فصل [كل كرامة لولي معجزة لنبي]
قال القشيري رحمه الله تعالى: إن قيل كيف يجوز إظهار [هذه] الكرامات الزائدة في المعاني على معجزات الرسل؟.
-قلنا: هذه الكرامات لاحقة بمعجزات نبينا [محمد] صلى الله عليه وسلم، لأن كل من ليس بصادق في الإسلام تمتنع عليه الكرامات. وكل نبي ظهرت له كرامة على واحد من أمته، فهي معدودة من جملة معجزاته، إذ لو لم يكن ذلك الرسول صادقًا لم تظهر على من تابعه الكرامة. يعني التي هي الكرامة لهذا الواحد.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
فصل [لا يجوز تفضيل الولي على النبي]
قال القشيري: هل يجوز تفضيل الولي على النبي؟.
-قلنا: رتبة الأولياء لا تبلغ رتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. للإجماع المنعقد على ذلك.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
فصل [لا يجوز تفضيل الولي على النبي].
[الكرامات تتنوع بتنوع الأحوال والمناسبات]
-قال الأستاذ القشيري رحمه الله: هذه الكرامات [قد] تكون إجابة دعوة، وقد تكون إظهار طعام في أوان [فاقة] من غير سبب ظاهر، أو حصول ماء في وقت عطش، أو تسهيل قطع مسافة في مدة قريبة، أو تخليص من عدو، أو سماع خطاب من هاتف، وغير ذلك من فنون الأفعال المناقضة للعادة.
-قال: واعلم أن كثيرًا من المقدورات يعلم اليوم قطعًا أنه لا يجوز أن تقع كرامة للأولياء بالضرورة أو شبه الضرورة يعلم ذلك، فمنها حصول إنسان من غير أبوين، وقلب جماد بهيمة، وأمثال هذه كثيرة.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
فصل [في اشتقاق لفظ الولي]
قال القشيري: يحتمل الولي أمرين:
أحدهما أن يكون فعيلًا مبالغة في الفاعل؛ كالعليم بمعنى العالم، والقدير بمعنى القادر، فيكون معناه: من توالت طاعته من غير تخلل معصية.
والثاني أن يكون فعيلًا بمعنى مفعول؛ كقتيل بمعنى مقتول، وجريح بمعنى مجروح، وهو الذي يتولى الله سبحانه وتعالى حفظه وحراسته على الإدامة والتوالي، فلا يخلق له الخذلان الذي هو قدرة المعصية، ويديم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة، قال الله تعالى: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
فصل [وأما العبد الصالح فيطلق على النبي والولي]
قال الله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ}.
-وقال تعالى عن نبيه يحيى صلى الله عليه وسلم: {وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}.
-وقال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ}.
-[وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عبد الله بن عمر: "إنه رجل صالح"].
-والآيات والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة.
[حد الصالح]
-وأما حد الصالح فقال الإمام أبو إسحاق الزجاج في كتابه معاني القرآن، وأبو إسحاق بن قرقول صاحب مطالع الأنوار:
-هو المقيم بما يلزم من حقوق الله تعالى، وحقوق العباد.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
فصل [في الفرق بين العصمة والحفظ]
قال الإمام القشيري: فإن قيل هل يكون الولي معصومًا أم لا؟.
-قلنا: أما وجوبًا كما يقال في [حق] الأنبياء فلا، وأما أن يكون محفوظًا حتى لا يصر على الذنوب، وإن حصلت هفوات في أوقات، أو آفات، أو زلات، فلا يمتنع ذلك في وصفهم.
-وقد قيل للجنيد: العارف يزني؟ فأطرق مليًا ثم رفع رأسه وقال: وكان أمر الله قدرًا مقدورًا.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
فصل [الخوف لا يفارق الأولياء]
قال التستري رحمه الله: فإن قيل: هل يسقط الخوف عن الأولياء؟.
-قلنا: الغالب على الأكابر كان الخوف.
-وذلك الذي تقدم على جهة الندرة [يعني القلة] غير ممتنع.
-وهذا السري السقطي رضي الله تعالى عنه يقول:
-لو أن واحدًا دخل بستانًا فيه أشجار كثيرة، وعلى كل شجرة طير يقول [له] بلسان فصيح: السلام عليك يا ولي الله! فلو لم يخف أنه مكر لكان ممكورًا به. وأمثال هذا من حكاياتهم كثيرة.
-قال: فإن قيل: هل يجوز أن يزابل الولي خوف المكر؟.
-قلنا: إن كان مصطلحًا عن شاهده، مختطفًا عن إحساسه بحاله، فهو مستهلك عنه، فيما استولى عليه والخوف من صفة الحاضرين [بهم].
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
فصل [ما يغلب على الولي حال صحوه]
قال القشيري: فإن قيل: ما الغالب على الولي في حال صحوة؟.
قلنا: صدقه في أداء حقوق الله سبحانه وتعالى، ثم رأفته وشفقته على الخلق في جميع أحواله، ثم انبساط رحمته للخلق كافة، ثم دوام تحمله عنهم بجميل الخلق، وتعليق الهمة بنجاة الخلق، وترك الانتقام منهم، والتوقي عن استشعار حقد عليهم، ومع قصر اليد عن أموالهم وترك الطمع بكل وجه وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم، والتهاون عن شهود مساويهم، ولا يكون خصمًا في الدنيا ولا في الآخرة.
-قلت: معناه أنه يعفو عن حقوقه في الدنيا فلا يطالبهم بها في الدنيا ولا يبقى له عندهم شيء يطالب به في الآخرة.
-قال الله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}.
-وقال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
-وروينا في كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني بإسناده عن أنس رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟! قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول الله؟! قال: كان إذا أصبح قال: اللهم إني وهبت نفسي وعرضي لك؛ فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه).
-قلت: معناه لا يقتص ممن ظلمه، كما قال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.