باب في الإخلاصَ وإحضَار النية في جميع الأعمال الظاهرة والخفية.
[الأحاديث التي عليها مدار الإسلام]
قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله تعالى بعد أن حكم أقوال الأئمة في تعيين "الأحاديث" التي عليها مدار الإسلام، واختلافهم في أعيانها وعددها فبلغت ستة وعشرين حديثًا:
[النية] - "أحدها" حديث: (إنما الأعمال بالنيات).
[البدع والأهواء] - "الثاني" عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
هذا حديث متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وفي رواية لمسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا ...).
ومعنى رد: مردود، كالخلق بمعنى المخلوق.
[ظهور الحلال والحرام] - "الثالث" عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه: ألا وإن لكل مَلِكٍ حمى، ألا وإنَّ حمى الله محارمُهُ، ألا وإن في الجسد مُضغة، إذا صلُحَت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القَلَب).
هذا حديث متفق على صحته، رويناه في "صحيحيهما".
يوشك: بضم الياء وكسر الشين المعجمة، أي يسرع.
[جمع الخلق] - "الرابع" عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق:
(إن أحدكم يجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فو الله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها؛ وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ..) "رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما".
قوله: "بكتب" بالباء الموحدة الجارة.
[ترك الريب] - "الخامس" عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلا ما لا يريبك).
"حديث صحيح رواه أبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي". قال [أبو عيسى] الترمذي: حديث صحيح.
وقوله: "يريبك" بفتح أوله وضمه لغتان؛ الفتح أشهر.
[من حسن إسلام المرء] - "السادس" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه).
"حديث حسن" رواه الترمذي وابن ماجه.
[الحب والإيمان] - "السابع" عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
"متفق على صحته".
[إن الله طيب] - "الثامن" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس! إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذيِّ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك!).
رواه مسلم في صحيحه.
[لا ضرر ولا ضرار] - "التاسع" حديث: "لا ضرر ولا ضرار".
رواه مالك مرسلًا، ورواه الدارقطني، وجماعة، من وجوه متصلًا وهو: "حديث حسن".
[الدين النصيحة] - "العاشر" عن تميمٍ الداريِّ رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم).
رواه مسلم.
[الأمر والنهي] - "الحادي عشر" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم).
متفق على صحته.
[حب الله والناس] - "الثاني عشر" عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس! فقال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
"حديث حسن" رواه ابن ماجه.
[متى يستحل الدم] - "الثالث عشر" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؛ إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزان، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
"متفق على صحته".
[متى يقاتل الناس؟] - "الرابع عشر" عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى).
"متفق على صحته".
[بني الإسلام على خمس] - "الخامس عشر" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان).
"متفق على صحته".
[البينة واليمين] - "السادس عشر" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن، البينة على المدعي، واليمين على من أنكر).
حديث حسن [رواه البيهقي] بهذا اللفظ، وبعضه في الصحيحين.
[البر والإثم] - "السابع عشر" عن وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "جئت تسأل عن البر والإثم؟ قال: قلت: نعم! قال: استفت قلبك! البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك".
وفي رواية: "وإن أفتاك المفتون".
"حديث حسن" رواه أحمد بن حنبل، والدارمي وغيرهما.
وفي" صحيح مسلم" من رواية النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس).
[كتب الإحسان على كل شيء] - "الثامن عشر" عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).
"رواه مسلم".
والقتلة والذبحة: بكسر أولهما.
[الإيمان بالله واليوم الآخر] - "التاسع عشر" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه).
"متفق على صحته".
[احذر الغضب] - "العشرون" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أوصني! قال: لا تغضب! فردد مرارًا، قال: لا تغضب).
"رواه البخاري في صحيحه".
[إن الله فرض فرائض] - "الحادي والعشرون" عن أبي ثعلبة رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها).
"رواه الدارقطني بإسناد حسن".
[اتق الله حيثما كنت] - "الثاني والعشرون" عن أبي ذر ومعاذ رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
وفي بعض نسخه المعتمدة [حديث] "حسن صحيح".
[سؤال عن عظيم] - "الثالث والعشرون" عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار؟ قال: (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت"؛ ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل"، ثم تلا: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) حتى بلغ: (يعملون) ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده، وذروة سنامه"؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد". ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله"؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: فأخذ بلسانه وقال: "كف عليك هذا"! فقلت: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم").
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
ذروة السنام: أعلاه وهي بضم الذال وكسرها.
[موعظته عليه الصلاة والسلام] - "الرابع والعشرون" عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا! قال:
(أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمَّرَ عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء [من بعدي] الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ! وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة).
رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[حديث ابن عباس ووصيته له] - "الخامس والعشرون" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال:
(يا غلام إني أعلمك كلمات؛ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف).
رواه الترمذي وقال: حديث "حسن صحيح".
وفي رواية غير الترمذي:
(احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك). [وفي آخره] (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا).
[الإسلام والإحسان] - "السادس والعشرون" حديث ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في الإيمان بالقدر، وبيان الإيمان والإسلام والإحسان، وبيان علامات [يوم] القيامة.
-فهذه الأحاديث التي ذكرها الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى ومما هو في معناها: "أحدهما" وهو:
[الإيمان والاستقامة] - "السابع والعشرون" عن سفيان بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك؟ قال: (قل آمنت بالله ثم استقم).
"رواه مسلم".
[الحياء] - "الثامن والعشرون" عن أبي مسعود البدري عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت).
"رواه البخاري في صحيحه".