وبه الإعانة بدءاً وختماً ، وصلى الله على سيدنا محمد ذاتاً ووصفاً واسما
الحمد لله الملك الكبير ، الذي ليس له نظير ، الجاعل من عباده الهدى إلى حضرة وداده ، المرشد من أراد منهم الوصول ، إلى حضرته وحضرات الرسول ، وجعل لهم آداباً يسلكون بها ، ومشايخ يقتدون بنسلها ، والأصل إتباع سيد السادات الجامع للكمالات ، صلى الله وسلم عليه ، ما لاحت بوارق الشهود لديه ، الناطق بجوامع الكلم ، والحائز للفيض المعمم ، والرمز الذي لا ينحل ، والطلسم الذي لا يعلمه سوى الأجل ، صلى الله وسلم عليه وآله وصحبه ومن آل إليه .
وبعد : فقد سألني بعض السالكين ، أن أبين له بعض آداب المتوجهين ، فأجبته إلى ذلك ، راجياً لثواب ما هنالك ، قائلاً ما قاله الكليم الفخير : ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ ووقع الإلهام قبل التمام :
(بالفتح المبروك في آداب السلوك)
فأقول وأنا الحقير السني ، محمد عثمان بن محمد أبو بكر السيد عبد الله ميرغني : إن مبنى طريق أهل الله ، على كتاب الله وسنة رسول الله ، وإن الحقيقة والشريعة متلازمان ، وليس بينهما فوات عند أهل العرفان ، كما قال بعضهم مشيراً لشأنهم :
وما في طريق القوم بدءاً ولا انتها
وخلّ مقالات الذين تخبطوا
مخالفة الشرع فاسمع وأنصتي
ولا تخلي عن حكم كتابي وسني
واعلم أن أول ما يجب على المريد ، معرفة المبدئي المعيد ، وأن يصحح عقيدته لكي يرث حال أهل طريقته ، ثم ما يقيم به الفروض ، يوم لا ينفع الجواهر ولا العروض ، ثم يعرف آدابنا ، وما ينبغي له معناه ، فأولاً لا بد من معرفته بشيخ به يعرف الطريق ، كامل التحقيق ، مأذون له بالتربية من الحضرة الإلهية له معرفة بالشريعة ، متوغل في علوم الحقيقة ، وأعني بمعرفة الشريعة ، ما يقوم به فروضه ، له معرفة بالمنازل ، وتحقق المناهل ، وله به المقابلة والأحوال مفهومة : ويعرف القواطع في الطريق ، وأحوال التعويق ، وهذا أقل من القليل ، إلا إن ساعف به الجليل ، بل إذا وجد الإخلاص قد شذ فقال :
وذا بنياس الزمان الأنور
فكيف في هذا الزمان الأغبر
أعز من كبريت سر أحمر
يناله كل مجتر ومفتر
ويقول الجيلي كان لي وله العلي:
فإن ساعف المقدور وأنجزك القضا
فقم لرضاه واتبع لمراده
وكن عنده كالميت عند مغسل
ولا تعترض في ما جهلت من أمره
وسلم له في ما تراه ولو يكن
إلى حي شيخ في الحقيقة بارع
ودع كل ما من قبل كنت تصانع
يقلبه ما شاء وهو طائع
عليه فإن الاعتراض تنازع
على غير مشروع فثم iiقواطع
فعبر بحرف (إن) الذي يقتضي الوجود وعدمه ، فأمعن ، فإذا وجدته فتب توبةً نصوحاً ، واصدق تنل فلاحاً ، وصل ركعتين وأنو فيهما التوبة عما لا يقتضيه نظره المتين ، وخذ عنه شيئاً من الذكر . واشغل به الفكر ، وإذا جلست بين يديه ، فأجلس جلوس الصلاة لديه ، وإذا تعبت فاجلس قريباً منه غاية النظر بالأدب فيها ، ولا تلتفت لغيره ، وما أمرك له فأفعله تنل خيره ، وكن بين يديه ومعه كالميت بين يدي مغسله ، يقلبه كيف يشاء ، ولا يخالفه فيما يشاء ، قائماً معه بالخدمة ، وغاية الحشمة ، مٌفد له بروحك ومالك ، وجسمك وجميع أحوالك ، تسعى فيما يرضيه ، ولا تلتفت لمؤذيه ، معامله بالصدق ، وهذا الذي عليه الحال ينطبق . إذ قال بعض الرجال : الصدق سيف قاطع ، وما له من دافع ، لا تتكلم معه إلا بحسب الحاجة ، إلا إن أفيضت عليك بعض المادة ، وأما أحواله مع ربه ، فأوله إذا جاء للطهارة ، يفعل ما يقوله صاحب الشفاعة ، فإذا جاء إلى الصلاة استحضر عظمة الله ، إذا قال الله أكبر ، شاهد عظمة البر ، وإذا رفع يديه عند استفتاح الصلاة التي عليه يشير لرفض الأكوان ، وتخلصه من رق الألوان ، فإذا قرأ الاستفتاح ، شاهد الإخلاص للفتاح ، فإذا بسمل شاهد الفعل ، بمن له القدرة والحول ، ثم يشاهد كذلك ذكره لله وذكر مولاه له : فإذا قرأ الفاتحة يشاهد : حمدني عبدي ، مجدني عبدي ، وهؤلاء بيني وبين عبدي ، هذا في أول الأقدام ، ثم بما يفتح به المتعال ، إلى أن خلص الصلاة وهو مستغرق في عظمة الله ، وإلا لم يفز بصلاته ، واستحق أن ترمى في وجهه ، ولو خوطب بعض السالكين وهو في الصلاة خطر له الخاطر حشيش ، فقيل له كما ذكره يا عبد الحشيش ، وكذلك من قلب عليه التحشيش ، وكل من غلب عليه شيء فهو عبده ، إن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله العبد من نفسه ، ويحذر أن تلقى وترمى في وجهه ، فإذا فرغ من الصلاة استغفر مولاه مما جناه في الصلاة من الخواطر والنظر القاصر ، يسبح بالتسبيح ، ويقرأ ما له من راتب سميح ، ويشغل أغلب أوقاته بالذكر والحمد لله والشكر لله كما قال الله تعالى: ((أذكروا الله يذكركم واشكروه يكرمكم ))
وليكن أغلب أوقاته ملازماً للوضوء ، فإن سلاح المؤمن الوضوء ، وليقل عنده : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليشغل عينه بالنظر فيما أمر به ، مثل التفكر في موضع سجوده ، وكذلك سمعه لتلاوة كتاب الله ، وأمثاله من المواعظ ، وحديث رسول مولاه ، ورجله يمشي بها إلى المساجد ، ويقف بها بين يدي الواحد ، مستمطر الفيوض والمعارف ، ويقول : يا إلهي ها أنا العبد الضعيف واقف بين يديك ، ومثل زيارة المريض ، والمشي وراء الجنائز له شأن عريض ، ويديه يقضي بها حوائج المسلمين ، ولا يصرفهما إلا فيما أمره المبين ، وفكره في ما أوجد الحق ، ويأخذ من كل شيء خُلُقا ، فمن الكلام التوكل ومن البحار وُسع الخلُق بالتأمل ، ولسانه يذكر ربه به ، وتلاوة كلامه وكلام نبيه مع التدبر ، لتظهر له الأبحر ، والوقوف على رأس كل آية ، والخشوع عند التلاوة ، وإذا مر بآية عذابً يستعيذ ، أو بآية رحمة يسأل المجيد ، يعتزل عن الخلق يقصد كفاية شره لهم ، ويحسن الظن بهم ، يشكر الله لإسداء نعمه ، ويتخلص من ريائه عجبه ، فإذا فتح له الباب فليحذر من الدعوى ، وليخف من الجلوى لأن فيها البلوى ، فإذا لاحت له بوارق الأكوان ، فليحذر من الوقوف مع سوى الديان ، وليقل : لا أريد سواه ، وليكن متأدباً مع شيخه ناظراً إمداده منه مُشاهداً حاله عنه ، لا يشكر الله من لا يشكر الناس ، وإياك والوقوف مدى الأنفاس ، واسمع ما يقول بعض أهل الله كان لي وله مولاه قال : كل حسنً تجلى بى تملى ، فقلت قصدي وراك ، ويعبر على شيخه حاله وما فتح له وعند ذلك يحذر من عبادة الأحوال ، حتى يجوز مناهل الرجال ، وعليه بالقمة الحلال ، فإنها رأس المال ، ويستمد ممن رآه من الصالحين ، ويواظب على قيام الليل فإن فيه كثيراً من التمكين ، والمشي إلى المساجد في الظلمة ، فإنه يورث النور التام يوم القيامة ، وبالتسليم لأهل الله ، فإن لهم في كل أمر دليل يعرفه أهله كما قال بعضهم
وسلم لأهل الله في كل مشكل
لديك لديهم واضح بالأدلة
وزيارة المقابر ، فإنها تفكر اليوم الآخر ، وليحذر فيها من الضحك فإنه يورث الظلمة في القبر وفيه الضنك ، ومن الجلوس على القبر فلأن يجلس على جمرة فتحرقه جسمه وتحرقه خير له من الجلوس على المقابر ، وليجاهد نفسه ، فمنها يظهر الأنس ، فإنها رأس الدعوى ، وفيها الجلوى والبلوى ، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر : قال سيد البشر : والمقصود به جهاد النفس لتخرج إلى فضاء القدس ، والخواطر ثلاثة أنواع ، وأقرب ضابط به وأنفع ، ما وافق الشريعة فخذه ، وما خالفها فدعه ، فالشيطان يدعوا إلى لرجس والملكي يدعوا إلى القدس ، والرحمانى إلى أن يكون بالكبير الأنس ، والنفس ما دامت أمارة ، فاتبعها بالمجاهدة حتى ترجع لوامة كما قلت :
فإن جاهدة نفسك صرت فرداً
وزد خلي تزد ذاك iiإطماناً
وترقى من أمارتها إلى اللوم
فراضية فمرضية iiلقوم
فإذا خرجت من اللوم ، جاء الاطمئنان بالذكر دوام ، فإذا صارت راضية ، جاءت الفيوض طامية ، فإذا صارت مرضية ، فقد جاءت المحبوبية ، وذهبت الأنانية ، وصحت العبودية ، وهي المقصود عند خيار البرية ، وليكن نظرك إلى الأرض بين يديك ، متفكراً فيما منك وعليك ، عن الشَبهِ والشبهة ، وأزهد في الدنيا الدنية ، وخذ الله وكيلا ، وطريق الكسب فيه الخير الجليل ، فإن كنت من أهل الكسب ، فاتق الله يأتيك الوهب ، وانصح في معاملتك مع الخلق ، وسر معهم على قدم الصدق ]كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [ وعلى ما أظهرت من الغش حزينة ،
وأما التجريد فيحتاج إلى صنديد لا يشوف للخلق ، ولا ينظر إلا إلى الحق ولا تتشوف نفسه إلى شيء ما أتاه هكذا قبله ، وما أتام من الشوف تركه وواظب على الصلاة مع الجماعة ، فإنها رأس البضاعة ، وإذا أرت الحج فمن مالً حلال حج ، وإلا فهو مردود عليك ، يقال لك : لا لبيك ولا سعديك فعند تجردك للإحرام ، تجرد عن الانتقال بسوى الملك العلام ، فإذا لبيت فكن ناظراً مجاوبة الحق وكن إلى الخير ممن سبق ، فإذا شاهدت البيت ينزل بك حال فإن لم تراه فما بلغت مناهل الرجال ، أقدم مقبلا يمين الرحمن ، وبايعه أن لا تعود إلى شيء من العصيان ، وطف سبعاً مهرولاً في الثلاث الأول ، إشارة لمسارعتك لحضرة الأجل الأكمل ، وفي الأربع أمشي رويداً مجاهداً مشاهداً لوصول مرادك والمقاصد ، وصلى ركعتين عند المقام ، ومسابقة للخلة والإنعام ، فإن شأنها عظيم ، ومقامها سليم وتخيلها فخيم ، كما قيل
قد تخللت مسك الروح مني
ولذا سمي الخليل خليلاً
ثم أشرب ماء زمزم ، وأغسل باطنك الحاضر المذم ، ثم أسعى بين المروة
والصفا فإذا نلت سر ذلك ظهر لك حال الاصطفاء ، وهرول بين الجبلين الأخضرين ، إشارة إلى أنك تخلصت من الرين ، ومن المروءة تمسك بالمروة ولقد ذهب كمل أهلها دواماً لقوة كما قال :
مررت على المروءة وهي تبكي
فقالت كيف لا أبكي وأهلي
فقلت لها وما تبكي الفتاةُ
جميعاً دون أهل الناس ماتوا
ثم تسرولت في منى ، ظاهراً عليك أثر السنا ثم توجه صباحاً إلى عرفة ، وقف لتنال كمال المعرفة ، ثم ارجع إلى مزدلفة ، بأدب صحيح لإرشاد خلقه ، ثم بت وسر عنها صباحاً فهناك شعائر وإفلاحا ، وخف السير في مجسرِ ، إشارة لذهاب عن الاقتداء بكل ناجزة ، ثم أنزل بمنى لتحظى بكمال المنى ، وارم جمرات نفسك ، وأخلع عنك رجسك ، وأذبح مراد نفسك ، بسكين مخالفته وأحذر الإغواء وكن لها منتبها ، فإذا تممت بهذه الصورة المذكورة فقد حججت حج أهل المعرفة المذكور ، وإن لم تكن على هذه الكيفية فحجك حاله الضعف ، وإن قدرت فحج بعده ، فكل حج نشأةٌ أخرى يجدها اللطيف ثم توجه إلى المدينة لتخمر لك العجينة وهذا بعض آداب الحج ، لمن استطاع أن يحج ،
وأما آدابك مع رسوله r فإنك تعظمه ، وتصلي عليه كلما أحد ذكره وتحبه هو وأهل بيته غاية المحبة وكذلك أصحابه ، وتتبع سنته ، وتسأل له عند قيام الصلاة والآذان ، الشفاعة ، والوسيلة وتحسن على من أحبه ، وتفنى فيه وفي محبته ، والآداب التي لشأنه كثيرة ، وأن لا تخليه من خاطرك هو وشيخك في أوقات كثيرة ، وصل عليه في كثير الأحيان ، وأبدأ بها دعائك وأختمه بها فإنه يقبل كما جاء عن أهل العرفان ، ولتغسل قبل الأكل وبعده يديك ، وتأتي بالمضمضة ، وتبسمل قبله ، وتحمد بعده ، ولا تأتي الصلاة وأنت تجري فيذهب الحضور المتين ، وإذا دخلت إلى المسجد فصلي ركعتين ، وواظب على الصف الأول وتعمم ، ولا تصل وحدك خلف الصف فتندم ، وطالع في كتب القوم كثيراً ، تحز مقاماً كبيراً ، فإذا أفيض عليك شيء فأكتم ، فمن أفشى لا شك يندم ، ولقد أفشيت بعض شيئاً في الابتداء ، فأوذيت بعض الإيذاء ، وأما إن تكلمت بعد التوسيط ، لذهب بعض مالك فتبسط ، ولا تزال تطلب الكمال فلا ، انتهاء عند الرجال .
هذا بعض ما حضر من آداب السلوك ، بحسن ما أفاضه مالك الملوك ، لأني ما جمعت شيئاً بالمطالعة ، بل بحسن ما أفاضه الله ، ومن أراد التوسيع ، فعليه بكتب أهل الترفع ، وأما هذه ففيها ما يكفي للمبتدى ويستضئ به المتوسط المقتدى ، وأريد أن أتى بخاتمة في بعض ما يحتاج إليه السالك من الأدعية في بعض اللمحات والله بيده الهدايات .
خاتمة
تحتاج إلى إجابة المؤذن ، وبعده الدعاء للسيد المحسن ، وعند الخروج من الخلاء تقول : الحمد لله الذي أذهب عني الخبث والخبائث ، وعن الوضوء تقول : بسم الله والصلاة على رسول الله ، وعند الخلاص منه تقول : اللهم اجعلني من التوابين وأحعلني من المتطهرين ، وتقرأ سورة القدر ، فإن فيها غاية الخير ، وتشرب بعده وتصلي ركعتين وتدعو بما تيسر فإن فيه أُنساً بالمتين وعند الدخول إلى المسجد تقول : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم ، بسم الله والصلاة على رسول الله ، اللهم أفتح لي أبواب رحمتك . وعند الخروج كذلك ، لكن تقول بدل أبواب رحمتك أبواب فضلك ، وعند الدخول تقدم اليمنى ، وعند الخروج تقدم اليسرى ، واترك الغيبة والنميمة ، والبهتان والأفعال الذميمة ، وعند هذا الموضع سيقف البنان . وتستغفر الله مما يكون وما قد كان .
ولنختم كل مجلس بما نختم به هذه الرسالة وهو الحديث الوارد عن صاحب الشفاعة ، سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، عملت سواً وظلمت نفسي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه بقدر عظمة ذاتك يا أحد آمين . تمت هذه الرسالة على يد كاتبها ومالكها ، الراجي الدخول من فيض مولاه اللطيف ، إلى حضرته وحضرات رسوله المنيف ، وبجاه نبيه المصطفي ، وبجاه كل سيد عفيف ، الحقير الراجي عفو ربه الملك القدير ، وشفاعة نبيه البشير النذير ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وأحبابه وذريته وأهل بيته وسلم .