الشريف يوسف الهندي
الشريف يوسف بن محمد الأمين الهندي العارف بالله الزعيم الوطني الإسلامي: صاحب "الطريقة الهندية" ( مولود نصف شعبان 1288ه / 1869م توفي يوم الجمعة الموافق 17 ذو الحجة 1361ه /1942م)
هو الشريف يوسف بن الشريف محمد الأمين بن الشريف يوسف بن الشريف أحمد بن الشريف زين العابدين بن الشريف حمد بن الشريف آدم بن الشريف محمد الشهير بالهندي ينتمي نسبه إلى الرسول الكريم ( ). ( وقيل إن هذا اللقب جاءه من أن مرضعته بمكة كانت هندية الأصل) وهو أول من دخل السودان من أجداده ، من جهة الحجاز في منتصف القرن العاشر الهجري تقريباً. والدة الشريف يوسف السيدة شموم بنت الأرباب أحمد ود الزين؛ تزوجها الشريف محمد الأمين ابوه في (السروراب) غرب مدينة ام درمان .. وقد إرتحل بها إلى حلة الشريف يعقوب؛ حيث أنجبت له الشريف يوسف في نصف شعبان عام 1288ه الموافق 1869م . ترعرع الشريف يوسف في حضن والده ، وارتحل معه وعُمره آنذاك خمسة سنوات إلى نواره ، إلى أن ظهر الإمام المهدي عليه السلام وكتب يطلب لقاء الشريف محمد الأمين بالابيض (*) . فقام لمقابلته وعند عودته وافاه الأجل المحتوم (بالرهد) الواقع بين الأبيض وأم روابه . وصلى عليه الإمام المهدي ودفنه هناك وقبره ظاهر يزار . (بهذا فإن الروايات التي تزعُم أن الشريف محمد الأمين كان مجاهداً في المهدية ومات شهيداً في واحدةٍ من معاركها ، غير صحيحةٍ ، وبها خلط إذ أن الذي مات وأستشهد إبان المهدية في معركة سنار هو إبنه الشريف علي وكان أمير راية الأشراف). ترك الشريف محمد الأمين بجانب على إثنين من الأبناء هما أحمد ويوسف الشهير حتى اليوم (بالشريف الهندي). ذهب الشريف يوسف (الهندي) إلى نُوَّاره مع والده (قرية كانت بها اكبر وآخر خلاويه لتعليم القرآن الكريم)، ومكث معه سبع سنواتٍ هناك وقرأ وحفظ على والده بعضاً من القرآن ، وبمغادرة والده إلى الرهد (رهد غرب السودان) قفل الشريف الهندي راجعاً إلى ذويه (بحلة الشريف يعقوب) ، ولكنه نزح منها واستقر (بالدناقله) - قرية بالقرب منها . وجاء إلى أم درمان حينما أرسل إليه الإمام المهدي وتقابلا في أبي سعد وأكرم المهدي وفادته . وبعد استشهاد أخيه الشريف علي ، قلده خليفة المهدي امارة الأشراف وهو ابن عشرين سنة . وفي ابان امارته قام الي حرب الطليان (بطوكر) ثم عاد الى ام درمان فحلة (الشريف يعقوب) . وذهب الشريف الهندي حاجاً الى مكة عن طريق مصر ، حيث نزل ضيفاً على صهره الزبير باشا . وفى مكه اكرمه الشريف عون أمير البيت غاية الإكرام كما أكرمه أمير الحرم المدني وسلمه مفاتيح الحرم مدة التسعه عشر يوماً التى أقامها هناك . وتعرف فى المدينه بكثير من العلماء والأشراف . وقابل السيد محمد السنوسي ، ثم عاد قفل راجعاً الى السودان عن مصر أيضاً ، بعد أن عرج على فلسطين لزيارة بيت المقدس قبور الأنبياء ( عليهم السلام ) ومقام سيدنا ابراهيم فى مدينة الخليل ، ومكث فى طور سيناء ستة عشر يوماً (2) . ولما حل ركابه بحلة حمد نفس المنطقه بشرق النيل الأزرق أخذ فى تأسيس القرى وحفر الأبار ، وزراعة الأراضي وحث الناس عليها دعماً لاستقرارهم وراحتهم . ولم يهمل مسيرة اجداده فى ايقاد نار القرآن ، حيث أنشأ العشرات من الخلاوى فى مختلف بقاع السودان وعين لها الفقهاء المعلمين لأبناء المسلمين علوم الدين . ثم أخذ ينشر مبادئ طريقته المحمديه التى وصفها بذلك التحديد حين قال: وطريقتي نبوية وشموسها لاتأفل ما غاب منها كوكب الا بدا متهلل واجتمع عليه الناس من كل حدبٍ وصوبٍ واستمر في تأسيس القُرى لهم . " كالحريز" و "نورالدين " و" ود عجبنة " و" الشدايدة " و "العُقدة" ومعظمها على نهر الرهد ، وغيرها من الحّلال التي قامت على الأراضي وحول الأطيان التي اشتراها وشجع الناس على زراعتها والإقامة فيها بدل حياة البداوة والترحال المستمر. وفي قرية الحريز ألف أشهر مؤلفاته الدينية كالموالد والمدائح - التي في هذا الديوان - وكتاب (النصيحة) في الدين مع ما ألفه من الرواتب والأذكار والسيرة النبوية. وفي عام 1327ه الموافق 1905م اتهمت السلطات الحاكمة آنذاك الشريف بتكوين حركةٍ دينيةٍ تعدُّ العُدة للجهاد ولمقاومة الانجليز في حكم السودان. وعليه فقد إعتقلته الحكومة في حلة (الربوة) - جنووب بركات - وجاءت به إلى الخرطوم بعد تقديمه للمحاكمة في مدنى وأودع السجن العمومي (بكوبر) لمدة تزيد على 6 شهور. ولما تكاثرت عليه وفود المحبين والمريدين ، إضطرت الحكومة الانجليزية للإفراج عنه واستبدال سجنه بتحديد إقامته في منطقةٍ مجاورةٍ داخل مديرية الخرطوم ، وتُرك له حق اختيار موقع سكنه الجديد فاختار ناحية " بُرِّى اللاماب " ، التي أصهر إلى أهلها ولم يغادرها إلى أن انتقل إلى جوار ربه ، وضريحه قائم بها يزار. كان له سفرات معروفة كسفرة عام 1919م لانجلترا ، لتهنئة الحلفاء ضمن وفد السودان لهذا الغرض ، وفي عام 1924م سافر إلى الحجاز ومكث بها ثمانية أشهر ولم يكن حاضراً ثورة 1924م. وهناك قام بأداء حجته الثانية والأخيرة وفيها أقنع الشريف حسين (شريف مكة) بالتنازل عن ملكه لآل سعود وقال له "الملك بيد الله يوليه من يشاء.. وملككم يا شريف إنتهى". وكان أن تم ذلك. وتُفي الشريف حسين إلى قبرص ثم مرض فأُرسل إلى الأردن حيث مات هناك. الشريف الحسين بن علي أمير مكة أما حياة الشريف التي امتدت إلى 73 عاماً فقد كانت حافلةً زاخرةً بالاحداث وجلائل الاعمال وعظيم المواقف ، ولنترك المجال للمختصين ممن عاصروه وعرفوا عنه الكثير ، الأمر الذي حدا بهم للكتابه عنه شعراً كان أو نثراً . ومن هؤلاء الكتاب القدماء عرفات محمد عبدالله ويوسف مصطفى التنى والمؤرخ محمد عبدالرحيم ومن الشعراء عبدالله البنا ، ومن المعاصرين الأستاذ حسن نجيلة والشاعر محمد المهدي مجذوب وغيرهما . ولما كنا قد تعرضنا لقصائد ود البنا والمجذوب بالذكر أعلاه فماذا قال عرفات أو محمد عبدالرحيم مثلاً عن الشريف الهندي ومؤلفاته وأعماله ؟ وعلقت جريدة ( حضارة السودان ) بتاريخ السبت 11/9/1920 على مقالة المؤرخ محمد عبدالرحيم تحت عنوان " عناية الشريف يوسف الهندي بتاريخ البلاد " بما يلي : ( يعلم القراء من المقالة ... " حياة الأمة برجالها " بقلم كاتبها الفاضل أن سيادة الشريف يوسف الهندي مكب الآن على تأليف مجلدٍ ضخمٍ يضم بين دفتيه أخبار البلاد في جميع أدوارها التأريخية وأنساب القبائل وإرجاعها إلى أروماتها الأصلية .. وأن حضرة الأديب محمد أفندي عبدالرحيم قد وفي الموضوع حقه .. ولكنا نقصد من هذه الكلمة أن نعلن عن طلب سيادة الشريف وهو أنه يرجو من جميع الأعيان أن يوافوه بأنسابهم وسيرة آبائهم سواء كانوا صالحين وأولياء أم ملوكاً أو أغنياء لدرجها بالتأريخ المزمع جمعه وطبعه عما قريب - ويعذرونه فيما يتأخر بأيديهم من هذه الأنساب والسير مما لم يتيسر له أخذه من مصدرٍ آخر والله الموفق ). تلا المعلم الشريف محمد الأمين الهندي ، إبنه العارف بالله الشريف يوسف ، مؤسس المدرسة الدينية ، التي عرفت باسم " الطريقة الهندية " .. بأذكارها وأورادها ورواتبها وأمداحها ، وتلاوة "موالدها" في لياليها الأسبوعية ، وفي المواسم التي تقام فيها هذه اليالي للذكر- إلى يومنا هذا - تحت رعاية الخليفة القائم الشريف الصديق الهندي حفظه الله. وقد ضمنت كل هذه الأدبيات الإسلامية في كتيبات ومجلدات ، منها المطبوع والمنشور(9 كتب دينية) ؛ ومنها ما هو مخطوطة تحت الطباعة (10 كتب أدبية وتاريخية ، بينها " تاج الزمان " المشار إليه). ومن أجل الدين والوطن ، ثار الشريف يوسف الهندي ، وقبله أخوه الشريف علي الهندي ، مع الإمام المهدي في ثورته الإسلامية الظافرة . وحارب الأخوان مع الإمام المهدي حروبه المعروفة ، حتى استشهد الشريف علي الهندي في "معركة سنار" المشهورة ، ليخلفه من ثم أخوه الشريف يوسف على الإمارة وراية الأشراف في المهدية.. لاسيما وقد كان والدهما الشريف محمد الأمين ، على علاقة متينة مع الإمام محمد أحمد المهدي ، الذي زاره في خلوته" بنوارة " - قرية على نهر الرهد - وأحبه لعلمه وورعه وتقواه ، ومن ثم مكث معه شهوراً. وحين بدأ الإمام المهدي زحفه على الخرطوم استدعاه للسير معه ، في طريقه من الغرب لفتح الخرطوم ، على عهد الحاكم غردون ، فلبى طلبه . والتقيا في " مدينة الرهد " بغرب السودان ؛ إلاّ أن المنية لم تسعف الشريف محمد الأمين ، ليكمل السيرمع الإمام محمد أحمد المهدي إلى فتح الخرطوم ؛ حيث وافاه الأجل المحتوم بالرهد ، ومات الشريف محمد الأمين هناك ، وصلى عليه الإمام المهدي ، ودفنه في الضريح المعروف باسمه في تلك المنطقة. وتلاه إبنه الشريف يوسف الهندي ، في الحفاظ على سجادتهم وقيادة أسرتهم ، وفي تأسيس مدرستهم المعروفة باسمهم كما ذكرنا أعلاه . وهي الطريقة المدرسية الدينية السودانية الوحيدة نشأة ومحتدا .. وإن تأثرت نهجا وأسلوبا ، بغيرها من المدارس الدينية سالفة العهد - خاصة السمانية . أما عن تكوين هذه الطريقة المدرسية الدينية ، فهناك قصيدة عصماء طويلة في مؤلفه "رياض المديح" ، جاء فيها : صلاة ربي مدى الليالي للرسل والصحب ثم آل بدأت بالله ذي الجلال نظما يفوق على اللآلي ياسائل الآن عن طريقي فهاك خذه واسمع مقالي إن الطريق أصله إلآهي ن حضرة العز والكمال ينزل به روحه الأمين جبريل من ذرى المعالي على قلب سيد البرايا شيئا فشيئا على التوالي وقد أتى بالكتاب شرعا مبين الحرمة .. والحلال وقد مشابواكذا أصحابه إلى ا لممات بلا انخلال أحيوا طريقه وبينوه مثل النجوم مع الهلال وعنهموا أخذت رجال خذهم بصدق على التوالي أحمد ومالكي والشافعي أبو حنيفة أخو النوال عنهم أخذنا واقتفينا أمرا ونهيا بلا ملال وهكذا ... يسرد حاكيا في هذه القصيدة ما هي قصة " الطرق المدرسية الدينية " سيرة ومسيرة .. أصلا وفصلا، جوهرا ومعنى .. وقد بدأت - حسب علمه وقوله - من عند سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم )؛ ثم تدرجت منه وبعده، عبر الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم )، إلى الأعلام من التابعين وتابعي التابعين - خاصة الأئمة أصحاب المذاهب الدينية الأربعة المشهورة - ثم إلى الصالحين من الأولياء .. أهل الله؛ ويمكن الرجوع إلى هذه القصيدة في الديوان المشار إليه. وكان الشريف يوسف الهندي ، واحداً من الزعماء الدينيين الثلاثة ، مع السيد على الميرغني والسيد عبدالرحمن المهدي؛ الذين أسسوا بأنفسهم منارات للدعوة وللهدى الإسلامي في المجتمع السوداني؛ ومن خلال المعلمين بعدهم ، من خلفائهم وتلاميذهم . كمااشتركوا في توعية الشعب وتثقيفه وإرشاده؛ من خلال المؤلفات الدينية والثقافية - أوحتى بالكتابة في الصحف السيارة في أيامهم - حينما أسسوا جريدة "حضارة السودان" ، التى سيأتي ذكرها بعد قليل ، في صدد إعلان الشريف يوسف فيها لأكثر من مرة ، عن كتابه : " تاج الزمان " المذكور أعلاه ، واستنفاره أهل السودان من أجل دعمهم (بالمادة التاريخية) لهذا الكتاب. بحكم كل هذا ... وبفضل ظهوره المتكرر في وسائل الإعلام العالمية فضلا عن المحلية ، وربما من ذاك البعد الدولي ، ذاع صيته آنئذ ، أكثر من آبائه السالف ذكرهم . وقد مضى الشريف الحسين إلى ربه في التاسع من ياناير عام 1982م ، شهيدا كعمه الشريف علي الهندي ، حامل لواء الأشراف في حروب المهدية ؛ كما مضى هو ، مناضلا وشهيدا ، في معارك الوطن ومن أجله ، من المهاجرإلى رحاب ربه. لقد ترك هؤلاء الأشراف الأماجد الثلاثة : محمد الأمين ، ويوسف ، وحسين ؛ ذخيرة طيبة، وتراثا إسلاميا جما : تمثل في خلاوي قرآنية بتجويدها (ومافيها من علوم الفقه والذكر الحكيم) في حالة الشريف محمد الأمين أولا، ثم طريقا مدرسية للدعوة والإرشاد (بكتبها ودواوينها ورسائلها : الدينية والأدبية والتاريخية) في حالة الشريف يوسف ثانيا ، ثم نهجا سياسيا وطنيا قوميا (بحزبه وفلسفته ونظامه ومنجزاته) - في حالة الشريف الحسين ثالثا . وهوأكثر شهرة بفضل السياسة والمعاصرة .... تركوا هذا التراث الغني بأبعاده الواسعة المذكورة ، لشعبهم ولأمتهم العربية والإسلامية ؛ قبل أن يتركوه لأسرتهم أو ذويهم ؛ أسوة و قدوة كانت ، أو عزاً ومفخرة .. سواء ما قام به كل (وشخصيا) - في مجاله من العمل العام - في خدمةالأمة والبلاد ، أو ما تركوا من مؤلفات وأدبيات متعمقة جذورا ، في الدين أوفي السياسة : (الوطنية والقومية) .. فضلا عما فيها كلها ، من ثقافة وعلم ، أوفكر وتاريخ. إن هؤلاء الأماجد الثلاثة : إبنا وأباً وجد ، ومن كان معهم أو حولهم من خلفائهم وتلاميذهم ، أوأتباعهم وأهلهم وذويهم - وكل من ينتمون إلى " آل الهندي " وأسرتهم الكبيرة الممتدة صهرا ونسبا - كانوا جميعا ملتصقين بالناس ، في كل زمان ومكان ، بل في كل بيت وناد وواد ؛ بعيدين عن الصراع والمطاحنات الحزبية والشخصية ، أو المنازعات وإحن المشاعر الصغيرة كما قلنا. كانوا بسطاء ولم يكونوا "صغارا" ، وكانوا قريبين من كافة أهل السودان - على امتداد هذا الوطن الحبيب - "لا غريبين" عنهم - حتى أصبح هؤلاء الأماجد الثلاثة بالذات ، قصيدة راقية تنشد نفسها للأجيال ؛ على مدى المشاعروالعواطف الانسانية الرحبة المتبادلة والنبيلة ، في رحاب سودان العز والمجد ، والدين والصلاح.
منقول بتصرف من موقع السادة الهندية ...
|