الموضوع: قرأت لك
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-18-2013, 02:15 PM   #85
العوضابي

الصورة الرمزية العوضابي



العوضابي is on a distinguished road

افتراضي Re: قرأت لك


(58)
وهذاالدرس هو الشطر الأول من هذه الجولة الواسعة مع بني إسرائيل ; بل هذهالحملةالشاملة لكشف موقفهم وفضح كيدهم ; بعد استنفاد كل وسائل الدعوة معهملترغيبهمفي الإسلام , والانضمام إلى موكب الإيمان بالدين الجديد . نجد فى هذا الدرسنداء علوي جليل إلى بني إسرائيل , يذكرهم بنعمته - تعالى -عليهمويدعوهم إلى الوفاء بعهدهم معه ليوفي بعهده معهم , وإلى تقواه وخشيته ; يمهدبهالدعوتهم إلى الإيمان بما أنزله مصدقا لما معهم . ويندد بموقفهم منه , وكفرهم بهأولمن يكفر ! كما يندد بتلبيسهم الحق بالباطل وكتمان الحق ليموهوا على الناس -وعلىالمسلمين خاصة - ويشيعوا الفتنة والبلبلة في الصف الإسلامي , والشك والارتيابفينفوس الداخلين في الإسلام الجديد . ويأمرهم أن يدخلوا في الصف . فيقيموا الصلاةويؤتواالزكاة ويركعوا مع الراكعين , مستعينين على قهر نفوسهم وتطويعها للاندماج فيالدينالجديد بالصبر والصلاة . وينكر عليهم أن يكونوا يدعون المشركين إلى الإيمان ,وهمفي الوقت ذاته يأبون أن يدخلوا في دين الله مسلمين !
ثميبدأ في تذكيرهم بنعم الله التي أسبغها عليهم في تاريخهم الطويل . مخاطباالحاضرينمنهم كما لو كانوا هم الذين تلقوا هذه النعم على عهد موسى - عليه السلام -وذلكباعتبار أنهم أمة واحدة متضامنة الأجيال , متحدة الجبلة . كما هم في حقيقةالأمروفق ما بدا من صفاتهم ومواقفهم في جميع العصور !
ويعاودتخويفهم باليوم الذي يخاف , حيث لا تجزيء نفس عن نفس شيئا , ولا يقبلمنهاشفاعة , ولا يؤخذ منها فدية , ولا يجدون من ينصرهم ويعصمهم من العذاب .
ويستحضرأمام خيالهم مشهد نجاتهم من فرعون وملئه كأنه حاضر . ومشهد النعم الأخرىالتيظلت تتوالى عليهم من تظليل الغمام إلى المن والسلوى إلى تفجير الصخر بالماء . . ثم يذكرهم بما كان منهم بعد ذلك من انحرافات متوالية , ما يكاد يردهم عن واحدةمنهاحتى يعودوا إلى أخرى , وما يكاد يعفو عنهم من معصية حتى يقعوا في خطيئة , ومايكادونينجون من عثرة حتى يقعوا في حفرة . . ونفوسهم هي هي في التوائها وعنادهاوإصرارهاعلى الالتواء والعناد , كما أنها هي هي في ضعفها عن حمل التكاليف ,ونكولهاعن الأمانة , ونكثها للعهد , ونقضها للمواثيق مع ربها ومع نبيها . . حتىلتبلغأن تقتل أنبياءها بغير الحق , وتكفر بآيات ربها , وتعبد العجل وتجدف في حقاللهفترفض الإيمان لنبيها حتى ترى الله جهرة ; وتخالف عما أوصاها به الله وهي تدخلالقريةفتفعل وتقول غير ما أمرت به ; وتعتدي في السبت , وتنسى ميثاق الطور , وتماحلوتجادلفي ذبح البقرة التي أمر الله بذبحها لحكمة خاصة . . .
وهذاكله مع الإدعاء العريض بأنها هي وحدهاالمهتدية; وأن الله لا يرضى إلا عنها , وأن جميع الأديان باطلة وجميع الأمم ضالةعداها ! مما يبطله القرآن في هذه الجولة , ويقرر أن كل من آمن بالله واليوم الآخروعملصالحا من جميع الملل , فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . .
حكمةالحديث المطول عن اليهود :
هذهالحملة - سواء ما ورد منها في هذا الدرس وما يلي منها في سياق السورة - كانتضروريةأولا وقبل كل شيء لتحطيم دعاوى يهود , وكشف كيدها , وبيان حقيقتها وحقيقةدوافعهافي الدس للإسلام والمسلمين . كما كانت ضرورية لتفتيح عيون المسلمين وقلوبهملهذهالدسائس والمكايد التي توجه إلى مجتمعهم الجديد , وإلى الأصول التي يقوم عليها ; كما توجه إلى وحدة الصف المسلم لخلخلته وإشاعة الفتنة فيه .
ومنجانب آخر كانت ضرورية لتحذير المسلمين من مزالق الطريق التي عثرت فيها أقدامالأمةالمستخلفة قبلهم , فحرمت مقام الخلافة , وسلبت شرف القيام على أمانة الله فيالأرض , ومنهجه لقيادة البشر . وقد تخللت هذه الحملة توجيهات ظاهرة وخفية للمسلمينلتحذيرهممن تلك المزالق كما سيجيء في الشطر الثاني منها .
وماكان أحوج الجماعة المسلمة في المدينة إلى هذه وتلك . وما أحوج الأمة المسلمةفيكل وقت إلى تملي هذه التوجيهات , وإلى دراسة هذا القرآن بالعين المفتوحة والحسالبصير , لتتلقى منه تعليمات القيادة الإلهية العلوية في معاركها التي تخوضها معأعدائهاالتقليديين ; ولتعرف منها كيف ترد على الكيد العميق الخبيث الذي يوجهونهإليهادائبين , بأخفى الوسائل , وأمكر الطرق . وما يملك قلب لم يهتد بنور الإيمان ,ولميتلق التوجيه من تلك القيادة المطلعة على السر والعلن والباطن والظاهر , أنيدركالمسالك والدروب الخفية الخبيثة التي يتدسس فيها ذلك الكيد الخبيث المريب . . .

توجيهات قرآنية لليهود:
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم , وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيايفارهبون . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم , ولا تكونوا أول كافر به , ولا تشتروابآياتيثمنا قليلا , وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتمتعلمون . وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . أتأمرون الناس بالبروتنسونأنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ? أفلا تعقلون ? واستعينوا بالصبر والصلاة ,وإنهالكبيرة إلا على الخاشعين . الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم , وأنهم إليهراجعون ).
إنالمستعرض لتاريخ بني إسرائيل ليأخذه العجب من فيض الآلاء التي أفاضها اللهعليهم , ومن الجحود المنكر المتكرر الذي قابلوا به هذا الفيض المدرار . . وهنايذكرهمالله بنعمته التي انعمها عليهم إجمالا , قبل البدء في تفصيل بعضها في الفقرالتالية . يذكرهم بها ليدعوهم بعدها إلى الوفاء بعهدهم معه - سبحانه - كي يتم عليهمالنعمةويمد لهم في الآلاء:
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم , وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم). .
فأيعهد هذا الذي يشار إليه في هذا المقام ? أهو العهد الأول , عهد الله لآدم: (فإما يأتينكم مني هدى , فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفرواوكذبوابآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). . ? أم هو العهد الكوني السابقعلىعهد الله هذا مع آدم . العهد المعقود بين فطرة الإنسان وبارئه:أن يعرفه ويعبدهوحدهلا شريك له . وهو العهد الذي لا يحتاج إلى بيان , ولا يحتاج إلى برهان , لأنفطرةالإنسان بذاتها تتجه إليه بأشواقها اللدنية , ولا يصدها عنه إلا الغوايةوالانحراف ? أم هو العهدالخاصالذي قطعه الله لإبراهيم جد إسرائيل .والذيسيجيء في سياق السورةنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن , قال:إني جاعلكللناسإماما , قال:ومن ذريتي ? قال:لا ينال عهدي الظالمين). . ? أم هو العهد الخاصالذيقطعه الله على بني إسرائيل وقد رفع فوقهم الطور , وأمرهم أن يأخذوا ما فيهبقوةوالذي سيأتي ذكره في هذه الجولة ?
إنهذه العهود جميعا إن هي إلا عهد واحد في صميمها . إنه العهد بين الباريءوعبادهأن يصغوا قلوبهم إليه , وأن يسلموا أنفسهم كلها له . وهذا هو الدين الواحد .وهذاهو الإسلام الذي جاء به الرسل جميعا ; وسار موكب الإيمان يحمله شعارا له علىمدارالقرون .
ووفاءبهذا العهد يدعو الله بني إسرائيل أن يخافوه وحده وأن يفردوه بالخشية:
(وإياي فارهبون). .

............... ونواصل :

(59)


العوضابي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس