[المعجزة والكرامة لا يفترقان]
-قال: وأما الفرق بين المعجزة والكرامة، فلا يفترقان في جواز العقل إلا بوقوع المعجزة على حسب دعوى النبوة، ووقع الكرامة دون ادعاء النبوة.
-قال الإمام: وقد جرى من الآيات في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا ينكره منتم إلى الإسلام، وذلك قبل النبوة والانبعاث، والمعجزة لا تسبق دعوى النبوة، فكان كرامة.
-قال: فإن زعم متعسف أن الآيات التي استدللنا بها كانت معجزات لنبي كل عصر، فذلك اقتحام منه للجهالات.
-فإنا إذا بحثنا عن الأعصار الخالية، لم نجد الآيات التي تمسكنا بها مقترنة بدعوة نبوة، ولا وقعت عن تحدي متحد.
-فإن قالوا: وقعت للأنبياء دون عوامهم، قلنا: شرط المعجزة: الدعوى؛ فإذا فقدت كانت خارقة للعادة، كرامة للأنبياء، ونجعل بذلك غرضنا في إثبات الكرامات.
-ولم يكن وقت مولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي تستند إليه آياته.
-قال الإمام: فقد وضحت الكرامات جوازًا ووقوعًا، سمعًا وعقلًا.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
[الفرق بين السحر والكرامة]
-قال الإمام وغيره في الفرق بين السحر والكرامة: أن السحر لا يظهر إلا على فاسق، والكرامة لا تظهر على فاسق. قال: وليس ذلك من مقتضيات العقل؛ ولكنه متلقى من إجماع الأمة.
-قال الإمام: ثم الكرامة وإن كانت لا تظهر على فاسق معلن بفسقه، فلا تشهد بالولاية على القطع؛ إذ لو شهدت بها لأمن صاحبها العواقب؛ وذلك لم يجز لولي في كرامة باتفاق.
-هذا آخر كلام إمام الحرمين.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
[في إثبات كرامات الأولياء]
-قال الإمام الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى فيما رويناه في رسالته:
-ظهور الكرامات، علامة صدق من ظهرت عليه في أحواله؛ فمن لم يكن صادقًا فظهور مثله عليه لا يجوز.
-[قال]: ولا بد أن تكون الكرامة فعلًا ناقضًا للعادة في أيام التكليف ظاهرًا على موصوف بالولاية في معنى تصديقه في حاله.
-قال: وتكلم أهل الحق في الفرق بين الكرامة والمعجزة.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
[الفرق بين المعجزة والكرامة]
-فكان الإمام أبو إسحاق الأسفرايني رحمه الله تعالى يقول:
-المعجزات دلالات صدق الأنبياء، ودليل النبوة لا يوجد مع غير النبي، كما أن الفعل المحكم لما كان دليلًا للعالم فيكونه عالمًا لم يوجد غيره يكون عالمًا.
-وكان يقول: الأولياء لهم كرامات، منها شبه إجابة الدعاء، فأما جنس ما هو معجزة للأنبياء فلا.
-وقال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله تعالى:
-المعجزات دلالات الصدق، ثم إن ادعى صاحبها النبوَّة دلت على صدقه، وإن أشار صاحبها إلى الولاية دلت على صدقه في حالته. فتسمى كرامةً، ولا تسمى معجزة، وإن كانت من جنس المعجزات، للفرق.
-وكان رحمه الله يقول:
-من الفرق بين المعجزات والكرامات، أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مأمورون بإظهارها، والولي يجب عليه سترها وإخفاؤها.
-والنبي يدعي ويقطع القول به، والولي لا يدعيها ولا يقطع كرامته لجواز أن يكون ذلك مكرًا.
-وقال أوحد وقته في فنه القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله تعالى عنه:
-المعجزات تختص بالأنبياء، والكرامات تكون للأولياء، [كما تكون للأنبياء] ولا تكون للأولياء معجزة، لأن من شرط المعجزة اقتران دعوى النبوة بها.
-والمعجزة لم تكن معجزة لعينها؛ وإنما كانت معجزة لحصولها على أوصاف كثيرة، فمتى اختل شرط من تلك الشرائط لا تكون معجزة.
-قال القشيري: وهذا الذي قاله [هو الذي] نعتمده [ونقول به بل] وندين [الله] به. فشرائط المعجزات كلها أو أكثرها توجد في الكرامات إلا هذا الشرط الواحد، وهو دعوى النبوة، فلا تكون المعجزة كرامة.
-فالكرامة [كالمعجزة] فعل [من الله] لا محالة [فهي حادثة لا قديمة] وهو ناقض للعادة، ويحصل في زمن التكليف، وتظهر على عبد تخصيصًا له وتفضيلًا.
-وقد تحصل باختياره ودعائه، وقد لا تحصل، وقد تكون بخير اختياره في غالب الأوقات، ولم يؤمر الولي بدعاء الخلق إلى نفسه، ولو أظهر شيئًا من ذلك على من يكون أهلا له لجاز.
-واختلف أهل الحق في الولي، هل يجوز أن يعلم أنه ولي أم لا؟ فكان الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله يقول:
-لا يجوز ذلك؛ لأنه يسلبه الخوف، ويوجب له الأمن.
-وكان الأستاذ علي الدقاق - رحمه الله - يقول بجوازه وهو الذي تؤثره ونقول به، وليس ذلك بواجب في جميع الأولياء، حتى يكون كل ولي يعلم أنه ولي واجبًا، ولكن يجوز أن يعلم بعضهم ذلك كما لا يجوز أن لا يعلم بعضهم.
-فإذا علم بعضهم أنه ولي، كانت معرفته تلك كرامة له انفرد بها.
-وليس كل كرامة لولي، يجب أن تكون تلك بعينها لجميع الأولياء، بل لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة عليه في الدنيا، لم يقدح عدمها في كونه وليًا، بخلاف الأنبياء فإنه يجب أن تكون لهم معجزات؛ لأن النبي مبعوث إلى الخلق، فالناس بحاجة إلى معرفة صدقه، ولا يعرف إلا بمعجزة.
-وحال الولي بعكس ذلك، لأنه ليس بواجب على الخلق، ولا على الولي - أيضًا - العلم بأنه ولي.
-والعشرة من الصحابة - رضي الله عنهم - صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم [فيما أخبرهم به] في أنهم من أهل الجنة.
-وأما قول من قال: لا يجوز ذلك، لأنها تخرجهم من الخوف فلا بأس أن لا يخافوا تغيير العاقبة.
-والذي يجدونه في قلوبهم من الهيبة والتعظيم والإجلال للحق سبحانه وتعالى، يزيد [ويربو] على كثير من الخوف.
-قال الأستاذ القشيري: واعلم أنه ليس للولي مساكنة إلى الكرامة التي تظهر عليه، ولا [له] ملاحظة، وربما يكون لهم في ظهور جنسها [قوة] يقين، وزيادة بصيرة، لتحققهم أن ذلك فعل الله تعالى، فيستدلون بها من صحة ما هم عليه من العقائد، والله أعلم.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.