10-18-2012, 11:05 AM
|
#1
|
|
رد: كتاب الشفاء للقاض عياض رضى الله عنه
و أيضاً فقد علم من دين الصحابة قطعاً الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه و سلم كيف توجهت ، و من كل فن كالاقتداء باقواله ، فقد نبذوا خواتيمهم حين نبذ خاتمه ، و خلعوا نعالهم حين خلع ، و احتجاجهم برؤية ابن عمر إياه جالساً لقضاء حاجته مستقبلاً بيت المقدس .
و احتج غير واحد منهم في غير شيء مما بابه العبادة أو العادةبقوله : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله ، و قال : هلا خبرتيها أني أقبل و أنا صائم ! و قالت عائشة محتجة : كنت أفعله أنا و رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و غضب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أخبر بمثل هذا عنه ، و قال : يحل الله لرسوله ما يشاء : إن ي لأخشاكم الله و أعلمكم بحدوده .
و الآثار في هذا أكثر من أن نحيط عليها ، لكنه يعلم من مجموعها على القطع اتباعهم أفعاله و اقتداؤهم بها . و لو جوزوا عليه المخالفة في شيء منها لما اتسق هذا ، و لنقل عنهم و ظهر بحثهم عن ذلك ، و لما أنكر صلى الله عليه و سلم على الآخر قوله و اعتذاره بما ذكرناه .
و أما المباحات فجائز وقوعها منهم ، إذ ليس فيها قدح ، بل هي مأذون فيها ، و أيديهم كأيدي غيرهم مسلطة عليها ،إلا أنهم بما خصوا به من رفيع المنزلة ، و شرحت له صدورهم من أنوار المعرفة ، و اصطفوا به من تعلق هممهم با الله و الدار الآخرة لا يأخذون من المباحات إلا الضرورات مما يتقوون به على سلوك طريقهم ، و صلاح دينهم ، و ضرورة دنياهم ، و ما أخذ على هذه السبيل التحق طاعة ، و صار قربة ،كما بينا منه أول الكتاب طرفاً في نبينا صلى الله عليه و سلم ، فبان لك عظيم فضل لله على نبينا و على سائر أنبيائه عليهم السلام بأن جعل أفعالهم قربات و طاعات بعيدة عن وجه المخالفة و رسم المعصية .
فصل
في عصمة الأنبياء قبل النبوة
و قد اختلف في عصمتهم من المعاصي قبل النبوة ، فمنعها قوم ، و جوزها آخرون . و الصحيح أن شاء الله تنزيههم من كل عيب ، و عصمتهم من كل ما يوجب الريب ، فكيف و المسألة تصورها كالممتنع ، فإن المعاصي و النواهي إنما تكون بعد تقرر الشرع .
و قد اختلف الناس في حال نبينا صلى الله عليه و سلم قبل أن يوحى إليه ، قل كان متبعاً لشرع [207 ] قبله أم لا ؟ فقال جماعة : لم يكن متبعاً لشيء ، و هذا قول الجمهور ، فالمعاصي على هذا القول غير موجودة و لا معتبرة في حقه حينئذ ، إذ الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالأوامر و النواهي و تقرر الشريعة .
ثم اختلف حجج القائلين بهذه المقالة عليها ، فذهب سيف السنة ، و مقتدى فرق الأمة القاضي أبو بكر إلى أن طريق العلم بذلك النقل و موارد الخبر من طريق السمع ، و حجته أنه لو كان ذلك لنقل ، و لما أمكن كتمه و ستره في العادة ، إذ كان من مهم أمره ، و أولى ما اهتبل به سيرته ، و لفخر به أهل تلك الشريعة ، و لا حتجوا به عليه ، و لم يؤثر شيء من ذلك جملة .
و ذهبت طائفة إلى امتناع ذلك عقلاً ، قالوا : لأنه يبعد أن يكون متبوعاً من عرف تابعاً ، و بنوا هذا على التحسين و التقبيح ، و هي طريقة غير سديدة ، و استناد ذلك إلى النقل كما تقدم للقاضي أبي بكر أولى و أظهر .
و قالت فرقة أخرى بالوقف في أمره صلى الله عليه و سلم و ترك قطع الحكم عليه بشيء في ذلك ، إذ لم يحل أحد الوجهين منها العقل ، و لا استبان في أحدهما طريق النقل ، و هو مذهب أبي المعالي .
و قالت فرقة ثالثة : إنه كان عاملاً بشرع من قبله ، ثم اختلفوا : هل يتعين ذلك الشرع أم لا ؟ فوقف بعضهم عن تعيينه ، و أحجم . و جسر بعضهم على التعيين و صمم . ثم اختلفت هذه المعينة فيمن كان يتبع ، فقيل نوح ، و قيل إبراهيم ، و قيل موسى ، و قيل عيسى صلوات الله عليهم . فهذه جملة المذاهب في هذه المسألة .
و الأظهر فيها ما ذهب إليه القاضي أبو بكر ، و أبعدها مذاهب المعينين ، إذ لو كان شيء من ذلك لنقل كما قدمنا ، و لم يخف جملة ، و لا حجة لهم في أن عيسى آخر الأنبياء ، فلزمت شريعته من جاء بعدها ، إذ لم يثبت عموم دعوة عيسى ، بل الصحيح أنه لم يكن لنبي دعوة عامة إلا لنبينا صلى الله عليه و سلم ، و لا حجة أيضاً للآخرة في قوله : أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ، و لا للآخرين في قوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، فتحمل هذه الآية على اتباع في التوحيد ، كقوله تعالى : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [ سورة الأنعام / 6 ، الآية : 90 ] .
و قد سمى الله تعالى فيهم من لم يبعث ، و لم تكن له شريعة تخصه ، كيوسف بن يعقوب على قول من يقول : إنه ليس برسول .
و قد سمى الله تعالى جماعة منهم في هذه الآية شرائعهم مختلفة لا يمكن الجمع بينها ، فدل أن المراد ما اجتمعوا عليه من التوحيد و عبادة الله تعالى .
و بعد هذا فهل يلزم من قال بمنع الاتباع هذا القول في سائر الأنبياء غير نبينا صلى الله عليه و سلم ، أو يخالفون نبيهم ؟ .
أما من منع الاتباع عقلاً فيطرد أصله في كل رسول بلا مرية . و أما من مال إلى النقل فأينما تصور له و تقرر اتبعه .
و من قال بالوقف فعلى أصله . و من قال بوجوب الاتباع لمن قبله فيلتزمه بمساق حجته في كل نبي .
فصل
في الكلام على الأحاديث المذكور فيها السهو منه صلى الله عليه و سلم
في الكلام على الأحاديث [ 209 ] المذكور فيها السهو منه صلى الله عليه و سلم .
فقد قدمنا في الفصول قبل هذا ما يجوز فيه عليه السهو صلى الله عليه و سلم و ما يمتنع ، و أحلناه في الأخبار جملة ، و في الأقوال الدينية قطعاً ، و أجزنا وقوعه في الأفعال الدينية على الوجه الذي رتبناه ، و أشرنا إلى ما ورد في ذلك ، و نحن نبسط القول فيه و نقول : الصحيح من الأحاديث الواردة في سهوه صلى الله عليه و سلم في الصلاة ثلاثة أحاديث :
أولها : حديث ذي اليدين في السلام من اثنتين .
الثاني : حديث ابن بحينة في القيام من اثنتين .
الثالث : حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر خمساً .
و هذه الأحاديث مبنية على السهو في الفعل الذي قررناه ، و حكمة الله فيه ليستن به ، إذ البلاغ بالفعل أجلى منه بالقول ، و أرفع للاحتمال ، و شرطه ألا يقر على السهو ، بل يشعر به ليرتفع الالتباس ، و تظهر فائدة الحكمة فيه كما قدمناه ، فإن النسيان و السهو في الفعل في حقه صلى الله عليه و سلم غير مضاد للمعجزة ، و لا قادح في التصديق ، و قد قال صلى الله عليه و سلم : إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني .
و قال صلى الله عليه و سلم : رحم الله فلاناً ، لقد أذكرني كذا و كذا آية كنت أسقطهن و يروى : أنسيهن .
و قال صلى الله عليه و سلم : إني لأنسى ، أو أنسى ، لأسن .
قيل : هذا اللفظ شك من الراوي . و قد روى : إني لا أنسى ، و لكن أنسى لأسن .
و ذهب ابن نافع ، و عيسى بن دينار أنه ليس بشك ، فإن معناه التقسيم ، أي أنسى أنا ، أو ينسيني الله .
قال القاضي أبو الوليد الباجي : يحتمل ما قالاه أن يريد أني أنسى في اليقظة ، و أنسى في النوم ، أو أنسى على سبيل عادة البشر من الذهول عن الشيء و السهو ، و أنسى مع إقبالي عليه و تفرغي له ، فأضاف أحد النسيانين إلى نفسه ، إذ كان له بعض السبب فيه ، و نفى الآخر عن نفسه ، إذ هو فيه كالمضطر .
و ذهبت طائفة من أصحاب المعاني و الكلام على الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسهو في الصلاة و لا ينسى ، لأن النسيان ذهول و غفلة و آفة ، قال : و النبي صلى الله عليه و سلم منزه عنها ، و السهو شغل ، فكان النبي صلى الله عليه و سلم يسهو في صلاته ، و يشغله عن حركات ال صلاة ما في الصلاة ، شغلاً بها لا غفلة عنها .
و احتج بقوله في الرواية الأخرى : إني لا أنسى .
و ذهبت طائفة إلى منع هذا كله عنه ، و قالوا : إن سهوه عليه السلام كان عمداً و قصداً ليسن .
و هذا قول مرغوب عنه ، متناقض المقاصد ، لا يحلى منه بطائل ، لأنه كيف يكون معتمداً ساهياً في حال . و لا حجة لهم في قولهم : إنه أمر بتعمد صورة النسيان ليسن ، لقوله : إني لأنسى أو أنسى . و قد أثبت أحد الوصفين ، و نفى مناقضة التعمد و القصد ، و قال : إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، [ فإذا نسيت فذكروني ] .
و قد مال إلى هذا عظيم من المحققين من أئمتنا ، و هو أبو المظفر الإسفرايني ، و لم يرتضه غيره منهم ، و لا أرتضيه ، و لا حجة لهاتين الطائفتين في قوله : إني لا أنسى [ 210 ] ، و لكن أنسى ، إذ ليس فيه نفي حكم النسيان بالجملة ، و إنما فيه نفي لفظه و كراهة لقبه ، كقوله : بئس ما لأحدكم أن يقول : نسيت آية كذا ، و لكنه نسي ، أو نفي الغفلة و قلة الاهتمام بأمر الصلاة عن قلبه ، لكن شغل بها عنها ، و نسي بعضها ببعضها ، كما ترك الصلاة يوم الخندق حتى خرج وقتها ، و شغل بالتحرز من العدو عنها ، فشغل بطاعة عن طاعة .
و قي ل : إن الذي ترك يوم الخندق أربع صلوات : الظهر ، و العصر ، و المغرب ، و العشاء ، و به احتج من ذهب إلى جواز تأخير الصلاة في الخوف ، إذا لم يتمكن من أدائها إلى وقت الأمن ، و هو مذهب الشاميين .
و الصحيح أن حكم الصلاة الخوف كان بعد هذا ، فهو ناسخ له .
فإن قلت : فما تقول في نومه صلى الله عليه و سلم عن الصلاة يوم الوادي ، و قد قال : إن عيني تنامان و لا ينام قلبي .
فاعلم أن للعلماء في ذلك أجوبة ، منها : أن المراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه و عينيه في غالب الأوقات ، و قد يندر منه غير ذلك ، كما يندر منة غيره خلاف عادته .
و يصحح هذا التأويل قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث نفسه : إن الله قبض أرواحنا .
و قول بلال فيه : ما ألقيت علي نومه مثلها قط ، و لكن مثل هذا إنما يكون منه لأمر يريده الله من إثبات حكم ، و تأسيس سنة ، و إظهار شرع ، كما قال في الحديث الآخر : لو شاء الله لأيقظنا ، و لكن أراد أن يكون لمن بعدكم .
الثاني أن قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه ، لما روي أنه كان محروساً ، و أنه كان ينام حتى ينفخ ، و حتى يسمع غطيطه ثم يصلي و لا يتوصأ .
و حديث ابن عباس المذكور فيه و ضوءه عند قيامه من النوم ، فيه نومه مع أهله ، فلا يمكن الاحتجاج به على و ضوئه بمجرد النوم إذ لعل ذلك لملامسته الأهل أو لحدث آخر ، فكيف و في آخر الحديث نفسه : ثم نام حتى سمعت غطيطه ، ثم أقيمت الصلاة فصلى و لم يتوضأ .
و قيل : لا ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه في النوم ، و ليس في قصة الوادي إلا نوم عينه عن رؤية الشمس . و ليس هذا من فعل القلب ، و قد قال صلى الله عليه و سلم : إن الله قبض أرواحنا و لو شاء لردها إلينا في حين غير هذا .
فإن قيل : فلولا عادته من استغراق النوم لما قال لبلال : أكلا لنا الصبح .
فقيل في الجواب : إنه كان من شأنه صلى الله عليه و سلم التفليس بالصبح ، و مراعاة أول الفجر لا تصح ممن نامت عينه ، إذ هو ظاهر يدرك بالجوارح ، فوكل بلالاً بمراعاة أوله ليعلمه بذلك ، كما لو شغل بشغل غير النوم عن مراعاته .
فإن قيل : فما معنى نهيه صلى الله عليه و سلم عن القول : نسيت ، و قد قال صلى الله عليه و سلم : إني أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني . و لقد أذكرني كذا و كذا آية كنت أنسيتها .
فاعلن أكرمك الله أنه لا تعارض في هذه الألفاظ ، أما نهيه عن أن يقال ن سيت آية كذا فمحمول على ما نسخ حفظه من القرآن ، أي إن الغفلة في هذا لم تكن منه ، و لكن الله تعالى اضطره إليها ليمحو ما يشاء و يثبت . و ما كان من سهو أو غفلة من [ 211 ] قبله تذكرها صلح أن يقال فيه : أنسى .
و قد قيل : إن هذه منه صلى الله عليه و سلم على طريق الاستحباب أن يضيف الفعل إلى خالقه ، و الآخر على طريق الجواز لاكتساب العبد فيه ، و إسقاطه صلى الله عليه و سلم لما أسقط من هذه الآيات جائز عليه بعد بلاغ ما أمر ببلاغه ، و توصيله إلى عباده ، ثم يستذكرها من أمته ، أو من قبل نفسه ، إلا ما قضى الله نسخه و محوه من القلوب و ترك استذكاره .
و قد يجوز أن ينسى النبي صلى الله عليه و سلم ما هذا سبيله كرة ، و يجوز أن ينسيه منه قبل البلاغ ما لا يغير نظماً ، و لا يخلط حكماً ، مما لا يدخل خللاً في الخبر ، ثم يذكره إياه و يستحيل دوام نسيانه له ، لحفظ الله كتابه ، و تكليفه بلاغه .
فصل
في الرد على من أجاز عليهم الصغائر
اعلم أن المجوزين للصغائر على الأنبياء من الفقهاء و المحدثين و من شايعهم على ذلك من المتكلمين احتجوا على ذلك بظواهر كثيرة من القرآن و الحديث إن التزموا ظواهرها أفضت بهم إلى تجويز الكبائر و خرق الإجماع ، و هو ما لا يقول به مسلم ، فكيف و كل ما احتجوا به مما اختلف المفسرون في معناه ، و تقابلت الاحتمالات في مقتضاه ، و جاءت أقاويل فيها للسلف بخلاف ما التزموه من ذلك ، فإذا لم يكن مذهبهم إجماعاً ، و كان الخلاف فيما احتجوا به قديماً ، و قامت الدلالة على خطأ قولهم ، و صحة غيره ، وجب تركه ، و المصير إلى ما صح .
و ها نحن نأخذ في النظر فيها إن شاء الله .
فمن ذلك قوله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم :
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر [ سورة الفتح / 48 ، الآية : 2 ] .
و قوله : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [ سورة محمد / 47 ، الآية : 19 ] .
و قوله : ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك [ سورة الشرح / 94 ، الآية : 2 ، 3 ] .
و قوله : عفا الله عنك لم أذنت لهم [ سورة التوبة / 9 ، الآية : 43 ] .
و قوله : لولا كتاب من ا لله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 68 ] .
و قوله : عبس وتولى * أن جاءه الأعمى الآية .
و ما قص من قصص غيره من الأنبياء ، كقوله : وعصى آدم ربه فغوى [ سورة طه / 20 ، الآية : 121 ] .
و قوله : فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون [ سورة الأعراف / 7 الآية : 190 ] .
و قوله : ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [ سورة الأعراف / 7 ، الآية : 23 ] .
و قوله عن يونس : سبحانك إني كنت من الظالمين [ سورة الأنبياء / 21 ، الآية : 87 ] .
و ما ذكر من قصته و قصة داود ، و قوله : وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص / 38 ، الآية : 24 ، 25 ] .
و قوله : ولقد همت به وهم بها ، و ما قص من قصته مع إخوته .
و قوله عن موسى : فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان [ سورة القصص / 28 ، الآية : 15 ] .
و قول النبي صلى الله عليه و سلم في دعائه : اغفر لي ما قدمت و ما أخرت ، و ما أسررت وما أعلنت و نحوه م ن أدعيته صلى الله عليه و سلم .
و ذكر الأنبياء في الموقف ذنوبهم في حديث الشفاعة .
و قوله : إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله .
و في حديث أبي هريرة : إني لأستغفر الله و أتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة . و قوله تعالى عن نوح : وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين .
و قد كان [ 212 ] قال الله له : ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون [ سورة هود / 11 ، الآية : 37 ] .
و قال عن إبراهيم : والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 82 ] . و قوله عن موسى : تبت إليك [ سورة الأعراف / 7 ، الآية : 143 ] .
و قوله : ولقد فتنا سليمان ... إلى ما أشبه هذه الظواهر .
قال القاضي رحمه الله : فأما احتجاجهم بقوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر : فهذا قد اختلف فيه المفسرون ، فقيل : المراد ما كان قبل النبوة و بعدها .
و قيل : المراد ما وقع لك من ذنب وما لم يقع أعلمه أنه مغفور له .
و قيل : المتقدم ما كان قبل النبوة ، و المتأخر عصمتك بعدها ، حكاه أحمد بن نصر .
و قيل : المراد بذلك أمته .
و قيل : المراد ما كان عن سهو و غفلة ، و تأويل ، حكاه الطبري ، و اختاره القشيري .
و قيل : ما تقدم لأبيك آدم ، و ما تأخر من ذنوب أمتك ، حكاه السمرقندي و السلمي عن ابن عطاء .
و بمثله و الذي قبله يتأول قوله : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ،
قال مكي : مخاطبة النبي صلى الله عليه و سلم ها هنا هي مخاطبة لأمته .
و قيل : إن النبي صلى الله عليه و سلم لما أمر أن يقول : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم سر بذلك الكفار ، فأنزل الله تعالى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر الآية ، و بمآل المؤمنين في الآية الأخرى بعدها ، قاله ابن عباس ، فمقصد الآية : إنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب إن لو كان . قال بعضهم : المغفرة ها هنا تبرئة من العيوب .
و أما قوله : ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك ، فقيل : ما سلف من ذنبك قبل النبوة ، و هو قول ابن زيد و الحسن ، و معنى قول قتادة .
و قيل : معناه أنه حفظ قبل نبوته منها ، و عصم ، و لولا ذلك لأثقلت ظهره ، حكى معناه السمرقندي .
و قيل : المراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى بلغها ، حكاه الماوردي ، و السلمي .
و قيل : حططنا عنك ثقل أيام الجاهلية ، حكاه مكي .
و قيل : ثقل شغل سرك و حيرتك و طلب شريعتك حتى شرعنا ذلك لك ، حكى معناه القشيري .
و قيل المعنى : خففنا عليك ما حملت بحفظنا لما استحفظت ، و حفظ عليك .
و معنى أنقض ظهرك ، أي كاد ينقضه ، فيكون المعنى على من جعل ذلك لما قبل النبوة اهتمام النبي صلى الله عليه و سلم بأمور فعلها قبل نبوته ، و حرمت عليه بعد النبوة ، فعدها أوزار ، و ثقلت عليه ، و أشفق منها .
أو يكون الوضع عصمة الله له و كفايته من ذنوب لو كانت لأنقضت ظهره .
أو يكون من ثقل الرسالة ، أو ما ثقل عليه و شغل قلبه من أمور الجاهلية ، و إعلام الله تعالى له بحفظ ما استحفظه من وحيه .
و أما قوله : عفا الله عنك لم أذنت لهم فأمر لم يتقدم للنبي صلى الله عليه و سلم من الله تعالى نهي فيعد معصية ، و لا عده الله تعالى عليه معصية ، بل لم يعده أهل العلم معاتبة . و غلطوا من ذهب إلى ذلك ، قال نفطويه [ 213 ] : و قد حاشاه الله تعالى من ذلك ، بل كان مخيراً في أمرين ، قالوا : و قد كان له أن يفعل ما شاء فيما لم ينزل عليه فيه وحي ، فكيف و قد قال الله تعالى : فأذن لمن شئت منهم . فلما أذن لهم أعلمه الله بما لم يطلع عليه من سرهم أنه لو لم يأذن لهم لقعدوا ، و أنه لا حرج عليه فيما فعل ، و ليس عفا هنا بمعنى غفر ، بل كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : عفا الله لكم عن صدقة الخيل و الرقيق . و لم تجب عليهم قط ، أي لم يلزمكم ذلك .
و نحوه للقشيري ، قال : و إنما يقول العفو : لا يكون إلا عن ذنب من لم يعرف كلام العرب ، و معنى عفا الله عنك أي لم يلزمك ذنباً .
قال الداودي : روي أنها تكرمة .
و قال مكي : هو استفتاح كلام ، مثل أصلحك الله و أعزك .
و حكى السمرقندي أن معناه عفاك الله .
و أما قوله في أسارى بدر : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم . فليس فيه إلزام ذنب للنبي صلى الله عليه و سلم ، بل فيه بيان ما خص به وفضل من بين سائر الأنبياء ، فكأنه قال : ما كان هذا لنبي غيرك ، كما قال صلى الله عليه و سلم : أحلت لي الغنائم ، و لم تحل لنبي قبلي .
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : تريدون عرض الدني ا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 67] .
قيل : المعنى بالخطاب لمن أراد ذلك منهم ، و تجرد غرضه لعرض الدنيا وحده ، و الاستكثار منها ، و ليس المراد بهذا النبي صلى الله عليه و سلم ، و لا عليه أصحابه ، بل قد روى عن الضحاك أنها نزلت حين انهزم المشركون يوم بدر ، و اشتغل الناس بالسلب و جمع الغنائم عن القتال ، حتى خشي عمر أن يعطف عليهم العدو .
ثم قال تعالى : لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، فاختلف المفسرون في معنى الآية ، فقيل : معناها لولا أنه سبق مني أن لا أعذب أحداً إلا بعد النهي لعذبتكم .
فهذا ينفي أن يكون أمر الأسرى معصية .
و قيل : المعنى لو لا إيمانكم بالقرآن ، و هو الكتاب السابق فاستوجبتم به الصفح
لعوقبتم على الغنائم .
و يزاد هذا القول تفسيراً و بياناً بأن يقال : لو لا ما كنتم مؤمنين بالقرآن ، و كنتم ممن أحلت لهم الغنائم لعوقبتم ، كما عوقب من تعدى .
و قيل : لولا أنه سبق في اللوح المحفوظ أنها حلال لكم لعوقبتم .
فهذا كله ينفي الذنب و المعصية ، لأن من فعل ما أحل له لم يعص ، قال الله تعالى : فكلوا مما غنمتم حلالا طي با [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 69 ] .
و قيل : بل كان صلى الله عليه و سلم قد خير في ذلك ، و قد روي عن علي رضي الله عنه ، قال : جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم بدر ، فقال : خير أصحابك في الأساري ، إن شاءوا القتل ، و إن شاءوا الفداء ، على أن يقتل منهم في العام المقبل مثلهم .
فقالوا : الفداء و يقتل منا .
و هذا دليل على صحة ما قلناه ، و أنهم لم يفعلوا إلا ما أذن لهم فيه ، و لكن بعضهم مال إلى أضعف الوجهين مما كان الأصلح غيره من الإثخان و القتل ، فعوتبوا على ذلك ، و بين لهم ضعف اختيارهم و تصويب اختيار غيرهم ،، و كلهم غير عصاة ولا مذنبين ، و إلى نحو هذا أشار الطبري .
و قوله صلى الله عليه و سلم في هذه القضية : لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا عمر . [ 412 ] إشارة إلى هذا من تصويب رأيه و رأي من أخذ بمأخذه ، في إعزاز الدين و إظهار كلمته ، و إبادة عدوه ، و أن هذه القضية لو استوجبت عذاباً نجا منه عمر و مثله ، و عين عمر لأنه أول من أشار بقتلهم ، و لكن الله لم يقدر عليهم في ذلك عذاباً لحله لهم فيما سبق .
و قال الداودي : و الخبر بهذا لا يثبت ، و لو ثبت لما جاز أن يظن أن النبي صلى الله عليه و سلم حكم لما لا نص فيه و لا دليل من نص ، و لا جعل الأمر فيه إليه ، و قد نزهه الله تعالى عن ذلك .
و قال القاضي بكر بن العلاء : أخبر الله تعالى نبيه في هذه الآية أن تأويله وافق ما كتبه له من إحلال الغنائم و الفداء ، و قد كان قبل هذا فادوا في سرية عبد الله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي بالحكم بن كيسان و صاحبه ، فما عتب الله ذلك عليهم ، و ذلك قبل بدر بأزيد من عام .
فهذا كله يدل على أن فعل النبي صلى الله عليه و سلم في شأن الأسرى كان على تأويل و بصيرة ، و على ما تقدم قبل مثله ، فلم ينكره الله تعالى عليهم ، لكن الله تعالى أراد لعظم أمر بدر و كثرة أسراها ، و الله أعلم إظهار نعمته ، و تأكيد منته ، بتعريفهم ما كتبه في اللوح المحفوظ من حل ذلك لهم ، لا على وجه عتاب و إنكار و تذبيب . هذا معنى كلامه .
و أما قوله : عبس وتولى * أن جاءه الأعمى [ سورة عبس / 80 ، الآية : 1 ] .
فليس له إثبات ذنب له صلى الله عليه و سلم ، بل إعلام الله أن ذلك المتصدي له ممن لا يتزكى ، و ان الصواب و الأولى لو كشف لك حال الرجلين الإقبال على الأعمى .
و فعل النبي صلى الله عليه و سلم لما فعل ، و تصديه لذلك الكافر ، كان طاعة لله و تبليغاً عنه و استئلافاً له ، كما شرعه الله له ، لا معصية ، و لا مخالفة له .
و ما قصه الله عليه من ذلك إعلام بحال الرجلين و توهين أمر الكافر عنده و الإشارة إلى الإعراض عنه ، بقوله : وما عليك أن لا يزكى [ سورة عبس / 80 ، الآية : 3 ] .
و قيل : أراد ب [ عبس ] ، و [ تولى ] الكافر الذي كان مع النبي صلى الله عليه و سلم ، قاله أبو تمام .
و أما قصة آدم عليه السلام ، و قوله تعالى : فأكلا منها بعد قوله : ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين . و قوله ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ، و تصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله تعالى : وعصى آدم ربه فغوى ، أي جهل .
و قيل أخطأ ، فإن الله تعالى قد أخبر بعذره بقوله : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ، قال ابن زيد : نسي عداوة إبليس له ، و ما عهد الله إليه من ذلك بقوله : إن هذا عدو لك ولزوجك الآية .
و قيل : نسي ذلك بما أظهر لهما .
و قال ابن عباس : إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسي .
و قيل : لم يقصد المخالفة است حلالاً لها ، و لكنهما اغتراً بحلف إبليس لهما : إني لكما لمن الناصحين ، و توهما أن أحداً لا يحلف بالله حانثاً .
و قد روي عذر آدم بمثل هذا في بعض الآثار .
و قال ابن جبير : حلف بالله لهما حتى غرهما ، و المؤمن يخدع .
و قد قيل : نسي ، و لو ينو المخالفة ، فلذلك قال : ولم نجد له عزما ، و أي قصداً [ 215 ] للمخالفة .
و أكثر المفسرين على أن العزم هنا الجزم و الصبر .
و قيل : كان عند أكله سكران ، و هذا فيه ضعف ، لأن الله تعالى وصف خمر الجنة أنها لا تسكر ، فإذا كان ناسياً لم تكن معصية ، و كذلك إن كان ملبساً عليه غالطاً ، إذ الاتفاق على خروج الناسي و الساهي عن حكم التكليف .
قال الشيخ أبو بكر بن فورك و غيره : إنه يمكن أن يكون ذلك قبل النبوة ، و دليل ذلك قوله تعالى : وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ، فذكر أن الاجتباء و الهداية كانا بعد العصيان .
و قيل : بل أكلها متأولاً ، و هو يعلم أنها الشجرة التي نهي عنها ، لأنه تأول نهي الله عن شجرة مخصوصة لا على الجنس ، و لهذا قيل : إنما كانت التوبة من ترك التحفظ ، لا من المخالفة .
و قيل : تأول أن الله لم ينهه عنه ا نهي تحريم .
فإن قيل : فعلى كل حال فقد قال الله تعالى : وعصى آدم ربه ، و قال : فتاب عليه وهدى . و قوله في حديث الشفاعة : و يذكر ذنبه ، و قال : إني نهيت عن أكل الشجرة فعصيت ، فسيأتي الجواب عنه و عن أشباهه مجملاً آخر الفصل إن شاء الله .
و أما قصة يونس فقد مضى الكلام على بعضها آنفاً ، و ليس في قصة يونس نص على ذنب ، و إنما فيها : أبق و ذهب مغاضباً و قد تكلمنا عليه .
و قيل : إنما نقم الله عليه خروجه عن قومه فاراً من نزول العذاب .
و قيل : بل لما وعدهم العذاب ثم عفا الله عنهم قال : و الله لا ألقاهم بوجه كذاب أبداً .
و قيل : بل كانوا يقتلون من كذب فخاف ذلك .
و قيل : ضعف عن حمل أعباء الرسالة . و قد يقدم الكلام أنه لم يكذبهم .
و هذا كله ليس فيه نص على معصية إلا على قول مرغوب عنه .
و قوله : إذ أبق إلى الفلك المشحون قال المفسرون تباعد .
و أما قوله : إني كنت من الظالمين ، فالظلم وضع الشيء في غير موضعه ، فهذا اعتراف منه عند بعضهم بذنبه ، فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربه ، أو لضعفه عماحمله ، أو لدعائه بالعذاب على قومه . و قد دعا نوح بهلاك قومه فلم يؤاخذ .
و ق ال الواسطي في معناه : نزه ربه عن الظلم ، و أضاف الظلم إلى نفسه اعترافاً و استحقاقاً . و مثل هذا قول آدم و حواء : ربنا ظلمنا أنفسنا ، إذ كانا السبب في وضعهما غير الموضع الذي أنزلا فيه ، و اخراجهما من الجنة ، و إنزالهما إلى الأرض .
و أما قصة داود عليه السلام فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطره فيه الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا و غيروا ، و نقله بعض المفسرين . و لم ينص الله على شيء من ذلك ، و لا ورد في حديث صحيح . و الذي نص عليه قوله : وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ سورة ص / 38 ، الآية : 24 ، 25 ]
|
|
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل
دخولك قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا |
|