القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة
مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري
|
المنتدى العام لقاء الأحبة في الله لمناقشة جميع المواضيع |
![]() |
|
![]() |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
#1 | |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() المصدر سودانيز اون لاين اوراق عمل سودانية:استفتاء جنوب السودان يناير 2011 ....صنعاء/منتدى الختمية
|
|
![]() |
![]() |
![]() |
#2 | |
مُشرف المكتبة الصوتية
![]() ![]() ![]() |
![]() الورقة الأولى : حق تقرير جنوب السودان واستفتاء 2011م توطئة: أن الاستفتاء المزمع انعقاده في 9 يناير 2011م، سيقرر مصير الجنوب بين الوحدة والانفصال.. إلخ، بينما الاستفتاء سيجري لتقرير مصير السودان كله بأيدي بعض المواطنين السودانيين في الجنوب، دون غيرهم من مواطني الجنوب ومن باقي مواطني السودان؛ إذ السودان سينقسم دولة وجغرافيا ومجتمعاً، ولأن هذا الفصل للجنوب سيكون بمثابة المفجر البادىء لحالة انفجار شاملة للمجتمع والدولة السودانية، وسيكون بداية لأعمال تفجير مشابهة في إفريقيا وفي الدول الإسلامية الأخرى. يتقرر مصير جنوب السودان، وكأنه محتل ومستعمَر من بلد آخر، تنطبق عليه قواعد حق تقرير المصير التي استقرت خلال المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية بشأن الدول المستعمَرة، بينما الجنوب ليس إلا جزءاً من «دولة» مرَّ على استقلالها موحَّدة ومنضوية تحت راية الأمم المتحدة ما يزيد على نصف قرن. هكذا يظهر تقرير المصير هذا وكأنه يجري في فراغ، وليس فعلاً انفصالياً وتقسيماً لدولة ومجتمع متكامل، لن تتأثر جراءه أوضاع الجنوب فحَسب؛ بل ستتغير من خلاله أحوال السودان في الأعم الأغلب؛ ذلك أن انفصال الجنوب ليس فعلاً ينتج عنه تأسيس دولة جديدة، بل هو طلقة البداية، لإطلاق عملية تفكيك للسودان كله، وقد ظهرت أُولَى المؤشرات بالفعل من خلال المطالبة بجعله حقاً ينطبق على بقية أقاليم السودان؛ إذ أعلنت حركة العدل والمساواة الانفصالية في دارفور، عن بدء سعيها لنيل حق تقرير المصير لكلٍّ من إقليمي (دارفور وكردفان)، وهو ما يعني نهاية السودان الحالي فعلياً. و كلمات الرئيس التشادي (إدريس دبي) بأن انفصال جنوب السودان سيكون بمثابة كارثة لكل إفريقيا، مجرد كلمات مجاملة للرافضين للانفصال، بل هي وصفٌ لمخاطر هذا التقسيم للسودان على قارة تعيش حالة واسعة من التفكك في مجتمعاتها وتعاني دولها من ضعف المشروعية وضعف القدرات على الحفاظ على تماسك المجتمعات واستقرارها. وعلى الجانب العربي والإسلامي يبدو واضحاً أن فعل تقسيم السودان سيكون السابقة التي ينتظرها كثير من الانفصاليين في الدول العربية والإسلامية؛ إذ قطع مخطط تقسيم وتفكيك كثير من الدول والمجتمعات شوطاً كبيراً بالفعل. والسؤال المطروح : هل الحكومة السودانية والشعب السوداني، سيقبلان إتمام المخطط المرسوم للسودان بالتقسيم والتبدد أم أن اتضاح المخاطر على نحو لا يقبل الجدل، صار دافعاً للأخذ بخطط أخرى لمواجهة هذا الخطر؟ وكيف سيتحرك السودان في مواجهة تركيز الضغوط المكثفة عليه في الفترة الراهنة لإنجاز هدف تفتيته؟ وما هي الخيارات المتاحة للخروج من المأزق؟ أولاً: إن المرحلة التي يمر بها السودان مرحلة خيار مصيري. والخيار المصيري هو ذاك الوضع الذي تواجه فيه دولة أو مجتمع تحدياً أو تحديات يترتب على طريقة التعامل معها حدوث تغييرات في هوية المجتمع والدولة والحدود الجغرافية ومناطق السيادة الأساسية... إلخ. وفي مثل تلك الحال تتعلق النتائج بطبيعة الاستجابة لهذا التحدي؛ فهناك دول ومجتمعات قررت الرفض والمواجهة وانتصرت على التحدي، وهناك دول ومجتمعات أخرى قابلته بالضعف والتردد، فتحولت من حال موحدة إلى حالٍ أخرى. فمثلاً لقد واجهت الولايات المتحدة تحدي انقسامها بين شمالٍ وجنوبٍ في بداية تشكُّلها، ونجحت عبر الحرب الأهلية في توحيد ولاياتها والقضاء على المحاولة الانفصالية. والشعب الفلسطيني كذلك واجه تحدي تغيير الهوية والاستيلاء على أرضه وطرد السكان واختار المقاومة، وهو لا يزال على مدار قرن من الزمان يرفض الاستسلام للتحدي المفروض عليه؛ وذلك على الرغم من نجاح القوى الغربية في إجلاء بعضٍ من السكان وتغيير هوية مساحة كبيرة من فلسطين وإعلان دولة الصهاينة. وهكذا الحال في أفغانستان والعراق؛ إذ يواصل الشعبان (الأفغاني والعراقي) تحديَ الاحتلال الذي فُرِض على بلديهما عبر الغزو الأمريكي المباشر. وفي مقابل ذلك فإن ثمة مجتمعات أخرى واجهت تحديات مشابهة بالاستكانة والخنوع وعدم مواجهة الخطر فانتهت وتغيرت أوضاعها، كما هو حال حضارة الهنود الحمر، وكذلك عملية تقسيم إندونيسيا بظهور دولة (تيمور الشرقية) النصرانية داخل جغرافيتها ومجتمعها، وإثيوبيا التي تحقَّق تقسيمُها بظهور دولة إريتريا... إلخ. والآن يدخل السودان حالة من حالات الخيارات المصيرية؛ فإذا قَبِل التحدي المفروض عليه انتهى إلى وضع آخر، وإذا واجه التحدي يكون قد حسم خياره، وعاد إلى حالة المواجهة. ففي مواجهة التحدي المصيري يكون عامل الإرادة هو العامل المحدِّد لتطورات الأحداث؛ فماذا لو رفض السودان هذا التحدي؟ ثانياً: في الوضع الراهن يبدو المجتمع والدولة السودانية في وضع حرج؛ إذ يبدو أن السودان مقيَّد بضرورة إنفاذ اتفاق نيفاشا الذي تعهد نظام الحكم بمقتضاه بإعطاء الجنوبيين حق تقرير المصير، وهو يدرك أن عدم إنفاذ الاتفاق سيجلب عليه ضغوطاً أشد مما يعانيه، وقد يصل الأمر حدّاً أكثر من اشتعال الحرب الأهلية؛ إذ ثمة سيناريوهات تتحدث عن احتمال إعلان الجنوب انفصالَه من طرف واحد بالاستفتاء أو غيره، وطَلَبِ دعم عسكري من عدة دول وهو ما قد ينجم عنه تعرُّض السودان إلى هجوم عسكري أمريكي بريطاني صهيوني، بشكل غير مباشر على رأي بعض المحللين ومباشر عند بعضهم الآخر. وفي الجانب الآخر، فإن مخاطر انفصال الجنوب وإنفاذ الاتفاقية باتت تظهر على نحو مجسَّد، وهو ما ذهب بكل الحجج والمبررات التي جرى تداولها كثيراً خلال مرحلة إقرار اتفاق نيفاشا كأساس لقبول تقسيم السودان. وكان ثمة تصور أن توقيع الاتفاق سيوقف الضغوط الغربية على السودان، لكن ما حصل أنها تكثفت؛ إذ لم تكتفِ الولايات المتحدة باستمرار حصارها السياسي والاقتصادي للسودان، ولا باستمرار إدراجه على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بل دفعت المحكمةَ الجنائية الدولية عبر مجلس الأمن الدولي، لتشويه سمعة الرئيس السوداني عمر البشير ومطاردته باتهامات الإبادة والتطهير العرقي. وكان متصوراً أنَّ توقيع هذا الاتفاق سيمنح السودان (مجتمعاً ودولة) مدة خمس سنوات من الهدوء والاستقرار، لكن تحركت الشياطين الأمريكية والصهيونية والغربية وحركة الجنوب الانفصالية لتفتح معركة في إقليم دارفور بهدف إنهاك المجتمع والدولة وإدارتهما بأزمة أشد خطراً حتى يأتي موعد انفصال الجنوب، فتكون في حالة من الضعف والاستسلام. وكان متصوراً أن طمأنة الجنوبيين إلى مستقبلهم وإدماجهم في الحكم وإعطائهم نصيباً من الثروة النفطية أكبر من وزن الجنوب السكاني، قد يوقف دورهم التخريبي في الحياة السياسية، فحدث العكس وصاروا ناصرين في كل مواقفهم وتحركاتهم للغرب وضغوطه ومؤامراته على السودان من جهة، وداعمين لكل الحركات الانفصالية والتفتيتية في عموم السودان. وكان ثمة تقدير بأن مدة السنوات الخمس كافية لتغيير التوجهات الانفصالية بين النخب الجنوبية فظهر العكس؛ إذ صار الشغل الشاغل لتلك النخب هو تعميق حالة الانفصال على الصعيدين (الرسمي والشعبي) وكسب أنصار جدد لها في الإقليم وعلى الصعيد الدولي. وكان ثمة رؤية أن الأمور إذا وصلت حدَّ الاستفتاء والانفصال، فإن الشمال سيكسب الراحة والبناء المستقر، في ما بقي من جغرافيةِ السودان ومجتمعِه، فتأكد الآن أن الانفصال سيأتي بدولة معادية على الحدود، تماثل الكيان الصهيوني في دوره وأهدافه؛ سواء في المذابح التي ستجري للمسلمين في الجنوب أو في الدور التفكيكي للسودان الباقي. وفي الوضع الإقليمي لم يكن التأثير الأمريكي قوياً فقط في ضغطه على قرارات دول الإقليم، بل كان الوضع الإقليمي نفسه في حالة تعبئة ضد الحكم في السودان؛ إذ كانت العلاقات السودانية مع مختلف الدول في وضع كان الأسوأ فعلياً. أما الأوضاع الداخلية السودانية، فكانت في وضع الخطر، بسبب انتقالية الحكم في السودان بعد انشقاق الحركة الإسلامية الحاكمة وخروج الترابي من الحكم وتشكيله حزب المؤتمر الشعبي المعارض لحزب المؤتمر الوطني الذي مثَّل الحكم في الحركة السياسية. وكذا لأن أطراف المعادلة السياسية في مركز الحكم (أو الأحزاب الشمالية حسب وصف كثير من المحللين) كانت في بداية العودة لمباشرة حقوقها السياسية بعد مرحلة كانت قد تحالفت فيها مع حركة التمرد الانفصالية في الجنوب. وعلى الصعيد الاقتصادي والتنموي كان السودان في بداية الخروج من حالة الارتباك الاقتصادي التي كان يعيشها بفعل الحصار الدولي عليه، إلى حالة التنمية، استناداً إلى عائدات البترول. في ظل تلك المعطيات، قَبِل الحكم في السودان التوقيع على اتفاقية نيفاشا، وَفْقَ آمالٍ تبددت جميعها بفعل استمرار الضغط الأمريكي والغربي، وعمق الفكرة الانفصالية داخل النخب الجنوبية، وحالة الاضطراب في داخل مركز الدولة. لقد تغير الوضع الآن لمصلحة السودان، إذا قارناه بما كان عليه وقت توقيع اتفاقية نيفاشا؛ فالولايات المتحدة والغرب لم تعد لهم درجة الهيمنة ذاتها على القرار الدولي - على الأقل - بسبب الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الغربي، كما أن الولايات المتحدة قد تعمقت حالة تدهورِ أوضاعها السياسية والعسكرية بسبب تورطها في حربَي أفغانستان والعراق، وفي عشرات الأزمات المتفاعلة في المنطقة والعالم، ومعظمها صراعات تهدد باندلاع حروب. كما أن دولاً أخرى ظهرت بتأثيرها على ساحة القرار الدولي، وهو ما يضعف القدرة الأمريكية والغربية والصهيونية عن حالة التصرف الانفرادي السابقة. أما في الوضع الإقليمي، فقد تغيرت أوضاع الحكم في السودان ولم يعد على حالة الحصار السابقة؛ فإريتريا تغيرت مواقفها من السودان وانقلبت من عداءٍ للحكم في السودان إلى موقف الداعم، وإثيوبيا في حالة اشتباك في الصومال وفي الداخل ومع إريتريا، وكذا أوغندا باتت تشعر بتهديد بعد التفجيرات في داخلها، وتشاد صارت حليفاً للسودان بفعل تبادل طرد الحركات المتمردة من كِلا البلدين وكان كلاهما مصدر تعزيز لحركات التمرد ضد الآخر. والعلاقات المصرية مختلفة عن أوضاع ما بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا). وأما على الصعيد الداخلي في السودان فقد تغيرت الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الخمس وتحسنت أوضاع تسليح الجيش السوداني بعد دخول السودان مجال إنتاج الأسلحه. والأوضاع في دارفور تغيرت على الأرض فعلياً لمصلحة الحكم في السودان، بسبب قطع الدعم التشادي عن المتمردين وطردهم من الأراضي التشادية، ولإجراء انتخابات تشريعية عينت ممثلين لأهالي دارفور في مؤسسات الحكومة، وهو ما نزع الشرعية عن حركات التمرد، وبسبب توقيع بعض الاتفاقيات مع بعض الحركات أيضاً، وهو ما أدى إلى عزل الأخريات وأضعف نفوذها ودورها. والأهم من ذلك أن الوضع الشعبي صار رافضاً بشكل كبير لقضية التقسيم، وتفكيك السودان، ويشعر بالخطر الجدي على مستقبل السودان. لقد تغير كثير من المعطيات التي فرضت التوقيع على اتفاقية نيفاشا، وإن كان طرف الحركة الشعبية الانفصالية قد حصل بالمقابل على دعم تسليحي بفعل موارد النفط، كما حققت الانتخابات لها شرعية في الحكم وتمثيلَ مواطني الجنوب، إلا أن الأوضاع في الجنوب شهدت تنامياً في حالات الصراع القبلي والسياسي ضد هذه الحركة، وصلت حدَّ الأعمال العسكرية على نحو مؤثر. والقصد أن ثمة ضرورة لخطة تحرُّك عاجلٍ، ينتقل بالسودان من الموقف الدفاعي الذي ساد لمرحلة طويلة مضت إلى الموقف الهجومي؛ فلم يعد هناك وقت. شتان ما بين الاهتمام الأميركي غير المسبوق بالقاطرة السودانية المسرعة نحو الانفصال والتقسيم، وبين الغياب العربي شبه الكامل عن أزمة ستكون لها تداعياتها الكبيرة على هذا البلد العربي الأفريقي وعلى المنطقة. فلا يكاد يمر يوم في الآونة الأخيرة من دون زيارة مسؤول أميركي إلى الخرطوم أو جوبا، أو صدور تصريح من واشنطن عن تطورات الأزمة السودانية. في مقابل ذلك، لا ترى سوى تحركات عربية محدودة، ومتأخرة بالطبع، تتمثل في تصريحات متفرقة، أو زيارات متباعدة، أو في بيانات إنشائية على غرار بيان القمة العربية الأخيرة. حتى مصر المعنية أكثر من غيرها بقضية الوحدة والانفصال في جنوب السودان، على الأقل بسبب قضية مياه النيل المرشحة لكثير من التعقيدات، لم تنشط بشكل كاف إلا في الوقت الضائع، ولم تستثمر بشكل قوي حقيقة كونها استضافت أعدادا هائلة من اللاجئين من جنوب السودان. ولم تتحرك واشنطن نحو تأييد الانفصال إلا بعد أن قطع السودانيون أنفسهم شوطا بعيدا في هذا الاتجاه. فمنذ تسعينات القرن الماضي وقعت حكومة البشير اتفاقا مع قادة جنوبيين لتشجيع انشقاقهم عن قرنق، أعطت فيه أول موافقة على حق تقرير المصير للجنوب. بعدها تعاقبت الأحزاب المعارضة في توقيع اتفاقات مع «الحركة الشعبية» وافقت فيها أيضا على حق تقرير المصير الذي أصبح لاحقا نقطة الارتكاز لدعاة الانفصال، الذين رأوا أيضا في رفع الحكومة لشعار «الجهاد» في حربها بالجنوب عاملا آخر لتشجيع ميلهم للابتعاد عن الشمال. من هنا، لا بد من الإقرار بأن توجه الجنوب نحو الانفصال في استفتاء يناير (كانون الثاني) المقبل، هو ترجمة لعجز النخب السياسية السودانية عن تحقيق مفهوم المواطنة وبناء هوية الدولة الحديثة، وحل أزمة لازمت البلد منذ استقلاله. فغالبية الجنوبيين ما زالوا يشعرون أنهم عاشوا مواطنين من الدرجة الثانية، وأن الشمال تعامل معهم دائما بفوقية، إن لم يكن بطريقة عنصرية. وهذه مسألة لا بد فيها من مواجهة ومحاسبة الذات، بدلا من الهروب من الواقع بحثا عن شماعة أميركية أو بريطانية. لقد أضاعت الحكومة السودانية الحالية فرصة أخيرة لإنقاذ الوحدة، لأنها لم تستثمر السنوات الخمس الماضية منذ توقيع اتفاقية السلام لجعل الوحدة خيارا جاذبا، بل إنها من خلال المماحكات جعلت الأمور تأخذ المنحى الذي سيجعل نتيجة الاستفتاء المقبل هي الانفصال. صحيح أن هناك ضغوطا خارجية الآن على الحكومة لكي يجري استفتاء تقرير المصير في موعده المقرر في التاسع من يناير المقبل، لكن هذه الضغوط هي محاولة لمنع الأمور من الانزلاق نحو الحرب التي يلوح بها الجنوبيون إذا منعوا من الاستفتاء، وتلمح إليها الحكومة إن لم يتم حسم القضايا الخلافية خصوصا في ما يتعلق بمنطقة أبيي، وترسيم الحدود، والنفط، والمياه. المشكلة أن إجراء الاستفتاء من دون حل القضايا الخلافية سيكون أسوأ السيناريوهات، لأنه سيترك بؤرا قابلة للاشتعال في أية لحظة، بين طرفين تسلحا جيدا لمثل هذا الاحتمال، وقد تجر حرب جديدة بينهما أطرافا إقليمية أخرى. وربما يفسر هذا الأمر كلام المسؤولين الأميركيين أن أوباما يتلقى الآن تقريرا يوميا عن تطورات الوضع السوداني. إن الفرصة الوحيدة لإبعاد شبح الحرب ليست في إجراء استفتاء يبقي المشكلات معلقة، بل في تركيز الجهود الداخلية والخارجية على إيجاد حلول للمشكلات المتبقية قبل حلول لحظة الطلاق. فهل نرى تحركا عربيا، أم نترك الملف كله للتحركات الغربية والوساطات الأفريقية؟ العرب دائما يبكون على غياب دورهم في ملفات إقليمية حساسة وخطيرة على الأمن العربي، من العراق إلى الصومال مرورا بمحطات أخرى عديدة، فهل يتحركون بجدية قبل فوات الأوان في السودان، على أساس أن لهم مصلحة استراتيجية في منع حرب أهلية جديدة بين الشمال والجنوب، أم يبقون متفرجين في انتظار أن تنتقل النيران إلى مناطق أخرى؟ أولا : حق تقرير المصير قبل عهد الإنقاذ: بدأ السودان مسيرته بعد حصوله على الاستقلال فى الأول من يناير 1956، كدولة موحدة سمحت بتوزيع محدود للسلطة التى تم نقلها بموجب قانون الحكم المحلى الى وحدات إدارية ( مجالس محلية) لتمارسها فى ظل حكومة مركزية لها السيادة المطلقة على الأرض والمواطنين. وبالنظر إلى خصوصية وضع الجنوب، وما تعرض له من عزله إبان الحكم البريطانى، طالب الجنوبيون قبل إعلان الاستقلال بالحكم الفيدرالى، والذى وعدوا بأن يتم النظر فيه عند وضع الدستور الدائم للسودان، الا أن اللجنة القومية للدستور التى مارست عملها فى الفترة 1956- 1958، رفضت مطلب " الحكم الفيدرالى" ، وتعللت بتخوفها من أن يشكل ذلك المطلب خطوة نحو انفصال الجنوب عن الشمال. وفى مؤتمر المائدة المستديرة الذى عقد فى 16مايو1965، فى أعقاب ثورة أكتوبر 1964، لمناقشة قضية توزيع السلطة فى السودان، وشاركت فيه كل الأحزاب السودانية، لم يتمكن المجتمعون من الوصول الى صيغة محدده يتم بناء عليها صياغة العلاقة الدستورية بين المركز والولايات، لذلك تم تكوين اللجنة التى عرفت بلجنة الأثنى عشر، ومراعاة لأهمية وخصوصية قضية الجنوب، تم تشكيل تلك اللجنة من عدد متساو من الشماليين والجنوبيين (6 أعضاء لكل طرف) . استبعد تقرير اللجنة الذى أعلن فى مارس 1966، خيارى الانفصال والكونفدرالية، وأوصى بالأخذ بمبدأ الحكم الأقليمى،وفى الحقيقة فإن توصيات هذه اللجنة شكلت الأسس الرئيسية التى بنيت عليها اتفاقية أديس أبابا عام 1972، التى وضعت حدا للحرب الأهلية التى كانت قد اندلعت منذ عام 1955، ومنحت الاتفاقية الإقليم الجنوبى حكما ذاتيا واسع الصلاحيات، الأمر الذى خلق استقرار نسبيا فى الجنوب وساهم فى إعادة بناء جسور الثقة بين أبناء الوطن الواحد، الا أن الحرب الأهلية اندلعت من جديد فى مايو 1983، بعد قرار الرئيس نميرى بتقسيم الإقليم الجنوبى إلى ثلاثة أقاليم، ثم بدأت الحرب تكتسب أبعاداً إضافية تعمقت مع مرور الوقت بعد إعلان نميرى تطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان فى سبتمبر 1983، وهو ما عرف " بقوانين سبتمبر " وهكذا فإن التمرد أو بدء الحرب الأهلية مرة ثانية، كان سابقا على " قوانين سبتمبر" ، إلا أن هذه الأخيرة ألقت وقودا إضافياً على الحرب، حيث أصبحت هذه القوانين التى تطورت فى عهد نظام الإنقاذ الى ما عرف باسم " المشروع الحضارى" تلعب دورا محورياً وجوهرياً فى تشكيل تفاعلات مشكلة الجنوب ومساراتها، ومواقف القوى السياسية منها، كما أدت الى فشل كل المحاولات والاتفاقات المختلفة للوصول إلى حلول بشأنها فى عهد الديمقراطية الثانية 1985-1989، وكانت أيضا المحرك الأساسى لوقوع انقلاب 30 يونيو 1989 والذى وصل بمقتضاه نظام الإنقاذ الحالى الى الحكم، لاستباق الموافقة على اتفاقية الميرغنى – قرنق، التى وقعت فى نوفمبر 1988، والتى كان مفترضا أن يتم إقرارها فى 4 يوليو 1989، وكانت هذه الاتفاقية قد نصت فى أهم بنودها على تجميد قوانين سبتمبر، وعقد مؤتمر دستورى شامل فى 18 سبتمبر 1989، لوضع صيغة سياسية ودستورية جديدة لحكم السودان. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حق تقرير المصير لم يكن جزءا من اتفاق كوكا دام بين الحركة الشعبية والتجمع الحزبى النقابى كما أنه لم يطرح فى اتفاق الميرغنى / قرنق ، وكانت الفكرة الأساسية فى ذلك الوقت هى محاولة الاصطلاح والتوافق على نموذج جديد لحكم السودان من خلال مؤتمر قومى دستورى يتم عقده بعد استيفاء مجموعة من الشروط تتلخص فى تجميد قوانين سبتمبر، وإلغاء كل الاتفاقيات العسكرية بين السودان والأقطار الأخرى، بالإضافة الى رفع حالة الطوارئ والاتفاق على وقف إطلاق النار. |
|
![]() |
التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى علي ; 01-12-2011 الساعة 07:27 PM.
![]() |
![]() |
#3 |
مُشرف المكتبة الصوتية
![]() ![]() ![]() |
![]() ثانيا : الإنقاذ وحق تقرير المصير جاءت مسألة جنوب السودان على رأس برنامج سلطة " الإنقاذ" التى أعلنت فى بيانها الأول أن القوات المسلحة السودانية قد قامت بالثورة، لإنقاذ الوطن من التردى والانهيار الذى أدت إليه سياسات الحكومة المنتخبة، خاصة استمرار الحرب الى ورثتها عن النظام المايوى. والتقت الحكومة بالحركة الشعبية لتحرير السودان، لأول مرة فى أديس أبابا فى أغسطس 1989، وكان واضحا منذ البداية أن اللقاء لن يسفر عن نتائج تذكر، فقد كان معلوماً أن الانقلاب الذى وقع فى 30 يونيو 1989، كان إجهاضاً لاتفاق الميرغنى / قرنق، وأن وفد الإنقاذ جاء إلى أديس أبابا وهو يحمل مشروعاً جاهزاً لحل مشكلة الجنوب، هو عبارة عن المشروع الذى طرحته الجبهة الإسلامية القومية فى مؤتمرها الأول الذى عقدته خلال الفترة الديمقراطية عام 1987، ورغم فشل الاجتماع الأول، إلا أنه تم عقد اجتماع ثان بين الطرفين فى نيروبى فى ديسمبر 1989، بوساطة من الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، والذى كان قد بدأ آنذاك فى الاهتمام بالمسألة السودانية من خلال " مركز كارتر لحل النزاعات سلميا"، وقد لحق الفشل بهذا الاجتماع أيضا، الا أن الرئيس كارتر أعلن فى مؤتمر صحفى أن الاجتماع لم يحقق النجاح المطلوب، لأن الوفد الحكومى لم يكن مفوضا من قبل الخرطوم لاتخاذ موقف حول المبادرة التى طرحها كارتر على الجانبين، وأن وفد الحركة الشعبية جاء مزوداً بهذا التفويض، الأمر الذى أثار حفيظة الخرطوم التى اتهمت كارتر صراحة بالانحياز للحركة الشعبية مما أدى الى توقف المفاوضات بين الجانبين، وقد كانت حكومة الخرطوم تهدف فى الحقيقة الى تعديل الموقف العسكرى فى الجنوب، الذى كان يميل بقوة لصالح الحركة الشعبية فى نهاية فترة الديمقراطية الثانية، حيث كانت الحركة قد استولت على مساحات هائلة فى الجنوب، بل أصبحت قواتها على وشك أن تدق أبواب المدن الشمالية، وهو الوضع الذى أثار الكثير من القلق والاضطراب فى ذلك الوقت، ودفع الجيش الى تقديم مذكرته الشهيرة إلى حكومة الصادق المهدى فى فبراير 1989، والتى احتج فيها على الأوضاع المتردية للقوات المسلحة آنذاك، وعلى عدم توافر الدعم الكافى لها. ومن خلال الاستراتيجية الجديدة لنظام الإنقاذ والتى هدفت أساساً إلى تعديل الميزان العسكرى لصالحها، نجحت الحكومة السودانية فى تحقيق مكاسب ميدانية هامة من خلال تركيزها على تحسين أوضاع الجيش، وأيضا من خلال رفدها للقوات المسلحة بأعداد ضخمة من قوات الدفاع الشعبى، بعد أن أعلنت الجهاد وأطلقت على مقاتلى الجنوب أسم " الخوارج"، وخلقت أجواء تعبوية شاملة، تعلى من قيمة التضحية والفداء والقتال فى الجنوب، باعتباره جهاداً إسلامياً للدفاع عن الثغور ضد حركة التمرد التى تستند إلى القوى المعادية "للمشروع الحضارى" لنظام الإنقاذ، وقد بالغ نظام الإنقاذ فى سياسته التعبوية هذه على المستوى الاجتماعى حتى أدخل تقليداً جديداً على الحياة الاجتماعية بإقامة أعراس صاخبة لقتلى العمليات العسكرية فى الجنوب، فيما عرف باسم "عرس الشهيد"، تطلق فيه الزغاريد ويترنم الحاضرون خلاله بالأهازيج والأناشيد الدينية، ويرتدى ذوو الشهيد الملابس البيضاء باعتبار أن هذا عرساً له يزف من خلاله إلى "الحور العين" فى الجنة. وعلى الصعيد الإقليمي كانت الأحداث تسير فى غير صالح الحركة الشعبية بعد انهيار نظام منجتسو هايلى مريام فى أثيوبيا، و سقوطه فى مايو 1991، والذى كان الداعم الرئيسى لجون قرنق، الأمر الذى ساهم فى إضعاف الحركة بعد فقدانها لحليفها الرئيسى، والذى كان يسعى من وراء هذا الدعم الى استخدام قرنق كورقة ضغط ضد الخرطوم، حتى يجبر الأخيرة على إيقاف دعمها للحركات المناوئه لنظام منجستو داخل أثيوبيا، وأيضاً لحركات التحرير الإريترية وعلى رأسها الحركة الشعبية لتحرير إريتريا بقيادة اسياس أفورقى. |
![]() |
![]() |
![]() |
#4 |
مُشرف المكتبة الصوتية
![]() ![]() ![]() |
![]() ثالثا : إعلان توريت ووثيقة فرانكفورت: ونتيجة لزيادة حده الاستقطاب بعد نجاح نظام الإنقاذ فى تعبئة أعداد ضخمة من ميليشيات الدفاع الشعبى خلف خطابه الجهادى، وبعد الهزائم المتكررة التى تعرضت لها الحركة الشعبية وفقدانها للعديد من مواقعها فى الجنوب، وازدياد الضغوط العسكرية عليها، بدأت تظهر بوادر الانقسام فى الحركة، احتجاجا على خطابها السياسى، الذى كان يدعو الى تحرير كل السودان –شماله وجنوبه- من أجل إعادة صياغته فى إطار مختلف، أطلق عليه جون قرنق مسمى دولة " السودان الجديد " ويقوم هذا الخطاب على أسس ديمقراطية وعلمانية واشتراكية، تهدف الى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وإلى نزع هيمنة الأقلية الشمالية العربية على الحكم، وتتيح للتعدد العرقى والثقافى والدينى فى السودان التعبير عن نفسه فى إطار هوية سودانية " متمايزة" تختلف عن تلك التى يتبناها شمال السودان فى ارتباطاته العربية والإسلامية فى أغسطس 1991، وقع الانقسام فى صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور لام أكول، والدكتور رياك مشار، وكلاهما كان يعمل أستاذا جامعيا، وقد شكلا معا ما عرف وقتها " بمجموعة الناصر" استنادا الى المنطقة التى نشأت فيها حركتهما، وجوهر الخطاب السياسى لهذه المجموعة يتركز فى أنه ليس من المقبول الاستمرار فى القتال والتضحية بدماء الجنوبيين، نيابة عن الشمال، من أجل هدف لن يتحقق، وهو بناء " السودان الجديد"، طالما أن القوى الشمالية لا ترغب أو لا تستطيع حمل السلاح لإحداث التغيير المطلوب، وأنه من الأجدى التركيز على حق تقرير المصير، والعمل من أجل انفصال الجنوب واستقلاله، بسبب البون الشاسع بين المكونات الثقافية والاجتماعية والتنموية لكل من الجنوب والشمال، فضلا عن انعدام الثقة بينهما، إلى درجة اعتبار أن السعى إلى " الوحدة العادلة مع العرب"، ليس الا نوعا من السراب. وفى الحقيقة فإن انشقاق مجموعة الناصر وغيره من الانشقاقات الجنوبية الأخرى التى توالت بعد ذلك، لم تنبع فقط من وجود مثل هذا الخلاف الفكرى أو السياسى حول الرغبة فى حق تقرير المصير أو الانفصال، بل غذتها أيضاً عوامل أخرى ذات جذور عميقة فى التركيبة الجنوبية، فرياك مشار ينتمى الى قبائل "النوير" التى تعارض هيمنة قبائل "الدينكا" وهى أكبر قبائل الجنوب والتى ينتمى إليها جون قرنق، كما أن لام أكول ينتمى الى قبائل "الشلك" وهى ثالث أكبر القبائل فى الجنوب بعد كل من الدينكا والنوير، مع ما بين هذه القبائل وغيرها من حروب داخلية على الأرض والمرعى واختلافات ثقافية ولغوية ودينية، وهذه الاختلافات والصراعات لا يتم التعبير عنها مباشرة أو بشكل صريح، بل يعبر عنها فى بيانات كل انشقاق تحت لافتات مثل ديكتاتورية القيادة، والفساد المالى والإداري، وانتهاك حقوق الإنسان، والمؤامرات الداخلية واغتيال المنافسين. وتجدر الإشارة فى هذا السياق أيضاً إلى أن هناك العديد من وجهات النظر التى ترى أن الطرح الوحدوى للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق ليس أصيلاً، وأن استمساك قرنق بشعار الوحدة، إنما يعود منذ البداية لأسباب تكتيكية تتعلق بوعيه بأن الدعوة الصريحة إلى الانفصال، ستضّيق من مجالات المناورة والحصول على الدعم أمامه، وذلك فى الإطارين الأقليمى والدولى. فالدول الأفريقية لن ترحب يمثل هذه الدعوة طبقاً لمبدأ الحفاظ على الحدود السياسية الموروثة من الاستعمار الذى أقرته منظمة الوحدة الأفريقية، كما أن دول الجوار السودانى لن تكون سعيدة بالمطالبات الانفصالية التى قد تنتقل عدواها إليها بسبب التداخلات الاثنية والقبلية العابرة للحدود السياسية، وربما رأى جون قرنق أيضاً أن المطالبة بالانفصال ستؤدى بلا شك إلى استنفار القوى المؤيدة لمناؤيه، بالإضافة إلى أن نظام " منجستو " وهو الداعم الأساسى له آنذاك، لم يكن ليقبل منه المناداة بالانفصال أو بحق تقرير المصير، بسبب تعدد القوميات فى الدولة الاثيوبية والتى ستنتقل اليها عدوى هذا الطرح، ومن ثم فإن وجهات النظر هذه ترى أن الطرح الوحدوى لقرنق يرتكز على تفضيله الحصول على الدعم السياسى والمادى والعسكرى اللازم لاستمرار حركته، والعمل على تحقيق مكتسبات متزايدة على الأرض، الأمر الذى سيؤدى به فى نهاية المطاف الى تحقيق أهدافه فى السيطرة على كل السودان، إعادة صياغة هوية الدولة فيه، أو التراجع عن هذا الهدف الكبير إذا اقتضت الضرورة ذلك، والاقتصار على السيطرة على الجنوب فى كيان مستقل أو ذا صلاحيات واسعة النطاق مع المشاركة فى حكم الشمال، مع ما بين هذين الاحتمالين من سيناريوهات وتصورات متعددة . وما يهمنا هنا هو أن انشقاق مجموعة "الناصر"(1)، قد ترتب عليه تطوران مهمان، التطور الأول يتعلق بالحركة الشعبية نفسها ، حيث بادرت الحركة لمواجهة هذه الأحداث، إلى عقد مؤتمر عام لها فى سبتمبر 1991، فى مدينة "توريت" التى كانت تسيطر عليها آنذاك، وذلك لمراجعة برنامجها الداعى إلى السودان الجديد، وتبنى شعار"تقرير المصير"، وقامت الحركة الشعبية فى هذا المؤتمر بإجراء تغييرات جوهرية فى الأولويات الواردة فى "المانيفستو" الذى أصدرته عام 1983، حيث أكدت الحركة أن الاستقلال وحق تقرير المصير، نتيجتان محتملتان إذا تعذر الوصول لاتفاق حول سودان علمانى ديمقراطى موحد، وذكر المتحدثون باسم الحركة الشعبية، بأنها تبحث فى حق سكان الجنوب فى تقرير المصير إذا اختارت غالبية السودانيين قيام دولة دينية فى الشمال، وأصبح ذلك المؤتمر علامة بارزة فى تاريخ الحركة الشعبية بعد أن صدر عنه ما عرف "بإعلان توريت"، والذى ورد فيه حق تقرير المصير لأول مرة، كخيار ضمن خيارات الحركة التى ظلت قبل ذلك تعلن إنها تحارب من أجل الوحدة وترفض الانفصال. التطور الثانى تمثل فى سعى حكومة الخرطوم الى تعميق الانقسام والانشقاقات فى صفوف الحركة الشعبية، وبدأت الاتصالات مع لام أكول الذى كان قد أعلن انشقاقه تحت اسم "الحركة الشعبية المتحدة" وقد تمخضت هذه الاتصالات التى تمت برعاية الكنيسة الألمانية عن التوصل إلى " وثيقة فرانكفورت" فى يناير 1992، بين نظام الإنقاذ الذى كان يمثله فى هذه المفاوضات على الحاج، وبين لام أكول ، وهى الوثيقة التى اعترفت فيها – ولأول مرة – حكومة سودانية بحق تقرير المصير. وقد كانت " وثيقة فرانكفورت" وستظل علامة فارقة فى تاريخ مشكلة جنوب السودان، فرغم إنكار الخرطوم لهذه الوثيقة وقتها، إلا أن هذا الاتفاق ظل يلقى بظلاله على مسار النزاع حيث حدد له مساره الجديد وترك من وراءه كل الاطروحات السياسية والفكرية السابقة التى بدأت بمؤتمر جوباً عام 1947، مروراً باتفاقية أديس أبابا عام 1972، والتى كانت تتحدث على استحياء عن حكم ذاتى وعن ادارة الجنوبيين لشئونهم المحلية. وفى تلك الأثناء أخذت الدعوات الجنوبية الى حق تقرير المصير تتزايد، حيث اجتمعت مجموعة من المثقفين الجنوبيين على رأسهم بونا ملوال وفرانسيس دينق وجوردون مورتات، وبيتر نيوت كوك، فى مدينة "ادير" بايرلندا، وذلك لمناقشة الوضع فى السودان واصدر المجتمعون بيانا أطلق عليه " إعلان أدير" وحدودا فيه ثلاثة خيارات وهى الفيدرالية والكونفدرالية والانفصال، على أن يتم الحسم بين هذه الاختيارات عن طريق استفتاء الجنوبيين. وعاد شعار تقرير المصير للظهور بصورة أكثر وضوحاً لدى الحركة الشعبية، فى ندوة واشنطن التى عقدت فى أكتوبر 1993، وذلك فى محاولة لاحتواء الآثار الناجمة عن انشقاق رياك مشار ولام أكول ، ولتفادى انقسام القائد "كاربينو كوانين " نائب جون قرنق فى قيادة الحركة الشعبية حيث كانت ملامح هذا الانقسام قد أخذت فى التبلور آنذاك، وقد أكدت الحركة الشعبية فى هذه الندوة معارضة حكومة الجبهة الإسلامية فى الخرطوم، وأية حكومة قادمة، لا تحترم حق شعب الجنوب وجبال النوبة والمناطق المهمشه فى تقرير المصير. كما ظهر بعد ذلك المنبر الانفصالى الذى يقوده الوزير السابق بونا ملوال، الذى يتخذ من لندن مقراً له ، ويقوم بونا ملوال بنشر مقالاته التى تنادى بحق تقرير المصير باعتبار هذا الحق تعبيرا عن طموحات غالبية شعب جنوب السودان، وتنبع أهمية هذا المنبر فى أن بونا ملوال هو أحد أهم الشخصيات التى لعبت دوراً بارزاً فى اتفاقية أديس أبابا كما كان وزيراً للإعلام فى عهد الرئيس نميرى لعدة سنوات، مما يكسبه وضعا مميزا فى الأروقة الدولية . وهكذا بدأ حق تقرير المصير يأخذ طريقه كأحد الحلول الرئيسية المقترحة لحل مشكلة الجنوب، نتيجة للمناورات والانقسامات الحزبية فالفصائل المنشقة فى الجنوب وجدت فيه تعبيراً سياسيا مناسبا لتغطية انشقاقاتها التى تعود فى جزء مهم منها، الى الصراعات القبلية والصراعات على السلطة والنفوذ فى الحركة ، كما أن نظام الإنقاذ سعى إلى إضعاف الجنوبيين وتعميق الانشقاقات والحروب الضارية بين الفصائل الجنوبية لمساعدة قواته العسكرية فى الميدان وتسهيل القضاء على هذه الفصائل واحتوائها من خلال مبدأ "فرق تسد"، وذلك حتى يتسنى له الوقت اللازم لإحداث التغيير الاجتماعى والسياسى واسع النطاق الذى انهمك فيه فى الشمال للقضاء على القوى السياسية التقليدية بعد خلخلة قواعدها. |
![]() |
![]() |
![]() |
#5 |
مُشرف المكتبة الصوتية
![]() ![]() ![]() |
![]() رابعا: مبادرة الإيجاد : واستمراراً فى نفس هذه الاستراتيجية من جانب نظام الإنقاذ، وبالنظر إلى أن حكومة الخرطوم كانت ما تزال فى حاجة إلى مزيد من الوقت لإكمال استعداداتها العسكرية فى الجنوب، وإضعاف معارضتها فى الشمال، فقد طلب الفريق البشير من قمة "الإيجاد" المنعقدة فى أكتوبر 1993، أن تتدخل لحل المشكلة السودانية، الأمر الذى رحبت به المنظمة، خاصة بعد فشل محاولة منظمة الوحدة الأفريقية للوصول إلى حل، و التى جرت برعاية الرئيس بابا نجيدا فى أبوجا الأولى، وأبوجا الثانية وفى مايو 1992 وأبريل 1993 على الترتيب. رحبت "الإيجاد" بالمطلب السودانى وشكلت على أثره لجنة دائمة للسلام فى السودان فى سبتمبر 1993، تكونت من رؤساء أربعة من الدول الأعضاء، هى كينيا وأوغندا، و إريتريا، وأثيوبيا. وبادرت هذه اللجنة إلى دعوة الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان إلى أول لقاء بينهما تحت مظلة الإيجاد فى مارس 1994، ثم عقدت الجولة الثانية بعد ذلك بشهرين فى مايو 1994 فى نيروبى، وهى الجولة التى شهدت إعلان منظمة الإيجاد عن تصورها فى شأن حل النزاع السودانى، والذى عرف فيما بعد باسم "إعلان المبادئ". كان من أهم مبادئ هذا الإعلان النص على أن تقوم بالسودان دولة ديمقراطية علمانية، تكفل حرية الاعتقاد والعبادة لكل المواطنين السودانيين، وأنه يجب فصل الدين عن الدولة، وكذلك الاعتراف بالتعدد العرقى والاثنى والثقافى والدينى، وضرورة استيعاب كل أنواع التعدد هذه والاعتراف بها، كما أكد إعلان المبادئ على أن كل الأطراف يجب أن تعطى الأولوية للمحافظة على وحدة السودان، وأنه يجب التأكيد على حق تقرير المصير على أساس الفيدرالية أو الحكم الذاتى لكل أهل المناطق المختلفة، فإذا تعذر الاتفاق على هذه المبادئ يكون للطرف المعنى الخيار فى تقرير المصير بما فى ذلك الاستقلال عن طريق الاستفتاء. وهكذا انتقل مبدأ تقرير المصير من مجال الصراع السياسى بين الفصائل الجنوبية، ومن محاولات الغزل أو الاستقطاب بين الحكومة وبعض هذه الفصائل، لكى يصبح مبدأ رئيسياً فى مبادرة إقليمية، كانت حكومة الخرطوم هى التى سعت إليها بنفسها، وبالرغم من ذلك فقد بدا أن نظام الإنقاذ قد فوجئ بالبنود الواردة فى إعلان المبادئ، ونتيجة لذلك أعلنت الحكومة السودانية رفضها القاطع على لسان غازى صلاح الدين، رئيس وفدها إلى المفاوضات، وأكدت على رفضها فصل الدين عن الدولة، وأن المشروع الحضارى لنظام الإنقاذ يتعدى حدود السودان، وأنه قادر على مواجهة الاستكبار والصهيونية والصليبية الدولية. كانت الخرطوم قد أكملت استعداداتها للحرب، ومن ثم لم تعبأ بفشل العملية التفاوضية، وعادت إلى الخيار العسكرى الذى حشدت له بقوه واستطاعت من خلاله أن تحقق العديد من المكاسب الميدانية عام 1995، حدت بها إلى الإعلان أن هذه المعارك هى آخر معارك الجنوب، وأطلقت على صيف ذلك العام اسم "صيف العبور"، وأن الحركة الشعبية لن يكون لها أى وجود مؤثر بعد ذلك، ومن هذا المنطلق بدأت بالتركيز على مشروعها المسمى "السلام من الداخل"، وسارت فيه شوطاً طويلاً، أدى فى النهاية إلى توقيع اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1997، وإلى تضمين مبدأ تقرير المصير فى دستور 1998. |
![]() |
![]() |
![]() |
#6 |
مُشرف المكتبة الصوتية
![]() ![]() ![]() |
![]() امسا: القضايا المصيرية ومقررات أسمرا 1995: على الجانب الآخر للمعادلة، حيث تقف المعارضة الشمالية فى مواجهة نظام الإنقاذ، وجدت القوى الشمالية نفسها فى موقف صعب حيث أنها غير قادرة على التعاطى مع النظام الذى أعلن فى أكثر من مناسبة أنه لن يتفاوض إلا مع من يحمل السلاح، وأن حكومة الإنقاذ جاءت بالقوة، وأن من يريد منازعتها أو مشاركتها السلطة ليس أمامه سوى هذا السبيل، لذا قامت فصائل المعارضة بتكوين "التجمع الوطنى الديمقراطى" من أجل تكتيل جهودها، والتنسيق فيما بينها. وقد سعت القوى السياسية المكونة للتجمع المعارض إلى جذب الحركة الشعبية إلى عضويته، إذ أن هذا الانضمام كان يمثل ولاشك إضافة هائلة إلى التجمع باعتبار أن الحركة الشعبية هى القوة الوحيدة القادرة على مواجهة نظام الإنقاذ وإزعاجه عسكرياً، فالأحزاب والقوى السياسية الشمالية مثل الحزب الاتحادى وحزب الأمة والحزب الشيوعى وغيرها، لا تمتلك قدرة عسكرية تذكر، بل أن بعضها مثل الحزب الاتحادى لا تاريخ له على الإطلاق فى هذا المجال. وفى مواجهة سياسات الإقصاء التى اتبعتها حكومة الخرطوم، أعلن التجمع الديمقراطى المعارض فى يونيو 1995 ما عرف فيما بعد باسم "مقررات القضايا المصيرية" فى أسمرا، والتى جرى الاتفاق من خلالها على المبادئ المتعلقة بإنهاء الحرب الأهلية، وقد أقرت هذه المبادئ حق تقرير المصير كمدخل أساسى لإنهاء الحرب كما يلى (2):- 1. خيار التجمع الوطنى المفضل هو وحدة الوطن المؤسسة على التنوع والاعتراف بأن السودان بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات واللغات، وأن تلك الوحدة ستقوم على حق المواطنة وعلى المساواة فى الحقوق والواجبات وفق المعايير المضمنة فى المواثيق العالمية حول حقوق الإنسان. 2. الاعتراف بأن حق تقرير المصير يوفر حلاً لقضية إنهاء الحرب الأهلية لتسهيل استعادة الديمقراطية فى السودان وتعزيزها وإتاحة فرص تاريخية فريدة لبناء سودان جديد قائم على العدالة والديمقراطية. 3. أن المناطق المتأثرة بالحرب هى جنوب السودان ومنطقة إبيى وجبال النوبة والانقسنا. 4. أن أهل جنوب السودان بحدوده القائمة فى أول يناير 1956 سيمارسون حقهم فى تقرير المصير قبل انتهاء الفترة الانتقالية. 5. يستفتى أهل إبيى خلال الفترة الانتقالية حول بقائهم ضمن إقليم كردفان أو الانضمام إلى إقليم بحر الغزال. 6. تسعى الحكومة الانتقالية للتوصل إلى حل سياسى ورفع المظالم التى عانى منها أهل منطقة جبال النوبة والانقسنا. 7. الخيارات التى تطرح فى الاستفتاء بالجنوب هى: 8. أ- الوحدة ب – الاستقلال وهكذا وافقت القوى السياسية الشمالية، على حق تقرير المصير واعتبرته بنداً أساسياً فى مواثيقها، ورأى بعض المراقبين أن تقرير المصير قد فرض فرضاً على أحزاب الشمال عبر "البندقية الجنوبية"، لأن تحالف القوى الشمالية غير المسلحة تاريخياً، وضع هذه القوى فى موقف الشريك الأضعف رغم ثقلها الجماهيرى فى الشمال، وأن البندقية الأكثر فعالية فى الصراع مع نظام الإنقاذ كانت هى البندقية الجنوبية، وبذلك أدى فقدان الأمل فى الوصول إلى حل وطنى للأزمة السودانية إلى القبول بهذا الحل، الذى يعرف الجميع أنه قد يؤدى إلى الانفصال، إلا أن الإفرازات المزمنة الناتجة عن طول أمد الصراع و التحولات المتسارعة فى الواقع السياسى، جعلت القوى السياسية الشمالية تلهث وراء مناورات نظام الإنقاذ وتقلباته السياسية، وتسعى ما وسعها الجهد إلى مواجهته ومحاولة إسقاطه بأى وسيلة. |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
كاتب الموضوع | عمار محمد | مشاركات | 33 | المشاهدات | 13958 |
![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|