باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
[أقوال العلماء في الخضر عليه السلام]
-واستدل القشيري وغيره بقصة الخضر مع موسى صلوات الله عليه وسلامه، قالوا: ولم يكن نبيًا؛ بل كان وليًا؛ وهذا خلاف المختار.
-والذي عليه الأكثرون أنه كان نبيًا؛ وقيل: كان نبيًا رسولًا. وقيل: كان وليًا. وقيل: ملكًا.
-وقد أوضحت الخلاف فيه وشرحه في (تهذيب الأسماء واللغات).
-وفي شرح (المهذب). وفي ذلك قصة أهل الكهف وما اشتملت عليه من خوارق العادات. قال إمام الحرمين وغيره: ولم يكونوا أنبياء بالإجماع.
-وأما الأحاديث فكثيرة؛ منها: حديث أنس، أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا، صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله!.
-أخرجه البخاري في صحيحه في "كتاب الصلاة" وفي "علامات النبوة".
-هذان الرجلان: "عباد بن البشر" و "أسيد ين حضير" بضم أولهما وفتح ثانيهما. و "حضير" بضم الحاء المهملة وبالضاد المعجمة.
-ومنها: حديث أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا إلى الغار فأطبقت صخرة عليهم بابه! فدعا كل واحد منهم بدعوة فانفرجت عنهم الصخرة، وهو مخرج في صحيحي البخاري ومسلم.
-ومنها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في قصة جريج، أنه قال للصبي الرضيع: من أبوك؟ قال: فلان الراعي. وهو مخرج في الصحيح.
-ومنها حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر).
-وفي رواية:
-(قد كان فيمن [كان] قبلكم رجال من بني إسرائيل يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء).
"رواه البخاري في صحيحه".
-ومنها الحديث المشهور في صحيح البخاري وغيره في قصة خبيب الأنصاري - بضم الخاء المعجمة - رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-وقول بنت الحارث فيه: والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل من قطف عنب في يده، وأنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمر!.
-وكانت تقول: إنه لرزق الله رزقه خبيبًا.
-والأحاديث، والآثار، وأقوال السلف والخلف، في هذا الباب أكثر من أن تحصر، فيكتفى بما أشرنا إليه.
-وسترى في هذا الباب جملًا من ذلك، وباقي الكتاب إن شاء الله تعالى.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.
[الرد على المعتزلة بإنكارهم خرق العادة]
-قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين:
-"الذي صار إليه أهل الحق، جواز انخراق العادة في حق الأولياء".
-وأطبقت المعتزلة على إنكار ذلك. ثم من أهل الحق من صار إلى أن الكرامة الخارقة للعادة، شرطها أن تجري من غير إيثار واختيار من الولي، وصار هؤلاء إلى أن الكرامة تفارق المعجزة من هذا الوجه.
-قال الإمام: وهذا القول غير صحيح.
-وصار آخرون منهم إلى تجويز وقوع الكرامة على حكم الاختبار، ولكنهم منعوا وقوعها على مقتضى الدعوى فقالوا:
-لو ادعى الولي الولاية، واعتضد في إثبات دعواه بما يخرق العادة، فكان ذلك ممتنعًا، وهؤلاء فرقوا بهذا بين الكرامة والمعجزة.
-قال: وهذه الطريقة غير مرضية - أيضًا - قال: ولا يمتنع عندنا ظهور خوارق العوائد مع الدعوى المفروضة. قال: وصار بعض أصحابنا إلى أن ما وقع معجزة لنبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامة لولي.
-فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر، وتنقلب العصا ثعبانًا، ويحيى الموتى إلى غير ذلك من آيات الأنبياء كرامة لولي.
-قال الإمام: وهذه الطريقة غير سديدة - أيضًا -.
-قال: والمرضي عندنا جواز خوارق العادات في معارض الكرامات. قال: وغرضنا من إبطال هذه المذاهب والطرق، إثبات الصحيح عندنا.
باب في كرامات الأولياء ومواهبهم.