باب في الإخلاصَ وإحضَار النية في جميع الأعمال الظاهرة والخفية.
[ما استحبه العلماء]
واستحب العلماء -رضي الله عنهم- أن تُستفتح المصنفات بهذا "الحديث"؛ وممن ابتدأ به في أول كتابه: الإمام أبو عبد الله "البخاري" - رحمه الله تعالى - في أول حديثه في "صحيحه" الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
-وروّينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى قال: لو صنفت كتابًا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث.
-ورُوّينا عنه -أيضًا- قال: من أراد أن يصنف كتابًا فليبدأ بهذا الحديث.
-وروينا عن الإمام أبي سليمان أحمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله، فيما قرأته في أول كتابه "الإعلام" في شرح "صحيح البخاري" قال: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث: [إنما] الأعمال بالنية، أمام كل شيء يُنشأ ويُبتدأ من أمور الدين؛ لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها.
-وبلغنا عن جماعات من السلف رضي الله تعالى عنهم أشياء كثيرة من نحو هذا من الاهتمام بهذا "الحديث" والله أعلم.
-وفي إسناده شيء يستحسن، ويستغرب عند المحدثين، وهو: أن رواته اجتمع فيهم ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، وهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وعلقمة بن وقاص الليثي رضي الله تعالى عنهم.
-وهذا وإن كان "مستظرفًا" فهو كثير في الأحاديث المستظرفة "الصحيحة" يجتمع ثلاثة "تابعيون" بعضهم عن بعض، وقد رويت أحاديث رباعيات أربعة "صحابيون" بعضهم عن بعض، وأربعة "تابعيون" بعضهم عن بعض.
-وقد جمعها الحافظ عبد القادر الرهاوي رحمه الله تعالى في جزء صنفه فيها، وأنا أرويها وقد اختصرتها في أول شرح "صحيح البخاري" - رحمه الله تعالى - وضممت إليها ما وجدته مثلها، فبلغ مجموعها زيادة على ثلاثين حديثًا والله أعلم.
-ومما ينبغي الاعتناء به بيان الأحاديث التي قيل: إنها أصول الإسلام، وأصول الدين؛ أو عليها مدار الإسلام، أو مدار الفقه والعلم. فنذكرها في هذا الموضع؛ لأن أحدها حديث "[إنما] الأعمال بالنية"، ولأنها مهمة فينبغي أن تقدم.
-وقد اختلف العلماء في عددها اختلافًا كثيرًا. وقد اجتهد في جمعها وتبيينها الشيخ الإمام الحافظ، أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف ب "ابن صلاح" -رحمه الله تعالى- ولا مزيد على تحقيقه وإتقانه.
فأنا أنقل ما ذكره -رحمه الله تعالى- مختصرًا، وأضم إليه ما تيسر مما لم يذكره؛ فإن الدين النصيحة.
باب في الإخلاصَ وإحضَار النية في جميع الأعمال الظاهرة والخفية.
[إضافة الكلمة إلى قائلها]
-ومن "النصيحة" أن تضاف الفائدة التي تُستغرب إلى قائلها؛ فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله، ومن أنف من ذلك، وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له، فهو جدير أن لا يُنتفع بعلمه، ولا يُبارَك له في حاله.
-ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها، نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائمًا.