القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة
مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري
|
مكتبة الميرغني الإليكترونية خاصة بجميع مؤلفات السادة المراغنة |
إهداءات ^^^ ترحيب ^^^ تهاني ^^^ تعازي ^^^ تعليقات ^^^ إعلانات | |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
12-21-2012, 09:17 PM | #41 | |
|
رد: كتاب اتعاظ الحنفاء باخبار الائمة الفاطميين الخلفاء للامام احمد الحسينى
سنة سبع وستين وخمسمائة
في أول المحرم نسخ منشور بنقل السنة الخراجية إلى السنة الهلالية لخلو هذه السنة من نوروز. ومنذ نقلت السنة في أيام الأفضل أمير الجيوش كما تقدم ذكره لم تنقل وانسحب الأمر حتى تداخلت السنون وصار التفاوت بين العربية والقبطية سنتين. وفي رابعه جلس العاضد بعد الإرجاف بأنه أثخن في رمضه فشوهد على ما حقق الإرجاف من ضعف القوى وتخاذل الأعضاء وظهور الحمى وقيل إنها تفشت بأعضائه. وأمسك طبيبه المعروف بابن السديد عن الحضور إليه وامتنع من مداواته وخذله مساعدةً عليه للزمان وميلا مع الأيام. وفيها نزل نجم الدين أيوب بجماعة معه إلى الجامع وأمر الخطيب ألا يذكر العاضد وقال إن ذكرته ضربت عنقك. فقال لمن أخطب فقال للخليفة المستضيء بأمر الله العباسي. فلما خطب لم يذكر العاضد ولا غيره بل دعا للأئمة المهديين والملك الناصر. فقيل له في ذلك فقال: ما علمت اسم المستضيء ولا نعوته وفي الجمعة الثانية أفعل ما يجب فعله وأذكره. فلما بلغ العاضد ذلك قال في الجمعة الأخرى يعينون اسم الرجل المخطوب له. نهاية الفاطميين فلما كانت الجمعة الثانية وهي سابعه خطب باسم الخليفة المستضيء بأمر الله أبي محمد الحسن بن المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد ابن المستظهر بالله. وقطعت الخطبة للعاضد لدين الله فانقطعت ولم تعد بعدها إلى اليوم الخطبة للفاطميين. وذلك أنه لما ثبتت قدم صلاح الدين بالديار المصرية وأزال المخالفين له وضعف أمر الخليفة العاضد بقتل رجاله وذهاب أمواله وصار الحكم على قصره قراقوش طواشي أسد الدين نيابة عن صلاح الدين وتمكنت عساكر نور الدين من مصر طمع في أخذها. وكتب إلى صلاح الدين وفي ظنه وظن جميع عساكره أن صلاح الدين إنما هو نائب عنه في مصر متى أراد سحبه بإذنه لا يمتنع عليه يأمره بقطع خطبة العاضد وإقامتها للمستضيء العباسي. فاعتذر بالخوف من قيام المصريين عليه وعلى من معه لميلهم كان إلى الفاطميين ولأنه خاف من قطع خطبة العاضد وإقامة الخطبة للمستضيء أن يسير نور الدين إلى مصر وينزعه منها. فلم يقبل منه نور الدين وألح عليه وألزمه إلزاماً لم يجد مندوحة عن مخالفته وساعدته الأقدار بمرض العاضد المرض الذي غلب على الظن أنه لا يعيش منه. فجمع صلاح الدين أصحابه إليه واستشارهم في ذلك فاختلفوا فمنهم من أشار بقطع خطبة العاضد ومنهم لم يشر بها. وكان قد دخل إلى مصر رجل عجمي يعرف بالأمير العالم يزعم أنه عباسي فاطمي من أيام الصالح بن رزيك وما زال ينتقل في قوالب الانتساب وأساليب الاكتساب. فلما رأى ما هم فيه من الإحجام وأن أحداً لا يتجاسر ويخطب للمستضيء قبل الخطيب فلم ينكر أحد عليه ولا تحرك له. فتيقن حينئذ صلاح الدين ذهاب قوة القوم من وال يغريهم. فتقدم إلى جميع الخطباء بأن يخطبوا في الجمعة الآتية للمستضيء وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر. فكان الذي ابتدأ بالخطبة للمستضيء في الجامع العتيق بمصر أبو عبد الله محمد ابن الحسن بن الحسين بن أبي المضاء الدمشقي. وكان قدم به أبوه إلى مصر فنشأ بها وقرأ الأدب ورحل إلى دمشق وبغداد وتفقه وعاد إلى مصر واتصل بخدمة السلطان صلاح الدين فولاه الخطابة بمصر ثم بعثه رسولا إلى بغداد فمات بدمشق. وولي الخطابة بعده الشيخ أبو إسحاق العراقي. فكتم أهل العاضد ذلك عنه لشدة ما به من المرض. وكان ذلك من أعجب ما يؤرخ فإن الخطبة بديار مصر أول ما خطب بها للمعز لدين الله أول خلائف الفاطميين بمصر عمر بن عبد السميع العباسي الخطيب بجامع عمرو كما تقدم ذكره وكان الذي قطع خطبة العاضد آخر خلائفهم رجل عباسي. ومثله في الغرابة أن الفاطميين لم يتمكنوا من الديار المصرية حتى قصدوها بعساكرهم مرتين مع القائم بن المهدي ولم يفتح وفتحوها في الثالثة على يد جوهر وكذا حصل في زوالهم من مصر فإن شيركوه قصد مصر مرتين ورجع ثم قصدها في المرة الثالثة واستقر بها حتى أزالت عساكره الدولة. في ثامنه أمر صلاح الدين بركوب عساكره كلها قديمها وجديدها بعد أن تكامل سلاحهم وخيولهم وخرج لعرضهم وهي تمر عليه موكباً بعد موكب وطلباً بعد طلب. والطلب بلغة الغز هو الأمير المقدم الذي له علم معقود وبوق مضروب وعدة من الجند ما بين مائتي فارس إلى مائة فارس إلى سبعين فارسا واستمر طول النهار في عرضهم. وكانت العدة الحاضرة مائة وسبعة وأربعين طلباً والغائب منها عشرون طباً وتقدير العدة أربعة عشر ألف فارس. في يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت من المحرم عشية يوم عاشوراء نفذ حكم الله المقدور وقضاؤه الذي يستوي فيه الآمر والمأمور في العاضد لدين الله في الثلث الأول من ليلة الاثنين يوم عاشوراء وقامت عليه الواعبة وعظمت ضوضاء الأصوات النادبة حتى كأن القيامة قد قامت. وكان بين وضع اسمه من أعواد المنابر ورفع جسمه على أعواد النعش ثلاثة أيام. فاعتني به صلاح الدين عن أن يبتذل أو يهان بعد الموت وكان من معه من الأمراء يريدون ذلك وأمر بكف الأيدي واعتقال الألسنة عن التعرض إليه بسوء وركب معزياً لأهل القصر. وأمر بتجهيزه وقد أظهر الكآبة والحزن وأجرى دمعه ووعد أهله بحسن الخلافة على أيتام العاضد وهم ثلاثة عشر ولداً: أبو الحسن وأبو سليمان داود وأبو الحجاج يوسف وأبو الفتوح وأبو إسحاق إبراهيم وأبو الفضل جعفر وأبو داود موسى وأبو زكريا يحيى وعبد القوي وعبد الكريم وعبد الصمد وأبو اليسر وأبو القاسم عيسى. وأمر بإنشاء الكتب إلى البلاد بذكر وفاة العاضد وأن الخطبة استقرت للمستضيء بأمر الله أمير المؤمنين العباسي وألا يخوض أحد في شأن العاضد ولا يطعن في سلطان. وكتب إلى نور الدين بموت العاضد وإقامة الخطبة للمستضيء كما أشار به مع ابن أبي عصرون. وفي حادي عشره عمل الباقي بالإيوان وحضر السلطان صلاح الدين وكان محفلا حافلا وجمعاً حاشداً فيه خلق من الزوايا وأهل التصوف وغيرهم. واهتم بما يحمل من أطعمة العزاء. وكانت النفوس متطلعةً إلى إقامة خليفة بعد العاضد من أهله يشار إليه بالأمر فلم يرض ذلك صلاح الدين. ومات العاضد وعمره إحدى وعشرون سنة غير عشرة أيام منها في الخلافة إلى أن أعيدت دولة بني العباس في مستهل المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة عشر يوماً. وكان كريماً سمحاً لطيفاً لين الجانب يغلب عليه الخير وينقاد إليه. وكان أسمر حلو السمرة كبير العينين أزج الحاجبين في أنفه حلس وفي منخريه انتشار وفي شفتيه غلظ. وترك العاضد من الولد الأمير داود والأمير عليا ويقال أبو علي والأمير عبد الكريم وتميماً وموسى وعبد القوي وجعفر وعبد اصمد وأبا الفتوح وحيدرة وإبراهيم ويحيى وجبريل وعيسى وسليمان ويوسف غير أن أيامه كانت ذات مخاوف وتهديدات وقاسى شاوراً وتلوناته ومخايلاته ثم محاصرة الفرنج ومضايقته. وفي أيامه احترقت مصر وذهبت أموال أهلها وزالت نعمتهم بالحريق والنهب. وكان متغالياً في مذهبه شديدا على من خالفه. ولم يكن فيمن ولي من أبائه من أبوه غير خليفة سواه ومن قبله الحافظ وما عداهما فلم يل منهم أحد الخلافة إلا من كان أبوه خليفة. وقال ابن خلكان: سمعت جماعة من المصريين يقولون إن هؤلاء القوم في أوائل دولتهم قالوا لبعض العلماء اكتب لنا ورقة تذكر فيها ألقاباً تصلح للخلفاء حتى إذا تولى واحد لقبوه ببعض تلك الألقاب فكتب لهم ألقاباً كثيرةً وآخر ما كتب في الورقة العاضد فاتفق أن آخر من ولي منهم تلقب بالعاضد وهذا من عجيب الاتفاق. قال: وأخبرني أحد علماء المصريين أيضا أن العاضد رأى في آخر دولته في منامه كأنه بمدينة مصر وقد خرجت إليه عقرب من مسجد معروف بها فلدغته فلما استيقظ ارتاع لذلك وطلب بعض معبري الرؤيا وقص عليه المنام فقال ينالك مكروه من شخص هو مقيم في هذا المسجد فطلب والي مصر وأمره يكشف عمن هو مقيم في المسجد المذكور وكان العاضد يعرفه. فمضى الوالي إلى المسجد فرأى فيه رجلا صوفياً فأخذه ودخل به على العاضد فلما رآه سأله من أين هو ومتى قدم البلاد وفي أي شيء قدم وهو يجاوبه عن كل سؤال. فلما ظهر له منه ضعف الحال والصدق والعجز عن إيصال المكروه إليه أعطاه شيئاً وقال له: يا شيخ ادع لنا وأطلق سبيله فنهض من عنده وعاد إلى المسجد. فلما استولى صلاح الدين وعزم على القبض على العاضد واستفتى الفقهاء أفتوه بجواز ذلك لما كان عليه العاضد وأشياعه من انحلال العقيدة وفساد الاعتقاد وكثرة الوقوع في الصحابة وكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الصوفي المقيم في المسجد وهو نجم الدين الخبوشاني فإنه عدد مساوئ القوم وسلب عنهم الإيمان وأطال الكلام في ذلك فصحت بذلك رؤيا العاضد. وحكى الشريف الجليس أن العاضد طلبه يوماً فلما دخل عليه رأى عنده مملوكين من الترك عليهما أقبية فسأله عنهما فقال له: هذه هيئة الذين يملكون ديارنا ويأخذون أموالنا فلما دخل الغز كانت هيئتهم كهيئة هذين المملوكين. ومن العجيب أنه لم يمت بالقصر منهم إلا المعز أولهم بمصر والعاضد آخرهم وعدتهم أربعة عشر دفنوا كلهم بالتربة في المجلس فلو اتفق أنه مات آخر لم يوجد له عندهم مكان يدفن فيه لامتلائه بقور الأربعة عشر وهذا أيضاً من عجيب أمرهم. ولما مات العاضد استولى صلاح الدين على جميع ما كان في القصر فإن قراقوش قام بحفظه فلم يجد فيه كثير مال لكنه وجد فيه من الفرش والسلاح والذخائر والتحف ما يخرج عن الإحصاء ووجد فيه من الأعلاق النفيسة والأشياء الغريبة ما تخلو الدنيا من مثله ومن الجواهر ما لا يوجد عند غيرهم مثله. منها حبل ياقوت زنته سبعة عشر درهماً أو سبعة عشر مثقالا ونصاب زمرد طوله أربعة أصابع في عرض كبير ولؤلؤ كثير وإبريق من حجر مانع يسع مائه رطل ماء وسبعمائة يتيمة بزهر والطبل الذي صنع لإزالة القولنج وكان بالقرب من موضع العاضد فلما احتاطوا بالقصر ظنوه عمل للعب فسخروا من العاضد وضرب عليه إنسان فضرط فتضاحك من حضر منهم ثم ضرب عليه آخر فضرط ثم آخر من بعد فضرط حتى ووجد من الكتب النفيسة ما لا يعد ويقال إنها كانت ألف ألف وستمائة ألف كتاب منها مائة ألف مجلد بخط منسوب وألف ومائتان وعشرون نسخة من تاريخ الطبري فباع السلطان جميع ذلك وقام البيع فيها عشر سنين. ونقل أهل العاضد وأقاربه إلى مكان بالقصر ووكل بهم من يحفظهم. وأخرج سائر ما في القصر من العبيد والإماء فباع بعضهم وأعتق بعضهم ووهب منهم. وخلا القصر من ساكنه كأن لم يغن بالأمس. وكانت مدة الدولة الفاطمية بالمغرب ومصر منذ دعي للمهدي عبيد الله برقادة من القيروان إلى حين قطعت من ديار مصر مائتي سنة وتسعاً وستين سنة وسبعة أشهر وأياماً أولها لإحدى عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين وآخرها سلخ ذي الحجة سنة ست وستين وخمسمائة منها بالمغرب إلى حين قدوم القائد جوهر إلى مصر أحد وستون سنة وشهران وأيام ومنها بالقاهرة ومصر مائتا سنة وثماني سنين. وما أعجب قول المهدي ابن الزبير في مدح العاضد: بل عاد للدّنيا الجمال ** وبدا على الدّين الجلال أصبحت في الخلفاء را ** بع عشرهم وهو الكمال قال ابن سعيد: ولم يسمع فيما بكيت به دولة بعد انقراضها أحسن من قصيدة عمارة ابن علي اليمني الذي قتله صلاح الدين وهي: رميت يا دهر كفّ المجد بالشّلل وجيده بعد حسن الحلي بالعطل سعيت في منهج الرأي العثور فإن قدرت من عثرات الدّهر فاستقل جدعت مارنك الأقني فأنفك لا ينفكّ ما بين قرع السّنّ والحجل هدمت قاعدة المعروف عن عجل سقيت مهلا أما تمشي على مهل! لهفي ولهف بني الآمال قاطبةً على فجيعتنا في أكرم الدّول قدمت مصر فأولتني خلائفها من المكارم ما أربى على الأمل قومٌ عرفت بهم كسب الألوف ومن كمالها أنّها جاءت ولم أسل وكنت من وزراء الدّست حين سما رأس الحصان بهاديه على الكفل ونلت من عظماء الجيش مكرمةً وخلّةً حرست من عارض الخلل يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة لك الملامة إن قصّرت في عذلي بالله زر ساحة القصرين وابك معي عليهما لا على صفّين والجمل هل كان في الأمر شيءٌ غير قسمة ما ملكتم بين حكم السّبي والنّفل وقد حصلتم عليها واسم جدّكم محمّد وأبوكم غير منتقل مررت بالقصر والأركان خالية من الوفود وكانت قبلة القبل فملت عنها بوجهي خوف منتقد من الأعادي ووجه الودّ لم يمل أسبلت من أسفٍ دمعي غداة خلت رحابكم وغدت مهجورة السّبل أبكى على مأثراتٍ من مكارمكم حال الزّمان عليها وهي لم تحل دار الضّيافة كانت أُنس وافدكم واليوم أوحش من رسمٍ ومن طلل وفطرة الصّوم إن أضحت مكارمكم تشكو من الدّهر ضيماً غير محتمل وكسوة الناس في الفصلين قد درست ورثّ منها جديدٌ عندهم وبلي وموسم كان في يوم الخليج لكم يأتي تجملكم فيه على الجمل وأوّل العام والعيدين كم لكم فيهنّ من وبل جودٍ ليس بالوشل والأرض تهتزّ في يوم الغدير كما يهتزّ ما بين قصريكم من الأسل كانت رواتبكم للذّمّتين وللضّم - - يف المقيم وللطّاري من الرّسل ثم الطّراز بتنّيس الذي عظمت منه الصّلات لأهل الأرض والدّول وللجوامع من أحباسكم نعمٌ لمن تصدّر في علمٍ وفي عمل وربمّا عادت الدّنيا لمعقلها منكم فأضحت بكم محلولة العقل والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم ولا نجا من عذاب الله غير ولي ولا سقى الماء من حرٍّ ومن ظمإ من كفّ خير البرايا خاتم الرّسل ولا رأى جنة الله التي خلقت من خان عهد الإمام العاضد بن علي أئمتي وهداتي والذّخيرة لي إذا ارتهنت بما قدّمت من عملي تالله لم أُوفهم في المدح حقّهم لأنّ فضلهم كالوابل الهطل ولو تضاعفت الأقوال واستبقت ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل باب النّجاة هم دنيا وآخرةً وحبّهم فهو أصل الدّين والعمل نور الهدى ومصابيح الدّجا ومحلّم الغيث إن ونت الأنواء في المحل ووجد على بعض جدران القصر مكتوباً: يا هذه الدنيا عجبت لمولع بك كيف أضحى في هواك يقاد ما صحّ منك لآل أحمد موعد فكيف منك لغيرهم ميعاد أمّا نعيمك فهو ظلٌّ زائل وصلاح ما تأتيه فهو فساد. ذكر طرف من ترتيب الدولة الفاطمية اعلم أن الدولة كانت إذا خلت من وزير صاحب سيف يتغلب عليها فإنه يجلس صاحب الباب في باب القصر المعروف بباب الذهب وهو أحد أبواب القصر ويقف بين يديه الحجاب والنقباء وينادي مناد: يا أرباب الظلامات فيحضر إليه أرباب الحوائج. فمن كان أمره مما يشاقة به نظر في أمره بمن يتعلق من القضاة أو الولاة فيسير إلى ذلك كتاباً بكشف ظلامته. فإن كان مع المتظلم قصة أخذها منه الحاجب فإذا اجتمع معه عدة دفعها إلى الموقع بالقلم بالقلم الدقيق فيوقع عليها ثم تحمل منه إلى الموقع بالقلم الجليل ليبسط ما أشار إليه الموقع بالقلم الدقيق. فإذا تكاملت حملت في خريطة إلى الخليفة فوقع عليها ثم أخرجت في الخريطة إلى الحاجب فيقف بها على باب القصر ويسلم لكل أحد توقيعه. فإن كان في الدولة وزير صاحب سيف فإنه يجلس يومين في كل أسبوع في مكان معد له في القصر ويجلس قبالته قاضي القضاة وعن جانبيه شاهدان معتبران ويجلس في جانب الوزير الموقع بالقلم ويليه صاحب ديوان المال وبين يديه صاحب المال وأسفهسلار العساكر وبين أيديهما النواب والحجاب على طبقاتهم وكان أجل الخدم صاحب الباب وهو من الأمراء المطوقين ثم الأسفهسلار وهو زمام كل زمام وإليه أمور الأجناد ثم حامل سيف الخليفة أيام الركوب ثم زمام الحافظية والآمرية وهما أجل الأجناد. وكانت ولاية الأعمال أجلها ولاية عسقلان ثم ولاية قوص ثم ولاية الشرقية ثم ولاية الغربية ثم ولاية الإسكندرية. وكان قاضي القضاة ينظر في الأحكام الشرعية فلما صارت الوزارة إلى أرباب السيوف كان يقلد القضاة نيابة عنه. والقاضي أجل أرباب العمائم رتبة وتارة يكون داعي الدعاة وتارة تفرد الدعوة عنه. ويجلس في يومي الثلاثاء والسبت بزيادة جامع عمرو بن العاص وله طراحة ومسند حرير والشهود حوله وله خمسة من الحجاب اثنان منهما بين يديه واثنان على باب المقصورة واحد ينفذ الخصوم إليه. وله أربعة من الموقعين ودواته بين يديه على كرسي محلى بفضة يحمل إليه من الخزائن ولها حامل بجار سلطاني في كل شهر. ويخرج إليه من إصطبل الخليفة بغلة شهباء وهي مختصة به دون غيرها ويكون عليها سرج محلى ثقيل وراويتان من فضة ومكان الجلد حرير. وتخلع عليه الخلع المذهبة فيسير من غير طبل ولا بوق إلا أن يضاف إليه الدعوة فإنه يسير حينئذ بالطبل والبوق فإن ذلك من رسوم الداعي مع البنود. فإن كان إنما خلع عليه لوظيفة القضاة فقط فإنه يسير بالعز أرجالاً حوله وبين يديه المؤذنون يعلنون بذكر الخليفة أو الخليفة والوزير إن كان ثم وزير صاحب سيف ويركب معه يومئذ نواب الباب والحجاب ولا يجلس أحد فوقه ألبتة ولا يمكنه حضور جنازة ولا عقد نكاح إلا بإذن ولا يقوم لأحد من الناس إذا كان في مجلس الحكم ولا ينشئ عدالةً ألبتة إلا بإذن فلا تثبت إذا أذن له في إنشائها لأحد حتى يركيه عشرون عدلاً من عدول البلد بين مصر والقاهرة ويرضاه الشهود كلهم. فإن كان في الدولة وزير سيف لا يخاطب حينئذ من يتولى الحكم بقاضي القضاة فإنه من نعوت الوزير. ويصعد القاضي إلى القصر في يومي الخميس والاثنين بكرةً للسلام على الخليفة وله النواب وإليه النظر في دار الضرب لتحرير العيار. ولا يصرف القاضي إلا بجنحة. وكان في الدولة داعي الدعاة ورتبته تلي رتبة قاضي القضاة ويتزيا بزيه ولا بد أن يكون عالماً بمذاهب أهل البيت عليهم السلام وله أخذ العهد على من ينتقل إلى مذهبه وبين يديه اثنا عشر نقيباً وله نواب في سائر البلاد. ويحضر إليه فقهاء الشيعة بدار العلم ويتفقون على دفتر يقال له مجلس الحكمة يقرأ في كل يوم اثنين وخميس بعد أن تحضر مبيضته إلى داعي الدعاة ويتصفحه ويدخل به إلى الخليفة فيتلوه عليه إن امكن ويأخذ خطه عليه في طاهره. ثم يخرج فيجلس على كرسي الدعوة بالإيوان من القصر فيقرؤه على الرجال ثم يخرج ليقرأه على النساء. وله أخذ النجوى من المؤمنين بالأعمال كلها ومبلغها ثلاثة دراهم وثلث فيحملها إلى الخليفة. كان متولي ديوان الإنشاء يخاطب بالأجل ويقال له كاتب الدست وهو الذي يتسلم الكتب الواردة ويعرضها على الخليفة من يده ثم يأمر بتنزيلها والجواب عنها. والخليفة يستشيره في أكثر أموره ولا يحجب عنه شيء متى جاء وهذا أمر لا يصل إليه غيره وربما بات عنده. وجارية في كل شهر مائة وعشرون ديناراً مع الكسوة والرسوم ولا يدخل إلى ديوانه ولا يجتمع بكتابه إلا الخواص وله حاجب من الأمراء وفراشون ومرتبة هائلة ومخاد ومسند ودواة بغير كرسي وهي من أنفس الدوي ولها أستاذ من خدام الخليفة برسم حملها. ولا بد للخليفة من جليس يذاكره ما يحتاج إلى علمه من كتابات وتجويد الخط ومعرفة الأحاديث وسير الخلفاء ونحو ذلك يجتمع به أكثر أيام الأسبوع وبرسمه أستاذ محنك يحضر فيكون ثالثهما فيقرأ ملخص السير ويكرر عليه ذكر مكارم الأخلاق. ورتبته عظيمة تلحق برتبة كاتب الدست ويكون صحبته دواة محلاة. فإذا فرغ من المجالسة ألقى في الدواة كاغدة فيها عشرة دنانير وقرطاساً فيه ثلاثة مثاقيل ند مثلث خاص ليتبخر به عند دخوله على الخليفة ثاني مرة. وله منصب التوقيع بالقلم الدقيق كما تقدم ويجلس حال التوقيع على طراحة ومسند وله فراشون من فراشي الخاص تقدم له ما يوقع عليه. ويختص به موضع من ديوان المكاتبات لا يدخل إليه أحد إلا بإذن. ورأس أصحاب دواوين المال من يلي النظر على الدواوين وله العزل والولاية وهو الذي يعرض الأوراق على الخليفة أو الوزير ويعتقل من شاء بكل مكان ويجلس بالمرتبة والمسند وبين يديه حاجب من أمراء الدولة وتخرج له الدواة بغير كرسي ويندب من يطلب الحساب ويحث في طلب المال ومطالبة أرباب الضمانات. وكان لهم ديوان التحقيق ومقتضاه المقابلة على الدواوين ولمتوليه الخلع والرتبة والحاجب ويلحق بناظر الدواوين. وديوان المجلس وفيه علوم الدولة وهو أصل الدواوين وفيه عدة كتاب لكل منهم مجلس معد ومعتاد. وصاحب هذا الديوان هو الذي يتحدث في الإقطاعات ويخلع عليه وهو لاحق والتوقيع بالقلم الجليل يسمى الخدمة الصغرى ولمتوليها الطراحة والمسند بغير حاجب بل ويندب له فراش لترتيب ما يوقع عليه ولا يوقع الخليفة عليه بيده إذا كان وزيره صاحب سيف إلا في أربعة مواضع: إذا رفعت إليه قصة وقع عليها يعتمد ذلك إن شاء أو كتب بجانبها الأيمن يوقع بذلك فيخرج إلى صاحب ديوان المجلس دون غيره فيوقع جليلا ويدخل بها إلى الخليفة ثانيا فيضع علامته عليها. وكانت علامتهم كلهم الحمد لله رب العالمين ثم يخرج بها فتثبت في الدواوين. أو يوقع في مسامحة أو تسويغ أو تحبيس ما مثاله: قد أنعمنا بذلك أو قد أمضينا ذلك. فإذا أراد الخليفة الاطلاع على شيء وقع ليخرج الحال في ذلك فإذا خرج الحال عاد إليه ليعلم عليه فإن كان الوزير صاحب سيف وقع الخليفة بخطه: وزيرنا السيد الأجل واللقب المعروف به أمتعنا الله ببقائه يتقدم بإنجاز ذلك إن شاء الله. فيكتب الوزير تحت خطه. يمتثل أمر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثم يثبت في الدواوين. ولديوان الجيش مستوف مسلم له غيرة ويجلس بطراحة لحركة العرض والحلي والشيات. وفي هذا الديوان خازنان برسم رفع الشواهد فإذا عرض الجندي حلي وذكرت صفات فرسه ولا يثبت له إلا الفرس الجيد ولا يثبت له برذون ولا بغل ويقف بين يدي هذا المستوفي نقباء الأجناد لإنهاء أمور الأجناد وفسح للأجناد في آخر الدولة أن يقابض بعضهم بعضاً. وديوان الرواتب فيه أسماء كل مرتزق في الدولة ضمن له جار وجراية وكاتبه يجلس بطراحة وتحت يده عشرة كتاب وترد إليه التعريفات من سائر الأعمال باستمرار ما هو مستمر ومباشرة من يستجد وموت من مات ليوجب استحقاقه. وفي هذا الديوان عدة عروض. أولها: راتب الوزير وهو في الشهر خمسة آلاف دينار ولكل من أولاده وإخوته من ثلثمائة دينار إلى مائتي دينار. وقرر لشجاع بن شاور خمسمائة دينار ولكل من حواشي من خمسمائة دينار إلى ثلثمائة وذلك سوى الإقطاعات. وثانيها: حواشي الخليفة وأولهم الأستاذون المحنكون وهم: زمام القصر وصاحب بيت المال وحامل الرسالة وصاحب الدفتر وشاد التاج الشريف وزمام الأشراف الأقارب وصاحب المجلس ولكل منهم مائة دينار في الشهر. ولمن يلي هؤلاء يتناقص عشرة وهكذا إلى من يكون جاريه عشرة دنانير. وعدة هؤلاء ألف فما فوقها وهم خصيصون وللطبيب الخاص مائة دينار في الشهر ولعدة من الأطباء برسم أهل القصر كل منهم عشرة دنانير. ثالثها: أرباب الرتب بحضرة الخليفة وأولهم كاتب الدست الشريف وجاريه في الشهر مائة وخمسون دينارا ولكل من كتابه ثلاثون ديناراً ولمتولي مجالسة الخليفة والتوقيع بالقلم الدقيق في المظالم مائة دينار ولصاحب الباب مائة وعشرون ديناراً ولكل من حامل السيف وحامل الرمح سبعون دينارا ولكل من أزمة العساكر والسودان مائتان وخمسون دينارا إلى أربعين ديناراً إلى ثلاثين ديناراً. رابعها: قاضي القضاة وله في الشهر مائة دينار ولداعي الدعاة مائة دينار وكل من قرأ الحضرة من عشرين ديناراً إلى خمسة عشر إلى عشرة دنانير ولكل من خطباء الجوامع من عشرين ديناراً إلى عشرة دنانير ولكل من الشعراء من عشرين ديناراً إلى عشرة دنانير. خامسها: أرباب الدواوين وأولهم متولي ديوان النظر وله في الشهر سبعون ديناراً ولمتولي ديوان التحقيق خمسون ديناراً ولمتولي ديوان المجلس أربعون ديناراً ولصاحب دفتر المجلس خمسة وثلاثون دينارا ولكاتبه خمسة دنانير ولمتولي ديوان الجيش أربعون دينارا وللموقع بالقلم الجليل ثلاثون دينارا ولكل من أصحاب دواوين المعاملات عشرون دينارا ولكل معين عشرة دنانير وفيهم من له سبعة وخمسة. سادسها: المستخدمون بالقاهرة ومصر في خدمة الواليين لكل منهم خمسون دينارا ولحماة الأهراء والمناخات والجوالي والبساتين والأملاك لكل منهم من عشرين دينارا إلى خمسة عشر إلى عشرة إلى خمسة. سابعها: الفراشون برسم خدمة القصور ومنهم برسم خدمة الخليفة خمسة عشر منهم صاحب المائدة وحامي المطابخ وجاريهم من ثلاثين دينارا إلى ما حولها سوى الرسوم ويليهم الرشاشون ونحوهم وعدتهم ثلثمائة فراش مولاهم أستاذ وجاري كل منهم من عشرة دنانير إلى خمسة. ثامنها: صبيان الركاب وهم ينيفون على ألفي رجل ولهم اثنا عشر مقدما أكبرهم مقدمو الركاب ومقدم المقدمين منهم هو صاحب ركاب الخليفة الأيمن ولكل من المقدمين في الشهر خمسون ديناراً. وصبيان الركاب أربع جوق جوقة لكل منهم في الشهر عشرون ديناراً ويليهم من له خمسة عشر ثم عشرة ثم خمسة دنانير وهم يندبون إلى الأعمال ويحملون المخلفات لركوب الخليفة في الأعياد والمواسم. وكان لنقيب الأشراف اثنا عشر نقيبا ويخلع عليه فيسير بالطبل والبوق والبنود مثل الأمراء وله ديوان ومشارف وعامل ونائبه وجاريه في الشهر عشرون دينارا ولمشارف ديوانه عشرة دنانير ولنائبه في النقابة ثمانية دنانير وللعامل خمسة دنانير. وللمحتسب عدة نواب بالقاهرة ومصر وسائر الأعمال ويجلس بجامع القاهرة ومصر يوما بعد يوم وتطوف نوابه على أرباب المعايش. ويخلع على المحتسب ويقرأ سجله على منبر جامع عمرو بن العاص. وكانت لهم خدمة يقال لها النيابة ومتوليها يتلقى الرسل الواردين من الملوك وكانت خدمة جليلة لمتوليها نائب ومن خواصه أنه ينعت أبداً كل من يليها بغذي الملك وله النظر في دار الضيافة ويعرف هذا اليوم بالمهمندار. وكان له في الشهر خمسون ديناراً وفي كل يوم نصف قنطار خبز مع بقية الرسوم. وللخدمة في ديوان الصعيد عدة كتاب ولأسفل الأرض ديوان وللثغور ديوان وللجوالي ديوان وللمواريث ديوان ولديوان الخراجي والهلالي عدة دواوين منها ديوان الرباع وديوان المكوس وديوان الصناعة وديوان الكراع وفيه معاملات الإصطبلات وما فيها وديوان الأهراء وديوان المناخات وديوان العمائر ومحله بصناعة مصر لإنشاء الأسطول ومراكب الغلات السلطانية والأحطاب وكانت تزيد على خمسين عشارياً وعشرين ديماساً منها عشرة خاصة برسم ركوب الخليفة أيام الخليج والبقية برسم ولاة الأعمال تجرد إليهم وينفق عليها من الديوان وديوان الأحباس. وكانت عادتهم إذا انقضى عيد النحر عمل الاستيمار ويثبت فيه جميع ما يشتمل عليه مصروف تلك السنة من عين وورق وغلة وغيرها مفصلا بالأسماء وأولهم الوزير حتى ينتهي إلى أرباب الضوء ثم يعمل في ملف حريري يشد له جوهر يشده وكان يبلغ في السنة ما يزيد على مائة ألف دينار عيناً ومائتي ألف درهم فضة وعشرة آلاف إردب غلة ويعرض على الخليفة فيستوعبه ويشطب على بعضه وينقص قوماً ويزيد قوماً ويستجد آخرين بحسب ما يعن له. فيحمل الأمر على الشطب. وعمل مرة في أيام المستنصر بالله فوقع بظاهره: الفقر مر المذاق والحاجة تذل الأعناق وحراسة النعم بإدرار الأرزاق فليجروا على رسومهم في الإطلاق. " مَا عِنْدكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ باقٍ ". وكان من عادتهم إخراج الكسوة في كل سنة لجميع أهل الدولة من صغير وكبير في أوقات معروفة فبلغت كسوة الصيف والشتاء في السنة ستمائة ألف دينار ونيف. وكانوا يتأنقون في المآكل حتى إن الخادم والسائس من غلمانهم ينفق في كل يوم على طعامه العشرة دنانير والعشرين ديناراً لسعة أحوالهم. وكانوا يفرقون في أول كل سنة دنانير يسمونها دنانير الغرة تبلغ خمسمائة دينار في السنة فيتبرك بها من يأتيه منها برسوم مقررة لكل أحد. وإذا أهل رمضان لا يبقى أمير ولا مقدم إلا ويأتيه طبق لنفسه ولكل واحد من أولاده ونسائه طبق فيه أنواع الحلوى العجيبة الفاخرة. وكانت خلعهم ثمينةً جداً بحيث يبلغ طراز الخلعة خمسمائة دينار ذهبا ويختص الأمراء في الخلع بالأطواق والأساورة الذهب مع السيوف المحلاة ويتشرف الوزير عوضاً عن الطوق بعقد جوهر فكاكه خمسة آلاف دينار يحمل إليه ويختص بلبس الطيلسان المقور. ولا يركب الخليفة إلا بمظلة منسوجة بالذهب مرصعة بالجوهر. وسيأتي من إيراد خربات ترتيبهم وحكاية أمور دولتهم عند ذكر خطط القاهرة إن شاء الله ما يعرفك مقدار ما كانوا فيه من أمور الدنيا وحقارة من جاء بعدهم. فلله عاقبة الأمور. ذكر ما عيب عليهم لا شك في أن القوم كانوا شيعةً يرون تفضيل علي بن أبي طالب على من عداه من الصحابة وكانوا ينتحلون من مذاهب الشيعة مذهب الإسماعيلية وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وتنقلها في أولاده الأئمة المستورين إلى عبيد الله المهدي أول من قام منهم بالمغرب. وبقية الشيعة لا يقولون بإمامة إسماعيل وينكرون عليهم ذلك أشد الإنكار. وكانوا مع انتحالهم مذهب التشيع غلاةً في الرفض إلا أن أولهم كانوا أكابر صانوا أنفسهم عما تحرف به آخرهم. ثم إن الحاكم بأمر الله أكثر من النظر في العقائد وكان قليل الثبات سريع الاستمالة إذا مال إلى اعتقاد شيء أظهره وحمل الناس عليه ثم لا يلبث أن يرجع عنه إلى غيره فيريد من الناس ترك ما كان قد أهم به والمصير إلى ما استحدثه ومال إليه. واقترن به رجل يعرف باللباد والزوزني فأظهر مذاهب الباطنية وقد كان عند أولهم منها طرف فأنكر الناس هذا المذهب لما يشتمل عليه مما لم يعرف عند سلف الأمة وتابعيهم ولما فيه من مخالفة الشرائع. فلما كانت أيام المستنصر وفد إليه الحسن بن الصباح فأشاع هذا المذهب في الأقطار ودعا الكافة إليه واستباح الدماء بمخالفته فاشتد النكير وكثر الصائح عليهم من كل ناحية حتى أخرجوهم عن الإسلام ونفوهم عن الملة. ووجد بنو العباس السبيل إلى الغض منهم لما مكنوا من البغض فيهم وقاسوه من الألم بأخذه ما كان بأيديهم من ممالك القيروان وديار مصر والشام والحجاز واليمن وبغداد أيضا فنفوهم عن الانتساب إلى علي بن أبي طالب بل وقالوا إنما هم من أولاد اليهود وتناولت الألسنة ذلك فملئوا به كتب الأخبار. ثم لما اتصل بهم الغز ووزر لهم أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين وهم من صنائع دولة بني العباس الذين ربوا في أبوابها وغذوا بنعمها ونشئوا على اعتقاد موالاتها ومعاداة أعدائها لم يزدهم قربهم من الدولة الفاطمية إلا نفوراً ولا ملأهم إحسانها إليهم إلا حقداً وعداوة لها حتى قووا بنعمتها على زوالها واقتدروا بها على محوها. وكانت أساسات دولتهم راسخة في التخوم وسيادة شرفهم قد أنافت على النجوم وأتباعهم وأولياؤهم لا يحصى لهم عدد وأنصارهم وأعوانهم قد ملئوا كل قطر وبلد فأحبوا طمس أنوارهم وتغيير منارهم وإلصاق الفساد والقبيح بهم شأن العدو وعادته في عدوه. فتفطن رحمك الله إلى أسرار الوجود وميز الأخبار كتمييزك الجيد من النقود تعثر إن سلمت من الهوى بالصواب. ومما يدلك على كثرة الحمل عليهم أن الأخبار الشنيعة لا سيما التي فيها إخراجهم من ملة الإسلام لا تكاد تجدها إلا في كتب المشارقة من البغداديين والشاميين كالمنتظم لابن الجوزي والكامل لابن الأثير وتاريخ حلب لابن أبي طي وتاريخ العماد لابن كثير وكتاب ابن واصل الحموي وكتاب ابن شداد وكتاب العماد الأصفهاني ونحو هؤلاء. أما كتب المصريين الذين اعتنوا بتدوين أخبارها فلا تكاد تجد في شيء منها ذلك ألبتة. فحكم العقل واهزم جيوش الهوى وأعط كل ذي حق حقه ترشد إن شاء الله تعالى. ذكر ما صار إليه أولادهم ولما مات العاضد غسله ابنه داود وصلى عليه وجلس على الشدة واستدعى صلاح الدين ليبايعه فامتنع وبعث إليه: أنا نائب عن أبيك في الخلافة ولم يوص بأنك ولي عهده. وقبض عليه وعلى بقية أولاد العاضد وأقاربه في سادس شعبان سنة تسع وستين وخمسمائة ونقله هو وجميع أقاربه وأهله إلى دار المظفر من حارة برجوان في العشر الأخير من شهر رمضان ووكل عليهم وعلى جميع ذخائر القصر وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يحصل منهم نسل. وأغلقت القصور وتملكت الأملاك التي كانت لهم وضربت الألواح على رباعهم وفرقت على خواص صلاح الدين كثير منها وبيع بعضها. وأعطى القصر الكبير لأمرائه فسكنوا فيه. وأسكن أباه نجم الدين أيوب في اللؤلؤة على الخليج وصار كل من استحسن من الغز داراً أخرج صاحبها منها وسكنها. ونقلوا إلى قلعة الجبل وهم ثلاثة وستون نفراً في يوم الخميس ثاني عشري رمضان سنة ثمان وستمائة فمات منهم إلى ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة ثلاثة وعشرون. وتولى وضع القيود في أرجلهم الأمير فخر الدين الطبنا أبو شعرة بن الدويك والي القاهرة. قال المهدي أبو طالب محمد بن علي ابن الخيمي: وفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة عوقبت بالقلعة فوجدت بها من الأشراف أربعين شريفاً وهم: الأمير سليمان بن داود ابن العاضد وأبو الفتوح بن العاضد وحيدرة بن العاضد وجبريل بن العاضد وعلي بن العاضد وعبد القاهر بن حيدرة بن العاضد وإسماعيل بن عيسى بن العاضد وعبد الوهاب ابن إبراهيم بن العاضد وأبو القاسم بن أبي الفتوح ابن العاضد وقمر بن علي بن العاضد ويحيى بن جبريل بن الحافظ وسليمان بن يحيى المذكور وتميم بن يحيى المذكور وعبد الله ابن أبي الطاهر بن جبريل وسليمان بن أبي الطاهر بن جبريل وأبو جعفر بن أبي الطاهر وعبد الظاهر بن أبي الفتوح بن جبريل وأبو الحسن بن أبي اليسر بن جبريل وأحمد ابن أبي اليسر بن جبريل وأبو الحسن بن أبي العباس حسن بن الحافظ وإبراهيم ابن عبد المحسن بن عبد الوهاب بن أبي الحسن بن أبي القاسم بن المستنصر ويونس ابن سليمان بن عبد الخالق بن أبي الحسن بن أبي القاسم وأبو اليسر بشارة بن عبد المحسن ابن أبي محمد بن أبي الحسن بن أبي القاسم بن المستنصر وجعفر بن موسى بن محسن ابن داود بن المستنصر وعلي بن سليمان بن أبي عبد الله بن داود بن المستنصر وأبو الفضل ابن عبد المجيد بن أبي الحسن بن جعفر بن المستنصر ويحيى بن صدقة بن شبل بن عبد المجيد بن أبي الحسن بن جعفر بن المستنصر وعبد الله كمال بن داود بن داود ابن يحيى بن أبي علي بن جعفر بن المستنصر وأبو علي بن عبد الرحمن بن يحيى بن أبي علي بن جعفر بن المستنصر وسليمان بن عبد الصمد بن أبي عبد الله بن عبد الكريم بن أبي ايسر بن جعفر بن المستنصر وأبو علي بن عبد الصمد أخوه وعبد الكريم ابن إبراهيم بن أبي الحسن بن عبد الله بن المستنصر وعبد الغني بن أبي الرضا بن أبي الحسن بن عبد الله بن المستنصر وعبد الصمد بن سليمان بن محمد بن حيدرة بن عقيل ابن المستنصر وإسماعيل بن صدقة بن أبي اليسر بن إسحاق بن المستنصر وأبو محمد ابن موسى بن عبد القادر بن أبي ولم يزالوا معتقلين بقلعة الجبل إلى أن حولوا منها سنة إحدى وسبعين وستمائة. هذا آخر ما وجد بخط مؤلفه عفا الله عنه آخر كتاب اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا للمقريزي. من كتابة فقير رحمة الله محمد بن أحمد الجيزي الأزهري الشافعي لطف الله تعالى به وغفر ذنوبه وستر عيوبه والمسلمين أجمعين. في سنة أربع وثمانين وثمانمائة. |
|
|
مواقع النشر (المفضلة) |
كاتب الموضوع | حسن الخليفه احمد | مشاركات | 40 | المشاهدات | 39237 | | | | انشر الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|