم القول على معنى قوله " فليوتر " في الكلام على حديث ابن مسعود. واستدل بعض من نفى وجوب الاستنجاء بهذا الحديث للإتيان فيه بحرف الشرط، ولا دلالة فيه، وإنما مقتضاه التخيير بين الاستنجاء بالماء أو بالأحجار، والله أعلم. *3*باب الِاسْتِجْمَارِ وِتْرًا الشرح: قوله: (باب الاستجمار وترا) استشكل إدخال هذه الترجمة في أثناء أبواب الوضوء، والجواب أنه لا اختصاص لها بالاستشكال، فإن أبواب الاستطابة لم تتميز في هذا الكتاب عن أبواب صفة الوضوء لتلازمهما ويحتمل أن يكون ذلك ممن دون المصنف على ما أشرنا إليه في المقدمة والله أعلم. وقد ذكرت توجيه ذلك في أول كتاب الوضوء. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ الشرح: قوله: (إذا توضأ) أي إذا شرع في الوضوء. قوله: (فليجعل في أنفه ماء) كذا لأبي ذر، وسقط قوله " ماء " لغيره. وكذا اختلف رواة الموطأ في إسقاطه وذكره، وثبت ذكره لمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد. قوله: (ثم لينتثر) كذا لأبي ذر والأصيلي بوزن ليفتعل، ولغيرهما ثم لينثر بمثلثة مضمومة بعد النون الساكنة، والروايتان لأصحاب الموطأ أيضا، قال الفراء: يقال نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة وهي طرف الأنف في الطهارة. قوله (وإذا استيقظ) هكذا عطفه المصنف، واقتضى سياقه أنه حديث واحد، وليس هو كذلك في الموطأ. وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من موطأ يحيى رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقا، وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره، وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك، وكذا أخرج مسلم الحديث الأول من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد. وعلى هذا فكأن البخاري كان يرى جواز جمع الحديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد، كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين. قوله: (من نومه) أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم، وخصه أحمد بنوم الليل لقوله في آخر الحديث " باتت يده " لأن حقيقة المبيت أن يكون في الليل. وفي رواية لأبي داود ساق مسلم إسنادها " إذا قام أحدكم من الليل " وكذا للترمذي من وجه آخر صحيح، ولأبي عوانة في رواية ساق مسلم إسنادها أيضا " إذا قام أحدكم إلى الوضوء حين يصبح " لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة. قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشد منها لمن نام نهارا، لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة. ثم الأمر عند الجمهور على الندب، وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار، وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار، واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء. وقال إسحاق وداود والطبري ينجس، واستدل لهم بما ورد من الأمر بإراقته، لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدي، والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب عند الجمهور التعليل بأمر يقتضي الشك، لأن الشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم استصحابا لأصل الطهارة. واستدل أبو عوانة على عدم الوجوب بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشن المعلق بعد قيامه من النوم كما سيأتي في حديث ابن عباس، وتعقب بأن قوله " أحدكم " يقتضي اختصاصه بغيره صلى الله عليه وسلم، وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء حال اليقظة، فاستحبابه بعد النوم أولى، ويكون تركه لبيان الجواز. وأيضا فقد قال في هذا الحديث في روايات لمسلم وأبي داود وغيرهما " فليغسلهما ثلاثا " وفي رواية " ثلاث مرات"، والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينية يدل على الندبية، ووقع في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد " فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها " والنهي فيه للتنزيه كما ذكرنا أن فعل استحب وإن ترك كره ولا تزول الكراهة بدون الثلاث نص عليه الشافعي، والمراد باليد هنا الكف دون ما زاد عليها اتفاقا، وهذا كله في حق من قام من النوم لما دل عليه مفهوم الشرط وهو حجة عند الأكثر، أما المستيقظ فيستحب له الفعل لحديث عثمان وعبد الله بن زيد، ولا يكره الترك لعدم ورود النهي فيه، وقد روى سعيد بن منصور بسند صحيح عن أبي هريرة أنه كان يفعله ولا يرى بتركه بأسا، وسيأتي عن ابن عمر والبراء نحو ذلك. قوله: (قبل أن يدخلها) ، ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق " فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها " وهي أبين في المراد من رواية الإدخال، لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن يلامس يده الماء. قوله: (في وضوئه) بفتح الواو أي الإناء الذي أعد للوضوء. وفي رواية الكشميهني " في الإناء " وهي رواية مسلم من طرق أخرى، ولابن خزيمة " في إنائه أو وضوئه " على الشك، والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء، ويلحق به إناء الغسل لأنه وضوء وزيادة، وكذا باقي الآنية قياسا، لكن في الاستحباب من غير كراهة لعدم ورود النهي فيها عن ذلك والله أعلم. وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهي والله أعلم. قوله: (فإن أحدكم) قال البيضاوي: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة، لأن الشارع إذا ذكر حكما وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها، ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيا بعد نهيهم عن تطييبه، فنبه على علة النهي وهي كونه محرما. قوله: (لا يدري) فيه أن علة النهي احتمال هل لاقت يده ما يؤثر في الماء أو لا، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا، ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة، وإن كان غسلها مستحبا على المختار كما في المستيقظ، ومن قال بأن الأمر في ذلك للتعبد - كمالك - لا يفرق بين شاك ومتيقن. واستدل بهذا الحديث على التفرقة بين ورود الماء على النجاسة وبين ورود النجاسة على الماء، وهو ظاهر. وعلى أن النجاسة تؤثر في الماء، وهو صحيح، لكن كونها تؤثر التنجيس وإن لم يتغير فيه نظر، لأن مطلق التأثير لا يدل على خصوص التأثير بالتنجيس، فيحتمل أن تكون الكراهة بالمتيقن أشد من الكراهة بالمظنون قاله ابن دقيق العيد، ومراده أنه ليست فيه دلالة قطعية على من يقول إن الماء لا ينجس إلا بالتغير. قوله: (أين باتت يده) أي من جسده، قال الشافعي رحمه الله: كانوا يستجمرون وبلادهم حارة فربما عرق أحدهم إذا نام فيحتمل أن تطوف يده على المحل أو على بثرة أو دم حيوان أو قذر غير ذلك. وتعقبه أبو الوليد الباجي بأن ذلك يستلزم الأمر بغسل ثوب النائم لجواز ذلك عليه، وأجيب بأنه محمول على ما إذا كان العرق في اليد دون المحل، أو أن المستيقظ لا يريد غمس ثوبه في الماء حتى يؤمر بغسله، بخلاف اليد فإنه محتاج إلى غمسها، وهذا أقوى الجوابين. والدليل على أنه لا اختصاص لذلك بمحل الاستجمار ما رواه ابن خزيمة وغيره من طريق محمد بن الوليد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن خالد الحذاء عن عبد الله ابن شقيق عن أبي هريرة في هذا الحديث قال في آخره " أين باتت يده منه " وأصله في مسلم دون قوله " منه " قال الدارقطني: تفرد بها شعبة. وقال البيهقي: تفرد بها محمد بن الوليد. قلت: إن أراد عن محمد بن جعفر فمسلم، وإن أراد مطلقا فلا، فقد قال الدارقطني: تابعه عبد الصمد عن شعبة، وأخرجه ابن مندة من طريقه. وفي الحديث الأخذ بالوثيقة، والعمل بالاحتياط في العبادة، والكناية عما يستحيا منه إذا حصل الإفهام بها، واستحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه أمرنا بالتثليث عند توهمها فعند تيقنها أولى. واستنبط منه قوم فوائد أخرى فيها بعد، منها أن موضع الاستنجاء مخصوص بالرخصة في جواز الصلاة مع بقاء أثر النجاسة عليه قاله الخطابي، ومنها إيجاب الوضوء من النوم، قاله ابن عبد البر، ومنها تقوية من يقول بالوضوء من مس الذكر حكاه أبو عوانة في صحيحه عن ابن عيينة، ومنها أن القليل من الماء لا يصير مستعملا بإدخال اليد فيه لمن أراد الوضوء، قاله الخطابي صاحب الخصال من الشافعية. |
02-13-2013, 05:55 PM | #93 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ
الشرح: قوله: (باب غسل الرجلين) كذا للأكثر، وزاد أبو ذر " ولا يمسح على القدمين". الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا الشرح: قوله: (حدثني موسى) ابن إسماعيل هو التبوذكي. قوله: (عنا في سفرة) زاد في رواية كريمة " سافرناها " وظاهره أن عبد الله بن عمر كان في تلك السفرة ووقع في رواية لمسلم أنها كانت من مكة إلى المدينة، ولم يقع ذلك لعبد الله محققا إلا في حجة الوداع، أما غزوة الفتح فقد كان فيها لكن ما رجع النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى المدينة من مكة بل من الجعرانة، ويحتمل أن تكون عمرة القضية فإن هجرة عبد الله بن عمر كانت في ذلك الوقت أو قريبا منه. قوله: (أرهقنا) بفتح الهاء والقاف و " العصر " مرفوع بالفاعلية كذا لأبي ذر. وفي رواية كريمة بإسكان القاف والعصر منصوب بالمفعولية، ويقوى الأول رواية الأصيلي " أرهقتنا " بفتح القاف بعدها مثناة ساكنة، ومعنى الإرهاق الإدراك والغشيان، قال ابن بطال: كأن الصحابة أخروا الصلاة في أول الوقت طمعا أن يلحقهم النبي صلى الله عليه وسلم فيصلوا معه، فلما ضاق الوقت بادروا إلى الوضوء ولعجلتهم لم يسبغوه، فأدركهم على ذلك فأنكر عليهم. قلت: ما ذكره من تأخيرهم قاله احتمالا، ويحتمل أيضا أن يكونوا أخروا لكونهم على طهر أو لرجاء الوصول إلى الماء، ويدل عليه رواية مسلم " حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر " أي قرب دخول وقتها فتوضؤوا وهم عجال. قوله: (ونمسح على أرجلنا) انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل، فلهذا قال في الترجمة ولا يمسح على القدمين، وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها، وفي إفراد مسلم " فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء " فتمسك بهذا من يقول بإجزاء المسح، وبحمل الإنكار على ترك التعميم، لكن الرواية المتفق عليها أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل، فيحتمل أن يكون معنى قوله " لم يمسها الماء " أي ماء الغسل جمعا بين الروايتين. وأصرح من ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبه فقال ذلك: وأيضا فمن قال بالمسح لم يوجب مسح العقب، والحديث حجة عليه. وقال الطحاوي: لما أمرهم بتعميم غسل الرجلين حتى لا يبقى منهما لمعة دل على أن فرضها الغسل. وتعقبه ابن المنير بأن التعميم لا يستلزم الغسل، فالرأس تعم بالمسح وليس فرضها الغسل. قوله: (أرجلنا) قابل الجمع بالجمع فالأرجل موزعة على الرجال فلا يلزم أن يكون لكل رجل أرجل. قوله: (ويل) جاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء واختلف في معناه على أقوال: أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا " ويل واد في جهنم " قال ابن خزيمة: لو كان الماسح مؤديا للفرض لما توعد بالنار، وأشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة أن الواجب المسح أخذا بظاهر قراءة (وأرجلكم) بالخفض، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو المبين لأمر الله، وقد قال في حديث عمرو بن عبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء " ثم يغسل قدميه كما أمره الله " ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين، رواه سعيد بن منصور. وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ. والله أعلم. قوله: (للإعقاب) أي المرئية إذ ذاك فاللام للعهد ويلتحق بها ما يشاركها في ذلك؛ والعقب مؤخر القدم. قال البغوي: معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها. وقيل أراد أن العقب مختص بالعقاب إذا قصر في غسله. وفي الحديث تعليم الجاهل ورفع الصوت بالإنكار وتكرار المسألة لتفهم كما تقدم في كتاب العلم *3*باب الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب المضمضة في الوضوء) أصل المضمضة في اللغة التحريك، ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا تحركتا بالنعاس، ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه، وأما معناه في الوضوء الشرعي فأكمله أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه، والمشهور عن الشافعية أنه لا يشترط تحريكه ولا مجه وهو عجيب، ولعل المراد أنه لا يتعين المج بل لو ابتلعه أو تركه حتى يسيل أجزأ. قوله: (قاله ابن عباس) قد تقدم حديثه في أوائل الطهارة. قوله: (وعبد الله بن زيد) سيأتي حديثه قريبا. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ الشرح: قوله: (ثم غسل كل رجل) كذا للأصيلي والكشميهني، ولابن عساكر كلتا رجليه وهي التي اعتمدها صاحب العمدة، وللمستملي والحموي كل رجله وهي تفيد تعميم كل رجل بالغسل، وفي نسخة رجليه بالتثنية وهي بمعنى الأولى. قوله: (لا يحدث) تقدمت مباحثه قريبا. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد بذلك الإخلاص، أو ترك العجب بأن لا يرى لنفسه مزية خشية أن يتغير فيتكبر فيهلك. قوله: (غفر الله له) كذا للمستملي، ولغيره " غفر له " على البناء للمفعول، وقد تقدمت مباحثه، إلا أن في هذا السياق من الزيادة رفع صفة الوضوء إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد مسلم في رواية ليونس " قال الزهري: كان علماؤنا يقولون هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة"، وقد تمسك بهذا من لا يرى تثليث مسح الرأس كما سيأتي في باب مسح الرأس مرة إن شاء الله تعالى. |
02-13-2013, 05:57 PM | #94 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب غَسْلِ الْأَعْقَابِ
وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ إِذَا تَوَضَّأَ الشرح: قوله: (باب غسل الأعقاب. وكان ابن سيرين) هذا التعليق وصله المصنف في التاريخ عن موسى ابن إسماعيل عن مهدي بن ميمون عنه، وروى ابن أبي شيبة عن هشيم عن خالد عنه أنه كان إذا توضأ حرك خاتمه، والإسنادان صحيحان، فيحمل على أنه كان واسعا بحيث يصل الماء إلى ما تحته بالتحريك، وفي ابن ماجه عن أبي رافع مرفوعا نحوه بإسناد ضعيف. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْمِطْهَرَةِ قَالَ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ الشرح: قوله: (محمد بن زياد) هو الجمحي المدني لا الإلهاني الحمصي. قوله: (وكان) الواو حالية من مفعول سمعت، والناس يتوضؤون حال من فاعل يمر. قوله: (المطهرة) بكسر الميم هي الإناء المعد للتطهر منه. قوله: (أسبغوا) فتح الهمزة أي أكملوا، وكأنه رأى منهم تقصيرا وخشي عليهم. قوله: (فإن أبا القاسم) فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنيته وهو حسن، وذكره بوصف الرسالة أحسن، وفيه أن العالم يستدل على ما يفتى به ليكون أوقع في نفس سامعه، وقد تقدم شرح الأعقاب، وإنما خصت بالذكر لصورة السبب كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو، فيلتحق بها ما في معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل في إسباغها. وفي الحاكم وغيره من حديث عبد الله بن الحارث " ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار " ولهذا ذكر في الترجمة أثر ابن سيرين في غسله موضع الخاتم لأنه قد لا يصل إليه الماء إذا كان ضيقا. والله أعلم. *3*باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ الشرح: قوله: (باب غسل الرجلين في النعلين) ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك وإنما هو مأخوذ من قوله: " يتوضأ فيها " لأن الأصل في الوضوء هو الغسل، ولأن قوله " فيها " يدل على الغسل، ولو أريد المسح لقال عليها. قوله: (ولا يمسح على النعلين) أي لا يكتفى بالمسح عليهما كما في الخفين، وأشار بذلك إلى ما روى عن علي وغيره من الصحابة أنهما مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا، وروي في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المغيرة بن شعبة لكن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة، واستدل الطحاوي على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما، قال: فكذلك النعلان لأنهما لا يفيدان القدمين. انتهى. وهو استدلال صحيح، لكنه منازع في نقل الإجماع المذكور، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة، ولكن نشير إلى ملخص منها: فقد تمسك من اكتفى بالمسح بقوله تعالى (وأرجلكم) عطفا على (وامسحوا برءوسكم) فذهب إلى ظاهرها جماعة من الصحابة والتابعين، فحكى عن ابن عباس في رواية ضعيفة والثابت عنه خلافه، وعن عكرمة والشعبي وقتادة، وهو قول الشيعة. وعن الحسن البصري الواجب الغسل أو المسح، وعن بعض أهل الظاهر يجب الجمع بينهما، وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة المذكورة وغيرها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بيان للمراد، وأجابوا عن الآية بأجوبة منها أنه قرئ (وأرجلكم) بالنصب عطفا على (أيديكم) ، وقيل معطوف على محل برءوسكم كقوله: (يا جبال أوبي معه والطير) بالنصب. وقيل المسح في الآية محمول لمشروعية المسح على الخفين فحملوا قراءة الجر على مسح الخفين وقراءة النصب على غسل الرجلين، وقرر ذلك أبو بكر بن العربي تقريرا حسنا فقال ما ملخصه: بين القراءتين تعارض ظاهر، والحكم فيما ظاهره التعارض أنه إن أمكن العمل بهما وجب، وإلا عمل بالقدر الممكن، ولا يتأتى الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة لأنه يؤدي إلى تكرار المسح لأن الغسل يتضمن المسح، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار فبقي أن يعمل بهما في حالين توفيقا بين القراءتين وعملا بالقدر الممكن. وقيل إنما عطفت على الرءوس الممسوحة لأنها مظنة لكثرة صب الماء عليها فلمنع الإسراف عطفت، وليس المراد أنها تمسح حقيقة. ويدل على هذا المراد قوله: (إلى الكعبين) لأن المسح رخصة فلا يقيد بالغاية، ولأن المسح يطلق على الغسل الخفيف، يقال مسح أطرافه لمن توضأ، ذكره أبو زيد اللغوي وابن قتيبة وغيرهما. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قَالَ وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النَّعْلَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ الشرح: قوله: (عبيد بن جريج) هو مدني مولى بني تميم، وليس بينه وبين ابن جريج الفقيه المكي مولى بني أمية نسب، وقد تقدم في المقدمة أن الفقيه هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك، وهذا الإسناد كله مدنيون، وفيه رواية الأقران لأن عبيدا وسعيدا تابعيان من طبقة واحدة. قوله: (أربعا) أي أربع خصال. قوله: (لم أر أحدا من أصحابك) أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم، والظاهر من السياق انفراد ابن عمر بما ذكر دون غيره ممن رآهم عبيد. وقال المازري: يحتمل أن يكون مراده لا يصنعهن غيرك مجتمعة وإن كان يصنع بعضها. قوله: (الأركان) أي أركان الكعبة الأربعة، وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها، وقد صح ذلك عن معاوية وابن الزبير، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في الحج إن شاء الله تعالى. قوله: (السبتية) بكسر المهملة هي التي لا شعر فيها، مشتقة من السبت وهو الحلق قاله في التهذيب، وقيل السبت جلد البقر المدبوغ بالقرظ، وقيل بالسبت بضم أوله وهو نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى. وقال الهروي قيل لها سبتية لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت به، يقال رطبة منسبتة أي لينة. قوله: (تصبغ) بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها، وهل المراد صبغ الثوب أو الشعر؟ يأتي الكلام على ذلك حيث ذكره المصنف في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. قوله: (أهل الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية من أول ذي الحجة. قوله: (ولم تهل أنت حتى كان) ولمسلم حتى يكون (يوم التروية) أي الثامن من ذي الحجة، ومراده فتهل أنت حينئذ. وتبين من جواب ابن عمر أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدا إلى منى، وسيأتي الكلام على هذه المسألة أيضا في الحج إن شاء الله تعالى. قوله: (قال عبد الله) أي ابن عمر مجيبا لعبيد. وللمصنف في اللباس " فقال له عبد الله بن عمر". قوله: (اليمانيين) تثنية يمان والمراد بهما الركن الأسود والذي يسامته من مقابلة الصفا، وقيل للأسود يمان تغليبا. قوله: (فأني أحب أن أصبغ) وللكشميهني والباقين " فأنا أحب " كالتي قبلها، وسيأتي باقي الكلام على هذا الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. |
02-13-2013, 05:58 PM | #95 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب التَّيَمُّنِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ
الشرح: قوله (باب التيمن) أي الابتداء باليمين. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُنَّ فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا الشرح: قوله: (إسماعيل) هو ابن علية، وخالد هو الحذاء. والإسناد كله بصريون. قوله: (في غسل) أي في صفة غسل ابنته زينب عليها السلام كما سيأتي تحقيقه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ الشرح: أورد المصنف من الحديث طرفا ليبين به المراد بقول عائشة " يعجبه التيمن " إذ هو لفظ مشترك بين الابتداء باليمين وتعاطي الشيء باليمين والتبرك وقصد اليمين، فبان بحديث أم عطية أن المراد بالطهور الأول. قوله: (سمعت أبي) هو سليم بن أسود المحاربي الكوفي أبو الشعثاء مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وهو من كبار التابعين كشيخه مسروق فهما قرينان كما أن أشعث وشعبة قرينان وهما من كبار أتباع التابعين. قوله: (كان يعجبه التيمن) قيل لأنه كان يحب الفأل الحسن إذ أصحاب اليمين أهل الجنة. وزاد المصنف في الصلاة عن سليمان بن حرب عن شعبة " ما استطاع " فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع. قوله: (في تنعله) أي لبس نعله (وترجله) أي ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه، قال في المشارق: رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر ويمد المنقبض، زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة وسواكه. قوله: (في شأنه كله) كذا للأكثر من الرواة بغير واو. وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو وهي التي اعتمدها صاحب العمدة، قال الشيخ تقي الدين: هو عام مخصوص، لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار، انتهى. وتأكيد " الشأن " بقوله " كله " يدل على التعميم، لأن التأكيد يرفع المجاز فيمكن أن يقال حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا، وما يستحب فيه التياسر ليس من الأفعال المقصودة بل هي إما تروك وإما غير مقصودة، وهذا كله على تقدير إثبات الواو، وأما على إسقاطها فقوله " في شأنه كله " متعلق بيعجبه لا بالتيمن أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله الخ، أي لا يترك ذلك سفرا ولا حضرا ولا في فراغه ولا شغله ونحو ذلك. وقال الطيبي قوله " في شأنه " بدل من قوله " في تنعله " بإعادة العامل. قال: وكأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل، والترجل لتعلقه بالرأس، والطهور لكونه مفتاح أبواب العبادة، فكأنه نبه على جميع الأعضاء فيكون كبدل الكل من الكل. قلت: ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله " في شأنه كله " على قوله " في تنعله الخ " وعليها شرح الطيبي، وجميع ما قدمناه مبني على ظاهر السياق الوارد هنا، لكن بين المصنف في الأطعمة من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة أن أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصرا على قوله " في شأنه كله " وتارة على قوله " في تنعله الخ " وزاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة أن عائشة أيضا كانت تجمله تارة وتبينه أخرى، فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذكر من التنعل وغيره، ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأحوص وابن ماجه من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله " في شأنه كله"، وكأن الرواية المقتصرة على " في شأنه كله " من الرواية بالمعنى، ووقع في رواية لمسلم " في طهوره ونعله " بفتح النون وإسكان العين أي هيئة تنعله. وفي رواية ابن ماهان في مسلم " ونعله " بفتح العين. وفي الحديث استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق، ولا يقال هو من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر، بل هو من باب العبادة والتزيين، وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق كما سيأتي قريبا، وفيه البداءة بالرجل اليمنى في التنعل وفي إزالتها باليسرى وفيه البداءة باليد اليمنى في الوضوء وكذا الرجل، وبالشق الأيمن في الغسل. واستدل به على استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد وفي الأكل والشرب باليمين، وقد أورده المصنف في هذه المواضع كلها، قال النووي: قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر. قال: وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من خالفها فاته الفضل وتم وضوءه، انتهى. ومراده بالعلماء أهل السنة، وإلا فذهب الشيعة الوجوب، وغلط المرتضى منهم فنسبه للشافعي، وكأنه ظن أن ذلك لازم من قوله بوجوب الترتيب، لكنه لم يقل بذلك في اليدين ولا في الرجلين لأنهما بمنزلة العضو الواحد، ولأنهما جمعا في لفظ القرآن. لكن يشكل على أصحابه حكمهم على الماء بالاستعمال إذا انتقل من يد إلى يد أخرى، مع قولهم بأن الماء ما دام مترددا على العضو لا يسمى مستعملا، وفي استدلالهم على وجوب الترتيب بأنه لم ينقل أحد في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ منكسا، وكذلك لم ينقل أحد أنه قدم اليسرى على اليمنى. ووقع في البيان للعمراني والتجريد للبندنيجي نسبة القول بالوجوب إلى الفقهاء السبعة، وهو تصحيف من الشيعة. وفي كلام الرافعي ما يوهم أن أحمد قال بوجوبه، ولا يعرف ذلك عنه، بل قال الشيخ الموفق في المغني: لا نعلم في عدم الوجوب خلافا. *3*باب الْتِمَاسِ الْوَضُوءِ إِذَا حَانَتْ الصَّلَاةُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ حَضَرَتْ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ الشرح: قوله: (باب التماس الوضوء) بفتح الواو أي طلب الماء للوضوء (إذا حانت) بالمهملة أي قربت (الصلاة) والمراد وقتها الذي توقع فيه. قوله: (وقالت عائشة) هذا طرف من حديثا في قصة نزول آية التيمم وسيأتي في كتاب التيمم إن شاء الله تعالى، وساقه هنا بلفظ عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها، وهو موصول عنده في تفسير المائدة، قال ابن المنير: أراد الاستدلال على أنه لا يجب طلب الماء للتطهير قبل دخول الوقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم التأخير فدل على الجواز. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ قَالَ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ الشرح: قوله: (فالتمس) بالضم على البناء للمفعول، وللكشميهني " فالتمسوا". قوله: (وحان) وللكشميهني " وحانت " والواو للحال بتقدير قد. قوله: (الوضوء) بفتح الواو، أي الماء الذي يتوضأ به. قوله: (فلم يجدوا) وللكشميهني " فلم يجدوه " بزيادة الضمير. قوله: (فأتى) بالضم على البناء للمفعول، وبين المصنف في رواية قتادة أن ذلك كان بالزوراء وهو سوق بالمدينة. قوله: (بوضوء) بالفتح أي بإناء فيه ماء ليتوضأ به، ووقع في رواية ابن المبارك " فجاء رجل بقدح فيه ماء يسير، فصغر أن يبسط صلى الله عليه وسلم فيه كفه فضم أصابعه"، ونحوه في رواية حميد الآتية في باب الوضوء من المخضب. قوله: (ينبع) بفتح أوله وضم الموحدة ويجوز كسرها وفتحها، وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب علامات النبوة مستوعبا إن شاء الله تعالى. قوله: (حتى توضؤوا من عند آخرهم) قال الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان، أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم، قال: وعند بمعنى في لأن عند وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية، فكأنه قال: الذين هم في آخرهم. وقال التيمي: المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر. وقال النووي: من هنا بمعنى إلى وهي لغة. وتعقبه الكرماني بأنها شاذة، قال: ثم إن إلى لا يجوز أن تدخل على عند، ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير، لكن ما قاله الكرماني من أن " إلى " لا تدخل على " عند"، لا يلزم مثله في " من " إذا وقعت بمعنى إلى، وعلى توجيه النووي يمكن أن يقال: عند زائدة. وفي الحديث دليل على أن المواساة مشروعة عند الضرورة لمن كان في مائة فضل عن وضوئه. وفيه أن اغتراف المتوضئ من الماء القليل لا يصير الماء مستعملا، واستدل به الشافعي على أن الأمر بغسل اليد قبل إدخالها الإناء أمر ندب لا حتم. (تنبيه) : قال ابن بطال: هذا الحديث - يعني حديث نبع الماء - شهده جمع من الصحابة، إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس وذلك لطول عمره ولطلب الناس علو السند. كذا قال. وقد قال القاضي عياض: هذه القصة رواها العدد الكثير من الثقات عن الجم الغفير عن الكافة متصلا عن جملة من الصحابة، بل لم يؤثر عن أحد منهم إنكار ذلك فهو ملتحق بالقطعي من معجزاته. انتهى. فانظر كم بين الكلامين من التفاوت وسنحرر هذا الموضع في كتاب علامات النبوة إن شاء الله تعالى. |
02-13-2013, 05:59 PM | #96 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الْإِنْسَانِ
وَكَانَ عَطَاءٌ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الْخُيُوطُ وَالْحِبَالُ وَسُؤْرِ الْكِلَابِ وَمَمَرِّهَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَقَالَ سُفْيَانُ هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا وَهَذَا مَاءٌ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ الشرح: قوله: (باب الماء) أي حكم الماء " الذي يغسل به شعر الإنسان". أشار المصنف إلى أن حكمه الطهارة لأن المغتسل قد يقع في ماء غسله من شعره، فلو كان نجسا لتنجس الماء بملاقاته، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب ذلك في اغتساله، بل كان يخلل أصول شعره كما سيأتي، وذلك يفضي غالبا إلى تناثر بعضه فدل على طهارته، وهو قول جمهور العلماء، وكذا قاله الشافعي في القديم، ونص عليه في الجديد أيضا وصححه جماعة من أصحابه وهي طريقة الخراسانيين، وصحح جماعة القول بتنجيسه وهي طريقة العراقيين، واستدل المصنف على طهارته بما ذكره من الحديث المرفوع، وتعقب بأن شعر النبي صلى الله عليه وسلم مكرم لا يقاس عليه غيره، ونقضه ابن المنذر والخطابي وغيرهما بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل والأصل عدمه، قالوا: ويلزم القائل بذلك أن لا يحتج على طهارة المني بأن عائشة كانت تفركه من ثوبه صلى الله عليه وسلم لإمكان أن يقال له منيه طاهر فلا يقاس على غيره، والحق أن حكمه حكم جميع المكلفين في الأحكام التكليفية إلا فيما خص بدليل، وقد تكاثرت الأدلة على طهارة فضلاته وعد الأئمة ذلك في خصائصه، فلا يلتفت إلى ما وقع في كتب كثير من الشافعية مما يخالف ذلك فقد استقر الأمر بين أئمتهم على القول بالطهارة وهذا كله في شعر الآدمي، أما شعر الحيوان غير المأكول المذكى ففيه اختلاف مبني على أن الشعر هل تحله الحياة فينجس بالموت أو لا، فالأصح عند الشافعية أنه ينجس بالموت، وذهب جمهور العلماء إلى خلافه، واستدل ابن المنذر على أنه لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت ولا بالانفصال بأنهم أجمعوا على طهارة ما يجز من الشاة وهي حية، وعلى نجاسة ما يقطع من أعضائها وهي حية، فدل ذلك على التفرقة بين الشعر وغيره من أجزائها، وعلى التسوية بين حالتي الموت والانفصال والله أعلم. وقال البغوي في شرح السنة في قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة " إنما حرم أكلها". يستدل به لمن ذهب إلى أن ما عدا ما يؤكل من أجزاء الميتة لا يحرم الانتفاع به ا ه. وسيأتي الكلام على ريش الميتة وعظمها في باب مفرد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. قوله: (وكان عطاء) هذا التعليق وصله محمد بن إسحاق الفاكهي في أخبار مكة بسند صحيح إلى عطاء وهو ابن أبي رباح أنه كان لا يرى بأسا بالانتفاع بشعور الناس التي تحلق بمني. قوله: (وسؤر الكلاب) و بالجر عطفا على قوله " الماء " والتقدير وباب سؤر الكلاب أي ما حكمه؟ والسؤر البقية. والظاهر من تصرف المصنف أنه يقول بطهارته. وفي بعض النسخ بعد قوله في المسجد " وأكلها " وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل. قوله: (وقال الزهري إذا ولغ الكلب) جمع المصنف في هذا الباب بين مسألتين وهما حكم شعر الآدمي وسؤر الكلب. فذكر الترجمة الأولى وأثرها معها، ثم ثنى بالثانية وأثرها معها، ثم رجع إلى دليل الأولى من الحديث المرفوع، ثم ثنى بأدلة الثانية. وقول الزهري هذا رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه ولفظه " سمعت الزهري في إناء ولغ فيه كلب فلم يجدوا ماء غيره، قال: يتوضأ به"، وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح. قوله: (وقال سفيان) المتبادر إلى الذهن أنه ابن عيينة لكونه معروفا بالرواية عن الزهري دون الثوري، لكن المراد به هنا الثوري، فإن الوليد بن مسلم عقب أثر الزهري هذا بقوله: فذكرت ذلك لسفيان الثوري فقال والله هذا الفقه بعينه. فذكره، وزاد بعد قوله شيء " فأرى أن يتوضأ به ويتيمم"، فسمى الثوري الأخذ بدلالة العموم فقها، وهي التي تضمنها قوله تعالى (فلم تجدوا ماء) لكونها نكرة في سياق النفي فتعم ولا تخص إلا بدليل، وتنجيس الماء بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم. وزاد من رأيه التيمم احتياطا. وتعقبه الإسماعيلي بأن اشتراطه جواز التوضؤ به إذا لم يجد غيره يدل على تنجيسه عنده، لأن الظاهر يجوز التوضؤ به مع وجود غيره. وأجيب بأن المراد أن استعمال غيره مما لم يختلف فيه أولى، فأما إذا لم يجد غيره فلا يعدل عنه - وهو يعتقد طهارته - إلى التيمم، وأما فتيا سفيان بالتيمم بعد الوضوء به فلأنه رأى أنه ماء مشكوك فيه من أجل الاختلاف فاحتاط للعبادة، وقد تعقب بأنه يلزم من استعماله أن يكون جسده طاهرا بلا شك فيصير باستعماله مشكوكا في طهارته، ولهذا قال بعض الأئمة: الأولى أن يريق ذلك الماء ثم يتيمم، والله أعلم. (تنبيه) : وقع في رواية أبي الحسن القابسي عن أبي زيد المروزي في حكاية قول سفيان: يقول الله تعالى فإن لم تجدوا ماء، وكذا حكاه أبو نعيم في المستخرج على البخاري، وفي باقي الروايات (فلم تجدوا) وهو الموافق للتلاوة. وقال القابسي: وقد ثبت ذلك في الأحكام لإسماعيل القاضي - يعني بإسناده إلى سفيان - قال: وما أعرف من قرأ بذلك. قلت: لعل الثوري حكاه بالمعنى وكان يرى جواز ذلك، وكأن هذا هو الذي جر المصنف أن يأتي بمثل هذه العبارة في كتاب التيمم كما سيأتي إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ لِعَبِيدَةَ عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا الشرح: قوله: (عن عاصم) هو ابن سليمان، وابن سيرين هو محمد، وعبيدة هو ابن عمرو السلماني أحد كبار التابعين المخضرمين أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ولم يره. قوله: (من شعر النبي صلى الله عليه وسلم) أي شيء. قوله: (أصبناه) أي حصل لنا من جهة أنس بن مالك. وأراد المصنف بإيراد هذا الأثر تقرير أن الشعر الذي حصل لأبي طلحة كما في الحديث الذي يليه بقي عند آل بيته إلى أن صار لمواليهم منه لأن سيرين والد محمد كان مولى أنس بن مالك وكان أنس ربيب أبي طلحة. ووجه الدلالة منه على الترجمة أن الشعر طاهر وإلا لما حفظوه ولا تمنى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه، وإذا كان طاهرا فالماء الذي يغسل به طاهر. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ الشرح: قوله: (حدثنا عباد) هو ابن عباد المهلبي، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد لأنه قد سمع من شيخ شيخه سعيد بن سليمان، بل سمع من أبي عاصم وغيره من أصحاب ابن عون فيقع بينه وبين ابن عون واحد، وهنا بينه وبينه ثلاثة أنفس. قوله: (لما حلق) أي أمر الحلاق فحلقه، فأضعاف الفعل إليه مجازا، وكان ذلك في حجة الوداع كما سنبينه. قوله: (كان أبو طلحة) يعني الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس، وقد أخرج أبو عوانة في صحيحه هذا الحديث من طريق سعيد بن سليمان المذكور أبين مما ساقه محمد بن عبد الرحيم ولفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحلاق فحلق رأسه، ودفع إلى أبي طلحة الشق الأيمن، ثم حلق الشق الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس". ورواه مسلم من طريق ابن عيينة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين بلفظ " لما رمى الجمرة ونحر نسكه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال: اقسمه بين الناس"، وله من رواية حفص بن غياث عن هشام أنه قسم الأيمن فيمن يليه، وفي لفظ " فوزعه بين الناس الشعرة والشعرتين، وأعطى الأيسر أم سليم"، وفي لفظ " أبا طلحة " ولا تناقض في هذه الروايات، بل طريق الجمع بينها أنه ناول أبا طلحة كلا من الشقين فأما الأيمن فوزعه أبو طلحة بأمره وأما الأيسر فأعطاه لأم سليم زوجته بأمره صلى الله عليه وسلم أيضا، زاد أحمد في رواية له لتجعله في طيبها، وعلى هذا فالضمير في قوله " يقسمه " في رواية أبي عوانة يعود على الشق الأيمن، وكذا قوله في رواية ابن عيينة " فقال اقسمه بين الناس " قال النووي: فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس المحلوق، وهو قول الجمهور خلافا لأبي حنيفة، وفيه طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور وهو الصحيح عندنا، وفيه التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه، وفيه المواساة بين الأصحاب في العطية والهدية. أقول: وفيه أن المواساة لا تستلزم المساواة. وفيه تنفيل من يتولى التفرقة على غيره، قال: واختلفوا في اسم الحالق فالصحيح أنه معمر بن عبد الله كما ذكر البخاري، وقيل هو خراش بن أمية وهو بمعجمتين ا ه. والصحيح أن خراشا كان الحالق بالحديبية. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا الشرح: وقع هنا - في رواية ابن عساكر - قبل إيراد حديث مالك " باب إذا شرب الكلب في الإناء " قول (إذا شرب) كذا هو في الموطأ، والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه " إذا ولغ"، وهو المعروف في اللغة، يقال ولغ يلغ - بالفتح فيهما - إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه. وقال ثعلب: هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه، زاد ابن درستويه: شرب أو لم يشرب. وقال ابن مكي: فإن كان غير مائع يقال لعقه. وقال المطرزي: فإن كان فارغا يقال لحسه. وادعى ابن عبد البر أن لفظ " شرب " لم يروه إلا مالك، وأن غيره رواه بلفظ " ولغ"، وليس كما ادعى فقد رواه ابن خزيمة وابن المنذر من طريقين عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة بلفظ " إذا شرب"، لكن المشهور عن هشام بن حسان بلفظ إذا ولغ، كذا أخرجه مسلم وغيره من طرق عنه، وقد رواه عن أبي الزناد شيخ مالك بلفظ " إذا شرب " ورقاء بن عمر أخرجه الجوزقي، وكذا المغيرة ابن عبد الرحمن أخرجه أبو يعلي، نعم وروى عن مالك بلفظ " إذا ولغ " أخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور له عن إسماعيل بن عمر عنه، ومن طريقه أورده الإسماعيلي، وكذا أخرجه الدارقطني في الموطآت له من طريق أبي علي الحنفي عن مالك، وهو في نسخة صحيحة من سنن ابن ماجه من رواية روح بن عبادة عن مالك أيضا، وكأن أبا الزناد حدث به باللفظين لتقاربهما في المعنى، لكن الشرب كما بينا أخص من الولوغ فلا يقوم مقامه. ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك، لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل للتنجيس يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا، ويكون ذكر الولوغ للغالب، وأما إلحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأن فمه أشرفها فيكون الباقي من باب الأولى، وخصه في القديم الأول. وقال النووي في الروضة: إنه وجه شاذ. وفي شرح المهذب: إنه القوي من حيث الدليل، والأولوية المذكورة قد تمنع لكون فمه محل استعمال النجاسات. قوله: (في إناء أحدكم) ظاهره العموم في الآنية، ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا، وبه قال الأوزاعي مطلقا، لكن إذا قلنا بأن الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الماء دون الكثير، والإضافة التي في إناء أحدكم يلغى اعتبارها هنا لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه، وكذا قوله فليغسله لا يتوقف على أن يكون هو الغاسل. وزاد مسلم والنسائي من طريق علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة في هذا الحديث " فليرقه " وهو يقوي القول بأن الغسل للتنجيس، إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما، فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال، لكن قال النسائي: لا أعلم أحدا تابع علي بن مسهر على زيادة فليرقه. وقال حمزة الكناني: إنها غير محفوظة. وقال ابن عبد البر: لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة. وقال ابن مندة: لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه إلا عن علي بن مسهر بهذا الإسناد. قلت: قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه ابن عدي، لكن في رفعه نظر، والصحيح أنه موقوف. وكذا ذكر الإراقة حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره. قوله: (فليغسله) يقتضي الفور، لكن حمله الجمهور على الاستحباب إلا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء. قوله: (سبعا) أي سبع مرار، ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة إلا عن ابن سيرين، على أن بعض أصحابه لم يذكره. وروى أيضا عن الحسن وأبي رافع عند الدارقطني وعبد الرحمن والد السدي عند البزار. واختلف الرواة عن ابن سيرين في محل غسلة التتريب، فلمسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عنه " أولاهن " وهي رواية الأكثر عن ابن سيرين وكذا في رواية أبي رافع المذكورة، واختلف عن قتادة عن ابن سيرين فقال سعيد بن بشير عنه " أولاهن " أيضا أخرجه الدارقطني. وقال أبان عن قتادة " السابعة " أخرجه أبو داود، وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن ابن سيرين " أولاهن أو إحداهن". وفي رواية السدي عن البزار " إحداهن " وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزناد عنه، فطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهن والسابعة معينة و " أو " إن كانت في نفس الخبر فهي للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على الرواية المعينة، وهو الذي نص عليه الشافعي في الأم والبويطي وصرح به المرعشي وغيره من الأصحاب وذكره ابن دقيق العيد والسبكي بحثا، وهو منصوص كما ذكرنا. وإن كانت " أو " شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولى من رواية من أبهم أو شك، فيبقي النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة، ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضا، لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، وقد نص الشافعي في حرملة على أن الأولى أولى والله أعلم. وفي الحديث دليل على أن حكم النجاسة يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها بشرط كونه مائعا، وعلى تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسة، وعلى تنجيس الإناء الذي يتصل بالمائع، وعلى أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير، لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالبا، وعلى أن ورود الماء على النجاسة يخالف ورودها عليه لأنه أمر بإراقة الماء لما وردت عليه النجاسة، وهو حقيقة في إراقة جميعه وأمر بغسله، وحقيقته تتأدى بما يسمى غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق. (فائدة) : خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفية، فأما المالكية فلم يقولوا بالتتريب أصلا مع إيجابهم التسبيع على المشهور عندهم، لأن التتريب لم يقع في رواية مالك، قال القرافي منهم: قد صحت فيه الأحاديث، فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها. وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب، والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب لكنه للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم. وأبدى بعض متأخريهم له حكمة غير التنجيس كما سيأتي. وعن مالك رواية بأنه نجس، لكن قاعدته أن الماء لا ينجس إلا بالتغير. فلا يجب التسبيع للنجاسة بل للتعبد، لكن يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الحديث فيما رواه مسلم وغيره من طريق محمد ابن سيرين وهمام بن منبه عن أبي هريرة " طهور إناء أحدكم " لأن الطهارة تستعمل إما عن حدث أو خبث، ولا حدث على الإناء فتعين الخبث. وأجيب بمنع الحصر لأن التيمم لا يرفع الحدث وقد قيل له طهور المسلم، ولأن الطهارة تطلق على غير ذلك كقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) وقوله صلى الله عليه وسلم "السواك مطهرة للفم " والجواب عن الأول بأن التيمم ناشئ عن حدث فلما قام يطهر ما يطهر الحدث سمي طهورا. ومن يقول بأنه يرفع الحدث يمنع هذا الإيراد من أصله. والجواب عن الثاني أن ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حملت على الشرعية إلا إذا قام دليل، ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهي عن اتخاذه دون المأذون فيه يحتاج إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ عن الأمر بالغسل، وإلى قرينة تدل على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه، لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب أنها للجنس أو لتعريف الماهية فيحتاج المدعي أنها للعهد إلى دليل، ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري، ودعوى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكلب الكلب، وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطب لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع منه كقوله " صبوا علي من سبع قرب"، قوله " من تصبح بسبع تمرات عجوة". وتعقب بأن الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه؟ وأجاب حفيد ابن رشد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه، أما في ابتدائه فلا يمتنع. وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص، وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه والمشهور عن المالكية أيضا التفرقة بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا لأن الأمر بالإراقة عام فيخص الطعام منه بالنهي عن إضاعة المال، وعورض بأن النهي عن الإضاعة مخصوص بالأمر بالإراقة ويترجح هذا الثاني بالإجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه، فثبت أن عموم النهي عن الإضاعة مخصوص بخلاف الأمر بالإراقة، وإذا ثبتت نجاسة سؤره كان أعم من أن يكون لنجاسة عينه أو لنجاسة طارئة كأكل الميتة مثلا، لكن الأول أرجح إذ هو الأصل، ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرة مثلا، وإذا ثبتت نجاسة سؤره لعينه لم يدل على نجاسة باقيه إلا بطريق القياس كأن يقال لعابه نجس ففمه نجس لأنه متحلب منه واللعاب عرق فمه وفمه أطيب بدنه فيكون عرقه نجسا وإذا كان عرقه نجسا كان بدنه نجسا لأن العرق متحلب من البدن ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السبع والتتريب أم لا؟ تقدمت الإشارة إلى ذلك من كلام النووي، وأما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب، واعتذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور، منها كون أبي هريرة راوية أفتى بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه، ومع الاحتمال لا يثبت النسخ، وأيضا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر، أما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير، ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب، ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى. وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم، وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار. ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل. وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل، وقد ذكر ابن مغفل أنه سمع صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة، بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب، ومنها إلزام الشافعية بإيجاب ثمان غسلات عملا بظاهر حديث عبد الله بن مغفل الذي أخرجه مسلم ولفظه " فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب " وفي رواية أحمد " بالتراب " وأجيب بأنه لا يلزم من كون الشافعية لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفل أن يتركوا هم العمل بالحديث أصلا ورأسا، لأن اعتذار الشافعية عن ذلك إن كان متجها فذاك، وإلا فكل من الفريقين ملوم في ترك العمل به، قاله ابن دقيق العيد. وقد اعتذر بعضهم عن العمل به بالإجماع على خلافه، وفيه نظر لأنه ثبت القول بذلك عن الحسن البصري، وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه، ونقل عن الشافعي أنه قال: هو حديث لم أقف على صحته، ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته، وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث ابن مغفل، والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع، والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزيادة من الثقة مقبولة. ولو سلكنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته، ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة. وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز فقال: لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنتين. وتعقبه ابن دقيق العيد بأن قوله " وعفروه الثامنة بالتراب " ظاهر في كونها غسلة مستقلة، لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازا. وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى. والكلام على هذا الحديث وما يتفرع منه منتشر جدا، ويمكن أن يفرد بالتصنيف. ولكن هذا القدر كاف في هذا المختصر. والله المستعان. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الشرح: قوله: (حدثنا إسحاق) هو ابن منصور الكوسج كما جزم به أبو نعيم في المستخرج، وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث، وشيخه عبد الرحمن تكلم فيه بعضهم لكنه صدوق ولم ينفرد بهذا الحديث، والإسناد منه فصاعدا مدنيون، وأبوه وشيخه أبو صالح السمان تابعيان. قوله: (أن رجلا) لم يسم هذا الرجل وهو من بني إسرائيل كما سيأتي. قوله: (يأكل الثرى) بالمثلثة أي يلعق التراب الندي. وفي المحكم الثرى التراب، وقيل التراب الذي إذا بل لم يصر طينا لازبا. قوله: (من العطش) أي بسبب العطش. قوله: (يغرف له به) استدل به المصنف على طهارة سؤر الكلب لأن ظاهره أنه سقى الكلب فيه. وتعقب بأن الاستدلال به مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفيه اختلاف، ولو قلنا به لكان محله فيما لم ينسخ، ومع إرخاء العنان لا يتم الاستدلال به أيضا لاحتمال أن يكون صبه في شيء فسقاه أو غسل خفه بعد ذلك أو لم يلبسه بعد ذلك. قوله: (فشكر الله له) أي أثنى عليه فجزاه على ذلك بأن قبل عمله وأدخله الجنة. وسيأتي بقية الكلام على فوائد هذا الحديث في باب فضل سقي الماء من كتاب الشرب إن شاء الله تعالى. وقوله: (وقال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة. قوله: (حمزة بن عبد الله) أي ابن عمر بن الخطاب. (كانت الكلاب) زاد أبو نعيم والبيهقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب المذكور موصولا بصريح التحديث قبل قوله تقبل " تبول " وبعدها واو العطف، وكذا ذكر الأصيلي أنها في رواية إبراهيم بن معقل عن البخاري، وكذا أخرجها أبو داود والإسماعيلي من رواية عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور، وعلى هذا فلا حجة فيه لمن استدل به على طهارة الكلاب للاتفاق على نجاسة بولها قاله ابن المنير. وتعقب بأن من يقول إن الكلب يؤكل وأن بول ما يؤكل لحمه طاهر يقدح في نقل الاتفاق. لا سيما وقد قال جمع بأن أبوال الحيوانات كلها طاهرة إلا الآدمي، وممن قال به ابن وهب حكاه الإسماعيلي وغيره عنه وسيأتي في باب غسل البول. وقال المنذري: المراد أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد، إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت غلق. قال: ويبعد أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه. وتعقب بأنه إذا قيل بطهارتها لم يمتنع ذلك كما في الهرة، والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلي في روايته من طريق ابن وهب في هذا الحديث عن ابن عمر قال: كان عمر يقول بأعلى صوته " اجتنبوا اللغو في المسجد " قال ابن عمر: وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الكلاب. الخ، فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام، وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب. وأما قوله " في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهو وإن كان عاما في جميع الأزمنة لأنه اسم مضاف لكنه مخصوص بما قبل الزمن الذي أمر فيه بصيانة المسجد. وفي قوله " فلم يكونوا يرشون " مبالغة لدلالته على نفي الغسل من باب الأولى، واستدل بذلك ابن بطال على طهارة سؤره لأن من شأن الكلاب أن تتبع مواضع المأكول، وكان بعض الصحابة لا بيوت لهم إلا المسجد فلا يخلو أن يصل لعابها إلى بعض أجزاء المسجد، وتعقب بأن طهارة المسجد متيقنة وما ذكر مشكوك فيه، واليقين لا يرفع بالشك. ثم إن دلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد في الأمر بالغسل من ولوغه، واستدل به أبو داود في السنن على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف، يعني أن قوله " لم يكونوا يرشون " يدل على نفي صب الماء من باب الأولى، فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك، ولا يخفى ما فيه. (تنبيه) : حكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه أبدل قوله يرشون بلفظ " يرتقبون " بإسكان الراء ثم مثناة مفتوحة ثم قاف مكسورة ثم موحدة، وفسره بأن معناه لا يخشون فصحف اللفظ، وأبعد في التفسير لأن معنى الارتقاب الانتظار، وأما نفي الخوف من نفي الارتقاب فهو تفسير ببعض لوازمه. والله أعلم. |
02-13-2013, 06:01 PM | #97 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
الحديث:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ وَإِذَا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ قَالَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ الشرح: قوله: (ابن أبي السفر) تقدم في المقدمة أن اسمه عبد الله، وأن السفر بفتح الفاء، ووهم من سكنها. قوله: (عدي بن حاتم) أي الطائي. قوله: (سألت) أي عن حكم صيد الكلاب، وحذف لفظ السؤال اكتفاء بدلالة الجواب عليه، وقد صرح به المصنف من طريق أخرى في الصيد كما سيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى. وإنما ساق المصنف هذا الحديث هنا ليستدل به لمذهبه في طهارة سؤر الكلب، ومطابقته للترجمة من قوله فيها " وسؤر الكلاب"، ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له في أكل ما صاده الكلب ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه، ومن ثم قال مالك: كيف يؤكل صيده ويكون لعابه نجسا؟ وأجاب الإسماعيلي بأن الحديث سيق لتعريف أن قتله ذكاته، وليس فيه إثبات نجاسة ولا نفيها. ويدل لذلك أنه لم يقل له اغسل الدم إذا خرج من جرح نابه، لكنه وكله إلى ما تقرر عنده من وجوب غسل الدم، فلعله وكله أيضا إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه. وقال ابن المنير: عند الشافعية أن السكين إذا سقيت بماء نجس وذبح بها نجست الذبيحة، وناب الكلب عندهم نجس العين، وقد وافقونا على أن ذكاته شرعية لا تنجس المذكي. وتعقب بأنه لا يلزم من الاتفاق على أن الذبيحة لا تصير نجسة بعض الكلب ثبوت الإجماع على أنها لا تصير متنجسة، فما ألزمهم به من التناقض ليس بلازم، على أن في المسألة عندهم خلافا، والمشهور وجوب غسل المعض، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة. *3*باب مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلَّا مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ الْقَمْلَةِ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ يَحْتَجِمُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ الشرح: قوله: (باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين) الاستثناء مفرغ، والمعنى من لم ير الوضوء واجبا من الخروج من شيء من مخارج البدن إلا من القبل والدبر، وأشار بذلك إلى خلاف من رأى الوضوء مما يخرج من غيرهما من البدن كالقيء والحجامة وغيرهما، ويمكن أن يقال: إن نواقض الوضوء المعتبرة ترجع إلى المخرجين: فالنوم مظنة خروج الريح، ولمس المرأة ومس الذكر مظنة خروج المذي. قوله: (لقوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط) فعلق وجوب الوضوء - أو التيمم عند فقد الماء - على المجيء من الغائط، وهو المكان المطمئن من الأرض الذي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة، فهذا دليل الوضوء مما يخرج من المخرجين. وقوله: (أو لامستم النساء) دليل الوضوء من ملامسة النساء، وفي معناه مس الذكر مع صحة الحديث فيه، إلا أنه ليس على شرط الشيخين، وقد صححه مالك وجميع من أخرج الصحيح غير الشيخين. قوله: (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح. وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة وغيره بنحوه وإسناده صحيح، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان، قالوا لا ينقض النادر، وهو قول مالك قال: إلا إن حصل معه تلويث. قوله: (وقال جابر) هذا التعليق وصله سعيد بن منصور والدارقطني وغيرهما، وهو صحيح من قول جابر، وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى مرفوعا لكن ضعفها. والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه قالوا: ينقض الضحك إذا وقع داخل الصلاة لا خارجها. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه لا ينقض خارج الصلاة، واختلفوا إذا وقع فيها، فخالف من قال به القياس الجلي، وتمسكوا بحديث لا يصح، وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. على أنهم لم يأخذوا بعموم الخبر المروي في الضحك بل خصوه بالقهقهة. قوله: (وقال الحسن) أي ابن أبي الحسن البصري، والتعليق عنه للمسألة الأولى وصله سعيد بن منصور وابن المنذر بإسناد صحيح. والمخالف في ذلك مجاهد والحكم بن عتيبة وحماد قالوا: من قص أظفاره أو جز شاربه فعليه الوضوء. ونقل ابن المنذر أن الإجماع استقر على خلاف ذلك. وأما التعليق عنه للمسألة الثانية فوصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ووافقه على ذلك إبراهيم النخعي وطاوس وقتادة وعطاء وبه كان يفتي سليمان بن حرب وداود، وخالفهم الجمهور على قولين مرتبين على إيجاب الموالاة وعدمها، فمن أوجبها قال: يجب استئناف الوضوء إذا طال الفصل، ومن لم يوجبها قال: يكتفي بغسل رجليه وهو الأظهر من مذهب الشافعي. وقال في الموطأ: أحب إلي أن يبتدئ الوضوء من أوله. وقال بعض العلماء من الشافعية وغيرهم يجب الاستئناف وإن لم تجب الموالاة، وعن الليث عكس ذلك. قوله: (وقال أبو هريرة) وصله إسماعيل القاضي في الأحكام بإسناد صحيح من طريق مجاهد عنه موقوفا، ورواه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعا وزاد " أو ريح". قوله: (ويذكر عن جابر) وصله ابن إسحاق في المغازي قال: حدثني صدقة بن يسار عن عقيل ابن جابر عن أبيه مطولا. وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق، وشيخه صدقة ثقة، وعقيل بفتح العين لا أعرف راويا عنه غير صدقة، ولهذا لم يجزم به المصنف، أو لكونه اختصره، أو للخلاف في ابن إسحاق. قوله: (في غزوة ذات الرقاع) سيأتي الكلام عليها في المغازي إن شاء الله تعالى. قوله: (فرمى) بضم الراء. قوله: (رجل) تبين من سياق المذكورين سبب هذه القصة، ومحصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بشعب فقال: من يحرسنا الليلة؟ فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم الشعب فاقتسما الليل للحراسة، فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي، فجاء رجل من العدو فرأى الأنصاري فرماه بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته، ثم رماه بثان فصنع كذلك، ثم رماه بثالث فانتزعه وركع وسجد وقضى صلاته، ثم أيقظ رفيقه. فلما رأى ما به من الدماء قال له: لم لا أنبهتني أولى ما رمى؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن لا أقطعها. وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر وسمى الأنصاري المذكور عباد بن بشر، والمهاجري عمار بن ياسر، والسورة الكهف. قوله: (فنزفه) قال ابن طريف في الأفعال: يقال نزفه الدم وأنزفه إذا سال منه كثيرا حتى يضعفه فهو نزيف ومنزوف. وأراد المصنف بهذا الحديث الرد على الحنفية في أن الدم السائل ينقض الوضوء، فإن قيل: كيف مضى في صلاته مع وجود الدم في بدنه أو ثوبه واجتناب النجاسة فيها واجب؟ أجاب الخطابي بأنه يحتمل أن يكون الدم جرى من الجراح على سبيل الدفق بحيث لم يصب شيئا من ظاهر بدنه وثيابه، وفيه بعد. ويحتمل أن يكون الدم أصاب الثوب فقط فنزعه عنه ولم يسل على جسمه إلا قدر يسير معفو عنه. ثم الحجة قائمة به على كون خروج الدم لا ينقض، ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه. والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها بدليل أنه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن وهو البصري قال: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبع دما. قوله: (وقال طاوس) هو ابن كيسان التابعي المشهور، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه " أنه كان لا يرى في الدم وضوءا، يغسل عنه الدم ثم حسبه". قوله: (ومحمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي أبو جعفر الباقر، وأثره هذا رويناه موصولا في فوائد الحافظ أبي بشر المعروف بسموية من طريق الأعمش قال: سألت أبا جعفر الباقر عن الرعاف، فقال: لو سال نهر من دم ما أعدت منه الوضوء. وعطاء هو ابن أبي رباح وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه. قوله (وأهل الحجاز) هو من عطف العام على الخاص، لأن الثلاثة المذكورين قبل حجازيون. وقد رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جبير، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر وسعيد بن المسيب، وأخرجه إسماعيل القاضي من طريق أبي الزناد عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة وهو قول مالك والشافعي. قوله: (وعصر ابن عمر) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح وزاد قبل قوله ولم يتوضأ " ثم صلى". قوله: (بثرة) بفتح الموحدة وسكون المثلثة ويجوز فتحها، هي خراج صغير يقال بثر وجهه مثلث الثاء المثلثة. قوله: (وبزق ابن أبي أوفى) هو عبد الله الصحابي ابن الصحابي، وأثره هذا وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب أنه رآه فعل ذلك. وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه فالإسناد صحيح. قوله: (وقال ابن عمر) صله الشافعي وابن أبي شيبة بلفظ " كان إذا احتجم غسل محاجمه". قوله: (والحسن) أي البصري، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة أيضا ولفظه " أنه سئل عن الرجل يحتجم ماذا عليه؟ قال يغسل أثر محاجمه". (تنبيه) : وقع في رواية الأصيلي وغيره " ليس عليه غسل محاجمه " بإسقاط أداة الاستثناء، وهو الذي ذكره الإسماعيلي. وقال ابن بطال: ثبتت " إلا " في رواية المستملي دون رفيقيه، انتهى. وهي في نسختي ثابتة من رواية أبي ذر عن الثلاثة، وتخريج التعليق المذكور يؤيد ثبوتها، وقد حكى عن الليث أنه قال: يجزئ المحتجم أن يمسح موضع الحجامة ويصلي ولا يغسله. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ الصَّوْتُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ الشرح: قوله: (ابن أبي ذئب) تقدم أن اسمه محمد بن عبد الرحمن، والإسناد كله مدنيون إلا آدم وقد دخلها. قوله: (ما كان في المسجد) ، أي ما دام، وهي رواية الكشميهني، والمراد أنه في ثواب الصلاة ما دام ينتظرها وإلا لامتنع عليه الكلام ونحوه. وقال الكرماني نكر قوله " في صلاة " ليشعر بأن المراد نوع صلاته التي ينتظرها، وسيأتي بقية الكلام عليه في كتاب الصلاة في أبواب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى. قوله: (أعجمي) أي غير فصيح بالعربية سواء كان عربي الأصل أم لا، ويحتمل أن يكون هذا الأعجمي هو الحضرمي الذي تقدم ذكره في أوائل كتاب الوضوء. قوله: (قال الصوت) كذا فسره هنا، ويؤيده الزيادة المذكورة قبل في رواية أبي داود وغيره حيث قال " لا وضوء إلا من صوت أو ريح " فكأنه قال: لا وضوء إلا من ضراط أو فساء، وإنما خصهما بالذكر دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبا في المسجد غيرهما، فالظاهر أن السؤال وقع عن الحديث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبا في الصلاة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الوضوء. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا الشرح: قوله: (حدثنا أبو الوليد) هو الطيالسي، وإن كان هشام بن عمار يكنى أيضا أبا الوليد، ويروي أيضا عن ابن عيينة ويروي عنه البخاري. قوله (عن عمه) هو عبد الله بن زيد المازني، وتقدم الكلام على حديثه هذا في " باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن " وأورده هنا لظهور دلالته على حصر النقض بما يخرج من السبيلين، وقد قدمنا توجيه إلحاق بقية النواقض بهما أوائل الباب. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الْثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ الشرح: قوله: (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد، وسيأتي الكلام على المتن في باب غسل المذي من كتاب الغسل إن شاء الله تعالى. وتقدمت له طريق أخرى في أواخر كتاب العلم. وأورده هنا لدلالته على إيجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين. قوله: (ورواه شعبة عن الأعمش) ، أي بالإسناد المذكور، وقد وصله أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة كذلك. الحديث: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ قَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ الشرح: قوله: (حدثنا سعد بن حفص) كذا للجميع، إلا القابسي فقال " سعيد " وكذا صنع في حديثه الآخر الآتي في باب فضل النفقة في سبيل الله من كتاب الجهاد، نبه عليهما الجياني. قوله: (حدثنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن، عن يحيى هو ابن أبي كثير، عن أبي سلمة أي ابن عبد الرحمن بن عوف. وفي الإسناد تابعيان كبيران مدنيان يروي أحدهما عن الآخر وصحابيان كذلك، ويحيى بن أبي كثير أيضا تابعي صغير، ففيه ثلاثة من التابعين في نسق. قوله: (أرأيت) أي أخبرني. قوله: (إذا جامع) أي الرجل فلم يمن بضم التحتانية وسكون الميم. قوله: (كما يتوضأ للصلاة) بيان لأن المراد الوضوء الشرعي لا اللغوي، وسيأتي حكم هذه المسألة في آخر كتاب الغسل، ونبين هناك أنه منسوخ، ولا يقال إذا كان منسوخا كيف يصح الاستدلال به لأنا نقول المنسوخ منه عدم وجوب الغسل وناسخه الأمر بالغسل، وأما الأمر بالوضوء فهو باق لأنه مندرج تحت الغسل، والحكمة في الأمر بالوضوء قبل أن يجب الغسل إما لكون الجماع مظنة خروج المذي أو لملامسة المرأة، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قُحِطْتَ فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ تَابَعَهُ وَهْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ غُنْدَرٌ وَيَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ الْوُضُوءُ الشرح: قوله: (حدثنا إسحاق) كذا في رواية كريمة وغيرها، زاد الأصيلي " هو ابن منصور " وفي رواية أبي ذر " حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام " بفتح الموحدة وهو المعروف بالكوسج كما صرح به أبو نعيم. قوله: (حدثنا النضر) هو ابن شميل بالمعجمة مصغرا، والحكم هو ابن عتيبة بمثناة وموحدة مصغرا. قوله: (أرسل إلى رجل من الأنصار) ولمسلم وغيره " مر على رجل " فيحمل على أنه مر به فأرسل إليه، وهذا الأنصاري سماه مسلم في روايته من طريق أخرى عن أبي سعيد " عتبان " وهو بكسر المهملة وسكون المثناة ثم موحدة خفيفة ولفظه من رواية شريك بن أبي نمر عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فخرج يجر إزاره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعجلنا الرجل " فذكر الحديث بمعناه. وعتبان المذكور هو ابن مالك الأنصاري كما نسبه بقي بن مخلد في روايته لهذا الحديث من هذا الوجه، ووقع في رواية في صحيح أبي عوانة أنه ابن عتبان والأول أصح، ورواه ابن إسحاق في المغازي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده لكنه قال " فهتف برجل من أصحابه يقال له صالح " فإن حمل على تعدد الواقعة وإلا فطريق مسلم أصح. وقد وقعت القصة أيضا لرافع بن خديج وغيره أخرجه أحمد وغيره، ولكن الأقرب في تفسير المبهم الذي في البخاري أنه عتبان. والله أعلم. قوله: (يقطر) أي ينزل منه الماء قطرة قطرة من أثر الغسل. قوله: (لعلنا أعجلناك) أي عن فراغ حاجتك من الجماع، وفيه جواز الأخذ بالقرائن، لأن الصحابي لما أبطأ عن الإجابة مدة الاغتسال خالف المعهود منه وهو سرعة الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى عليه أثر الغسل دل على أن شغله كان به، واحتمل أن يكون نزع قبل الإنزال ليسرع الإجابة، أو كان أنزل فوقع السؤال عن ذلك. وفيه استحباب الدوام على الطهارة لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه تأخير إجابته، وكأن ذلك كان قبل إيجابها، إذ الواجب لا يؤخر للمستحب. وقد كان عتبان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فيصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى فأجابه، كما سيأتي في موضعه، فيحتمل أن تكون هي هذه الواقعة، وقدم الاغتسال ليكون متأهبا للصلاة معه، والله أعلم. قوله: (إذا أعجلت) بضم الهمزة وكسر الجيم، وفي أصل أبي ذر " إذا عجلت " بلا همز و " قحطت " وفي رواية غيره " أقحطت " بوزن أعجلت، وكذا لمسلم. قال صاحب الأفعال: يقال أقحط الرجل إذا جامع ولم ينزل. وحكى ابن الجوزي عن ابن الخشاب أن المحدثين يقولون قحط بفتح القاف قال والصواب الضم. قلت: وروايته في أمالي أبي علي القالي بالوجهين في القاف، وبزيادة الهمزة المضمومة، يقال قحط الناس وأقحطوا إذا حبس عنهم المطر، ومنه استعير ذلك لتأخر الإنزال. قال الكرماني ليس قوله " أو " للشك بل هو لبيان عدم الإنزال سواء كان بحسب أمر من ذات الشخص أم لا، وهذا بناء على أن إحداهما بالتعدية وإلا فهي للشك. قوله: (تابعه وهب) أي ابن جرير بن حازم، والضمير يعود على النضر، ومتابعة وهب وصلها أبو العباس السراج في مسنده عن زياد بن أيوب عنه. قوله: (لم يقل غندر ويحيى عن شعبة الوضوء) يعني أن غندرا وهو محمد بن جعفر ويحيى وهو ابن سعيد القطان رويا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد والمتن، لكن لم يقولا فيه " عليك الوضوء " فأما يحيى فهو كما قال فقد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عنه ولفظه " فليس عليك غسل " وأما غندر فقد أخرجه أحمد أيضا في مسنده عنه لكنه ذكر الوضوء ولفظه " فلا غسل عليك، عليك الوضوء"، وهكذا أخرجه مسلم وابن ماجه والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عنه، وكذا ذكره أكثر أصحاب شعبة كأبي داود الطيالسي وغيره عنه. فكأن بعض مشايخ البخاري حدثه به عن يحيى وغندر معا فساقه له على لفظ يحيى والله أعلم. وقد كان بين الصحابة اختلاف في هذه المسألة كما سنذكره في آخر كتاب الغسل إن شاء الله تعالى. |
02-13-2013, 06:02 PM | #98 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الرَّجُلُ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ
الشرح: قوله: (باب الرجل يوضئ صاحبه) أي ما حكمه. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفةَ عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي فَقَالَ الْمُصَلَّى أَمَامَكَ الشرح: قوله: (ابن سلام) هو محمد كما في رواية كريمة، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري. وفي هذا الإسناد رواية الأقران لأن يحيى وموسى بن عقبة تابعيان صغيران من أهل المدينة، وكريب مولى ابن عباس من أواسط التابعين ففيه ثلاثة من التابعين في نسق. وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من مباحث هذا الحديث في " باب إسباغ الوضوء " ويأتي باقيها في كتاب الحج. ووقع في تراجم البخاري لابن المنير في هذا الموضع وهم، فإنه قال فيه ابن عباس عن أسامة، وليس هو من رواية ابن عباس وإنما هو من رواية كريب مولى ابن عباس. قوله: (أصب) بتشديد الموحدة ومفعوله محذوف أي الماء. وقوله "ويتوضأ " أي وهو يتوضأ. واستدل به المصنف على الاستعانة في الوضوء، لكن من يدعي أن الكراهية مختصة بغير المشقة أو الاحتياج في الجملة لا يستدل عليه بحديث أسامة لأنه كان في السفر. وكذا حديث المغيرة المذكور، قال ابن المنير قاس البخاري توضئة الرجل غيره على صبه عليه لاجتماعهما في معنى الإعانة. قلت: والفرق بينهما ظاهر، ولم يفصح البخاري في المسألة بجواز ولا غيره، وهذه عادته في الأمور المحتملة. قال النووي: الاستعانة ثلاثة أقسام: إحضار الماء، ولا كراهة فيه أصلا. قلت: لكن الأفضل خلافه. قال: الثاني مباشرة الأجنبي الغسل، وهذا مكروه إلا لحاجة. الثالث: الصب وفيه وجهان. أحدهما يكره، والثاني خلاف الأولى. وتعقب بأنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لا يكون خلاف الأولى. وأجيب بأنه قد يفعله لبيان الجواز في يكون في حقه خلاف الأولى بخلاف غيره. وقال الكرماني: إذا كان الأولى تركه كيف ينازع في كراهته؟ وأجيب بأن كل مكروه فعله خلاف الأولى من غير عكس، إذ المكروه يطلق على الحرام بخلاف الآخر. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ الشرح: قوله: (حدثنا عمرو بن علي) هو الفلاس أحد الحفاظ البصريين، وعبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري، وسعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف. وفي الإسناد رواية الأقران في موضعين، لأن يحيى وسعدا تابعيان صغيران، ونافع بن جبير وعروة بن المغيرة تابعيان وسطان، ففيه أربعة من التابعين في نسق وهو من النوادر. قوله: (أنه كان) أدى عروة معنى كلام أبيه بعبارة نفسه، وإلا فكان السياق يقتضي أن يقول: قال إني كنت، وكذا قوله " وأن المغيرة جعل " ويحتمل أن يقال هو التفات على رأي فيكون عروة أدى لفظ أبيه، والضمير في قوله " وأنه ذهب " وفي قوله " له " للنبي صلى الله عليه وسلم. ومباحث هذا الحديث تأتي في المسح على الخفين إن شاء الله تعالى. والمراد منه هنا الاستدلال على الاستعانة. وقال ابن بطال: هذا من القربات التي يجوز للرجل أن يعملها عن غيره بخلاف الصلاة، قال: واستدل البخاري من صب الماء عليه عند الوضوء أنه يجوز للرجل أن يوضئه غيره، لأنه لما لزم المتوضئ الاغتراف من الماء لأعضائه وجاز له أن يكفيه ذلك غيره بالصب - والاغتراف بعض عمل الوضوء - كذلك يجوز في بقية أعماله. وتعقبه ابن المنير بأن الاغتراف من الوسائل لا من المقاصد، لأنه لو اغترف ثم نوى أن يتوضأ جاز، ولو كان الاغتراف عملا مستقلا لكان قد قدم النية عليه وذلك لا يجوز. وحاصله التفرقة بين الإعانة بالصب وبين الإعانة بمباشرة الغير لغسل الأعضاء، وهذا هو الفرق الذي أشرنا إليه قبل. والحديثان دالان على عدم كراهة الاستعانة بالصب، وكذا إحضار الماء من باب الأولى. وأما المباشرة فلا دلالة فيهما عليها، نعم يستحب أن لا يستعين أصلا. وأما ما رواه أبو جعفر الطبري عن ابن عمر أنه كان يقول: ما أبالي من أعانني على طهوري أو على ركوعي وسجودي، فمحمول على الإعانة بالمباشرة للصب، بدليل ما رواه الطبري أيضا وغيره عن مجاهد أنه كان يسكب على ابن عمر وهو يغسل رجليه. وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث الربيع بنت معوذ أنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فقال: اسكبي، فسكبت عليه. وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين، لكونه في الحضر، ولكونه بصيغة الطلب، لكنه ليس على شرط المصنف. والله أعلم. |
02-13-2013, 06:04 PM | #99 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ وَبِكَتْبِ الرِّسَالَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ إِزَارٌ فَسَلِّمْ وَإِلَّا فَلَا تُسَلِّمْ الشرح: قوله: (باب قراءة القرآن بعد الحدث) أي الأصغر (وغيره) أي من مظان الحدث. وقال الكرماني الضمير يعود على القرآن، والتقدير باب قراءة القرآن وغيره أي الذكر والسلام ونحوهما بعد الحدث، ويلزم منه الفصل بين المتعاطفين، ولأنه إن جازت القراءة بعد الحدث فجواز غيرها من الأذكار بطريق الأولى، فهو مستغنى عن ذكره بخلاف غير الحدث من نواقض الوضوء، وقد تقدم بيان المراد بالحدث وهو يؤيد ما قررته. قوله: (وقال منصور) أي ابن المعتمر (عن إبراهيم) أي النخعي، وأثره هذا وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن منصور مثله، وروى عبد الرزاق عن الثوري عن منصور قال: سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال: لم يبن للقراءة فيه. قلت: وهذا لا يخالف رواية أبي عوانة، فإنها تتعلق بمطلق الجواز وقد روى سعيد بن منصور أيضا عن محمد بن أبان عن حماد بن أبي سليمان قال: سألت إبراهيم عن القراءة في الحمام فقال يكره ذلك، انتهى. والإسناد الأول أصح. وروى ابن المنذر عن علي قال: بئس البيت الحمام ينزع فيه الحياء، ولا يقرأ فيه آية من كتاب الله. وهذا لا يدل على كراهة القراءة، وإنما هو إخبار بما هو الواقع بأن شأن من يكون في الحمام أن يلتهي عن القراءة. وحكيت الكراهة عن أبي حنيفة، وخالفه صاحبه محمد بن الحسن ومالك فقالا لا تكره، لأنه ليس فيه دليل خاص، وبه صرح صاحبا العدة والبيان من الشافعية. وقال النووي في التبيان عن الأصحاب: لا تكره، فأطلق. لكن في شرح الكفاية للصيمري: لا ينبغي أن يقرأ. وسوى الحليمي بينه وبين القراءة حال قضاء الحاجة. ورجح السبكي الكبير عدم الكراهة واحتج بأن القراءة مطلوبة والاستكثار منها مطلوب والحدث يكثر، فلو كرهت لفات خير كثير. ثم قال: حكم القراءة في الحمام إن كان القارئ في مكان نظيف وليس فيه كشف عورة لم يكره، وإلا كره. قوله: (ويكتب الرسالة) كذا في رواية الأكثر بلفظ مضارع كتب. وفي رواية كريمة " بكتب " بموحدة مكسورة وكاف مفتوحة عطفا على قوله بالقراءة. وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن الثوري أيضا عن منصور قال: سألت إبراهيم: أأكتب الرسالة على غير وضوء؟ قال: نعم. وتبين بهذا أن قوله على غير وضوء يتعلق بالكتابة لا بالقراءة في الحمام. ولما كان من شأن الرسائل أن تصدر بالبسملة توهم السائل أن ذلك يكره لمن كان على غير وضوء، لكن يمكن أن يقال إن كاتب الرسالة لا يقصد القراءة فلا يستوي مع القراءة. قوله: (وقال حماد) هو ابن أبي سليمان فقيه الكوفة (عن إبراهيم) أي النخعي (إن كان عليهم) أي على من في الحمام (إزار) المراد به الجنس أي على كل منهم إزار. وأثره هذا وصله الثوري في جامعه عنه، والنهي عن السلام عليهم إما إهانة لهم لكونهم على بدعة، وإما لكونه يستدعي منهم الرد، والتلفظ بالسلام فيه ذكر الله لأن السلام من أسمائه، وأن لفظ سلام عليكم من القرآن، والمتعري عن الإزار مشابه لمن هو في الخلاء. وبهذا التقرير يتوجه ذكر هذا الأثر في هذه الترجمة. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ خَالَتُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس. قوله: (مخرمة) بفتح الميم وإسكان المعجمة، والإسناد كله مدنيون. قوله: (فاضطجعت) قائل ذلك هو ابن عباس، وفيه التفات لأن أسلوب الكلام كان يقتضي أن يقول فاضطجع لأنه قال قبل ذلك إنه بات. قوله: (في عرض) بفتح أوله على المشهور، وبالضم أيضا، وأنكره الباجي من جهة النقل ومن جهة المعنى قال: لأن العرض بالضم هو الجانب وهو لفظ مشترك. قلت: لكن لما قال " في طولها " تعين المراد، وقد صحت به الرواية فلا وجه للإنكار. قوله: (يمسح النوم) أي يمسح بيده عينيه، من باب إطلاق اسم الحال على المحل، أو أثر النوم من باب إطلاق السبب على المسبب. قوله (ثم قرأ العشر الآيات أولها) (إن في خلق السماوات والأرض) إلى آخر السورة. قال ابن بطال ومن تبعه: فيه دليل على رد من كره قراءة القرآن على غير طهارة، لأنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضأ. وتعقبه ابن المنير وغيره بأن ذلك مفرع على أن النوم في حقه ينقض، وليس كذلك، لأنه قال " تنام عيناي ولا ينام قلبي " وأما كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء أو أحدث بعد ذلك فتوضأ. قلت: وهو تعقيب جيد بالنسبة إلى قول ابن بطال: بعد قيامه من النوم، لأنه لم يتعين كونه أحدث في النوم، لكن لما عقب ذلك بالوضوء كان ظاهرا في كونه أحدث، ولا يلزم من كون نومه لا ينقض وضوءه أن لا يقع منه حدث وهو نائم، نعم خصوصيته أنه إن وقع شعر به بخلاف غيره. وما ادعوه من التجديد وغيره الأصل عدمه. وقد سبق الإسماعيلي إلى معنى ما ذكره ابن المنير، والأظهر أن مناسبة الحديث للترجمة من جهة أن مضاجعة الأهل في الفراش لا تخلو من الملامسة. ويمكن أن يؤخذ ذلك من قول ابن عباس " فصنعت مثل ما صنع " ولم يرد المصنف أن مجرد نومه صلى الله عليه وسلم ينقض لأن في آخر هذا الحديث عنده في باب التخفيف في الوضوء " ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم صلى". ثم رأيت في الحلبيات للسبكي الكبير بعد أن ذكر اعتراض الإسماعيلي: لعل البخاري احتج بفعل ابن عباس بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو اعتبر اضطجاع النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله واللمس ينقض الوضوء. قلت: ويؤخذ من هذا الحديث توجيه ما قيدت الحديث به في ترجمة الباب، وأن المراد به الأصغر، إذ لو كان الأكبر لما اقتصر على الوضوء ثم صلى بل كان يغتسل. قوله: (إلى شن معلقة) قال الخطابي: الشن القربة التي تبدت للبلاء، ولذلك قال في هذه الرواية " معلقة " فأنث لإرادة القربة. قوله: (فقمت فصنعت مثل ما صنع) تقدمت الإشارة في باب تخفيف الوضوء إلى هذا الموضع فليراجع من ثم، وستأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى. (تنبيه) : روى مسلم من حديث ابن عمر كراهة ذكر الله بعد الحديث، لكنه على غير شرط المصنف. *3*باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلَّا مِنْ الْغَشْيِ الْمُثْقِلِ الشرح: قوله: (باب من لم يتوضأ) أي من الغشي (إلا من الغشي المثقل) فالاستثناء مفرغ. والمثقل بضم الميم وإسكان المثلثة وكسر القاف ويجوز فتحها، وأشار المصنف بذلك إلى الرد على من أوجب الوضوء من الغشي مطلقا، والتقدير: باب من لم يتوضأ من الغشي إلا إذا كان مثقلا. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ مَا لِلنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ أَيْ نَعَمْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل) و ابن أبي أويس أيضا، والإسناد كله مدنيون أيضا، وفيه رواية الأقران هشام وامرأته فاطمة بنت عمه المنذر. قوله: (فأشارت أن نعم) كذا لأكثرهم بالنون، ولكريمة " أي نعم " وهي رواية وهيب المتقدمة في العلم، وبين فيها أن هذه الإشارة كانت برأسها. قوله: (تجلاني) أي غطاني، قال ابن بطال: الغشي مرض يعرض من طول التعب والوقوف، وهو ضرب من الإغماء إلا أنه دونه. وإنما صبت أسماء الماء على رأسها مدافعة له، ولو كان شديدا لكان كالإغماء، وهو ينقض الوضوء بالإجماع، انتهى. وكونها كانت تتولى صب الماء عليها يدل على أن حواسها كانت مدركة، وذلك لا ينقض الوضوء. ومحل الاستدلال بفعلها من جهة أنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرى الذي خلفه وهو في الصلاة - ولم ينقل أنه أنكر عليها. وقد تقدم شيء من مباحث هذا الحديث في كتاب العلم، وتأتي بقية مباحثه في كتاب صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى. |
02-13-2013, 06:05 PM | #100 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ أَيُجْزِئُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الشرح: قوله (باب مسح الرأس كله) كذا لأكثرهم وسقط لفظ " كله " للمستملي. قوله: (وقال ابن المسيب) أي سعيد، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بلفظ " الرجل والمرأة في المسح سواء " ونقل عن أحمد أنه قال: يكفي المرأة مسح مقدم رأسها. قوله: (وسئل مالك) السائل له عن ذلك هو إسحاق بن عيسى بن الطباع، بينه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه ولفظه: سألت مالكا عن الرجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك؟ فقال: حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه عبد الله بن زيد فقال " مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم في وضوئه من ناصيته إلى قفاه، ثم رد يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله". وهذا السياق أصرح للترجمة من الذي ساقه المصنف قبل، وموضع الدلالة من الحديث والآية أن لفظ الآية مجمل، لأنه يحتمل أن يراد منها مسح الكل على أن الباء زائدة، أو مسح البعض على أنها تبعيضية، فتبين بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد الأول، ولم ينقل عنه أنه مسح بعض رأسه إلا في حديث المغيرة أنه مسح على ناصيته وعمامته، فإن ذلك دل على أن التعميم ليس بفرض، فعلى هذا فالإجمال في المسند إليه لا في الأصل. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ نَعَمْ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ الشرح: قوله: (عن أبيه) أي أبي عثمان يحيى بن عمارة أي ابن أبي حسن واسمه تميم بن عبد عمرو، ولجده أبي حسن صحبة، وكذا لعمارة فيما جزم به ابن عبد البر. وقال أبو نعيم: فيه نظر. والإسناد كله مدنيون إلا عبد الله بن يوسف وقد دخلها. قوله: (أن رجلا) هو عمرو بن أبي حسن كما سماه المصنف في الحديث الذي بعد هذا من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى، وعلى هذا فقوله هنا " وهو جد عمرو بن يحيى " فيه تجوز، لأنه عم أبيه، وسماه جدا لكونه في منزلته، ووهم من زعم أن المراد بقوله " وهو " عبد الله بن زيد، لأنه ليس جدا لعمرو بن يحيى لا حقيقة ولا مجازا. وأما قول صاحب الكمال ومن تبعه في ترجمة عمرو بن يحيى أنه ابن بنت عبد الله بن زيد فغلط توهمه من هذه الرواية، وقد ذكر ابن سعد أن أم عمرو بن يحيى هي حميدة بنت محمد بن إياس بن البكير. وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية فالله أعلم. وقد اختلف رواة الموطأ في تعيين هذا السائل، وأما أكثرهم فأبهمه، قال معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى: إنه سمع أبا حسن - وهو جد عمرو بن يحيى - قال لعبد الله بن زيد وكان من الصحابة. فذكر الحديث. وقال محمد بن الحسن الشيباني عن مالك: حدثنا عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد. وكذا ساقه سحنون في المدونة. وقال الشافعي في الأم: عن مالك عن عمرو عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد. ومثله رواية الإسماعيلي عن أبي خليفة عن القعنبي عن مالك عن عمرو عن أبيه قال: قلت. . والذي يجمع هذا الاختلاف أن يقال: اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصاري وابنه عمرو وابن ابنه يحيى عمارة بن أبي حسن فسألوه عن صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وتولى السؤال منهم له عمرو بن أبي حسن، فحيث نسب إليه السؤال كان على الحقيقة. ويؤيده رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور قال: حدثني عمرو بن يحيى عن أبيه قال: كان عمي يعني عمرو بن أبي حسن يكثر الوضوء، فقال لعبد الله بن زيد أخبرني. . فذكره. وحيث نسب السؤال إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه كان الأكبر وكان حاضرا. وحيث نسب السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضا لكونه ناقل الحديث وقد حضر السؤال. ووقع في رواية مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد الواسطي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال " قيل له توضأ لنا " فذكره مبهما. وفي رواية الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد المذكور بلفظ " قلنا له"، وهذا يؤيد الجمع المتقدم من كونهم اتفقوا على سؤاله، لكن متولي السؤال منهم عمرو بن أبي حسن. ويزيد ذلك وضوحا رواية الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمه عمرو بن أبي حسن. قال "كنت كثير الوضوء، فقلت لعبد الله بن زيد " فذكر الحديث. أخرجه أبو نعيم في المستخرج، والله أعلم. قوله: (أتستطيع) فيه ملاطفة الطالب للشيخ، وكأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم، وسبب الاستفهام ما قام عنده من احتمال أن يكون الشيخ نسي ذلك لبعد العهد. قوله: (فدعا بماء) وفي رواية وهب في الباب الذي بعده " فدعا بتور من ماء". والتور بمثناة مفتوحة قال الداودي: قدح. وقال الجوهري: إناء يشرب منه. وقيل هو الطست، وقيل يشبه الطست، وقيل هو مثل القدر يكون من صفر أو حجارة. وفي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة عند المصنف في باب الغسل في المخضب في أول هذا الحديث " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر " والصفر بضم المهملة وإسكان الفاء وقد تكسر صنف من حديد النحاس، قيل إنه سمي بذلك لكونه يشبه الذهب، ويسمى أيضا الشبه بفتح المعجمة والموحدة. والتور المذكور يحتمل أن يكون هو الذي توضأ منه عبد الله بن زيد إذ سئل عن صفة الوضوء فيكون أبلغ في حكاية صورة الحال على وجهها. قوله: (فأفرغ) وفي رواية موسى عن وهيب " فأكفأ " بهمزتين. وفي رواية سليمان بن حرب في باب مسح الرأس مرة عن وهيب " فكفأ " بفتح الكاف، وهما لغتان بمعنى يقال كفأ الإناء وأكفأ إذا أماله. وقال الكسائي كفأت الإناء كببته وأكفأته أملته. والمراد في الموضعين إفراغ الماء من الإناء على اليد كما صرح به في رواية مالك. قوله: (فغسل يده مرتين) كذا في رواية مالك بإفراد يده. وفي رواية وهيب وسليمان بن بلال عند المصنف وكذا للدراوردي عند أبي نعيم " فغسل يديه " بالتثنية، فيحمل الإفراد في رواية مالك على الجنس، وعند مالك " مرتين"، وعند هؤلاء " ثلاثا"، وكذا لخالد بن عبد الله عند مسلم، وهؤلاء حفاظ وقد اجتمعوا فزيادتهم مقدمة على الحافظ الواحد، وقد ذكر مسلم من طريق بهز عن وهيب أنه سمع هذا الحديث مرتين من عمرو بن يحيى إملاء، فتأكد ترجيح روايته، ولا يقال يحمل على واقعتين لأنا نقول: المخرج متحد والأصل عدم التعدد. وفيه من الأحكام غسل اليد قبل إدخالها الإناء ولو كان من غير نوم كما تقدم مثله في حديث عثمان، والمراد باليدين هنا الكفان لا غير. قوله: (ثم تمضمض واستنثر) ، وللكشميهني " مضمض واستنشق " والاستنثار يستلزم الاستنشاق بلا عكس، وقد ذكر في رواية وهيب الثلاثة وزاد بعد قوله ثلاثا " بثلاث غرفات"؛ واستدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفة. وفي رواية خالد بن عبد الله الآتية بعد قليل " مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا " وهو صريح في الجمع كل مرة، بخلاف رواية وهيب فإنه تطرقها احتمال التوزيع بلا تسوية كما نبه عليه ابن دقيق العيد. ووقع في رواية سليمان بن بلال عند المصنف في باب الوضوء من التور " فمضمض واستنثر ثلات مرات من غرفة واحدة " واستدل بها على الجمع بغرفة واحدة، وفيه نظر لما أشرنا إليه من اتحاد المخرج فتقدم الزيادة، ولمسلم من رواية خالد المذكورة " ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض". فاستدل بها على تقديم المضمضة على الاستنشاق لكونه عطف بالفاء التعقيبية وفيه بحث. قوله: (ثم غسل وجهه ثلاثا) لم تختلف الروايات في ذلك، ويلزم من استدل بهذا الحديث على وجوب تعميم الرأس بالمسح أن يستدل به على وجوب الترتيب للإتيان بقوله " ثم " في الجميع، لأن كلا من الحكمين مجمل في الآية بينته السنة بالفعل. قوله: (ثم غسل يديه مرتين مرتين) كذا بتكرار مرتين، ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين، لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وفيه " ويده اليمنى ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا " فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد. قوله: (إلى المرفقين) كذا للأكثر وللمستملي والحموي إلى المرفقين بالإفراد على إرادة الجنس، وقد اختلف العلماء: هل يدخل المرفقان في غسل اليدين أم لا؟ فقال المعظم: نعم، وخالف زفر. وحكاه بعضهم عن مالك، واحتج بعضهم للجمهور بأن إلى في الآية بمعنى مع كقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) ، وتعقب بأنه خلاف الظاهر، وأجيب بأن القرينة دلت عليه وهي كون ما بعد " إلى " من جنس ما قبلها. وقال ابن القصار: اليد يتناولها الاسم إلى الإبط لحديث عمار " أنه تيمم إلى الإبط " وهو من أهل اللغة، فلما جاء قوله تعالى (إلى المرافق) بقي المرفق مغسولا مع الذراعين بحق الاسم، انتهى. فعلى هذا فإلى هنا حد للمتروك من غسل اليدين لا للمغسول، وفي كون ذلك ظاهرا من السياق نظر، والله أعلم. وقال الزمخشري: لفظ إلى يفيد معنى الغاية مطلقا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل، فقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) دليل عدم الدخول النهي عن الوصال، وقول القائل حفظت القرآن من أوله إلى آخره دليل الدخول كون الكلام مسوقا لحفظ جميع القرآن، وقوله تعالى (إلى المرافق) لا دليل فيه على أحد الأمرين، قال: فأخذ العلماء بالاحتياط ووقف زفر مع المتيقن، انتهى. ويمكن أن يستدل لدخولهما بفعله صلى الله عليه وسلم ففي الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في صفة الوضوء " فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين " وفيه عن جابر قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه " لكن إسناده ضعيف، وفي البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر في صفة الوضوء " وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفق " وفي الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا " ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه " فهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا. قال إسحاق بن راهويه: " إلى " في الآية يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وأن تكون بمعنى مع، فبينت السنة أنها بمعنى مع، انتهى. وقد قال الشافعي في الأم: لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع قبله وكذا من قال بذلك من أهل الظاهر بعده، ولم يثبت ذلك عن مالك صريحا وإنما حكى عنه أشهب كلاما محتملا والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء هو العظم الناتئ في آخر الذراع سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه. قوله: (ثم مسح رأسه) زاد ابن الطباع " كله " كما تقدم عن رواية ابن خزيمة. وفي رواية خالد ابن عبد الله برأسه بزيادة الباء. قال القرطبي: الباء للتعدية يجوز حذفها وإثباتها كقولك مسحت رأس اليتيم ومسحت برأسه. وقيل دخلت الباء لتفيد معنى آخر وهو أن الغسل لغة يقتضي مغسولا به، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به، فلو قال وامسحوا رءوسكم لأجزأ المسح باليد بغير ماء، فكأنه قال وامسحوا برءوسكم الماء فهو على القلب، والتقدير امسحوا رءوسكم بالماء. وقال الشافعي: احتمل قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) جميع الرأس أو بعضه، فدلت السنة على أن بعضه يجزئ. والفرق بينه وبين قوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم) في التيمم أن المسح فيه بدل عن الغسل ومسح الرأس أصل فافترقا، ولا يرد كون مسح الخف بدلا عن غسل الرجل لأن الرخصة فيه ثبتت بالإجماع. فإن قيل فلعله اقتصر على مسح الناصية لعذر - لأنه كان في سفر وهو مظنة العذر، ولهذا مسح على العمامة بعد مسح الناصية كما هو ظاهر من سياق مسلم في حديث المغيرة بن شعبة - قلنا: قد روى عنه مسح مقدم الرأس من غير مسح على العمامة ولا تعرض لسفر، وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه، وهو مرسل لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولا أخرجه أبو داود من حديث أنس. وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله، فقد اعتضد كل من المرسل والموصول بالآخر، وحصلت القوة من الصورة المجموعة، وهذا مثال لما ذكره الشافعي من أن المرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند، وظهر بهذا جواب من أورد أن الحجة حينئذ بالمسند فيقع المرسل لغوا، وقد قررت جواب ذلك فيما كتبته على علوم الحديث لابن الصلاح. وفي الباب أيضا عن عثمان في صفة الوضوء قال " ومسح مقدم رأسه " أخرجه سعيد بن منصور، وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك مختلف فيه. وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس، قاله ابن المنذر وغيره، ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك، قاله ابن حزم. وهذا كله مما يقوي به المرسل المتقدم ذكره والله أعلم. قوله: (بدأ بمقدمة رأسه) الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجا من كلام مالك، ففيه حجة على من قال: السنة أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى أن ينتهي إلى مقدمه لظاهر قوله " أقبل وأدبر". ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب، وسيأتي عند المصنف قريبا من رواية سليمان بن بلال " فأدبر بيديه وأقبل " فلم يكن في ظاهره حجة لأن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية، ولم يعين ما أقبل إليه ولا ما أدبر عنه، ومخرج الطريقين متحد، فهما بمعنى واحد. وعينت رواية مالك البداءة بالمقدم فيحمل قوله " أقبل " على أنه من تسمية الفعل بابتدائه، أي بدأ بقبل الرأس، وقيل في توجيهه غير ذلك. والحكمة في هذا الإقبال والإدبار استيعاب جهتي الرأس بالمسح، فعلى هذا يختص ذلك بمن له شعر، والمشهور عمن أوجب التعميم الأولى واجبة والثانية سنة، ومن هنا يتبين ضعف الاستدلال بهذا الحديث على وجوب التعميم، والله أعلم قوله: (ثم غسل رجليه) زاد في رواية وهيب الآتية " إلى الكعبين " والبحث فيه كالبحث في قوله إلى المرفقين، والمشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وحكى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه العظم الذي في ظهر القدم عند معقد الشراك، وروى عن ابن القاسم عن مالك مثله، والأول هو الصحيح الذي يعرفه أهل اللغة، وقد أكثر المتقدمون من الرد على من زعم ذلك، ومن أوضح الأدلة فيه حديث النعمان بن بشير الصحيح في صفة الصف في الصلاة " فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه " وقيل إن محمدا إنما رأى ذلك في حديث قطع المحرم الخفين إلى الكعبين إذا لم يجد النعلين. وفي هذا الحديث من الفوائد الإفراغ على اليدين معا في ابتداء الوضوء، وأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث، وفيه مجيء الإمام إلى بيت بعض رعيته وابتداؤهم إياه بما يظنون أن له به حاجة، وجواز الاستعانة في إحضار الماء من غير كراهة، والتعليم بالفعل، وأن الاغتراف من الماء القليل للتطهر لا يصير الماء مستعملا لقوله في رواية وهيب وغيره " ثم أدخل يده فغسل وجهه. الخ"، وأما اشتراط نية الاغتراف فليس في هذا الحديث ما يثبتها ولا ما ينفيها، واستدل به أبو عوانة في صحيحه على جواز التطهر بالماء المستعمل، وتوجيهه أن النية لم تذكر فيه، وقد أدخل يده للاغتراف بعد غسل الوجه وهو وقت غسلها. |
02-13-2013, 06:06 PM | #101 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
وقال الغزالي: مجرد الاغتراف لا يصير الماء مستعملا لأن الاستعمال إنما يقع من المغترف منه، وبهذا قطع البغوي.
واستدل به المصنف على استيعاب مسح الرأس، وقد قدمنا أنه يدل لذلك ندبا لا فرضا، وعلى أنه لا يندب تكريره كما سيأتي في باب مفرد، وعلى الجمع بين المضمضة والاستنشاق من غرفة كما سيأتي أيضا، وعلى جواز التطهر من آنية النحاس وغيره. *3*باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ الشرح: قوله: (باب غسل الرجلين إلى الكعبين) تقدمت مباحثه في الباب الذي قبله. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنْ التَّوْرِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ الشرح: عمرو المذكور هو ابن يحيى بن عمارة شيخ مالك المتقدم، وعمرو بن أبي حسن عم أبيه كما قدمناه، وسماه هناك جده مجازا، وأغرب الكرماني - تبعا لصاحب الكمال - فقال: عمرو بن أبي حسن جد عمرو بن يحيى من قبل أمه، وقد قدمنا أن أم عمرو بن يحيى ليست بنتا لعمرو بن أبي حسن فلم يستقم ما قاله بالاحتمال. قوله: (فتوضأ لهم) أي لأجلهم (وضوء النبي صلى الله عليه وسلم) أي مثل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وأطلق عليه وضوءه مبالغة. قوله: (ثم أدخل يده فغسل وجهه) بين في هذه الرواية تجديد الاغتراف لكل عضو، وأنه اغترف بإحدى يديه، وكذا هو في باقي الروايات، وفي مسلم وغيره. لكن وقع في رواية ابن عساكر وأبى الوقت من طريق سليمان بن بلال الآتية " ثم أدخل يديه " بالتثنية، وليس ذلك في رواية أبي ذر ولا الأصيلي ولا في شيء من الروايات خارج الصحيح قاله النووي، وأظن أن الإناء كان صغيرا فاغترف بإحدى يديه ثم أضافها إلى الأخرى كما تقدم نظيره في حديث ابن عباس، وإلا فالاغتراف باليدين جميعا أسهل وأقرب تناولا كما قال الشافعي. قوله: (ثم غسل يديه مرتين) المراد غسل كل يد مرتين كما تقدم في طريق مالك " ثم غسل يديه مرتين مرتين " وليس المراد توزيع المرتين على اليدين فكأن يكون لكل يد مرة واحدة. *3*باب اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَهْلَهُ أَنْ يَتَوَضَّئُوا بِفَضْلِ سِوَاكِهِ الشرح: قوله: (باب استعمال فضل وضوء الناس) أي في التطهر، والمراد بالفضل الماء الذي يبقى في الظرف بعد الفراغ. قوله: (وأمر جرير بن عبد الله) هذا الأثر وصله ابن أبي شيبة والدارقطني وغيرهما من طريق قيس بن أبي حازم عنه، وفي بعض طرقه " كان جرير يستاك ويغمس رأس سواكه في الماء ثم يقول لأهله: توضئوا بفضله، لا يرى به بأسا " وهذه الرواية مبنية للمراد، وظن ابن التين وغيره أن المراد بفضل سواكه الماء الذي ينتقع فيه العود من الأراك وغيره ليلين فقالوا: يحمل على أنه لم يغير الماء، وإنما أراد البخاري أن صنيعه ذلك لا يغير الماء، وكذا مجرد الاستعمال لا يغير الماء فلا يمتنع التطهر به. وقد صححه الدارقطني بلفظ " كأن يقول لأهله: توضئوا من هذا الذي أدخل فيه سواكي " وقد روى مرفوعا، أخرجه الدارقطني من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بفضل سواكه " وسنده ضعيف، وذكر أبو طالب في مسائله عن أحمد أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال: كان يدخل السواك في الإناء ويستاك، فإذا فرغ توضأ من ذلك الماء. وقد استشكل إيراد البخاري له في هذا الباب المعقود لطهارة الماء المستعمل، وأجيب بأنه ثبت أن السواك مطهر للفم، فإذا خالط الماء ثم حصل الوضوء بذلك الماء كان فيه استعمال للمستعمل في الطهارة. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَقَالَ أَبُو مُوسَى دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمَا اشْرَبَا مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا الشرح: قوله: (حدثنا الحكم) هو ابن عتيبة تصغير عتبة بالمثناة ثم الموحدة، كان من الفقهاء الكوفيين، وهو تابعي صغير. وحديث أبي جحيفة المذكور ستأتي مباحثه في باب السترة في الصلاة. وقوله "يأخذون من فضل وضوئه " كأنهم اقتسموا الماء الذي فضل عنه، ويحتمل أن يكونوا تناولوا ما سال من أعضاء وضوئه صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة بينة على طهارة الماء المستعمل. وقوله: (وقول أبو موسى) هو الأشعري، وهذا الحديث طرف من حديث مطول أخرجه المؤلف في المغازي وأوله عن أبي موسى قال " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه بلال، فأتاه أعرابي " فذكر الحديث. وعرف منه تفسير المبهمين في قوله " اشربا " وهما أبو موسى وبلال. وقد ذكر المؤلف طرفا منه أيضا بإسناده في باب الغسل والوضوء في المخضب كما سيأتي بعد قليل. قوله: (ومج فيه) أي صب ما تناوله من الماء في الإناء، والغرض بذلك إيجاد البركة بريقه المبارك. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ وَهُوَ الَّذِي مَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ غُلَامٌ مِنْ بِئْرِهِمْ وَقَالَ عُرْوَةُ عَنْ الْمِسْوَرِ وَغَيْرِهِ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ الشرح: قوله: (حدثنا علي بن عبد الله) هو ابن المديني، وصالح هو ابن كيسان، وقد تقدم الكلام على حديث محمود بن الربيع هذا في باب متى يصح سماع الصغير من كتاب العلم. قوله: (وقال عروة) هو ابن الزبير (عن المسور) هو ابن مخرمة. قوله: (وغيره) هو مروان بن الحكم كما سيأتي موصولا مطولا في كتاب الشروط. وقال الكرماني: هذه الرواية وإن كانت عن مجهول لكنها متابعة، ويغتفر فيها ما لا يغتفر في الأصول. قلت: وهذا صحيح إلا أنه لا يعتذر به هنا لأن المبهم معروف، وإنما لم يسمه اختصارا كما اختصر السند فعلقه، وزعم الكرماني أن قوله " وقال عروة " معطوف على قوله في السند الذي قبله " أخبرني محمود " فيكون صالح بن كيسان روى عن الزهري حديث محمود وعطف عليه حديث عروة، فعلى هذا لا يكون حديث عروة معلقا بل يكون موصولا بالسند الذي قبله، وصنيع أئمة النقل يخالف ما زعمه، واستمر الكرماني على هذا التجويز حتى زعم أن الضمير في قوله " يصدق كل واحد منهما صاحبه " للمسور ومحمود، وليس كما زعم بل هو للمسور ومروان، وهو تجويز منه بمجرد العقل، والرجوع إلى النقل في باب النقل أولى. قوله: (كانوا يقتتلون) كذا لأبي ذر وللباقين " كادوا " بالدال وهو الصواب لأنه لم يقع بينهم قتال، وإنما حكى ذلك عروة بن مسعود الثقفي لما رجع إلى قريش ليعلمهم شدة تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ويمكن أن يكون أطلق القتال مبالغة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ الشرح: قوله: (باب) كذا للمستملي كأنه كالفصل من الباب الذي قبله، وجعله الباقون منه بلا فصل. قوله: (حدثنا عبد الرحمن بن يونس) هو أبو مسلم المستملي أحد الحفاظ. قوله: (عن الجعد) كذا هنا، وللأكثر " الجعيد " بالتصغير وهو المشهور، والسائب بن يزيد من صغار الصحابة، وسيأتي حديثه هذا مبينا في كتاب علامات النبوة إن شاء الله تعالى. قوله: (وقع) بكسر القاف والتنوين، وللكشميهني وقع بلفظ الماضي. وفي رواية كريمة " وجع " بالجيم والتنوين، والوقع وجع في القدمين. قوله: (زر الحجلة) بكسر الزاي وتشديد الراء، والحجلة بفتح المهملة والجيم واحدة الحجال، وهي بيوت تزين بالثياب والأسرة والستور لها عرى وأزرار، وقيل المراد بالحجلة الطير وهو اليعقوب يقال للأنثى منه حجلة، وعلى هذا فالمراد بزرها بيضتها، ويؤيده أن في حديث آخر " مثل بيضة الحمامة " وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى. وأراد البخاري الاستدلال بهذه الأحاديث على رد قول من قال بنجاسة الماء المستعمل، وهو قول أبي يوسف، وحكى الشافعي في الأم عن محمد بن الحسن أن أبا يوسف رجع عنه ثم رجع إليه بعد شهرين، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات: الأولى طاهر لا طهور وهي رواية محمد بن الحسن عنه وهو قوله وقول الشافعي في الجديد وهو المفتى به عند الحنفية، الثانية نجس نجاسة خفيفة وهي رواية أبي يوسف عنه، الثالثة نجس نجاسة غليظة وهي رواية الحسن اللؤلؤي عنه. وهذه الأحاديث ترد عليه لأن النجس لا يتبرك به، وحديث المجة وإن لم يكن فيه تصريح بالوضوء لكن توجيهه أن القائل بنجاسة الماء المستعمل إذا علله بأنه ماء مضاف قيل له هو مضاف إلى طاهر لم يتغير به، وكذلك الماء الذي خالطه الريق طاهر لحديث المجة، وأما من علله منهم بأنه ماء الذنوب فيجب إبعاده محتجا بالأحاديث الواردة في ذلك عند مسلم وغيره، فأحاديث الباب أيضا ترد عليه، لأن ما يجب إبعاده لا يتبرك به ولا يشرب، قال ابن المنذر: وفي إجماع أهل العلم على أن البلل الباقي على أعضاء المتوضئ وما قطر منه على ثيابه طاهر دليل قوي على طهارة الماء المستعمل، وأما كونه غير طهور فسيأتي الكلام عليه في كتاب الغسل إن شاء الله تعالى، والله أعلم. |
02-13-2013, 06:07 PM | #102 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب مَنْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
الشرح: قوله: (باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة) تقدم الكلام على ذلك قريبا في باب مسح الرأس، وتقدمت المسألة أيضا في حديث ابن عباس في أوائل الوضوء. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ أَوْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (ثم غسل) أي فمه (أو مضمض) كذا عنده بالشك، وأخرجه مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد بسنده هذا من غير شك ولفظه " ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق " وأخرجه أيضا الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد كذا، فالظاهر أن الشك فيه من مسدد شيخ البخاري. وأغرب الكرماني فقال: الظاهر أن الشك فيه من التابعي. قوله: (من كفة واحدة) كذا في رواية أبي ذر، وفي نسخة " من غرفة واحدة " وللأكثر " من كف " بغير هاء. قال ابن بطال: المراد بالكفة الغرفة، فاشتق لذلك من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى، قال: ولا يعرف في كلام العرب إلحاق هاء التأنيث في الكف، ومحصله أن المراد بقوله كفة: فعلة، لا أنها تأنيث الكف. وقال صاحب المشارق: قوله من كفة هي بالضم والفتح كغرفة وغرفة أي ما ملأ كفه من الماء. قوله (ثم غسل يديه) لم يذكر غسل الوجه اختصارا، وهو ثابت في رواية مسلم وغيره. وبقية مباحث هذا الحديث تقدمت قريبا. *3*باب مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً الشرح: قوله: (باب مسح الرأس مرة) للأصيلي مسحة. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ و حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً الشرح: قوله: (فدعا بتور من ماء) كذا للأكثر، وللكشميهني " فدعا بماء " ولم يذكر التور. قوله: (فكفأه) أي أماله، وللأصيلي " فأكفأه " وقد تقدم النقل أنهما بمعنى. قوله (فأقبل بيده) كذا هنا بالإفراد، وللكشميهني بالتثنية. قوله: (حدثنا وهيب) أي بإسناده المذكور وحديثه، وقد تقدمت طريق موسى هذه في باب غسل الرجلين إلى الكعبين، وذكر فيها أن مسح الرأس مرة، وقد تقدم نقل الخلاف في استحباب العدد في مسح الرأس في باب الوضوء ثلاثا ثلاثا في الكلام على حديث عثمان، وذكرنا قول أبي داود: إن الروايات الصحيحة عن عثمان ليس فيها عدد لمسح الرأس، وأنه أورد العدد من طريقين صحح أحدهما غيره، والزيادة من الثقة مقبولة فيحمل قول أبي داود على إرادة استثناء الطريقين اللذين ذكرهما، فكأنه قال: إلا هذين الطريقين، قال ابن السمعاني في الاصطلاح: اختلاف الرواية يحمل على التعدد، فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا، فليس في رواية " مسح مرة " حجة على منع التعدد. ويحتج للتعدد بالقياس على المغسول لأن الوضوء طهارة حكمية، ولا فرق في الطهارة الحكمية بين الغسل والمسح. وأجيب بما تقدم من أن المسح مبني على التخفيف بخلاف الغسل، ولو شرع التكرار لصارت صورته صورة المغسول. وقد اتفق على كراهة غسل الرأس بدل المسح وإن كان مجزئا، وأجاب بأن الخفة تقتضي عدم الاستيعاب وهو مشروع بالاتفاق فليكن العدد كذلك، وجوابه واضح. ومن أقوى الأدلة على عدم العدد الحديث المشهور الذي صححه ابن خزيمة وغيره من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ " من زاد على هذا فقد أساء وظلم " فإن في رواية سعيد بن منصور فيه التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة، فدل على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحبة، ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح - إن صحت - على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس. جمعا بين هذه الأدلة. (تنبيه) : لم يقع في هذه الرواية ذكر غسل الوجه، وجوز الكرماني أن يكون هو مفعول غسل الذي وقع فيه الشك من الراوي، والتقدير: فغسل وجهه أو تمضمض واستنشق. قلت: ولا يخفى بعده. وقد أخرج الحديث المذكور مسلم والإسماعيلي في روايتهما المذكورة وفيها بعد ذكر المضمضة والاستنشاق " ثم غسل وجهه ثلاثا " فدل على أن الاختصار من مسدد، كما تقدم أن الشك منه. وقال الكرماني: يجوز أن يكون حذف الوجه إذا لم يقع في شيء منه اختلاف، وذكر ما عداه لما في المضمضة والاستنشاق من الإفراد والجمع، ولما في إدخال المرفقين، ولما في مسح جميع الرأس، ولما في الرجلين إلى الكعبين، انتهى ملخصا ولا يخفى تكلفه. *3*باب وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ وَمِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ الشرح: قوله: (باب وضوء الرجل) بضم الواو لأن القصد به الفعل. قوله: (وفضل وضوء المرأة) بفتح الواو، لأن المراد به الماء الفاضل في الإناء بعد الفراغ من الوضوء، وهو بالخفض عطفا على قوله " وضوء الرجل". قوله: (وتوضأ عمر بالحميم) أي بالماء المسخن، وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح بلفظ " إن عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه " ورواه ابن أبي شيبة والدارقطني بلفظ " كان يسخن له ماء في قمقم ثم يغتسل منه " قال الدارقطني إسناده صحيح، ومناسبته للترجمة من جهة أن الغالب أن أهل الرجل تبع له فيما يفعل، فأشار البخاري إلى الرد على من منع المرأة أن تتطهر بفضل الرجل، لأن الطاهر أن امرأة عمر كانت تتوضأ بفضله أو معه، فيناسب قوله " وضوء الرجل مع امرأته " أي من إناء واحد. وأما مسألة التطهر بالماء المسخن فاتفقوا على جوازه إلا ما نقل عن مجاهد. قوله: (ومن بيت نصرانية) هو معطوف على قوله " بالحميم " أي وتوضأ عمر من بيت نصرانية، وهذا الأثر وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه به، ولفظ الشافعي " توضأ من ماء في جرة نصرانية " ولم يسمعه ابن عيينة من زيد بن أسلم، فقد رواه البيهقي من طريق سعدان ابن نصر عنه قال " حدثونا عن زيد بن أسلم " فذكره مطولا. ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة فقال " عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه به " وأولاد زيد هم عبد الله وأسامة وعبد الرحمن، وأوثقهم وأكبرهم عبد الله، وأظنه هو الذي سمع ابن عيينة منه ذلك، ولهذا جزم مه البخاري. ووقع في رواية كريمة بحذف الواو من قوله " ومن بيت " وهذا الذي جرأ الكرماني أن يقول: المقصود ذكر استعمال سؤر المرأة، وأما الحميم فذكره لبيان الواقع. وقد عرفت أنهما أثران متغايران، وهذا الثاني مناسب لقوله " وفضل وضوء المرأة " لأن عمر توضأ بمائها ولم يستفصل، مع جواز أن تكون تحت مسلم واغتسلت من حيض ليحل له وطؤها ففضل منه ذلك الماء، وهذا وإن لم يقع التصريح به لكنه محتمل، وجرت عادة البخاري بالتمسك بمثل ذلك عند عدم الاستفصال، وإن كان غيره لا يستدل بذلك ففيه دليل على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمة لأنها لا تكون أسوأ حالا من النصرانية. وفيه دليل على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال. وقال الشافعي في الأم: لا بأس بالوضوء من ماء المشرك وبفضل وضوئه ما لم تعلم فيه نجاسة. وقال ابن المنذر: انفرد إبراهيم النخعي بكراهة فضل المرأة إذا كانت جنبا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا الشرح: قوله: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي أحد رواة الموطأ. قوله: (كان الرجال والنساء) ظاهرة التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق. قوله: (في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يستفاد منه أن البخاري يرى أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون حكمه الرفع وهو الصحيح، وحكى عن قوم خلافه لاحتمال أنه لم يطلع، وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم، ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير الجائز في زمن التشريع، فقد استدل أبو سعيد وجابر على إباحة العزل بكونهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل ولو كان منهيا لنهى عنه القرآن، وزاد ابن ماجه عن هشام بن عمار عن مالك في هذا الحديث " من إناء واحد"، وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر " ندلي فيه أيدينا " وفيه دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيره مستعملا لأن أوانيهم كانت صغارا كما صرح به الشافعي في الأم في عدة مواضع، وفيه دليل على طهارة الذمية واستعمال فضل طهورها وسؤرها لجواز تزوجهن وعدم التفرقة في الحديث بين المسلمة وغيرها. قوله: (جميعا) ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة، وحكى ابن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون جميعا في موضع واحد، هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة، والزيادة المتقدمة في قوله " من إناء واحد " ترد عليه، وكأن هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب، وقد أجاب ابن التين عنه بما حكاه عن سحنون أن معناه كان الرجال يتوضؤون ويذهبون ثم تأتي النساء فيتوضأن، وهو خلاف الظاهر من قوله " جميعا"، قال أهل اللغة: الجميع ضد المفترق، وقد وقع مصرحا بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه، والأولى في الجواب أن يقال: لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم. ونقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد. وفيه نظر، لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه، وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم، وهذا الحديث حجة عليهم. ونقل النووي أيضا الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس، وفيه نظر أيضا فقد أثبت الخلاف فيه الطحاوي، وثبت عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن مقيدا بما إذا كانت حائضا، وأما عكسه فصح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهما منعوا التطهر بفضل المرأة، وبه قال أحمد وإسحاق، لكن قيداه بما إذا خلت به لأن أحاديث الباب ظاهرة في الجواز إذا اجتمعا، ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة، قال: لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به، وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس والله أعلم. وأشهر الأحاديث في ذلك من الجهتين حديث الحكم بن عمرو الغفاري في المنع، وحديث ميمونة في الجواز. أما حديث الحكم بن عمرو فأخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه. وأما حديث ميمونة فأخرجه مسلم، لكن أعله قوم لتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال: علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني. فذكر الحديث، وقد ورد طريق أخرى بلا تردد لكن راويها غير ضابط وقد خولف، والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد"، وفي المنع أيضا ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين فقال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا " رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ودعوى ابن حزم أن داود راويه عن حميد ابن عبد الرحمن هو ابن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة، فإنه ابن عبد الله الأودي وهو ثقة، وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره، ومن أحاديث الجواز ما أخرجه أصحاب السنن والدارقطني وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت: أجنبت فاغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه، فقلت له فقال " الماء ليس عليه جنابة " واغتسل منه. لفظ الدارقطني. وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم. وقول أحمد إن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع، وهو ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جمع الخطابي، أو يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة. والله أعلم. |
02-13-2013, 06:09 PM | #103 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب صَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءَهُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ
الشرح: قوله: (باب صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه) بفتح الواو لأن المراد به الماء الذي توضأ به، والمغمى بضم الميم وإسكان المعجمة من أصابه الإغماء. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ الْمِيرَاثُ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ الشرح: قوله: (يعودني) زاد المصنف في الطب " ماشيا " قوله (لا أعقل) أي لا أفهم، وحذف مفعوله إشارة إلى عظم الحال، أي لا أعقل شيئا، وصرح به في التفسير، وله في الطب " فوجدني قد أغمي علي " وهو المطابق للترجمة. قوله: (من وضوئه) يحتمل أن يكون المراد صب علي بعض الماء الذي توضأ به أو مما بقي منه، والأول المراد، فللمصنف في الاعتصام " ثم صب وضوءه علي " ولأبي داود " فتوضأ وصبه علي " قوله: (لمن الميراث) اللام بدل من المضاف إليه كأنه قال ميراثي، ويؤيده أن في الاعتصام أنه قال " كيف أصنع في مالي " والمراد بآية الفرائض هنا قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) كما سيأتي مبينا في التفسير، ويذكر هناك بقية مباحثه إن شاء الله تعالى. *3*باب الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي الْمِخْضَبِ وَالْقَدَحِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ الشرح: قوله: (باب الغسل والوضوء في المخضب) هو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح للضاد المعجمة بعدها موحدة، المشهور أنه الإناء الذي يغسل فيه الثياب من أي جنس كان، وقد يطلق على الإناء صغيرا أو كبيرا والقدح أكثر ما يكون من الخشب مع ضيق فمه، وعطفه الخشب والحجارة على المخضب والقدح ليس من عطف العام على الخاص فقط بل بين هذين وهذين عموم وخصوص من وجه. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ وَبَقِيَ قَوْمٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ قُلْنَا كَمْ كُنْتُمْ قَالَ ثَمَانِينَ وَزِيَادَةً الشرح: قوله: (حدثنا عبد الله بن منير) هو بضم الميم وكسر النون بعدها ياء خفيفة كما قدمناه في المقدمة لكن وقع هنا في رواية الأصيلي " ابن المنير " بزيادة الألف واللام، فقد يلتبس بابن المنير الذي ننقل عنه في هذا الشرح لكنه بتثقيل الياء ونون مفتوحة، وهو متأخر عن هذا الراوي بأكثر من أربعمائة سنة. قوله: (حضرت الصلاة) هي العصر. قوله: (إلى أهله) أي لإرادة الوضوء (وبقي قوم) أي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، " ومن " في قوله " من حجارة " لبيان الجنس. قوله: (فصغر) بفتح الصاد المهملة وضم الغين المعجمة أي لم يسع بسط كفه صلى الله عليه وسلم فيه، وللإسماعيلي " فلم يستطع أن يبسط كفه من صغر المخضب " وهو دال على ما قلناه إن المخضب قد يطلق على الإناء الصغير، ومباحث هذا الحديث تقدمت في باب التماس الوضوء، وباقي الكلام عليه يأتي في علامات النبوة إن شاء الله تعالى. وقد أخرجه المصنف هناك عن عبد الله بن منير أيضا لكنه قال " عن يزيد بن هارون " بدل عبد الله بن بكر، فكأنه سمعه من شيخين، حدثه كل منهما به عن حميد. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ الشرح: قوله: (عن بريد) بالموحدة والراء مصغرا هو ابن عبد الله بن أبي بردة، والقدر المذكور من المتن تقدم بعضه معلقا في باب استعمال فضل وضوء الناس، وسيأتي مطولا في المغازي إن شاء الله تعالى. والغرض منه ذكر القدح وقد ذكرنا ما فيه. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ الشرح: قوله: (أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله بن يونس نسب إلى جده، وعبد العزيز شيخه هو ابن عبد الله بن أبي سلمة نسب إلى جده أيضا، فاتفقا في أن كلا منهما ينسب إلى جده وفي أن كلا منهما اسم أبيه عبد الله وأن كلا منهما يكنى أبا عبد الله وأن كلا منهما ثقة حافظ فقيه. قوله: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وللكشميهني وأبي الوقت " أتانا". قوله: (فغسل وجهه) تفسير لقوله فتوضأ، وفيه حذف تقديره فمضمض واستنشق كما دلت عليه باقي الروايات، والمخرج متحد، وقد تقدمت مباحثه، وأن عبد العزيز هذا زاد في روايته أن التور كان من صفر أي نحاس جيد. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الْآخَرُ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ الشرح: قوله: (لما ثقل) أي في المرض، وهو بضم القاف بوزن صغر قاله في الصحاح، وفي القاموس لشيخنا: ثقل كفرح فهو ثاقل وثقيل اشتد مرضه، فلعل في النسخة سقطا والله أعلم. قوله: (في أن يمرض) بفتح الراء الثقيلة، أي يخدم في مرضه. قوله: (فأذن) بكسر المعجمة وتشديد النون المفتوحة أي الأزواج، واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه، ويحتمل أن يكون فعل ذلك تطييبا لهن. قوله: (قال عبيد الله) هو الراوي له عن عائشة، وهو بالإسناد المذكور بغير أداة عطف. قوله: (وكانت) هو معطوف أيضا بالإسناد المذكور. قوله (هريقوا) كذا للأكثر، وللأصيلي " أهريقوا " بزيادة الهمزة، قال ابن التين هو بإسكان الهاء، ونقل عن سيبويه أنه قال أهراق يهريق أهرياقا مثل اسطاع يسطيع اسطياعا بقطع الألف وفتحها في الماضي وضم الياء في المستقبل وهي لغة في أطاع يطيع فجعلت السين والهاء عوضا من ذهاب حركة عين الفعل، وروى بفتح الهاء واستشكله، ويوجه بأن الهاء مبدلة من الهمزة لأن أصل هراق أراق ثم اجتلبت الهمزة فتحريك الهاء على إبقاء البدل والمبدل منه وله نظائر، وذكر له الجوهري توجيها آخر وأن أصله أأريقوا فأبدلت الهمزة الثانية هاء للخفة، وجزم ثعلب في الفصيح بأن أهريقه بفتح الهاء والله أعلم. قوله: (من سبع قرب) قال الخطابي: يشبه أن يكون خص السبع تبركا بهذا العدد، لأن له دخولا في كثير من أمور الشريعة وأصل الخلقة. وفي رواية للطبراني في هذا الحديث " من آبار شتى " والظاهر أن ذلك للتداوي لقوله في رواية أخرى في الصحيح " لعلي أستريح فأعهد " أي أوصى. قوله: (وأجلس في مخضب حفصة) زاد ابن خزيمة من طريق عروة عن عائشة أنه كان من نحاس، وفيه إشارة إلى الرد على من كره الاغتسال فيه كما ثبت ذلك عن ابن عمر. وقال عطاء: إنما كره من النحاس ريحه. قوله: (نصب عليه من تلك) أي القرب السبع. قوله: (حتى طفق) يقال طفق يفعل كذا إذا شرع في فعل واستمر فيه. قوله: (ثم خرج إلى الناس) زاد المصنف من طريق عقيل عن الزهري " فصلى بهم وخطبهم ثم خرج " وهو في باب الوفاة في آخر كتاب المغازي، وسيأتي الكلام على بقية مباحثه هناك، وعلى ما فيه من أحكام الإمامة في باب حد المريض أن يشهد الجماعة إن شاء الله تعالى. |
02-13-2013, 06:10 PM | #104 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْوُضُوءِ مِنْ التَّوْرِ
الشرح: قوله (باب الوضوء من التور) تقدمت مباحث حديث الباب قريبا، وأن التور بفتح المثناة شبه الطست وقيل هو الطست. ووقع في حديث شريك عن أنس في المعراج. " فأتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب " وظاهره المغايرة بينهما، ويحتمل الترادف، وكأن الطست أكبر من التور. الحديث: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنْ الْوُضُوءِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبِرْنا كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بِهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ الشرح: قوله: (حدثنا سليمان) هو ابن بلال، والإسناد كله مدنيون. قوله: (كان عمي) هو عمرو بن أبي حسن كما تقدم وهو عمه على الحقيقة. قوله (ثم أدخل يده في التور فمضمض) فيه حذف تقديره ثم أخرجها فمضمض. وقد صرح به مسلم. قوله: (من غرفة واحدة) بتعلق بقوله " فمضمض واستنثر " والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات كل مرة من غرفة، ويحتمل أن يتعلق بقوله " ثلاث مرات " والمعنى أنه جمع بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة، والأول موافق لباقي الروايات فهو أولى. قوله: (فقال) أي عبد الله بن زيد (هكذا) هذه الزيادة صريحة في رفع الحديث وإن كان أول سياق الحديث يدل عليه. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ قَالَ أَنَسٌ فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ الشرح: قوله: (حدثنا حماد) هو ابن زيد ولم يسمع مسدد من حماد بن سلمة. قوله: (رحراح) بمهملات الأولى مفتوحة بعدها سكون أي متسع الفم. وقال الخطابي: الرحراح الإناء الواسع الصحن القريب القعر ومثله لا يسع الماء الكثير فهو أدل على عظم المعجزة. قلت: وهذه الصفة شبيهة بالطست، وبهذا يظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة. وروى ابن خزيمة هذا الحديث عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد فقال بدل رحراح " زجاج " بزاي مضمومة وجيمين، وبوب عليه الوضوء من آنية الزجاج ضد قول من زعم من المتصوفة أن ذلك إسراف لإسراع الكسر إليه. قلت: وهذه اللفظة تفرد بها أحمد بن عبدة، وخالفه أصحاب حماد بن زيد فقالوا رحراح. وقال بعضهم " واسع الفم " وهي رواية الإسماعيلي عن عبد الله بن ناجية عن محمد بن موسى وإسحاق بن أبي إسرائيل وأحمد بن عبدة كلهم عن حماد. وكأنه ساقه على لفظ محمد بن موسى، وصرح جمع من الحذاق بأن أحمد بن عبدة صحفها، ويقوي ذلك أنه أتى في روايته بقوله " أحسبه " فدل على أنه لم يتقنه، فإن كان ضبطه فلا منافاة بين روايته ورواية الجماعة لاحتمال أن يكونوا وصفوا هيئته وذكر هو جنسه. وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم قدحا من زجاج، لكن في إسناده مقال. قوله "فحزرت " بتقديم الزاي أي قدرت، وتقدم من رواية حميد أنهم كانوا ثمانين وزيادة، وهنا قال ما بين السبعين إلى الثمانين، والجمع بينهما أن أنسا لم يكن يضبط العدة بل كان يتحقق أنها تنيف على السبعين ويشك هل بلغت العقد الثامن أو تجاوزته، فربما جزم بالمجاوزة حيث يغلب ذلك على ظنه. واستدل الشافعي بهذا الحديث على رد قول من قال من أصحاب الرأي: إن الوضوء مقدر بقدر من الماء معين، ووجه الدلالة أن الصحابة اغترفوا من ذلك القدح من غير تقدير، لأن الماء النابع لم يكن قدره معلوما لهم فدل على عدم التقدير، وبهذا يظهر مناسبة تعقيب المصنف هذا الحديث بباب الوضوء بالمد، والمد إناء يسع رطلا وثلثا بالبغدادي، قاله جمهور أهل العلم، وخالف بعض الحنفية فقالوا المد رطلان. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ الشرح: قوله: (ابن جبر) بفتح الجيم وسكون الموحدة، ومن قاله بالتصغير فقد صحف، لأن ابن جبير وهو سعيد لا رواية له عن أنس في هذا الكتاب، والراوي هنا هو عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك الأنصاري، وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم شيخ البخاري قال: حدثنا مسعر حدثني شيخ من الأنصار يقال له ابن جبر. وفي الإسناد كوفيان أبو نعيم وشيخه، وبصريان أنس والراوي عنه. قوله: (يغسل) أي جسده، والشك فيه من البخاري أو من أبي نعيم لما حدثه به، فقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي نعيم فقال " يغتسل " ولم يشك. قوله: (بالصاع) هو إناء يسع خمسة أرطال وثلثا بالبغدادي. وقال بعض الحنفية ثمانية. قوله: (إلى خمسة أمداد) أي كان ربما اقتصر على الصاع وهو أربعة أمداد، وربما زاد عليها إلى خمسة، فكأن أنسا لم يطلع على أنه استعمل في الغسل أكثر من ذلك لأنه جعلها النهاية، وقد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق، قال ابن عيينة والشافعي وغيرهما: هو ثلاثة آصع، وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد، فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة، وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية، وكذا من قال به من الحنفية مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع، وحمله الجمهور على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك، ففي مسلم عن سفينة مثله، ولأحمد وأبي داود بإسناد صحيح عن جابر مثله، وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة، وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا، وإلى هذا أشار المصنف في أول كتاب الوضوء بقوله " وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم". |
02-13-2013, 06:11 PM | #105 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
الشرح: قوله: (باب المسح على الخفين) نقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته. وقال ابن عبد البر: لا أعلم روي عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك، مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته، وقد أشار الشافعي في الأم إلى إنكار ذلك على المالكية، والمعروف المستقر عندهم الآن قولان: الجواز مطلقا، ثانيهما للمسافر دون المقيم. وهذا الثاني ما في المدونة وبه جزم ابن الحاجب، وصحح الباجي الأول ونقله عن ابن وهب، وعن ابن نافع في المبسوطة نحوه وأن مالكا إنما كان يتوقف فيه في خاصة نفسه مع إفتائه بالجواز، وهذا مثل ما صح عن أبي أيوب الصحابي. وقال ابن المنذر اختلف العلماء أيهما أفضل: المسح على الخفين، أو نزعهما وغسل القدمين؟ قال: والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض. قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون من السنن أفضل من تركه ا ه. وقال الشيخ محيي الدين: وقد صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل أفضل بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة كما قالوه في تفضيل القصر على الإتمام، وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين ومنهم العشرة، وفي ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين. الحديث: حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدًا حَدَّثَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ الشرح: قوله: (حدثنا أصبغ) بفتح الهمزة وكأن البخاري اختار الرواية عنه لهذا الحديث لقوله " المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر أصحابه في الحضر أثبت عندنا وأقوى من أن نتبع مالكا على خلافه". وعمرو هو ابن الحارث، وهو ومن دونه ثلاثة مصريون، والذين فوقه ثلاثة مدنيون، والإسناد رواية تابعي عن تابعي: أبو النضر عن أبي سلمة، وصحابي عن صحابي. قوله: (وأن عبد الله) هو معطوف على قوله عن عبد الله بن عمر فهو موصول إذا حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله وإلا فأبو سلمة لم يدرك القصة، وقد أخرجه أحمد من طريق أخرى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر قال: " رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر قال لي سعد: سل أباك " فذكر القصة. ورواه ابن خزيمة من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر نحوه وفيه أن عمر قال " كنا ونحن مع نبينا نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسا". قوله: (فلا تسأل عنه غيره) أي لقوة الوثوق بنقله، ففيه دليل على أن الصفات الموجبة للترجيح إذا اجتمعت في الراوي كانت من جملة القرائن التي إذا حفت خبر الواحد قامت مقام الأشخاص المتعددة، وقد يفيد العلم عند البعض دون البعض، وعلى أن عمر كان يقبل خبر الواحد، وما نقل عنه من التوقف إنما كان عند وقوع ريبة له في بعض المواضع، واحتج به من قال بتفاوت رتب العدالة ودخول الترجيح في ذلك عند التعارض، ويمكن إبداء الفارق في ذلك بين الرواية والشهادة، وفيه تعظيم عظيم من عمر لسعد، وفيه أن الصحابي القديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجلية في الشرع ما يطلع عليه غيره، لأن ابن عمر أنكر المسح على الخفين مع قديم صحبته وكثرة روايته، وقد روى قصته مالك في الموطأ عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه " أن ابن عمر قدم الكوفة على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد سل أباك " فذكر القصة. ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما أنكر المسح في الحضر لا في السفر لظاهر هذه القصة، ومع ذلك فالفائدة بحالها. والله أعلم قوله: (وقال موسى بن عقبة) هذا التعليق وصله الإسماعيلي وغيره بهذا الإسناد، وفيه ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم موسى، وموسى وأبو النضر قرينان مدنيان. قوله: (أن سعدا حدثه) أي حدث أبا سلمة، والمحدث به محذوف تبين من الرواية الموصولة أن لفظه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين". قوله: (فقال) هو معطوف عل المقدر. قوله: (نحوه) بالنصب لأنه مقول القول، وظهر أن قول عمر في هذه الرواية المعلقة بمعنى الرواية التي وصلها المؤلف لا بلفظها. وقد وصله الإسماعيلي أيضا من طريق أخرى عن موسى بن عقبة ولفظه " وأن عمر قال لعبد الله - أي ابنه كأنه يلومه - إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تبتغ وراء حديثه شيئا. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ الشرح: قوله: (حدثنا الليث) بن سعد (عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري وقد تقدم هذا الحديث من طريق أخرى عنه في باب الرجل يوضئ صاحبه، وأن فيه أربعة من التابعين على الولاء. وأخرجه المصنف في المغازي من طريق أخرى عن الليث فقال: عن عبد العزيز بن أبي سلمة بدل يحيى بن سعيد، وسياقه أتم، فكأن لليث فيه شيخين. قوله: (أنه خرج لحاجته) في الباب الذي بعد هذا أنه كان في سفر، وفي المغازي أنه كان في غزوة تبوك على تردد في ذلك من رواته. ولمالك وأحمد وأبي دواد من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة أنه كان في غزوة تبوك بلا تردد، وأن ذلك كان عند صلاة الفجر. قوله: (فاتبعه) بتشديد المثناة المفتوحة، وللمصنف من طريق مسروق عن المغيرة في الجهاد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتبعه بالإداوة، وزاد " فانطلق حتى توارى عني فقضى حاجته، ثم أقبل فتوضأ " وعند أحمد من طريق أخرى عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة كانت جلد ميتة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " سلها فإن كانت دبغتها فهو طهور " وأنها قالت: أي والله لقد دبغتها. قوله: (فتوضأ) زاد في الجهاد " وعليه جبة شامية " ولأبي داود " من صوف من جباب الروم"، وزاد المصنف في الطريق الذي في " باب الرجل يوضئ صاحبه ": " فغسل وجهه ويديه " والفاء في فغسل تفصيلية، وتبين من ذلك أن المراد بقوله توضأ أي بالكيفية المذكورة، لا أنه غسل رجليه. واستدل به القرطبي على الاقتصار على فروض الوضوء دون سننه، لا سيما في حال مظنة قلة الماء كالسفر، قال: ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فلم يذكرها المغيرة، قال: والظاهر خلافه. قلت بل فعلها وذكرها المغيرة، ففي رواية أحمد من طريق عباد بن زياد المذكورة " أنه غسل كفيه"، وله من وجه آخر قوي " فغسلهما فأحسن غسلهما " قال: وأشك أقال دلكهما بتراب أم لا. وللمصنف في الجهاد " أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه " زاد أحمد " ثلاث مرات، فذهب يخرج يديه من كمية فكانا ضيقين، فأخرجهما من تحت الجبة " ولمسلم من وجه آخر " وألقى الجبة على منكبيه " ولأحمد " فغسل يده اليمين ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات " وللمصنف " ومسح برأسه " وفي رواية لمسلم " ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخفين " وسيأتي قوله " إني أدخلتهما طاهرتين " في الباب الذي بعد هذا. وحديث المغيرة هذا ذكر البزار أنه رواه عنه ستون رجلا، وقد لخصت مقاصد طرقه الصحيحة في هذه القطعة، وفيه من الفوائد الإبعاد عند قضاء الحاجة، والتواري عن الأعين، واستحباب الدوام على الطهارة لأمره صلى الله عليه وسلم المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به وإنما توضأ به حين رجع، وفيه جواز الاستعانة كما شرح في بابه، وغسل ما يصيب اليد من الأذى عند الاستجمار، وأنه لا يكفي إزالته بغير الماء، والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه. وقد يستنبط منه أن ما انتشر عن المعتاد لا يزال إلا بالماء، وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت، والانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها لأنه صلى الله عليه وسلم لبس الجبة الرومية ولم يستفصل، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الجبة كانت شامية وكانت الشام إذ ذاك دار كفر ومأكول أهلها الميتات، كذا قال. وفيه الرد على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة لأنها نزلت في غزوة المريسيع وكانت هذه القصة في غزوة تبوك، وهي بعدها باتفاق، وسيأتي حديث جرير البجلي في معنى ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. وفيه التشمير في السفر، ولبس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك، وفيه المواظبة على سنن الوضوء حتى في السفر، وفيه قبول خبر الواحد في الأحكام ولو كانت امرأة، سواء كان ذلك فيما تعم به البلوى أم لا، لأنه صلى الله عليه وسلم قبل خبر الأعرابية كما تقدم. وفيه أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجزئ لإخراجه صلى الله عليه وسلم يديه من تحت الجبة ولم يكتف فيما بقي منهما بالمسح عليه، وقد يستدل به على من ذهب إلى وجوب تعميم مسح الرأس لكونه كمل بالمسح على العمامة ولم يكتف بالمسح على ما بقي من ذراعيه. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَتَابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبَانُ عَنْ يَحْيَى الشرح: قوله: (شيبان) هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير. قوله: (عن أبي سلمة) وللإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن شيبان عن يحيى حدثني أبو سلمة حدثني جعفر بن عمرو بن أمية. وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على الولاء أولهم يحيى وهو تابعي صغير، وأبو سلمة وجعفر قرينان. قوله: (وتابعه) أي تابع شيبان (حرب) وهو ابن شداد، وحديثه موصول عند النسائي والطبراني. قوله: (وأبان) هو ابن يزيد العطار وهو معطوف على حرب، وحديثه موصول عند أحمد والطبراني. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمْرٍو قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك. قوله: (عن يحيى) لأحمد عن أبي المغيرة عن الأوزاعي حدثني يحيى. قوله: (على عمامته وخفيه) هكذا رواه الأوزاعي وهو مشهور عنه. وأسقط بعض الرواة عنه جعفرا من الإسناد، وهو خطأ قاله أبو حاتم الرازي. قوله: (وتابعه) أي تابع الأوزاعي (معمر) ابن راشد في المتن لا في الإسناد، وهذا هو السبب في سياق المصنف الإسناد ثانيا ليبين أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر، وذكر أبو ذر في روايته لفظ المتن وهو قوله " يمسح على عمامته " زاد الكشميهني " وخفيه " وسقط ذكر المتن من سائر الروايات في الصحيح، وراوية معمر قد أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة، لكن أخرجها ابن منده في كتاب الطهارة له من طريق معمر بإثباتها، وأغرب الأصيلي فيما حكاه ابن بطال فقال: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي، لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها، فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحدة، قال: وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة، وهي أيضا مرسلة لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو. قلت: سماع أبي سلمة من عمرو ممكن، فإنه مات بالمدينة سنة ستين وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو، وقد روى بكير بن الأشج عن أبي سلمة أنه أرسل جعفر ابن عمرو بن أمية إلى أبيه يسأله عن هذا الحديث، فرجع إليه فأخبره به، فلا مانع أن يكون أبو سلمة. اجتمع بعمرو بعد فسمعه منه. ويقويه توفر دواعيهم على الاجتماع في المسجد النبوي، وقد ذكرنا أن ابن منده أخرجه من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه، وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته، لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل، ولا تكون شاذة، ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية. وقد اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل: إنه كمل عليها بعد مسح الناصية، وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك، وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور. وقال الخطابي: فرض الله مسح الرأس، والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل، فلا يترك المتيقن للمحتمل. قال: وقياسه على مسح الخف بعيد، لأنه يشق نزعه بخلافها، وتعقب بأن الذين أجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف، وطريقة أن تكون محنكة كعمائم العرب. وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين. وقالوا الآية لا تنفي ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل، وإلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم. وقال ابن المنذر: ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا". والله أعلم. |
02-13-2013, 06:14 PM | #106 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ
الشرح: قوله: (باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان) هذا لفظ رواية أبى داود من طريق يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي في هذا الحديث، وسنبين ما بينها وبين لفظ حديث الباب من التفاوت. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا الشرح: قوله: (حدثنا زكريا) هو ابن أبي زائدة. (عن عامر) هو الشعبي، وزكريا مدلس ولم أره من حديثه إلا بالعنعنة، لكن أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن زكريا، والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين إلا ما كان مسموعا لهم، صرح بذلك الإسماعيلي. قوله: (فأهويت) أي مددت يدي، قال الأصمعي: أهويت بالشيء إذا أومأت به. وقال غيره: أهويت قصدت الهواء من القيام إلى القعود. وقيل الإهواء الإمالة، قال ابن بطال: فيه خدمة العالم، وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من عادة مخدومه قبل أن يأمره. وفيه الفهم عن الإشارة، ورد الجواب عما يفهم عنها لقوله " فقال دعهما " قوله: (فإني أدخلتهما) أي القدمين (طاهرتين) كذا للأكثر، وللكشميهني " وهما طاهرتان " ولأبي داود " فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان " وللحميدي في مسنده " قلت يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان " ولابن خزيمة من حديث صفوان بن عسال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا " قال ابن خزيمة ذكرته للمزني فقال لي: حدث به أصحابنا، فإنه أقوى حجة للشافعي. انتهى. وحديث صفوان وإن كان صحيحا لكنه ليس على شرط البخاري، لكن حديث الباب موافق له في الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس، وأشار المزني بما قال إلى الخلاف في المسألة، ومحصله أن الشافعي والجمهور حملوا الطهارة على الشرعية في الوضوء، وخالفهم داود فقال: إذا لم يكن على رجليه نجاسة عند اللبس جاز له المسح، ولو تيمم ثم لبسهما لم يبح له عندهم لأن التيمم مبيح لا رافع، وخالفهم أصبغ. ولو غسل رجليه بنية الوضوء ثم لبسهما ثم أكمل باقي الأعضاء لم يبح المسح عند الشافعي ومن وافقه على إيجاب الترتيب، وكذا عند من لا يوجبه بناء على أن الطهارة لا تتبعض، لكن قال صاحب الهداية من الحنفية: شرط إباحة المسح لبسهما على طهارة كاملة، قال: والمراد بالكاملة وقت الحدث لا وقت اللبس، في هذه الصورة إذا كمل الوضوء ثم أحدث جاز له المسح، لأنه وقت الحدث كان على طهارة كاملة انتهى. والحديث حجة عليه لأنه جعل الطهارة قبل لبس الخف شرطا لجواز المسح، والمعلق بشرط لا يصح إلا بوجود ذلك الشرط، وقد سلم أن المراد بالطهارة الكاملة، ولو توضأ مرتبا وبقي غسل إحدى رجليه فلبس ثم غسل الثانية ولبس لم يبح له المسح عند الأكثر، وأجازه الثوري والكوفيون والمزني صاحب الشافعي ومطرف صاحب مالك وابن المنذر وغيرهم لصدق أنه أدخل كلا من رجليه الخفين وهي طاهرة، وتعقب بأن الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة، واستضعفه ابن دقيق العيد لأن الاحتمال باق. قال: لكن إن ضم إليه دليل يدل على أن الطهارة لا تتبعض اتجه. (فائدة) : المسح على الخفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسل فيه بإجماع. (فائدة أخرى) : لو نزع خفيه بعد المسح قبل انقضاء المدة عند من قال بالتوقيت أعاد الوضوء عند أحمد وإسحاق وغيرهما وغسل قدميه عند الكوفيين والمزني وأبي ثور، وكذا قال مالك والليث إلا إن تطاول. وقال الحسن وابن أبي ليلي وجماعة: ليس عليه غسل قدميه، وقاسوه على من مسح رأسه ثم حلقه أنه لا يجب عليه إعادة المسح، وفيه نظر. (فائدة أخرى) : لم يخرج البخاري ما يدل على توقيت المسح. وقال به الجمهور. وخالف مالك في المشهور عنه فقال: يمسح ما لم يخلع، وروي مثله عن عمر. وأخرج مسلم التوقيت من حديث علي كما تقدم من حديث صفوان بن عسال، وفي الباب عن أبي بكرة وصححه الشافعي وغيره. *3*باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ يَتَوَضَّئُوا الشرح: قوله: (باب من لم يتوضأ من لحم الشاة) نص على لحم الشاة ليندرج ما هو مثلها وما دونها بالأولى، وأما ما فوقها فلعله يشير إلى استثناء لحوم الإبل لأن من خصه من عموم الجواز علله بشدة زهومته فلهذا لم يقيده بكونه مطبوخا، وفيه حديثان عند مسلم وهو قول أحمد واختاره ابن خزيمة وغيره من محدث الشافعية. قوله: (والسويق) قال ابن التين: ليس في أحاديث الباب ذكر السويق. وأجيب بأنه دخل من باب الأولى لأنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته فعدمه من السويق أولى، ولعله أشار بذلك إلى حديث الباب الذي بعده. قوله: (وأكل أبو بكر. الخ) سقط قوله " لحما " من رواية أبي ذر إلا عن الكشميهني، وقد وصله الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال " رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضئوا " ورويناه من طرق كثيرة عن جابر مرفوعا وموقوفا على الثلاثة مفرقا ومجموعا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ الشرح: قوله: (أكل كتف شاة) أي لحمه. وللمصنف في الأطعمة " تعرق " أي أكل ما على العرق - بفتح المهملة وسكون الراء - وهو العظم، ويقال له العراق بالضم أيضا. وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك كان في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما سيأتي من حديثها وهي خالة ابن عباس، كما أن ضباعة بنت عمه. وبين النسائي من حديث أم سلمة أن الذي دعاه إلى الصلاة هو بلال. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَى السِّكِّينَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ الشرح: قوله: (يحتز) بالمهملة والزاي أي يقطع، زاد في الأطعمة من طرق معمر عن الزهري " يأكل منها " وفي البيهقي من طريق صالح عن الزهري " يأكل ذراعا يحتز منها". قوله: (فألقى السكين) زاد في الأطعمة عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري " فألقاها والسكين"، وزاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في آخر الحديث: قال الزهري: فذهبت تلك - أي القصة - في الناس، ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " توضئوا مما مست النار " قال فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي، وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة. وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين، وارتضى النووي هذا في شرح المهذب. وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة، قال النووي: كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل. وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب، والله أعلم. واستدل البخاري في الصلاة بهذا الحديث على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب، وعلى جواز قطع اللحم بالسكين، وفي النهي عنه حديث ضعيف في سنن أبي داود فإن ثبت خص بعدم الحاجة الداعية إلى ذلك لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الترف، وفيه أن الشهادة على النفي - إذا كان محصورا - تقبل. (فائدة) : ليس لعمرو بن أمية رواية في البخاري إلا هذا الحديث والذي مضى في المسح فقط. |
02-13-2013, 06:14 PM | #107 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب مَنْ مَضْمَضَ مِنْ السَّوِيقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
الشرح: قوله: (باب من مضمض من السويق) قال الداودي: هو دقيق الشعير أو السلت المقلي. وقال غيره: ويكون من القمح. وقد وصفه أعرابي فقال: عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ الشرح: قوله: (عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري، والإسناد مدنيون إلا شيخ البخاري. وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرا، ويسار بالتحتانية والمهملة. قوله: (بالصهباء) بفتح المهملة والمد. قوله: (وهي أدنى خيبر) أي طرفها مما يلي المدينة. وللمصنف في الأطعمة وهي على روحة من خيبر. وقال أبو عبيد البكري في معجم البلدان: هي على بريد وبين البخاري في موضع آخر من الأطعمة من حديث ابن عيينة أن هذه الزيادة من قول يحيى بن سعيد أدرجت، وسيأتي الحديث قريبا بدون الزيادة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى. قوله: (ثم دعا بالأزواد) فيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر، وإن كان بعضهم أكثر أكلا. وفيه حمل الأزواد في الأسفار وأن ذلك لا يقدح في التوكل، واستنبط منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة، وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه. قوله: (فثرى) بضم المثلثة وتشديد الراء ويجوز تخفيفها، أي بل بالماء لما لحقه من اليبس. قوله: (وأكلنا) زاد في رواية سليمان " وشربنا". وفي الجهاد من رواية عبد الوهاب " فلكنا وأكلنا وشربنا". قوله: (ثم قام إلى المغرب فمضمض) أي قبل الدخول في الصلاة، وفائدة المضمضة من السويق وإن كان لا دسم له أن تحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله تتبعه عن أحوال الصلاة. قوله: (ولم يتوضأ) أي بسبب أكل السويق. وقال الخطابي: فيه دليل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ لأنه متقدم وخيبر كانت سنة سبع. قلت: لا دلالة فيه، لأن أبا هريرة حضر بعد فتح خيبر وروى الأمر بالوضوء كما في مسلم، وكان يفتى به بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد، وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام. الحديث: و حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ الشرح: قوله: (أخبرني عمرو) هو ابن الحارث، وبكير هو ابن عبد الله بن الأشج، ومباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله. ونصف الإسناد الأول مصريون ونصفه الأعلى مدنيون، ولعمرو بن الحارث فيه إسناد آخر إلى ميمونة ذكره الإسماعيلي مقرونا بالإسناد الأول، وليس في حديث ميمونة ذكر المضمضمة التي ترجم بها فقيل: أشار بذلك إلى أنها غير واجبة بدليل تركها في هذا الحديث، مع أن المأكول دسم يحتاج إلى المضمضة منه فتركها لبيان الجواز، وأفاد الكرماني أن في نسخة الفربري التي بخطه تقديم حديث ميمونة هذا إلى الباب الذي قبله، فعلى هذا هو من تصرف النساخ. |
02-13-2013, 06:15 PM | #108 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*بَاب هَلْ يُمَضْمِضُ مِنْ اللَّبَنِ
الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَقُتَيْبَةُ قَالَا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ إِنَّ لَهُ دَسَمًا تَابَعَهُ يُونُسُ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ الشرح: حديث قتيبة هذا أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة الخمسة وهم الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد وهو قتيبة. قوله: (شرب لبنا) زاد مسلم " ثم دعا بماء". قوله: (إن له دسما) قال ابن بطال عن المهلب: فيه بيان علة الأمر بالوضوء مما مست النار، وذلك لأنهم كانوا ألفوا في الجاهلية قلة التنظيف فأمروا بالوضوء مما مست النار، فلما تقررت النظافة في الإسلام وشاعت نسخ. كذا قال ولا تعلق لحديث الباب بما ذكر، إنما فيه بيان العلة للمضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شيء دسم، ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف. قوله: (تابعه) أي عقيلا (يونس) أي ابن يزيد، وحديثه موصول عند مسلم، وحديث صالح موصول عند أبي العباس السراج في مسنده. وتابعهم أيضا الأوزاعي أخرجه المصنف في الأطعمة عن أبي عاصم عنه بلفظ حديث الباب، لكن رواه ابن ماجه من طريق بن الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي فذكره بصيغة الأمر " مضمضوا من اللبن " الحديث، كذا رواه الطبري من طريق أخرى عن الليث بالإسناد المذكور. وأخرج ابن ماجه من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله، وإسناد كل منهما حسن والدليل على الأمر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي عن ابن عباس راوي الحديث أنه شرب لبنا فمضمض ثم قال " لو لم أتمضمض ما باليت". وروى أبو داود بإسناد حسن عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ". وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديث ابن عباس، ولم يذكر من قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ. *3*باب الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنْ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ أَوْ الْخَفْقَةِ وُضُوءًا الشرح: قوله: (باب الوضوء من النوم) أي هل يجب أو يستحب، وظاهر كلامه أن النعاس يسمى نوما، والمشهور التفرقة بينهما وأن من قرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس، وإن زاد على ذلك فهو نائم، ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت، وفي العين والمحكم النعاس النوم، وقيل مقاربته. قوله: (ومن لم ير من النعسة) هو قول المعظم، ويتخرج من جعل النعاس نوما أن من يقول النوم حدث بنفسه يوجب الوضوء من النعاس، وقد روى مسلم في صحيحه في قصة صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال " فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني " فدل على أن الوضوء لا يجب على غير المستغرق. وروى ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال " وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق خفقة " والخفقة بفتح المعجمة وإسكان الفاء بعدها قاف قال ابن التين: هي النعسة، وإنما كرر لاختلاف اللفظ، كذا قال. والظاهر أنه من الخاص بعد العام، قال أهل اللغة: خفق رأسه إذا حركه وهو ناعس. وقال أبو زيد: خفق برأسه من النعاس: أماله. وقال الهروي: معنى تخفق رءوسهم تسقط أذقانهم على صدورهم، وأشار بذلك إلى حديث أنس " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فينعسون حتى تخفق رءوسهم، ثم يقومون إلى الصلاة " رواه محمد بن نصر في قيام الليل وإسناده صحيح وأصله عند مسلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ الشرح: قوله: (عن هشام) زاد الأصيلي " ابن عروة " والإسناد مدنيون إلا شيخ البخاري. قوله: (إذا نعس) بفتح العين وغلطوا من ضمها. قوله (فليرقد) وللنسائي من طريق أيوب عن هشام " فلينصرف " والمراد به التسليم من الصلاة، وحمله المهلب على ظاهره فقال: إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه، فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه. قال: وقد أجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء، وخالف المزني فقال: ينقض قليله وكثيره. فخرق الإجماع. كذا قال المهلب، وتبعه ابن بطال وابن التين وغيرهما، وقد تحاملوا على المزني في هذه الدعوى، فقد نقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره، وهو قول أبي عبيد وإسحاق بن راهويه، قال ابن المنذر: وبه أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعني الذي صححه ابن خزيمة وغيره، ففيه " إلا من غائط أو بول أو نوم " فيسوي بينهما في الحكم، والمراد بقليله وكثيره طول زمانه وقصره لا مباديه، والذين ذهبوا إلى أن النوم مظنة الحدث اختلفوا على أقوال: التفرقة بين قليله وكثيره وهو قول الزهري ومالك، وبين المضطجع وغيره وهو قول الثوري، وبين المضطجع والمستند وغيرهما وهو قول أصحاب الرأي، وبينهما والساجد بشرط قصده النوم وبين غيرهم وهو قول أبي يوسف، وقيل لا ينقض نوم غير القاعد مطلقا وهو قول الشافعي في القديم، وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا، وفصل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض، وفي المهذب: وإن وجد منه النوم وهو قاعد ومحل الحديث منه متمكن بالأرض فالمنصوص أنه لا ينقض وضوءه. وقال في البويطي: ينتقض، وهو اختيار المزني. انتهى. وتعقب بأن لفظ البويطي ليس صريحا في ذلك فإنه قال: ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا وجب عليه الوضوء. قال النووي: هذا قابل للتأويل. قوله: (فإن أحدكم) قال المهلب فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة، فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتقض وضوءه بالإجماع. كذا قال وفيه نظر، فإن الإشارة إنما هي إلى جواز قطع الصلاة أو الانصراف إذا سلم منها، وأما النقض فلا يتبين من سياق الحديث لأن جريان ما ذكر على اللسان ممكن من الناعس، وهو القائل إن قليل النوم لا ينقض فكيف بالنعاس، وما ادعاه من الإجماع منتقض فقد صح عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وسعيد بن المسيب أن النوم لا ينقض مطلقا، وفي صحيح مسلم وأبي داود " وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فينامون ثم يصلون ولا يتوضئون، فحمل على أن ذلك كان وهم قعود، لكن في مسند البراز بإسناد صحيح في هذا الحديث " فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقومون إلى الصلاة". قوله: (فيسب) بالنصب ويجوز الرفع، ومعنى يسب يدعو على نفسه، وصرح به النسائي في روايته من طريق أيوب عن هشام، ويحتمل أن يكون علة النهي خشية أن يوافق ساعة الإجابة قاله ابن أبي جمرة، وفيه الأخذ بالاحتياط لأنه علل بأمر محتمل، والحث على الخشوع وحضور القلب للعبادة واجتناب المكروهات في الطاعات وجواز الدعاء في الصلاة من غير تقييد بشيء معين. (فائدة) : هذا الحديث ورد على سبب، وهو ما رواه محمد بن نصر من طريق ابن إسحاق عن هشام في قصة الحولاء بنت تويت كما تقدم في " باب أحب الدين إلى الله أدومه". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ الشرح: قوله (حدثنا أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو، وعبد الوارث هو ابن سعيد، وأيوب هو السختياني، والإسناد كله بصريون. قوله: (إذا نعس) زاد الإسماعيلي " أحدكم " ولمحمد بن نصر من طريق وهيب عن أيوب " فلينصرف". قوله: (فلينم) قال المهلب: إنما هذا في صلاة الليل، لأن الفريضة ليست في أوقات النوم، ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك. انتهى. وقد قدمنا أنه جاء على سبب، لكن العبرة بعموم اللفظ فيعمل به أيضا في الفرائض إن وقع ما أمن بقاء الوقت. (تنبيه) : أشار الإسماعيلي إلى أن في هذا الحديث اضطرابا فقال: رواه حماد بن زيد عن أيوب فوقفه وقال فيه: عن أيوب قرئ على كتاب عن أبي قلابة فعرفته. رواه عبد الوهاب الثقفي عن أيوب فلم يذكر أنسا. انتهى. وهذا لا يوجب الاضطراب، لأن رواية عبد الوارث أرجح بموافقة وهيب والطفاوي له عن أيوب، وقول حماد عنه " قرئ علي " لا يدل على أنه لم يسمعه من أبي قلابة بل يحمل على أنه عرف أنه فيما سمعه من أبي قلابة. والله أعلم. |
02-13-2013, 06:16 PM | #109 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ
الشرح: قوله: (باب الوضوء من غير حدث) أي ما حكمه؛ والمراد تجديد الوضوء. وقد ذكرنا اختلاف العلماء في أول كتاب الوضوء عند ذكر قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) وأن كثير منهم قالوا: التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، واستدل الدارمي في مسنده على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "لا وضوء إلا من حديث " وحكى الشافعي عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير: إذا قمتم من النوم. وتقدم أن من العلماء من حمله على ظاهره وقال: كان الوضوء لكل صلاة واجبا، ثم اختلفوا هل نسخ أو استمر حكمه. ويدل على النسخ ما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة فلما شق عليه أمر بالسواك. وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي ونقله ابن عبد البر عن عكرمة وابن سيرين وغيرهما، واستبعده النووي وجنح إلى تأويل ذلك إن ثبت عنهم، وجزم بأن الإجماع استقر على عدم الوجوب. ويمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ، ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب، وفي حق غيرهم على الندب، وحصل بيان ذلك بالسنة كما في حديث الباب. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ ح و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ قَالَ يُجْزِئُ أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ الشرح: قوله: (حدثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي، وسفيان هو الثوري. قوله: (وحدثنا مسدد) هو تحويل إلى إسناد ثان قبل ذكر المتن، وإنما ذكره وإن كان الأول أعلى لتصريح سفيان الثوري قيه بالتحديث، وعمرو بن عامر كوفي أنصاري وقيل بجلي، وصحح المزي أن البجلي راو آخر غير هذا الأنصاري، وليس لهذا في البخاري غير ثلاثة أحاديث كلها عن أنس، وليس للبجلي عنده رواية، وقد يلتبس به عمر بن عامر بضم العين راو آخر بصري سلمى أخرج له مسلم، وليس له في البخاري شيء. قوله: (عند كل صلاة) أي مفروضة، زاد الترمذي من طريق حميد عن أنس " طاهرا أو غير طاهر " وظاهره أن تلك كانت عادته، لكن حديث سويد المذكور في الباب يدل على أن المراد الغالب، قال الطحاوي يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح لحديث بريدة، يعني الذي أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، وأن عمر سأله فقال " عمدا فعلته " وقال: يحتمل أنه كان يفعله استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز. قلت: وهذا أقرب، وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل الفتح بزمان. قوله: (كيف كنتم) القائل عمرو بن عامر، والمراد الصحابة. وللنسائي طريق شعبة عن عمرو أنه سأل أنسا " أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ. لكل صلاة؟ قال نعم". ولابن ماجه " وكنا نحن نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد". قوله: (يجزئ) بالضم من أجزأ أي يكفي، وللإسماعيلي " يكفي". الحديث: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا صَلَّى دَعَا بِالْأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى لَنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ الشرح: قوله: (حدثنا سليمان) هو ابن بلال. ومباحث المتن تقدمت قريبا، وأفادت هذه الطريق التصريح بالإخبار من يحيى وشيخه، وليس لسويد بن النعمان عند البخاري إلا هذا الحديث الواحد وقد أخرجه في مواضع كما تقدمت الإشارة إليه، وهو أنصاري حارثي شهد بيعة الرضوان كما سيأتي في المغازي إن شاء الله تعالى وذكر ابن سعد أنه شهد قبل ذلك أحدا وما بعدها. قوله: (باب) بالتنوين (من الكبائر) أي التي وعد من اجتنبها بالمغفرة. *3*باب مِنْ الْكَبَائِرِ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ الشرح: قوله: (باب) بالتنوين (من الكبائر) أي التي وعد من اجتنبها بالمغفرة. الحديث: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا الشرح: قوله: (حدثنا عثمان) هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، ومجاهد هو ابن جبر صاحب ابن عباس وقد سمع الكثير منه واشتهر بالأخذ عنه، لكن روى هذا الحديث الأعمش عن مجاهد فأدخل بينه وبين ابن عباس طاوسا كما أخرجه المؤلف بعد قليل، وإخراجه له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده، فيحمل على أن مجاهدا سمعه من طاوس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس، ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن عباس، وصرح ابن حبان بصحة الطريقين معا. وقال الترمذي رواية الأعمش أصح. قوله: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط) أي بستان، وللمصنف في الأدب " خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة " فيحمل على أن الحائط الذي خرج منه غير الحائط الذي مر به، وفي الأفراد للدارقطني من حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية، وهو يقوي رواية الأدب لجزمها بالمدينة من غير شك والشك في قوله " أو مكة " من جرير. قوله: (فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما) قال ابن مالك: في قوله " صوت إنسانين " شاهد على جواز إفراد المضاف المثنى إذا كان جزء ما أضيف إليه نحو أكلت رأس شاتين، وجمعه أجود نحو (فقد صغت قلوبكما) وقد اجتمع التثنية والجمع في قوله: ظهراهما مثل ظهور الترسين فإن لم يكن المضاف جزء ما أضيف إليه، فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية، فإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع. وقوله "يعذبان في قبورهما " شاهد لذلك. قوله: (يعذبان) في رواية الأعمش " مر بقبرين " زاد ابن ماجه " جديدين فقال: إنهما ليعذبان " فيحتمل أن يقال: أعاد الضمير على غير مذكور لأن سياق الكلام يدل عليه، وأن يقال أعاده على القبرين مجازا والمراد من فيهما. قوله: (وما يعذبان في كببر. ثم قال: بلى) أي إنه لكبير. وصرح بذلك في الأدب من طريق عبد بن حميد عن منصور فقال " وما يعذبان في كبير. وإنه لكبير " وهذا من زيادات رواية منصور على الأعمش ولم يخرجها مسلم، واستدل ابن بطال برواية الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر، قال لأن الاحتراز من البول لم يرد قيه وعيد، يعني قبل هذه القصة. وتعقب بهذه الزيادة، وقد ورد مثلها من حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني ولفظه " وما يعذبان في كبير، بلى " وقال ابن مالك: في قوله " في كبير " شاهد على ورود " في " للتعليل، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم "عذبت امرأة في هرة " قال: وخفي ذلك على أكثر النحوين مع وروده في القرآن كقول الله تعالى (لمسكم فيما أخذتم) وفي الحديث كما تقدم، وفي الشعر فذكر شواهد. انتهى. وقد اختلف في معنى قوله " وإنه لكبير " فقال أبو عبد الملك البوني: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن ذلك غير كبير، فأوحى إليه في الحال بأنه كبير، فاستدرك. وتعقب بأنه يستلزم أن يكون نسخا والنسخ لا يدخل الخبر. وأجيب بأن الحكم بالخبر يجوز نسخه فقوله " وما يعذبان في كبير " إخبار بالحكم، فإذا أوحى إليه أنه كبير فأخبر به كان نسخا لذلك الحكم. وقيل: يحتمل أن الضمير في قوله " وأنه " يعود على العذاب، لما ورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة " يعذبان عذابا شديدا في ذنب هين " وقيل الضمير يعود على أحد الذنبين وهو النميمة لأنها من الكبائر بخلاف كشف العورة، وهذا مع ضعفه غير مستقيم لأن الاستتار المنفي ليس المراد به كشف العورة فقط كما سيأتي. وقال الداودي وابن العربي: " كبير " المنفي بمعنى أكبر، والمثبت واحد الكبائر، أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلا، وإن كان كبيرا في الجملة. وقيل: المعنى ليس بكبير في الصورة لأن تعاطي ذلك يدل على الدناءة والحقارة، وهو كبير الذنب. وقيل ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) ، وقيل ليس بكبير في مشقة الاحتراز، أي كان لا يشق عليهما الاحتراز من ذلك. وهذا الأخير جزم به البغوي وغيره ورجحه ابن دقيق العيد وجماعة، وقيل ليس بكبير بمجرده وإنما صار كبيرا بالمواظبة عليه، ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلا منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارعة بعد حرف كان. والله أعلم. قوله: (لا يستتر) كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة. وفي رواية ابن عساكر " يستبرئ " بموحدة ساكنة من الاستبراء. ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش " يستنزه " بنون ساكتة بعدها زاي ثم هاء، فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه، فتوافق رواية لا يستنزه لأنها من التنزه وهو الإبعاد، وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش " كان لا يتوقى " وهي مفسرة للمراد. وأجراه بعضهم على ظاهره فقال: معناه لا يستر عورته. وضعف بأن التعذيب لو وقع على كشف العورة لاستقل الكشف بالسببية واطرح اعتبار البول فيترتب العذاب على الكشف سواء وجد البول أم لا، ولا يخفى ما فيه. وسيأتي كلام ابن دقيق العيد قريبا. وأما رواية الاستبراء فهي أبلغ في التوقي. وتعقب الإسماعيلي رواية الاستتار بما يحصل جوابه مما ذكرنا قال ابن دقيق العيد: لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور، وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا " أكثر عذاب القبر من البول " أي بسبب ترك التحرز منه. قال: ويؤيده أن لفظ " من " في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول، بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول، فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى، فتعين الحمل على المجاز لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد. ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه " أما أحدهما فيعذب في البول " ومثله للطبراني عن أنس. قوله: (من بوله) يأتي الكلام عليه في الترجمة التي بعد هذه. قوله: (يمشي بالنميمة) قال ابن دقيق العيد: هي نقل كلام الناس. والمراد منه هنا ما كان بقصد الإضرار، فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك مفسدة فهو مطلوب. انتهى. وهو تفسير للنميمة بالمعنى الأعم، وكلام غيره يخالفه كما سنذكر ذلك مبسوطا في موضعه من كتاب الأدب. قال النووي: وهي نقل كلام الغير بقصد الإضرار، وهي من أقبح القبائح. وتعقبه الكرماني فقال: هذا لا يصح على قاعدة الفقهاء، فإنهم يقولون: الكبيرة هي الموجبة للحد ولا حد على المشي بالنميمة. إلا أن يقال: الاستمرار هو المستفاد منه جعله كبيرة، لأن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم الكبيرة. أو أن المراد بالكبيرة معنى غير المعنى الاصطلاحي. انتهى. وما نقله عن الفقهاء ليس هو قول جميعهم، لكن كلام الرافعي يشعر بترجيحه حيث حكى في تعريف الكبيرة وجهين: أحدهما هذا، والثاني ما فيه وعيد شديد. قال: وهم إلى الأول أميل. والثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر. انتهى. ولا بد من حمل القول الأول على أن المراد به غير ما نص عليه في الأحاديث الصحيحة؛ وإلا لزم أن لا يعد عقوق الوالدين وشهادة الزور من الكبائر، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم عدهما من أكبر الكبائر. وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستوفى في أول كتاب الحدود إن شاء الله تعالى. وعرف بهذا الجواب عن اعتراض الكرماني بأن النميمة قد نص في الصحيح على أنها كبيرة كما تقدم. قوله: (ثم دعا بجريدة) ، وللأعمش " فدعا بعسيب رطب " والعسيب بمهملتين بوزن فعيل هي الجريدة التي لم ينبت فها خوص، فإن نبت فهي السعفة. وقيل إنه خص الجريد بذلك لأنه بطيء الجفاف. وروى النسائي من حديث أبي رافع بسند ضعيف أن الذي أتاه بالجريدة بلال، ولفظه " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة إذ سمع شيئا في قبر فقال لبلال: ائتني بجريدة خضراء " الحديث. قوله: (فكسرها) أي فأتى بها فكسرها، وفي حديث أبي بكرة عند أحمد والطبراني أنه الذي أتى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما رواه مسلم في حديث جابر الطويل المذكور في أواخر الكتاب أنه الذي قطع الغصنين، فهو في قصة أخرى غير هذه، فالمغايرة بينهما من أوجه: منها أن هذه كانت في المدينة وكان معه صلى الله عليه وسلم جماعة، وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده. ومنها أن في هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم غرس الجريدة بعد أن شقها نصفين كما في الباب الذي بعد هذا من رواية الأعمش، وفي حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر جابرا بقطع غصنين من شجرتين كان النبي صلى الله عليه وسلم استتر بهما عند قضاء حاجته، ثم أمر جابرا فألقى الغصنين عن يمينه وعن يساره حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا، وأن جابرا سأله عن ذلك فقال " إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرفع عنهما ما دام الغصنان رطبين " ولم يذكر في قصة جابر أيضا السبب الذي كانا يعذبان به، ولا الترجي الآتي في قوله " لعله"، فبان تغاير حديث ابن عباس وحديث جابر وأنهما كانا في قصتين مختلفتين، ولا يبعد تعدد ذلك. وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة " أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبر فوقف عليه فقال: ائتوني بجريدتين، فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه " فيحتمل أن تكون هذه قصة ثالثة، ويؤيده أن في حديث أبي رافع كما تقدم " فسمع شيئا في قبر " وفيه " فكسرها باثنين ترك نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه " وفي قصة الواحد حمل نصفها عند رأسه ونصفها عند رجليه، وفي قصة الاثنين " جعل على كل قبر جريدة". أنها (كسرتين) بكسر الكاف، والكسرة القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش أنها كانت نصفا. وفي رواية جرير عنه " باثنتين " قال النووي: الباء زائدة للتوكيد والنصب على الحال. قوله: (فوضع) وفي رواية الأعمش الآتية " فغرز " وهي أخص من الأولى. قوله: (فوضع على كل قبر منهما كسرة) وقع في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش، ثم غرز عند رأس كل واحد منهما قطعة. قوله: (فقيل له) للأعمش " قالوا " أي الصحابة، ولم نقف على تعيين السائل منهم. قوله: (لعله) قال ابن مالك: يجوز أن تكون الهاء ضمير الشأن، وجاز تفسيره بأن وصلتها لأنها في حكم جملة لاشتمالها على مسند ومسند إليه. قال: ويحتمل أن تكون " أن " زائدة مع كونها ناصبة كزيادة الباء مع كونها جارة. انتهى. وقد ثبت في الرواية الآتية بحذف " أن " فقوى الاحتمال الثاني. وقال الكرماني: شبه لعل بعسى فأتى بأن في خبره. قوله: (يخفف) بالضم وفتح الفاء، أي العذاب عن المقبورين. قوله: (ما لم تيبسا) كذا في أكثر الروايات بالمثناة الفوقانية أي الكسرتان، وللكشميهني " إلا أن تيبسا " بحرف الاستثناء، وللمستملي " إلى أن ييبسا " بإلى التي للغاية والياء التحتانية أي العودان، قال المازري: يحتمل أن يكون أوحى إليه أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة. انتهى. وعلى هذا فلعل هنا للتعليل، قال: ولا يظهر له وجه غير هذا. وتعقبه القرطبي بأنه لو حصل الوحي لما أتى بحرف الترجي، كذا قال. ولا يرد عليه ذلك إذا حملناها على التعليل، قال القرطبي: وقيل إنه شفع لهما هذه المدة كما صرح به في حديث جابر، لأن الظاهر أن القصة واحدة. وكذا رجح النووي كون القصة واحدة، وفيه نظر لما أوضحنا من المغايرة بينهما. وقال الخطابي: هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة، لا أن في الجريدة معنى يخصه، ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس. قال: وقد قيل: إن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وعلى هذا فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها. وكذلك فيما فيه بركة الذكر وتلاوة القرآن من باب الأولى. وقال الطيبي: الحكمة في كونهما ما دامتا لرطبتين تمنعان العذاب يحتمل أن تكون غير معلومة لنا كعدد الزبانية. وقد استنكر الخطابي ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر عملا بهذا الحديث. قال الطرطوشي: لأن ذلك خاص ببركة يده. وقال القاضي عياض: لأنه علل غرزهما على القبر بأمر مغيب وهو قوله " ليعذبان". قلت: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب أن لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا أن لا ندعو له بالرحمة. وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة، بل يحتمل أن يكون أمر به. وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان كما سيأتي في الجنائز من هذا الكتاب، وهو أولى أن يتبع من غيره. (تنبيه) : لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما، وهو عمل مستحسن. وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به. وما حكاه القرطبي في التذكرة وضعفه عن بعضهم أن أحدهما سعد بن معاذ فهو قول باطل لا ينبغي ذكره إلا مقرونا ببيانه. ومما يدل على بطلان الحكاية المذكورة أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر دفن سعد بن معاذ كما ثبت في الحديث الصحيح، وأما قصة المقبورين ففي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم " من دفنتم اليوم هاهنا؟ " فدل على أنه لم يحضرهما، وإنما ذكرت هذا ذبا عن هذا السيد الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم " سيدا " وقال لأصحابه " قوموا إلى سيدكم " وقال " إن حكمه قد وافق حكم الله " وقال " إن عرش الرحمن اهتز لموته " إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة، خشية أن يغتر ناقص العلم بما ذكره القرطبي فيعتقد صحة ذلك وهو باطل. وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا كافرين، وبه جزم أبو موسى المديني، واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه ابن لهيعة " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية، فسمعهما يعذبان في البول والنميمة " قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقوي لكن معناه صحيح، لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة، وجزم ابن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب ولا ترجاه لهما، ولو كان ذلك من خصائصه لبينه، يعني كما في قصة أبي طالب. قلت: وما قاله أخبرا هو الجواب، وما طالب به من البيان قد حصل، ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية، لكن الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به، وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب، فهو من تخليط ابن لهيعة، وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمنا أن مسلما أخرجه، واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر. وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين، ففي رواية ابن ماجه " مر بقبرين جديدين " فانتفى كونهما في الجاهلية، وفي حديث أبي أمامة عند أحمد " أنه صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال: من دفنتم اليوم هاهنا؟ " فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين، لأن البقيع مقبرة المسلمين، والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم، ويقوى كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني بإسناد صحيح " يعذبان، وما يعذبان في كبير " و " بلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول " فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين، لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام الإسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم إثبات عذاب القبر، وسيأتي الكلام عليه في الجنائز إن شاء الله تعالى. وفيه التحذير من ملابسة البول، ويلتحق به غيره من النجاسات في البدن والثوب، ويستدل به على وجوب إزالة النجاسة، خلافا لمن خص الوجوب بوقت إرادة الصلاة، والله أعلم. |
02-16-2013, 02:40 PM | #110 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِب الْقَبْرِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ الشرح: قوله: (باب ما جاء في غسل البول. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب القبر) أي عن صاحب القبر. وقاله الكرماني: اللام بمعنى لأجل. قوله: (كان لا يستتر من بوله) أشير إلى لفظ الحديث الذي قبله. قوله: (ولم يذكر سوى بول الناس) قال ابن بطال: أراد البخاري أن المراد بقوله في رواية الباب " كان لا يستتر من البول " بول الناس لا بول سائر الحيوان، فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان، وكأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال: فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها. ومحصل الرد أن العموم في رواية " من البول " أريد به الخصوص لقوله " من بوله " والألف واللام بدل من الضمير، لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق، قال: وكذا غير المأكول، وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله، ولمن قال بطهارته حجج أخرى. وقال القرطبي: قوله " من البول " اسم مفرد لا يقتضي العموم، ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية لطهارة بول ما يؤكل. الحديث: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ الشرح: قوله: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) هو الدورقي قال " أخبرنا " وللأكثر " حدثنا إسماعيل بن إبراهيم " وهو المعروف بابن علية، وليس هو أخا يعقوب. وروح بن القاسم بفتح الراء على المشهور، ونقل ابن التين والقابسي أنه قرئ بضمها وهو معاذ مردود، وقد تقدمت مباحث المتن في باب الاستنجاء بالماء، والاستدلال به هنا على غسل البول أعم من الاستدلال به على الاستنجاء فلا تكرار فيه. قوله: (فيغتسل به) كذا لأبي ذر - بوزن يفتعل - ولغيره بفتح التحتانية وسكون الغين وكسر السين، وحذف مفعوله للعلم به، أو للحياء من ذكره. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا مِثْلَهُ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ الشرح: قوله: (محمد بن خازم) بالخاء المعجمة والزاي هو أبو معاوية الضرير. قوله: (فغرز) وفي رواية وكيع في الأدب " فغرس " وهما بمعنى، وأفاد سعد الدين الحارثي أن ذلك كان عند رأس القبر. وقال: إنه ثبت بإسناد صحيح، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة عند ابن حبان وقد قدمنا لفظه، ثم وجدته في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش في حديث ابن عباس صريحا. قوله: (لم فعلت) سقط لفظ " هذا " من رواية المستملي والسرخسي. قوله: (قال ابن المثنى: وحدثنا وكيع) هو معطوف على الأول، وثبتت أداة العطف فيه للأصيلي ولهذا ظن بعضهم أنه معلق، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن المثنى هذا عن وكيع وأبي معاوية جميعا عن الأعمش، والحكمة في إفراد البخاري له أن في رواية وكيع التصريح بسماع الأعمش دون الآخر. وباقي مباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله. |
02-16-2013, 02:41 PM | #111 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ الْأَعْرَابِيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح: قوله: (باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي) اللام فيه للعهد الذهبي، وقد تقدم أن الأعرابي واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربا كانوا أو عجما، وإنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة فلو منع لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منع لدار بين أمرين: إما أن يقطعه فيتضرر، وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ دَعُوهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ الشرح: قوله: (همام) هو ابن يحيى، وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة. قوله: (عن أنس) ولمسلم " حدثني أنس". قوله: (رأى أعرابيا) حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزني أنه الأقرع بن حابس التميمي، وقيل غيره كما سيأتي قريبا. قوله: (في المسجد) أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله (فقال دعوه) كان هذا الأمر بالترك عقب زجر الناس له كما سيأتي. قوله: (حتى) أي فتركوه حتى فرغ من بوله، فلما فرغ دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء أي في دلو كبير (فصبه) أي فأمر بصبه كما سيأتي ذلك كله صريحا. وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق عكرمة ابن عمار عن إسحاق فساقه مطولا بنحو مما شرحناه، وزاد فيه: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن " وسنذكر فوائده في الباب الآتي بعده إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ الشرح: قوله: (أخبرني عبيد الله) كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري، ورواه سفيان ابن عيينة عنه " عن سعيد بن المسيب " بدل عبيد الله، وتابعه سفيان بن حسين، فالظاهر أن الروايتين صحيحتان. قوله: (قام أعرابي) زاد ابن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله " أنه صلى ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعا. فلم يلبث أن بال في المسجد " وهذه الزيادة ستأتي عند المصنف مفردة في الأدب من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وقد روى ابن ماجه وابن حبان الحديث تاما من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكذا رواه ابن ماجه أيضا من حديث واثلة بن الأسقع، وأخرجه أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال " اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا " فذكره تاما بمعناه وزيادة، وهو مرسل، وفي إسناده أيضا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء، وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي أحمد بن خالد الذهبي عنه، وهو في جمع مسند ابن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند، لكن قال في أوله " اطلع ذو الخويصرة التميمي وكان جافيا " والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رءوس الخوارج، وقد فرق بعضهم بينه وبين اليماني، لكن له أصل أصيل، واستفيد منه تسمية الأعرابي، وقد تقدم قول التاريخي إنه الأقرع، ونقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عيينة بن حصن، والعلم عند الله تعالى. قوله: (فتناوله الناس) أي بألسنتهم، وللمصنف في الأدب " فثار إليه الناس " وله في رواية عن أنس " فقاموا إليه " وللإسماعيلي " فأراد أصحابه أن يمنعوه". وفي رواية أنس في هذا الباب " فزجره الناس " وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ المصنف فيه بلفظ " فصاح الناس به " وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك. فظهر أن تناوله كان بالألسنة لا بالأيدي. ولمسلم من طريق إسحاق عن أنس " فقال الصحابة مه مه". قوله: (وهريقوا) ، وللمصنف في الأدب " وأهريقوا " وقد تقدم توجيهها في باب الغسل في المخضب. قوله: (سجلا) بفتح المهملة وسكون الجيم، قال أبو حاتم السجستاني: هو الدلو ملأي، ولا يقال لها ذلك وهي فارغة. وقال ابن دريد: السجل دلو واسعة. وفي الصحاح: الدلو الضخمة. قوله: (أو ذنوبا) قال الخليل: الدلو ملأي ماء. وقال ابن فارس: الدلو العظيمة. وقال ابن السكيت فيها ماء قريب من الملء، ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب. انتهى. فعلى الترادف " أو " للشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير، والأول أظهر فإن رواية أنس لم تختلف في أنها ذنوب. وقال في الحديث " من ماء " مع أن الذنوب من شأنها ذلك، لكنه لفظ مشترك بينه وبين الفرس الطويل وغيرهما. قوله: (فإنما بعثتم) إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم بما ذكر، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، إذ هم مبعوثون من قبله بذلك، أي مأمورون. وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول: " يسروا ولا تعسروا". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابُ يُهَرِيقُ الْمَاءَ عَلَى الْبَوْلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ الشرح: قوله: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. قوله: (وحدثنا خالد) سقطت الواو من رواية كريمة، والعطف فيه على قوله " حدثنا عبدان " وسليمان هو ابن بلال، وبان لي المتن على لفظ روايته، لأن لفظ عبدان فيه مخالفة لسياقة كما أشرنا إليه أنه عند البيهقي. قوله (في طائفة المسجد) أي ناحيته، والطائفة القطعة من الشيء. قوله: (فنهاهم) في رواية عبدان " فقال اتركوه فتركوه". قوله (فهريق عليه) كذا لأبي ذر وللباقين " فأهريق عليه"، ويجوز إسكان الهاء وفتحها كما تقدم، وضبطه ابن الأثير في النهاية بفتح الهاء أيضا. وف هذا الحديث من الفوائد: أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة، ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه، ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. واستدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص، قال ابن دقيق العيد: والذي يظهر أن التمسك يتحتم عند احتمال التخصيص عند المجتهد، ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك، لأن علماء الأمصار ما برحوا يفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث عن التخصيص، ولهذه القصة أيضا إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة ولم يقل لهم لم نهيتم الأعرابي؟ بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة، وهو دفع أعظم المفسدين باحتمال أيسرهما. وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما. وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء. وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة، لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو. وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، ويلتحق به غير الواقعة، لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة فإذا لم يثبت أن التراب نقل وعلمنا أن المقصود التطهير تعين الحكم بطهارة البلة، وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها لعدم الفارق، ويستدل به أيضا على عدم اشتراط نضوب الماء لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف. وكذا لا يشترط عصر الثوب إذ لا فارق. قال الموفق في المغني بعد أن حكى الخلاف: الأولى الحكم بالطهارة مطلقا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط في الصب على بول الأعرابي شيئا. وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا، ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه. وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، قال ابن ماجه وابن حبان في حديث أبي هريرة " فقال الأعرابي - بعد أن فقه في الإسلام فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم -: بأبي أنت وأمي، فلم يؤنب ولم يسب". وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الأقذار، وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس أنه لا يجوز في المسجد شيء غير ما ذكر من الصلاة والقرآن والذكر، لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به، ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى والله أعلم. وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها، خلافا للحنفية حيث قالوا: لا تطهر إلا بحفرها، كذا أطلق النووي وغيره، والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها، واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق: أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره، والآخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل ابن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات، وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا، وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقا، والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمي لا يسمى إلا ثقة، وذلك مفقود في المرسلين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما والله أعلم. وسيأتي باقي فوائده في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى. |
02-16-2013, 02:41 PM | #112 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب بَوْلِ الصِّبْيَانِ
الشرح: قوله: (باب بول الصبيان) بكسر الصاد ويجوز ضمها جمح صبي، أي ما حكمه وهل يلتحق به بول الصبايا - جمع صبية - أم لا، وفي الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف: منها حديث علي مرفوعا في بول الرضيع، ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه، قال قتادة: هذا ما لم يطعما الطعام، وإسناده صحيح. ورواه سعيد عن قتادة فوقفه، وليس ذلك بعلة قادحة. ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوعا " إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر " أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغيره. ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ " يرش " رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة أيضا. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ الشرح: قوله: (بصبي) يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس المذكور بعده، ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين، فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت " بال الحسن - أو الحسين - على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه". ولأحمد عن أبي ليلى نحوه. ورواه الطحاوي من طريقه قال " فجيء بالحسن " ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة. وإنما رجحت أنه غيره لأن عند المصنف في العقيقة من طريق يحيى القطان عن هشام بن عروة " أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه"، وفي قصته أنه بال على ثوبه، وأما قصة الحسن ففي حديث أبي ليلى وأم سلمة أنه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم، وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني " أنه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرته فبال " فذكر الحديث بتمامه، فظهرت التفرقة بينهما. قوله: (فأتبعه) بإسكان المثناة أي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء يصبه عليه، زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام " فأتبعه ولم يغسله". ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام " فصب عليه الماء " وللطحاوي من طريق زائدة الثقفي عن هشام " فنصحه عليه". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ الشرح: قوله: (عن أم قيس) قال ابن عبد البر: اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة. وقال السهيلي اسمها آمنة وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي، وكانت من المهاجرات الأول، كما عند مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث، وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب، وفي كل منهما قصة لابنها، ومات ابنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي، ولم أقف على تسميته. قوله: (لم يأكل الطعام) لمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعطل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال، هذا مقتضى كلام النووي في شرح مسلم وشرح المهذب، وأطلق في الروضة - تبعا لأصلها - أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن. وقال في نكت التنبيه: المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه. وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قوله " لم يأكل " على ظاهره فقال: معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه. والأول أظهر، وبه جزم الموفق بن قدامه وغيره. وقال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع. ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه، ويؤيد ما تقدم أنه للمصنف في العقيقة. قوله: (فأجلسه) أي وضعه إن قلنا إنه كان لما ولد. ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن. قوله: (على ثوبه) أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال: المراد به ثوب الصبي، والصواب الأول. قوله (فنضحه) ، ولمسلم من طريق الليث عن ابن شهاب " فلم يزد على أن نضح بالماء " وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب " فرشه " زاد أبو عوانة في صحيحه " عليه". ولا تخالف بين الروايتين - أي بين نضح ورش - لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء، وانتهى إلى النضح وهو صب الماء. ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام " فدعا بماء فصبه عليه " ولأبي عوانة " فصبه على البول يتبعه إياه". قوله: (ولم يغسله) ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند قوله " فنضحه " قال: وكذلك روى معمر عن ابن شهاب، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال " فرشه " لم يزد على ذلك انتهى. وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك لكنه لم يقل " ولم يغسله " وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم، وهو لمسلم عن يونس وحده. نعم زاد معمر في روايته قال " قال ابن شهاب: فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية " فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج، لكنها غيرها فلا إدراج. وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك، فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفوائد: الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع، والرفق بالصغار، وتحنيك المولود، والتبرك بأهل الفضل، وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها، وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية: أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم ورواه الوليد بن مسلم عن مالك. وقال أصحابه هي رواية شاذة. والثاني يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي، وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شيء أصلا. والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية، قال ابن دقيق العيد: اتبعوا في ذلك القياس وقالوا المراد بقولها " ولم يغسله " أي غسلا مبالغا فيه، وهو خلاف الظاهر، ويبعده ما ورد في الأحاديث الأخر - يعني التي قدمناها - من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما، قال: وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه: منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث، يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة. واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء إلى المحل. قلت: وهو مشكل عليهم، لأنهم يدعون أن المراد بالنضح هنا الغسل. (تنبيه) : قال الخطابي: ليس تجويز من جوز النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس، ولكنه لتخفيف نجاسته. انتهى. وأثبت الطحاوي الخلاف فقال: قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام، وكذا جزم به ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما، ولم يعرف ذلك الشافعية ولا الحنابلة. وقال النووي: هذه حكاية باطلة انتهى. وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم. والله أعلم. |
02-16-2013, 02:42 PM | #113 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْبَوْلِ قَائِمًا وَقَاعِدًا
الشرح: قوله: (باب البول قائما وقاعدا) قال ابن بطال: دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى، لأنه إذا جاز قائما فقاعدا أجوز. قلت: ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما فإن فيه " بال رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول المرأة " وحكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال: كان من شأن العرب البول قائما، ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة " قعد يبول كما تبول المرأة " وقال في حديث حذيفة " فقام كما يقوم أحدكم"، ودل حديث عبد الرحمن المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخالفهم في ذلك فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول، وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره، ويدل عليه حديث عائشة قالت " ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن " رواه أبو عوانه في صحيحه والحاكم. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ الشرح: قوله: (عن أبي وائل) ، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الأعمش أنه سمع أبا وائل ولأحمد عن يحيى القطان عن الأعمش حدثني أبو وائل. قوله: (سباطة قوم) بضم المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل، وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة، وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهي الجدار ففيه إضرار، أو نقول: إنما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار وهو صريح رواية أبي عوانة في صحيحه، وقيل: يحتمل أن يكون علم إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره، أو لكونه مما يتسامح الناس به، أو لعلمه بإيثارهم إياه بذلك، أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، وهذا وإن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم. قوله: (ثم دعا بماء) زاد مسلم وغيره من طرق عن الأعمش " فتنحيت فقال: ادن، فدنوت حتى قمت عند عقبيه " وفي رواية أحمد عن يحيى القطان " أتى سباطة قوم فتباعدت منه، فأدناني حتى صرت قريبا من عقبيه فبال قائما، ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه " وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين، وهو ثابت أيضا عند الإسماعيلي وغيره من طرق عن شعبة عن الأعمش، وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش، أن ذلك كان بالمدينة أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح، وزعم في الاستذكار أن عيسى تفرد به، وليس كذلك، فقد رواه البيهقي من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن الأعمش كذلك، وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكره بعد. واستدل به على جواز المسح في الحضر وهو ظاهر، ولعل البخاري اختصره لتفرد الأعمش به فقد روى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصما رواه له عن أبي وائل عن المغيرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما " قال عاصم: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه، يعني أن روايته هي الصواب. قال شعبة: فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة يعني كما قال الأعمش، لكن لم يذكر فيه المسح، فقد وافق منصور الأعمش على قوله عن حذيفة دون الزيادة ولم يلتفت مسلم إلى هذه العلة بل ذكرها في حديث الأعمش لأنها زيادة من حافظ وقال الترمذي: حديث أبي وائل عن حذيفة أصح، يعني حديثه عن المغيرة، وهو كما قال، وإن جنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة، فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا، لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقال. |
02-16-2013, 02:43 PM | #114 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْبَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَالتَّسَتُّرِ بِالْحَائِطِ
الشرح: قوله: (باب البول عند صاحبه) أي صاحب البائل. الحديث: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَمَاشَى فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ الشرح: قوله: (جرير) هو ابن عبد الحميد، ومنصور وهو ابن المعتمر. قوله: (رأيتني) بضم المثناة من فوق. قوله: (فانتبذت) بالنون والذال المعجمة أي تنحيت، يقال جلس فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية. قوله: (فأشار إلى) يدل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه. وإنما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين: عدم مشاهدته في تلك الحالة وسماع ندائه لو كانت له حاجة، أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره. وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم " إدنه " كان بالإشارة لا باللفظ، وأما مخالفته صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الإبعاد - عند قضاء الحاجة - عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة، فقد قيل فيه إنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بمصالح المسلمين، فلعله طال عليه المجلس أحتاج إلى البول، فلو أبعد لتضرر، واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامه مستورا بالحائط، أو لعله فعله لبيان الجواز. ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف، ولما يقترن به من الرائحة. والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر. وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرني " فذكر الحديث. وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عقبه استدبره، وطهر أيضا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر، ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفهما والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا، وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم، فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من الضرر، فراعى أهم الأمرين، وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما. |
02-16-2013, 02:43 PM | #115 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْبَوْلِ عِنْدَ سُبَاطَةِ قَوْمٍ
الشرح: قوله: (باب البول عند سباطة قوم) كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول، بين ابن المنذر وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه " أنه سمع أبا موسى ورأى رجلا يبول قائما فقال: ويحك أفلا قاعدا " ثم ذكر قصة بني إسرائيل. وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبي موسى. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ وَيَقُولُ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لَيْتَهُ أَمْسَكَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا الشرح: كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول، بين ابن المنذر وجه هذا التشديد فأخرج من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه " أنه سمع أبا موسى ورأى رجلا يبول قائما فقال: ويحك أفلا قاعدا " ثم ذكر قصة بني إسرائيل. وبهذا يظهر مطابقة حديث حذيفة في تعقبه على أبي موسى. قوله: (ثوب أحدهم) وقع في مسلم " جلد أحدهم " قال القرطبي: مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها، وحمله بعضهم على ظاهره وزعم أنه من الإصر الذي حملوه، ويؤيده رواية أبي داود ففيها " كان إذا أصاب جسد أحدهم " لكن رواية البخاري صريحة في الثياب فلعل بعضهم رواه بالمعنى. قوله: (قرضه) أي قطعه. زاد الإسماعيلي بالمقراض. وهو يدفع حمل من حمل القرض على الغسل بالماء. قوله: (ليته أمسك) للإسماعيلي " لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد"، وإنما احتج حذيفة بهذا الحديث لأن البائل عن قيام قد يتعرض للرشاش، ولم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الاحتمال فدل على أن التشديد مخالف للسنة، واستدل به لمالك في الرخصة في مثل رءوس الإبر من البول، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لم يصل إلى بدنه منه شيء، وإلى هذا أشار ابن حبان في ذكر السبب في قيامه قال: لأنه لم يجد مكانا يصلح للقعود، فقام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليا فأمن أن يرتد إليه شيء من بوله. وقيل لأن السباطة رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شيء. وقيل إنما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا من الديار. ويؤيده ما رواه عبد الرازق عن عمر رضي الله عنه قال " البول قائما أحصن للدبر". وقيل السبب في ذلك ما روي عن الشافعي وأحمد أن العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بذلك، فلعله كان به. وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال " إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه " والمأبض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم معجمة باطن الركبة، فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود، ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم، لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي، والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعود والله أعلم. وسلك أبو عوانة في صحيحة وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه " ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن " وبحديثها أيضا " من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا " والصواب أنه غير منسوخ، والجواب عن حديث عائشة إلى مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه، وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة، وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن. وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما، وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، والله أعلم. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء كما بينته في أوائل شرح الترمذي. والله أعلم. |
02-16-2013, 02:44 PM | #116 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب غَسْلِ الدَّمِ
الشرح: قوله: (باب غسل الدم) بفتح الغين. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ الشرح: يحيى هو ابن سعيد القطان، وهشام هو ابن عروة، وفاطمة هي زوجته بنت عمه المنذر، وأسماء هي جدتهما لأبويهما بنت أبي بكر الصديق. قوله: (جاءت امرأة) وقع في رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام في هذا الحديث أن أسماء هي السائلة، وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل، وهي صحيحة الإسناد لا علة لها، ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب. قوله: (تحيض في الثوب) أي يصل دم الحيض إلى الثوب، وللمصنف من طريق مالك عن هشام " إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة". قوله: (تحته) بالفتح وضم المهملة وتشديد المثناة الفوقانية أي تحكه، وكذا رواه ابن خزيمة، والمراد بذلك إزالة عينه. قوله: (ثم تقرصه) بالفتح وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين، كذا في روايتنا. وحكى القاضي عياض وغيره فيه الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة، أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه. قوله: (وتنضحه) بفتح الضاد المعجمة وضم الحاء أي تغسله، قاله الخطابي. وقال القرطبي: المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه بالماء، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب. قلت: فعلى هذا فالضمير في قوله تنضحه يعود على الثوب، بخلاف " تحته " فإنه يعود على الدم، فيلزم منه اختلاف الضمائر وهو على خلاف الأصل. ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئا لأنه إن كان طاهرا فلا حاجة إليه، وإن كان متنجسا لم يطهر بذلك، فالأحسن ما قاله الخطابي، قال الخطابي: في هذا الحديث دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا، وهو قول الجمهور، أي يتعين الماء لإزالة النجاسة. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر، ومن حجتهم حديث عائشة " ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصته بظفرها " ولأبي داود " بلته بريقها"، وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزاد النجاسة. وأجيب باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك كما سيأتي تقريره في كتاب الحيض في باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه. (فائدة) : تعقب استدلال من استدل على تعيين إزالة النجاسة بالماء من هذا الحديث بأنه مفهوم لقب وليس بحجة عند الأكثر، ولأنه خرج مخرج الغالب في الاستعمال لا الشرط. وأجيب بأن الخبر نص على الماء، فإلحاق غيره به بالقياس، وشرطه أن لا ينقص الفرع عن الأصل في العلة، وليس في غير الماء ما في الماء من رقته وسرعة نفوذه فلا يلحق به، وسيأتي باقي فوائده في باب غسل دم الحيض إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي قَالَ وَقَالَ أَبِي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ الشرح: قوله: (حدثنا محمد) كذا للأكثر غير منسوب، وللأصيلي: ابن سلام، ولأبي ذر: هو ابن سلام، وأبو معاوية هو الضرير. قوله: (حدثنا هشام) زاد الأصيلي ابن عروة. قوله: (فاطمة بنت أبي حبيش) بالحاء المهملة والموحدة والشين المعجمة بصيغة التصغير، اسمه قيس ابن المطلب بن أسد، وهي غير فاطمة بنت قيس التي طلقت ثلاثا. قوله: (أستحاض) بضم الهمزة وفتح المثناة يقال استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة، والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه. قوله: (لا) أي لا تدعي الصلاة. قوله (عرق) بكسر العين هو المسمى بالعاذل بالذال المعجمة. قوله: (حيضتك) بفتح الحاء ويجوز كسرها. والمراد بالإقبال والإدبار هنا ابتداء دم الحيض وانقطاعه. قوله: (فدعى الصلاة) يتضمن نهي الحائض عن الصلاة، وهو للتحريم ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع. قوله: (فاغتسلي عنك الدم) أي واغتسلي، والأمر بالاغتسال مستفاد من أدلة أخرى كما سيأتي بسطها في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى. قوله: (قال) أي هشام بن عروة (وقال أبي) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة أي عروة بن الزبير، وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي في روايته. وادعى آخر أن قوله " ثم توضئ " من كلام عروة موقوفا عليه، وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله " فاغسلي". وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى. |
02-16-2013, 02:45 PM | #117 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب غَسْلِ الْمَنِيِّ وَفَرْكِهِ وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ الْمَرْأَةِ
الشرح: قوله: (باب غسل المني وفركه) لم يخرج البخاري حديث الفرك، بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته، لأنه ورد من حديث عائشة أيضا كما سنذكره. وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا، وهذه طريقة الحنفية، والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا، لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك، ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة " كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه " فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين، وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال: إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات، وحديث الفرك حجة عليهم، وحمل بعض أصحابه الفرك على الدلك بالماء، وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة " لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري " وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحارث أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب فقالت " لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي". وقال بعضهم: الثوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم، والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة. وهو مردود أيضا بما في إحدى روايات مسلم من حديثها أيضا " لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه " وهذا التعقيب بالفاء بنفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة. وأصرح منه رواية ابن خزيمة " أنها كانت تحكه من ثوبه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي " وعلى تقدير عدم ورود شيء من ذلك فليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المني لأن غسلها فعل وهو لا يدل على الوجوب بمجرده، والله أعلم. وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المني بأن مني النبي صلى الله عليه وسلم طاهر دون غيره كسائر فضلاته. والجواب على تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان عن جماع فيخالط مني المرأة، فلو كان منيها نجسا لم يكتف فيه بالفرك، وبهذا احتج الشيخ الموفق وغيره على طهارة رطوبة فرجها قال: ومن قال إن المني لا يسلم من المذي فيتنجس به لم يصب لأن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي والبول كحالة الاحتلام، والله أعلم. قوله: (وغسل ما يصيب) أي الثوب وغيره من المرأة، وفي هذه المسألة حديث صريح ذكره المصنف بعد في آخر كتاب الغسل من حديث عثمان، ولم يذكره هنا، وكأنه استنبطه مما أشرنا إليه من أن المني الحاصل في الثوب لا يخلو غالبا من مخالطة ماء المرأة ورطوبتها. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْجَزَرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ الشرح: قوله: (عمرو بن ميمون الجزري) كذا للجمهور، وهو الصواب، وهو بفتح الجيم والزاي بعدها راء، منسوب إلى الجزيرة، وكان ميمون بن مهران والد عمرو نزلها فنسب إليها ولده. ووقع في رواية الكشميهني وحده الجوزي بواو ساكنة بعدها زاي وهو غلط منه. قوله: (أغسل الجنابة) أي أثر الجنابة فيكون على حذف مضاف، أو أطلق اسم الجنابة على المني مجازا. قوله: (بقع) بضم الموحدة وفتح القاف جمع بقعة، قال أهل اللغة: البقع اختلاف اللونين. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ مَيْمُونٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ ح و حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَتْ كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الْمَاءِ الشرح: قوله في الإسناد (حدثنا يزيد) قال أبو مسعود الدمشقي: كذا هو غير منسوب في رواية الفربري وحماد بن شاكر، ويقال إنه ابن هارون وليس بابن زريع وجميعا قد رويا - يعني عن عمرو بن ميمون - ووقع في رواية ابن السكن أحد الرواة عن الفربري " حدثنا يزيد، يعني ابن زريع " وكذا أشار إليه الكلاباذي ورجح القطب الحليمي في شرحه أنه ابن هارون قال: لأنه وجد من روايته ولم يوجد من رواية ابن زريع. قلت: ولا يلزم من عدم الوجدان عدم الوقوع، كيف وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه فدل على وجدانه، والمثبت مقدم على النافي. وقد خرجه الإسماعيلي وغيره من حديث يزيد بن هارون بلفظ مخالف للسياق الذي أورده البخاري، وهذا من مرجحات كونه ابن زريع، وأيضا فقتيبة معروف بالرواية عن يزيد بن زريع دون ابن هارون قاله المزي، والقاعدة في من أهمل أن يحمل على من للراوي به خصوصية كالإكثار وغيره، فترجح أنه ابن زريع. والله أعلم. قوله: (حدثنا عمرو) كذا للأكثر، ولأبي ذر يعني ابن ميمون وهو ابن مهران، كما سيأتي في آخر الباب الذي يليه. قوله: (سمعت عائشة) وفي الإسناد الذي يليه " سألت عائشة " فيه رد على البراز حيث زعم أن سليمان ابن يسار لم يسمع من عائشة، على أن البزار مسبوق بهذه الدعوى، فقد حكاه الشافعي في الأم عن غيره، وزاد أن الحفاظ قالوا: إن عمرو بن ميمون غلط في رفعه، وإنما هو في فتوى سليمان. انتهى. وقد تبين من تصحيح البخاري له وموافقة مسلم له على تصحيحه صحة سماع سليمان منها وأن رفعه صحيح، وليس بين فتواه وروايته تناف، وكذا لا تأثير للاختلاف في الروايتين حيث وقع في إحداهما أن عمرو بن ميمون سأل سليمان، وفي الأخرى أن سليمان سأل عائشة، لأن كلا منهما سأل شيخه فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض وكلهم ثقات. قوله: (عبد الواحد) هو ابن زياد البصري، وفي طبقته عبد الواحد بن زيد البصري ولم يخرج له البخاري شيئا. قوله: (عن المني) أي عن حكم المني هل يشرع غسله أم لا؟ فحصل الجواب بأنها كانت تغسله، وليس في ذلك ما يقتضي إيجابه كما قدمناه. قوله: (فيخرج) أي من الحجرة إلى المسجد. قوله: (بقع الماء) بضم العين على أنه بدل من قوله " أثر الغسل"، ويجوز النصب على الاختصاص، وفي هذه الرواية جواز سؤال النساء عما يستحيي منه لمصلحة تعلم الأحكام، وفيه خدمة الزوجات للأزواج، واستدل به المصنف على أن بقاء الأثر بعد زوال العين في إزالة النجاسة وغيرها لا يضر فلهذا ترجم " باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره " وأعاد الضمير مذكرا على المعنى أي فلم يذهب أثر الشيء المغسول، ومراده أن ذلك لا يضر. وذكر في الباب حديث الجنابة وألحق غيرها بها قياسا، أو أشار بذلك إلى ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض، فكيف أصنع؟ قال " إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه " قالت فإن لم يخرج الدم؟ قال " يكفيك الماء ولا يضرك أثره " وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل ذكره البيهقي، والمراد بالأثر ما تعسر إزالته جمعا بين هذا وبين حديث أم قيس " حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر " أخرجه أبو داود أيضا وإسناده حسن. ولما لم يكن هذا الحديث على شرط المصنف استنبط من الحديث الذي على شرطه ما يدل على ذلك المعنى كعادته. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فِي الثَّوْبِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِيهِ بُقَعُ الْمَاءِ الشرح: قوله: (المنقري) بكسر الميم وإسكان النون وفتح القاف نسبة إلى بني منقر - بطن من تميم - وهو أبو سلمة التبوذكي، وعبد الواحد هو ابن زياد أيضا. قوله: (سمعت سليمان بن يسار في الثوب) أي يقول في مسألة الثوب، وللكشميهني " سألت سليمان ابن يسار في الثوب " أي قلت له ما تقول في الثوب أو في بمعنى عن. قوله: (أغسله) أي أثر الجنابة أو المني. قوله: (وأثر الغسل فيه) يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى أثر الماء أو إلى الثوب ويكون قوله " بقع الماء " بدلا من قوله " أثر الغسل " كما تقدم، أو المعنى أثر الجنابة المغسولة بالماء فيه من بقع الماء المذكور. وقوله في الرواية الأخرى " ثم أراه فيه " بعد قوله " كانت تغسل المني " يرجح هذا الاحتمال الأخير لأن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو المني. الحديث: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا الشرح: قوله: (زهير) هو ابن معاوية الجعفي. قوله: (أنها كانت) محتمل أن يكون مذكورا بالمعنى من لفظها، أي قالت كنت أغسل، ليشاكل قولها " ثم أراه " أو حذف لفظ قالت قبل قولها ثم أراه. قوله: (بقعة أو بقعا) يحتمل أن يكون من كلامها وينزل على حالتين، أو شكا من أحد رواته. والله أعلم. |
02-16-2013, 02:47 PM | #118 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالْغَنَمِ وَمَرَابِضِهَا
وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دَارِ الْبَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ وَالْبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ هَا هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ الشرح: قوله: (باب أبوال الإبل والدواب والغنم) والمراد بالدواب معناه العرفي وهو ذوات الحافر من الخيل والبغال والحمير، ويحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص ثم عطف الخاص على العام، والأول أوجه، ولهذا ساق أثر أبي موسى في صلاته في دار البريد لأنها مأوى الدواب التي تركب، وحديث العرنيين ليستدل به على طهارة أبوال الإبل، وحديث مرابض الغنم ليستدل به على ذلك أيضا منها. قوله: (ومرابضها) جمع مربض بكسر أوله وفتح الموحدة بعدها معجمة، وهي للغنم كالمعاطن للإبل، والضمير يعود على أقرب مذكور وهو الغنم. ولم يفصح المصنف بالحكم كعادته في المختلف فيه، لكن ظاهر إيراده حديث العرنيين يشعر باختياره الطهارة، ويدل على ذلك قوله في حديث صاحب القبر ولم يذكر سوى بول الناس، وإلى ذلك ذهب الشعبي وابن علية وداود وغيرهم، وهو يرد على من نقل الإجماع على نجاسة بول غير المأكول مطلقا، وقد قدمنا ما فيه. قوله: (وصلى أبو موسى) هو الأشعري، وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له قال: حدثنا الأعمش عن مالك بن الحارث - هو السلمي الكوفي - عن أبيه قال " صلى بنا أبو موسى في دار البريد، وهناك سرقين الدواب، والبرية على الباب، فقالوا: لو صليت على الباب " فذكره. والسرقين بكسر المهملة وإسكان الراء هو الزبل، وحكى فيه ابن سيده فتح أوله وهو فارسي معرب، ويقال له السرجين بالجيم، وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف، والبرية الصحراء منسوبة إلى البر، ودار البريد المذكورة موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من الخلفاء إلى الأمراء، وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وفي زمن عثمان، وكانت الدار في طرف البلد ولهذا كانت البرية إلى جنبها. وقال المطرزي: البريد في الأصل الدابة المرتبة في الرباط، ثم سمي به الرسول المحمول عليها: ثم سميت به المسافة المشهورة. (فائدة) : ذكر البخاري في تاريخه: همدان بريد عمر، وهو يروي عن عمر، وله أثر ذكره المصنف تعليقا عن عمير كما سيأتي تخريجه من طريقه. قوله: (سواء) يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة، وتعقب بأنه ليس فيه دليل على طهارة أرواث الدواب عند أبي موسى، لأنه يمكن أن يصلي فيها على ثوب يبسطه. وأجيب بأن الأصل عدمه، وقد رواه سفيان الثوري في جامعه عن الأعمش بسنده ولفظه " صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين " وهذا ظاهر في أنه بغير حائل، وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره أن الصلاة على الطنفسة محدث، وإسناده صحيح. والأولى أن يقال إن هذا من فعل أبي موسى، وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمر وغيره، فلا يكون حجة. أو لعل أبا موسى كان لا يرى الطهارة شرطا في صحة الصلاة بل يراها واجبة برأسها، وهو مذهب مشهور. وقد تقدم مثله في قصة الصحابي الذي صلى بعد أن جرح وظهر عليه الدم الكثير، فلا يكون فيه حجة على أن الروث طاهر، كما أنه لا حجة في ذاك على أن الدم طاهر، وقياس غير المأكول على المأكول غير واضح، لأن الفرق بينهما متجه لو ثبت أن روث المأكول طاهر، وسنذكر ما فيه قريبا. والتمسك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعا بلفظ " استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه " أولى لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال فيجب اجتنابها لهذا الوعيد. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ الشرح: قوله: (عن أيوب عن أبي قلابة) كذا رواه البخاري، وتابعه أبو داود عن سليمان بن حرب، وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود السجستاني وأبي داود الحراني، وأبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي كلهم عن سليمان، وخالفهم مسلم فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب، وزاد بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء مولى أبي قلابة، وكذا أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان. وقال الدارقطني وغيره: ثبوت أبي رجاء وحذفه - في حديث حماد بن زيد عن أيوب - صواب، لأن أيوب حديث به عن أبي قلابة بقصة العرنيين خاصة، وكذا رواه أكثر أصحاب حماد بن زيد عنه مقتصرين عليها، وحدث به أيوب أيضا عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة، وزاد فيه قصة طويلة لأبي قلابة مع عمر عبد العزيز كما سيأتي ذلك في كتاب الديات، ووافقه على ذلك حجاج الصواف عن أبي رجاء، فالطريقان جميعا صحيحان، والله أعلم. قوله: (عن أنس) زاد الأصيلي " ابن مالك". قوله: (قدم أناس) وللأصيلي والكشميهني والسرخسي " ناس " أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرح به المصنف في الديات من طريق أبي رجاء عن أبي قلابة. قوله: (من عكل أو عرينة) الشك فيه من حماد، وللمصنف في المحاربين عن قتيبة عن حماد " أن رهطا من عكل أو قال من عرينة ولا أعلمه إلا قال من عكل"، وله في الجهاد عن وهيب عن أيوب " أن رهطا من عكل " ولم يشك، وكذا في المحاربين عن يحيى بن أبي كثير، وفي الديات عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة، وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس " أن ناسا من عرينة " ولم يشك أيضا، وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس، وفي المغازي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة " أن ناسا من عكل وعرينة " بالواو العاطفة وهو الصواب، ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل، ولا يخالف هذا ما عند المصنف في الجهاد من طريق وهيب عن أيوب، وفي الديات من طريق حجاج الصواف عن أبي رجاء كلاهما عن أبي قلابة عن أنس " أن رهطا من عكل ثمانية " لاحتمال أن يكون الثامن غير القبيلتين وكان من أتباعهم فلم ينسب، وغفل من نسب عدتهم ثمانية لرواية أبي يعلى وهي عند البخاري وكذا عند مسلم، وزعم ابن التين تبعا للداودي أن عرينة هم عكل، وهو غلط، بل هما قبيلتان متغايرتان: عكل من عدنان، وعرينة من قحطان. وعكل بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب، وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة، والمراد هنا الثاني، كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي، وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس، ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة. وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا. وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست. وذكرها المصنف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها، وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما، والله أعلم. وللمصنف في المحاربين من طريق وهيب عن أيوب أنهم كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل. قوله: (فاجتووا المدينة) زاد في رواية يحيى بن أبي كثير قبل هذا " فأسلموا " وفي رواية أبي رجاء قبل هذا " فبايعوه على الإسلام " قال ابن فارس: اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة. وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة، وهو المناسب لهذه القصة. وقال القزاز: اجتووا أي لم يوافقهم طعامها. وقال ابن العربي: الجوى داء يأخذ من الوباء. وفي رواية أخرى يعني رواية أبي رجاء المذكورة " استوخموا " قال وهو بمعناه. وقال غيره: الجوى داء يصيب الجوف. وللمصنف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة " فقالوا: يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف". وله في الطب من رواية ثابت عن أنس " إن ناسا كان بهم سقم قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة". والظاهر أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها، فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع، فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس " كان بهم هزال شديد " وعنده من رواية أبي سعد عنه " مصفرة ألوانهم". وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة كما عند أحمد من رواية حميد عن أنس، وسيأتي ذكر حمى المدينة من حديث عائشة في الطب وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة. ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس " وقع بالمدينة الموم " أي بضم الميم وسكون الواو قال: وهو البرسام، أي بكسر الموحدة سرياني معرب أطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر، والمراد هنا الأخير. فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة " فعظمت بطونهم". قوله: (فأمرهم بلقاح) أي فأمرهم أن يلحقوا بها، وللمصنف في رواية همام عن قتادة " فأمرهم أن يلحقوا براعيه " وله عن قتيبة عن حماد " فأمر لهم بلقاح"؛ بزيادة اللام فيحتمل أن تكون زائدة أو للتعليل أو لشبه الملك أو للاختصاص وليست للتمليك، وعند أبي عوانة من رواية معاوية بن قرة التي أخرج مسلم إسنادها " أنهم بدءوا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا: يا رسول الله قد وقع هذا الوجع، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل " وللمصنف من رواية وهيب عن أيوب أنهم قالوا " يا رسول الله أبغنا رسلا " أي اطلب لنا لبنا " قال ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود " وفي رواية أبي رجاء " هذه نعم لنا تخرج فأخرجوا فيها". واللقاح باللام المكسورة والقاف وآخره مهملة: النوق ذوات الألبان، وأحدها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف. وقال أبو عمرو: يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون، وظاهر ما مضى أن اللقاح كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وصرح بذلك في المحاربين عن موسى عن وهيب بسنده فقال " إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وله فيه من رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده " فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة " وكذا في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة، والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة، وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى ما طلب هؤلاء النفر الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الإبل فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الإبل ففعلوا ما فعلوا، وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم "إن المدينة تنفي خبثها " وسيأتي في موضعه. وذكر ابن سعد أن عدد لقاحه صلى الله عليه وسلم كانت خمس عشرة، وأنهم نحروا منها واحدة يقال لها الحناء، وهو في ذلك متابع للواقدي، وقد ذكره الواقدي في المغازي بإسناد ضعيف مرسل. قوله: (وأن يشربوا) أي وأمرهم أن يشربوا، وله في رواية أبي رجاء " فأخرجوا فاشربوا من ألبانها وأبوالها " بصيغة الأمر. وفي رواية شعبة عن قتادة " فرخص لهم أن يأتوا الصدقة فيشربوا " فأما شربهم ألبان الصدقة فلأنهم من أبناء السبيل، وأما شربهم لبن لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فبإذنه المذكور، وأما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته، أما من الإبل فبهذا الحديث، وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه، وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف، ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخري والروياني، وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأرواث كلها من مأكول اللحم وغيره، واحتج ابن المنذر لقوله بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة، قال: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، قال: وفي ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير دليل على طهارتها. قلت: وهو استدلال ضعيف، لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته، وقد دل على نجاسة الأبوال كلها حديث أبي هريرة الذي قدمناه قريبا. وقال ابن العربي: تعلق بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل، وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوي، وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة، بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب؟ وأجيب بمنع أنه ليس حراما ضرورة، بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره، وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر، والله أعلم. وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح إلا لأمر واجب غير مسلم، فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك فيباح الأمر جائز كالسفر مثلا. وأما قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوي به لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها " رواه أبو داود من حديث أم سلمة وستأتي له طريق أخرى في الأشربة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء، فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختيار، وأما في حال الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر، ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر " إنها ليست بدواء، إنها داء " في جواب من سأله عن التداوي بها فيما رواه مسلم، فإن ذلك خاص بالخمر، ويلتحق به غيرها من المسكر، والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره. ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم. قاله الطحاوي بمعناه. وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا " أن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم " والذرب فساد المعدة، فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، والله أعلم. وبهذه الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها. قوله: (فلما صحوا) في السياق حذف تقديره " فشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحوا". وقد ثبت ذلك في رواية أبي رجاء، وزاد في رواية وهيب " وسمنوا " وللإسماعيلي من رواية ثابت " ورجعت إليهم ألوانهم". قوله: (واستاقوا النعم) من السوق وهو السير العنيف. قوله: (فجاء الخبر) في رواية وهيب عن أيوب " الصريخ " بالخاء المعجمة وهو فعيل بمعنى فاعل أي صرخ بالإعلام بما وقع منهم؛ وهذا الصارخ أحد الراعيين كما ثبت في صحيح أبي عوانة من رواية معاوية ابن قرة عن أنس، وقد أخرج مسلم إسناده ولفظه " فقتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال: قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل " واسم راعي النبي صلى الله عليه وسلم المقتول يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة، كذا ذكره ابن إسحاق في المغازي، ورواه الطبراني موصولا من حديث سلمة بن الأكوع بإسناد صالح قال " كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار " زاد ابن إسحاق " أصابه في غزوة بني ثعلبة " قال سلمة " فرآه يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها " فذكر قصة العرنيين وأنهم قتلوه، ولم أقف على تسمية الراعي الآتي بالخبر، والظاهر أنه راعي إبل الصدقة، ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذكره بالإفراد، وكذا لمسلم لكن عنده من رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس " ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم " بصيغة الجمع، ونحوه لابن حبان من رواية يحيى بن سعيد عن أنس، فيحتمل أن إبل الصدقة كان لها رعاة فقتل بعضهم من راعي اللقاح، فاقتصر بعض الرواة على راعي النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعضهم معه غيره، ويحتمل أن يكون بعض الرواة ذكره بالمعنى فتجوز في الإتيان بصيغة الجمع، وهذا أرجح لأن أصحاب المغازي لم يذكر أحد منهم أنهم قتلوا غير يسار، والله أعلم. قوله: (فبعث في آثارهم) زاد في رواية الأوزاعي " الطلب " وفي حديث سلمة بن الأكوع " خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري " وكذا ذكره ابن إسحاق والأكثرون، وهو بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي، وللنسائي من رواية الأوزاعي " فبعث في طلبهم قافة " أي جمع قائف، ولمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم، ولم أقف على اسم هذا القائف ولا على اسم واحد من العشرين، لكن في مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلا، ولم يقل من الأنصار، بل سمي منهم جماعة من المهاجرين منهم بريدة بن الحصيب وسلمة ابن الأكوع الأسلميان وجندب ورافع ابنا مكيث الجهنيان وأبو ذر وأبو رهم الغفاريان وبلال بن الحارث وعبد الله بن عمرو بن عوف المزنيان وغيرهم، والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، لكن يحتمل أن يكون من لم يسمه الواقدي من الأنصار فأطلق الأنصار تغليبا، أو قيل للجميع أنصار بالمعنى الأعم. وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد، كذا عنده بزيادة ياء والذي ذكره غيره أنه سعد بسكون العين ابن زيد الأشهلي، وهذا أيضا أنصاري فيحتمل أنه كان رأس الأنصار، وكان كرز أمير الجماعة. وروى الطبري وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في آثارهم، لكن إسناده ضعيف، والمعروف أن جريرا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة. والله أعلم. قوله: (فلما ارتفع) فيه حذف تقديره فأدركوا في ذلك اليوم فأخذوا، فلما ارتفع النهار جيء بهم أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسارى. قوله: (فأمر بقطع) كذا للأصيلي والمستملي والسرخسي، وللباقين فقطع أيديهم وأرجلهم، قال الداودي: يعني قطع يدي كل واحد ورجليه. قلت: ترده رواية الترمذي " من خلاف " وكذا ذكره الإسماعيلي عن الفريابي عن الأوزاعي بسنده، وللمصنف من رواية الأوزاعي أيضا " ولم يحسمهم " أي لم يكو ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف. قوله: (وسمرت أعينهم) تشديد الميم. وفي رواية أبي رجاء " وسمر " بتخفيف الميم ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء، ووقع لمسلم من رواية عبد العزيز " وسمل " بالتخفيف واللام، قال الخطابي، السمل: فقء العين بأي شيء كان، قال أبو ذؤيب الهذلي: والعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع قال: والسمر لغة في السمل ومخرجهما متقارب. قال: وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت. قلت: قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه " ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها " فهذا يوضح ما تقدم، ولا يخالف ذلك رواية السمل لأنه فقء العين بأي شيء كان كما مضى. قوله: (وألقوا في الحرة) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة، وإنما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا. قوله: (يستسقون فلا يسقون) زاد وهيب والأوزاعي " حتى ماتوا " وفي رواية أبي رجاء " ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا " وفي رواية شعبة عن قتادة " يعضون الحجارة " وفي الطب من رواية ثابت قال أنس " فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت " ولأبي عوانة من هذا الوجه " يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة". وزعم الواقدي أنهم صلبوا، والروايات الصحيحة ترده. لكن عند أبي عوانة من رواية أبي عقيل عن أنس " فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين " كذا ذكر ستة فقط، فإن كان محفوظا فعقوبتهم كانت موزعة. ومال جماعة منهم ابن الجوزي إلى أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص، لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس " إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة " وقصر من اقتصر في غزوه للترمذي والنسائي، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المثلة في حقهم وقعت من جهات، وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية. قلت: كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي، وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ، قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثله. وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ. قلت: يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه، وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن ثم النهي، وروى قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود، ولموسى بن عقبة في المغازي: وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة، وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي، واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع، وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم. انتهى. وهو ضعيف جدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وسكوته كاف في ثبوت الحكم. وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره، ويدل عليه أن من ليس معه ماء إلا لطهارته ليس له أن يسقيه للمرتد ويتيمم، بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا. وقال الخطابي: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك، وقيل: إن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالعطش على من عطش آل بيته في قصة رواها النسائي فيحتمل أن يكونوا في تلك الليلة منعوا إرسال ما جرت به العادة من اللبن الذي كان يراح به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لقاحه في كل ليلة كما ذكر ذلك ابن سعد، والله أعلم قوله: (قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا) أي لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها، وهذا قاله أبو قلابة استنباطا. قوله: (وقتلوا) أي الراعي كما تقدم. قوله: (وكفروا) هو في رواية سعيد عن قتادة عن أنس في المغازي، وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث، وليس موقوفا على أبي قلابة كما توهمه بعضهم، وكذا قوله " وحاربوا " ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث " وهربوا محاربين " وستأتي قصة أبي قلابة في هذا الحديث مع عمر بن عبد العزيز في مسألة القسامة من كتاب الديات إن شاء الله تعالى. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: قدوم الوفود على الإمام، ونظره في مصالحهم، وفيه مشروعية الطب والتداوي بألبان الإبل وأبوالها، وفيه أن كل جسد يطب بما اعتاده، وفيه قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة إن قلنا إن قتلهم كان قصاصا، وفيه المماثلة في القصاص وليس ذلك من المثلة المنهي عنها، وثبوت حكم المحاربة في الصحراء، وأما في القرى ففيه خلاف، وفيه جواز استعمال أبناء السبيل إبل الصدقة في الشرب وفي غيره قياسا عليه بإذن الإمام، وفيه العمل بقول القائف، وللعرب في ذلك المعرفة التامة. الحديث: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ الشرح: قوله: (أبو التياح) تقدم أنه بالمثناة الفوقانية ثم التحتانية المشددة وآخره مهملة، وهذا الحديث في الصلاة في مرابض الغنم تمسك به من قال بطهارة أبوالها وأبعارها، قالوا: لأنها لا تحلو من ذلك، فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة، ونوزع من استدل بذلك لاحتمال الحائل، وأجيب بأنهم لم يكونوا يصلون على حائل دون الأرض، وفيه نظر لأنها شهادة نفي، لكن قد يقال إنها مستندة إلى أصل، والجواب أن في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير في دارهم، وصح عن عائشة أنه كان يصلي على الخمرة. وقال ابن حزم: هذا الحديث منسوخ لأن فيه أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد، فاقتضى أنه في أول الهجرة، وقد صح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم ببناء المساجد في الدور، وأن تطيب وتنظف، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه ابن خزيمة وغيره، ولأبي داود نحوه من حديث سمرة وزاد " وأن نطهرها " قال: وهذا بعد بناء المسجد. وما ادعاه من النسخ يقتضي الجواز ثم المنع، وفيه نظر لأن إذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم من حديث جابر بن سمرة. نعم ليس فيه دلالة على طهارة المرابض، لكن فيه أيضا النهي عن الصلاة في معاطن الإبل، فلو اقتضى الإذن الطهارة لاقتضى النهي التنجيس، ولم يقل أحد بالفرق، لكن المعنى في الإذن والنهي بشيء لا يتعلق بالطهارة ولا النجاسة وهو أن الغنم من دواب الجنة والإبل خلقت من الشياطين. والله أعلم. |
02-16-2013, 02:47 PM | #119 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب مَا يَقَعُ مِنْ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالْمَاءِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا بَأْسَ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ وَقَالَ حَمَّادٌ لَا بَأْسَ بِرِيشِ الْمَيْتَةِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ الْمَوْتَى نَحْوَ الْفِيلِ وَغَيْرِهِ أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ وَلَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ الشرح: قوله: (باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء) أي هل ينجسهما أم لا، أو لا ينجس الماء إلا إذا تغير دون غيره؟ وهذا الذي يظهر من مجموع ما أورده المصنف في الباب من أثر وحديث. قوله: (وقال الزهري) صله ابن وهب في جامعه عن يونس عنه، وروى البيهقي معناه من طريق أبي عمرو وهو الأوزاعي عن الزهري. قوله: (لا بأس بالماء) أي لا حرج في استعماله في كل حالة، فهو محكوم بطهارته ما لم يغيره طعم أي من شيء نجس أو ريح منه أو لون، ولفظ يونس عنه كل ما فيه قوة عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا ريحه ولا لونه فهو طاهر، ومقتضى هذا أنه لا يفرق بين القليل والكثير إلا بالقوة المانعة للملاقي أن يغير أحد أوصافه، فالعبرة عنده بالتغير وعدمه، ومذهب الزهري هذا صار إليه طوائف من العلماء، وقد تعقبه أبو عبيد في كتاب الطهور بأنه يلزم منه أن من بال في إبريق ولم يغير للماء وصفا أنه يجوز له التطهر به، وهو مستبشع، ولهذا نصر قول التفريق بالقلتين، وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في إسناده، لكن رواته ثقات. وصححه جماعة من الأئمة، إلا أن مقدار القلتين لم يتفق عليه، واعتبره الشافعي بخمس قرب من قرب الحجاز احتياطا، وخصص به حديث ابن عباس مرفوعا " الماء لا ينجسه شيء " وهو حديث صحيح رواه الأربعة وابن خزيمة وغيرهم، وسيأتي مزيد للقول في هذا في الباب الذي بعده. وقول الزهري هذا ورد فيه حديث مرفوع قال الشافعي لا يثبت أهل الحديث مثله، لكن لا أعلم في المسألة خلافا، يعني في تنجيس الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة، والحديث المشار إليه أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة وإسناده ضعيف وفيه اضطراب أيضا. قوله: (وقال حماد) هو ابن أبي سليمان الفقيه الكوفي. قوله: (لا بأس بريش الميتة) أي ليس نجسا ولا ينجس الماء بملاقاته، سواء كان ريش مأكول أو غيره، وأثره هذا وصله عبد الرزاق عن معمر عنه. قوله: (وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره) أي مما لا يؤكل (أدركت ناسا) أي كثيرا والتنوين للتكثير. قوله: (ويدهنون) بتشديد الدال من باب الافتعال، ويجوز ضم أوله وإسكان الدال، وهذا يدل على أنهم كانوا يقولون بطهارته، وسنذكر الخلاف فيه قريبا. قوله: (وقال ابن سيرين وإبراهيم) لم يذكر السرخسي إبراهيم في روايته ولا أكثر الرواة عن الفربري، وأثر ابن سيرين وصله عبد الرزاق بلفظ " أنه كان لا يرى بالتجارة في العاج بأسا " وهذا يدل على أنه كان يراه طاهرا لأنه لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره بدليل قصته المشهورة في الزيت. والعاج هو ناب الفيل، قال ابن سيده: لا يسمى غيره عاجا. وقال القزاز: أنكر الخليل أن يسمى غير ناب الفيل عاجا. وقال ابن فارس والجوهري: العاج عظم الفيل، فلم يخصصاه بالناب. وقال الخطابي تبعا لابن قتيبة: العاج الذبل وهو ظهر السلحفاء البحرية، وفيه نظر ففي الصحاح: المسك السوار من عاج أو ذبل، فغاير بينهما. لكن قال القالي: العرب تسمى كل عظم عاجا، فإن ثبت هذا فلا حجة في الأثر المذكور على طهارة عظم الفيل، لكن إيراد البخاري له عقب أثر الزهري في عظم الفيل يدل على اعتبار ما قال الخليل. وقد اختلفوا في عظم الفيل بناء على أن العظم هل تحله الحياة أم لا، فذهب إلى الأول الشافعي، واستدل له بقوله تعالى (قال من يحيي العظام وهي رميم. قل يحيها الذي أنشأها أول مرة) فهذا ظاهر في أن العظم تحله الحياة، وذهب إلى الثاني أبو حنيفة وقال بطهارة العظام مطلقا. وقال مالك: هو طاهر إن ذكى بناء على قوله إن غير المأكول يطهر بالتذكية وهو قول أبي حنيفة. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس. قوله (عن ميمونة) هي بنت الحارث خالة ابن عباس. قوله: (سئل عن فأرة) بهمزة ساكنة والسائل عن ذلك هي ميمونة. ووقع في رواية يحيى القطان وجويرية عن مالك في هذا الحديث " أن ميمونة استفتت " رواه الدارقطني وغيره. قوله: (سقطت في سمن) زاد النسائي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن مالك " في سمن جامد"، وزاد المصنف في الذبائح من رواية ابن عيينة عن ابن شهاب " فماتت". قوله: (وما حولها) أي من السمن. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ قَالَ مَعْنٌ حَدَّثَنَا مَالِكٌ مَا لَا أُحْصِيهِ يَقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ الشرح: قوله: (حدثنا معن) هو ابن عيسى القزاز. قوله: (خذوها وما حولها فاطرحوه) أي الجميع وكلوا الباقي كما دلت عليه الرواية الأولى. قوله: (قال معن) هو قول علي بن عبد الله فهو متصل، وأبعد من قال إنه معلق، وإنما أورد البخاري كلام معن وساق حديثه بنزول - بالنسبة للإسناد الذي قبله - مع موافقته له في السياق للإشارة إلى الاختلاف على مالك في إسناده، فرواه أصحاب الموطأ عنه واختلفوا، فمنهم من ذكره عنه هكذا كيحيى بن يحيى وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ميمونة كالقعنبي وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ابن عباس كأشهب وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ابن عباس ولا ميمونة كيحيى بن بكير وأبي مصعب، ولم يذكر أحد منهم لفظة " جامد " إلا عبد الرحمن بن مهدي، وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي في مسنده عن سفيان بن عيينة عن ابن شهاب، ورواه الحميدي والحفاظ من أصحاب ابن عيينة بدونها وجودوا إسناده فذكروا فيه ابن عباس وميمونة وهو الصحيح، وراوه عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب مجودا، وله فيه عن ابن شهاب إسناد آخر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولفظه " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن، قال: إذا كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه " وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال في رواية معمر هل هذه: هي خطأ. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: إنها وهم. وأشار الترمذي إلى أنها شاذة. وقال الذهلي في الزهريات: الطريقان عندنا محفوظان، لكن طريق ابن عباس عن ميمونة أشهر. والله أعلم. وقد استشكل ابن التين إيراد البخاري كلام معن هذا مع كونه غير مخالف لرواية إسماعيل، وأجيب بأن مراده أن إسماعيل لم ينفرد بتجويد إسناده. وظهر لي وجه آخر وهو أن رواية معن المذكورة وقعت خارج الموطأ هكذا، وقد رواها في الموطأ فلم يذكر ابن عباس ولا ميمونة، كذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طريقه، فأشار المصنف إلى أن هذا الاختلاف لا يضر، لأن مالك كان يصله تارة ويرسله تارة، ورواية الوصل عنه مقدمة قد سمعه منه معن بن عيسى مرارا وتابعه غيره من الحفاظ. والله أعلم. (فائدة) : أخذ الجمهور بحديث معمر الدال على التفرقة بين الجامد والذائب، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئا من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه، وأما المائع فاختلفوا فيه، فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاة النجاسة، وخالف فريق: منهم الزهري والأوزاعي، وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب الذبائح، وكذلك مسألة الانتفاع بالدهن النجس أو المتنجس إن شاء الله تعالى. قال ابن المنير: مناسبة حديث السمن للآثار التي قبله اختيار المصنف أن المعتبر في التنجيس تغير الصفات، فلما كان ريش الميتة لا يتغير بتغيرها بالموت وكذا عظمها فكذلك السمن البعيد عن موقع الميتة إذا لم يتغير، واقتضى ذلك أن الماء إذا لاقته النجاسة ولم يتغير أنه لا يتنجس. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ الشرح: قوله: (حدثنا أحمد بن محمد) أي ابن أبي موسى المروزي المعروف بمردويه، وعبد الله هو ابن المبارك قوله: (كل كلم) بفتح الكاف وإسكان اللام (يكلمه) بضم أوله وإسكان الكاف وفتح اللام، أي كل جرح يجرحه. قوله: (في سبيل الله) قيد يخرج ما يصيب المسلم من الجراحات في غير سبيل الله، وزاد في الجهاد من طريق الأعرج عن أبي هريرة " والله أعلم بمن يكلم في سبيله " وفيه إشارة إلى أن ذلك إنما يحصل لمن خلصت نيته. قوله: (تكون كهيئتها) أعاد الضمير مؤنثا لإرادة الجراحة، ويوضحه رواية القابسي عن أبي زيد المروزي عن الفربري " كل كلمة يكلمها " وكذا هو في رواية ابن عساكر. قوله: (تفجر) بفتح الجيم المشددة وحذف التاء الأولى إذ أصله تتفجر. قوله: (والعرف) بفتح المهملة وسكون الراء الريح، والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته أنه يشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله، وفائدة رائحته الطيبة أن تنتشر في أهل الموقف إظهارا لفضيلته أيضا، ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد في المعركة. وقد استشكل إيراد المصنف لهذا الحديث في هذا الباب، فقال الإسماعيلي: هذا الحديث لا يدخل في طهارة الدم ولا نجاسته، وإنما ورد في فضل المطعون في سبيل الله. وأجيب بأن مقصود المصنف بإيراده تأكيد مذهبه في أن الماء لا يتنجس بمجرد الملاقاة ما لم يتغير، فاستدل بهذا الحديث على أن تبدل الصفة يؤثر في الموصوف، فكما أن تغير صفة الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنجاسة يخرجه عن صفة الطهارة إلى النجاسة. وتعقب بأن الغرض إثبات انحصار التنجيس بالتغير وما ذكر يدل على أن التنجيس يحصل بالتغير وهو وفاق، لا أنه لا يحصل إلا به وهو موضع النزاع. وقال بعضهم: مقصود البخاري أن يبين طهارة المسك ردا على من يقول بنجاسته لكونه دما انعقد، فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم وهي الزهم وقبح الرائحة إلى الحالة الممدوحة وهي طيب رائحة المسك دخل عليه الحل وانتقل من حالة النجاسة إلى حالة الطهارة، كالخمرة إذا تخللت. وقال ابن رشيد: مراده أن انتقال الدم إلى الرائحة الطيبة هو الذي نقله من حالة الذم إلى حالة المدح، فحصل من هذا تغليب وصف واحد وهو الرائحة على وصفين وهما الطعم واللون، فيستنبط منه أنه متى تغير أحد الأوصاف الثلاثة بصلاح أو فساد تبعه الوصفان الباقيان، وكأنه أشار بذلك إلى رد ما نقل عن ربيعة وغيره أن تغير الوصف الواحد لا يؤثر حتى يجتمع وصفان، قال: ويمكن أن يستدل به على أن الماء إذا تغير ريحه بشيء طيب لا يسلبه اسم الماء، كما أن الدم لم ينتقل عن اسم الدم مع تغير رائحته إلى رائحة المسك لأنه قد سماه دما مع تغير الريح، فما دام الاسم واقعا على المسمى فالحكم تابع له. ا ه كلامه. ويرد على الأول أنه يلزم منه أن الماء إذا كانت أوصافه الثلاثة فاسدة ثم تغيرت صفة واحدة منها إلى صلاح أنه يحكم بصلاحه كله، وهو ظاهر الفساد. وعلى الثاني أنه لا يلزم من كونه لم يسلب اسم الماء أن لا يكون موصوفا بصفة تمنع من استعماله مع بقاء اسم الماء عليه والله أعلم. وقال ابن دقيق العيد لما نقل قول من قال إن الدم لما انتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة إلى الطهارة ومن حكم القذارة إلى الطيب لتغير رائحته حتى حكم له بحكم المسك وبالطيب للشهيد، فكذلك الماء ينتقل بتغير رائحته من الطهارة إلى النجاسة، قال: هذا ضعيف مع تكلفه. |
02-16-2013, 02:48 PM | #120 |
|
رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه
*3*باب الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ
الشرح: قوله: (باب البول في الماء الدائم) أي الساكن، يقال دوم الطائر تدويما إذا صف جناحيه في الهواء فلم يحركهما. وفي رواية الأصيلي " باب لا تبولوا في الماء الدائم " وهي بالمعنى. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ الشرح: قوله: (الأعرج) كذا رواه شعيب ووافقه ابن عيينة فيما رواه الشافعي عنه عن أبي الزناد، وكذا أخرجه الإسماعيلي، ورواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة، ومن هذا الوجه أخرجه النسائي، وكذا أخرجه أحمد من طريق الثوري عن أبي الزناد، والطحاوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، والطريقان معا صحيحان، ولأبي الزناد فيه شيخان، ولفظهما في سياق المتن مختلف كما سنشير إليه. قوله: (نحن الآخرون السابقون) اختلف في الحكمة في تقديم هذه الجملة على الحديث المقصود، فقال ابن بطال: يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ما بعده في نسق واحد فحدث بهما جميعا، ويحتمل أن يكون همام فعل ذلك لأنه سمعهما من أبي هريرة وإلا فليس في الحديث مناسبة للترجمة. قلت: جزم ابن التين بالأول، وهو متعقب، فإنه لو كان حديثا واحدا ما فصله المصنف بقوله وبإسناده، وأيضا فقوله " نحن الآخرون السابقون " طرف من حديث مشهور في ذكر يوم الجمعة سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى، فلو راعى البخاري ما ادعاه لساق المتن بتمامه. وأيضا فحديث الباب مروي بطرق متعددة عن أبي هريرة في دواوين الأئمة، وليس في طريق منها في أوله " نحن الآخرون السابقون"، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي اليمان شيخ البخاري بدون هذه الجملة. وقول ابن بطال: ويحتمل أن يكون همام وهم، تبعه عليه جماعة. وليس لهمام ذكر في هذا الإسناد. وقوله إنه ليس في الحديث مناسبة للترجمة صحيح، وإن كان غيره تكلف فأبدى بينهما مناسبة كما سنذكره، والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه وإن لم يكن باقيه مقصودا، كما صنع في حديث عروة البارقي في شراء الشاة كما سيأتي بيانه في الجهاد، وأمثلة ذلك في كتابه كثيرة. وقد وقع لمالك نحو هذا في الموطأ إذ أخرج في باب صلاة الصبح والعتمة متونا بسند واحد أولها " مر رجل بغصن شوك " وآخرها " لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبوا " وليس غرضه منها إلا الحديث الأخير لكنه أداها على الوجه الذي سمعه. قال ابن العربي في القبس: نرى الجهال يتعبون في تأويلها، ولا تعلق للأول منها بالباب أصلا. وقال غيره: وجه المناسبة بينهما أن هذه الأمة آخر من يدفن من الأمم في الأرض وأول من يخرج منها، لأن الوعاء آخر ما يوضع فيه أول ما يخرج منه، فكذلك الماء الراكد آخر ما يقع فيه من البول أول ما يصادف أعضاء المتطهر، فينبغي أن يجتنب ذلك. ولا يخفى ما فيه. وقيل: وجه المناسبة أن بني إسرائيل وإن سبقوا في الزمان، لكن هذه الأمة سبقتهم باجتناب الماء الراكد إذا وقع البول فيه، فلعلهم كانوا لا يجتنبونه. وتعقب بأن بني إسرائيل كانوا أشد مبالغة في اجتناب النجاسة بحيث كانت النجاسة إذا أصابت جلد أحدهم قرضه، فكيف يظن بهم التساهل في هذا؟ وهو استبعاد لا يستلزم رفع الاحتمال المذكور. وما قررناه أولى. وقد وقع البخاري في كتاب التعبير - في حديث أورده من طريق همام عن أبي هريرة مثل هذا - صدره أيضا بقوله " نحن الآخرون السابقون " قال: وبإسناده. ولا يتأتى فيه المناسبة المذكورة مع ما فيها من التكلف. والظاهر أن نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كنسخة معمر عن همام عنه، ولهذا قل حديث يوجد في هذه إلا وهو في الأخرى، وقد اشتملتا على أحاديث كثيرة أخرج الشيخان غالبا وابتداء كل نسخة منهما حديث " نحن الآخرون السابقون"، فلهذا صدر به البخاري فيما أخرجه من كل منهما، وسلك مسلم في نسخة همام طريقا أخرى فيقول في كل حديث أخرجه منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذكر الحديث الذي يريده يشير بذلك إلى أنه من أثناء النسخة لا أولها والله أعلم. الحديث: وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ الشرح: قوله: (الذي لا يجري) قيل هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه، وقيل احترز به عن راكد يجري بعضه كالبرك، وقيل احترز به عن الماء الدائم لأنه جار من حيث الصورة ساكن من حيث المعنى، ولهذا لم يذكر هذا القيد في رواية أبي عثمان عن أبي هريرة التي تقدمت الإشارة إليها حيث جاء فيها بلفظ " الراكد " بدل الدائم، وكذا أخرجه مسلم من حديث جابر. وقال ابن الإنباري: الدائم من حروف الأضداد يقال للساكن والدائر، ومنه أصاب الرأس دوام أي دوار، وعلى هذا فقوله " الذي لا يجري " صفة مخصصة لأحد معنى المشترك، وقيل الدائم والراكد مقابلان للجاري، لكن الذي له نبع والراكد الذي لا نبع له. قوله: (ثم يغتسل) بضم اللام على المشهور. وقال ابن مالك: يجوز الجزم عطفا على يبولن لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية، ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون. ومنع ذلك القرطبي فقال: لو أراد النهي لقال ثم لا يغتسلن، فحينئذ يتساوى الأمران في النهي عنهما لأن المحل الذي تواردا عليه شيء واحد وهو الماء. قال: فعدو له عن ذلك يدل على أنه لم يرد العطف، بل نبه على مآل الحال، والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله. ومثله بقوله صلى الله عليه وسلم "لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها " فإنه لم يروه أحد بالجزم، لأن المراد النهي عن الضرب لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها فتمتنع لإساءته إليها فلا يحصل له مقصوده. وتقدير اللفظ ثم هو يضاجعها. وفي حديث الباب " ثم هو يغتسل منه " وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يعطف عليه نهي آخر غير مؤكد، لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس للآخر. قال القرطبي: ولا يجوز النصب، إذ لا تضمر أن بعد ثم، وأجازه ابن مالك بإعطاء ثم حكم الواو، وتعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون المنهي عنه الجمع بين الأمرين دون إفراد أحدهما، وضعفه ابن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب، ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر. قلت: وهو ما رواه مسلم من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن البول في الماء الراكد"، وعنده من طريق أبي السائب عن أبي هريرة بلفظ " لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب " وروى أبو داود النهي عنهما في حديث واحد ولفظه " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة " واستدل به بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل، لأن البول ينجس الماء فكذلك الاغتسال، وقد نهى عنهما معا وهو للتحريم فيدل على النجاسة فيهما. ورد بأنها دلالة اقتران وهي ضعيفة، وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية، فيكون النهي عن البول لئلا ينجسه، وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبه الطهورية. ويزيد ذلك وضوحا قوله في رواية مسلم " كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولا " فدل على أن المنع من الانغماس فيه لئلا يصير مستعملا فيمتنع على الغير الانتفاع به، والصحابي أعلم بموارد الخطاب من غيره. وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور، وقد تقدمت الأدلة على طهارته، ولا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الآدمي وغيره خلافا لبعض الحنابلة، ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في إناء ثم يصبه فيه خلافا للظاهرية، وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل، وقد تقدم قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه، وهو قوي، لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه، وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك لكنه اعتذر عن القول به بأن القلة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة، ولم يثبت من الحديث تقديرهما فيكون مجملا فلا يعمل به، وقواه ابن دقيق العيد، لكن استدل له غيرهما فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: المراد القلة الكبيرة، إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد. فإن الصغيرتين قدر واحدة كبيرة، ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز. والظاهر أن الشارع عليه السلام ترك تحديدهما على سبيل التوسعة، والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة إلا بما يفهمون، فانتفى الإجمال، لكن لعدم التحديد وقع الخلف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال حكاها ابن المنذر، ثم حدث بعد ذلك تحديدهما بالأرطال، واختلف فيه أيضا. ونقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير. وقال القرطبي: يمكن حمله على التحريم مطلقا على قاعدة سد الذريعة لأنه يفضي إلى تنجيس الماء. قوله: (ثم يغتسل فيه) كذا هنا. وفي رواية ابن عيينة عن أبي الزناد " ثم يغتسل منه"، وكذا لمسلم من طريق ابن سيرين، وكل من اللفظين يفيد حكما بالنص وحكما بالاستنباط قاله ابن دقيق العيد، ووجهه أن الرواية بلفظ " فيه " تدل على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط، والرواية بلفظ " منه " بعكس ذلك، وكله مبني على أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة. والله أعلم. |
مواقع النشر (المفضلة) |
كاتب الموضوع | حسن الخليفه احمد | مشاركات | 538 | المشاهدات | 90090 | | | | انشر الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|