*3*
باب إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ الْإِنْقَاءُ
الشرح:
قوله: (باب إسباغ الوضوء) الإسباغ في اللغة الإتمام، ومنه درع سابغ.
قوله: (وقال ابن عمر) هذا التعليق وصله عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح، وهو من تفسير الشيء بلازمه، إذ الإتمام يستلزم الإنقاء عادة، وقد روى ابن المنذر بإسناد صحيح أن ابن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات، وكأنه بالغ فيهما دون غيرهما لأنهما محل الأوساخ غالبا لاعتيادهم المشي حفاة والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ فَقُلْتُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا
الشرح:
قوله: (حدثنا عبد الله بن مسلمة) هو القعنبي، والحديث في الموطأ، والإسناد كله مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي: موسى عن كريب، وأسامة بن زيد أي ابن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، له لأبيه وجده صحبة.
وستأتي مناقبه في مكانها إن شاء الله تعالى.
قوله: (دفع من عرفة) أي أفاض.
قوله: (بالشعب) بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل، واللام فيه للعهد.
قوله: (ولم يسبغ الوضوء) أي خففه، ويأتي فيه ما تقدم في توجيه الحديث الماضي.
قوله: (فقلت الصلاة) و بالنصب على الإغراء، أو على الحذف، والتقدير أتريد الصلاة؟ ويؤيده قوله في رواية تأتي " فقلت أتصلي يا رسول الله " ويجوز الرفع، والتقدير حانت الصلاة.
قوله: (قال الصلاة) هو بالرفع على الابتداء، وأمامك بفتح الهمزة خبره.
وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم لما يصل بذلك الوضوء شيئا، وأما من زعم أن المراد بالوضوء هنا الاستنجاء فباطل، لقوله في الرواية الأخرى " فجعلت أصب عليه وهو يتوضأ " ولقوله هنا " ولم يسبغ الوضوء".
قوله: (نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء) فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة، قاله الخطابي، وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث.
(فائدة) : الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم، أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه بإسناد حسن من حديث علي بن أبي طالب، فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب.
وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
*3*
باب غَسْلِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
الشرح:
قوله: (باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة) راده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعا، والإشارة إلى تضعيف الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بيمينه.
وجمع الحليمي بينهما بأن هذا حيث كان يتوضأ من إناء يصب منه بيساره على يمينه، والآخر حيث كان يغترف، لكن سياق الحديث يأباه، لأن فيه أنه بعد أن تناول الماء بإحدى يديه أضافه إلى الأخرى وغسل بهما.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلَالٍ يَعْنِي سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ يَعْنِي الْيُسْرَى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد بن عبد الرحيم) هو أبو يحيى المعروف بصاعقة.
وكان أحد الحفاظ، وهو من صغار شيوخ البخاري من حيث الإسناد، وشيخه منصور كان أحد الحفاظ أيضا، وقد أدركه البخاري لكنه لم يلقه.
وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي: زيد عن عطاء.
قوله: (أنه توضأ) زاد أبو داود في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم " أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماء".
وللنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث " توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة".
قوله: (فغسل وجهه) الفاء تفصيلية لأنها داخلة بين المجمل والمفصل.
قوله: (أخذ غرفة) وهو بيان الغسل وظاهره أن المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه، لكن المراد بالوجه أولا ما هو أعم من المفروض والمسنون، بدليل أنه أعاد ذكره ثانيا بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفة مستقلة، وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة، وغسل الوجه باليدين جميعا إذا كان بغرفة واحدة لأن اليد الواحدة قد لا تستوعبه.
قوله: (أضافها) بيان لقوله فجعل بها هكذا.
قوله: (فغسل بها) أي بالغرفة.
وللأصيلي وكريمة " فغسل بهما " أي باليدين.
قوله: (ثم مسح برأسه) لم يذكر لها غرفة مستقلة، فقد يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل، لكن في رواية أبي داود " ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده، ثم مسح رأسه " زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد " وأذنيه مرة واحدة " ومن طريق ابن عجلان " باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه " وزاد ابن خزيمة من هذا الوجه " وأدخل إصبعيه فيهما".
قوله: (فرش) أي سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل.
قوله: (حتى غسلها) صريح في أنه لم يكتف بالرش، وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم " فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل " فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل كما سيأتي عند المصنف من حديث ابن عمر، وأما قوله: " تحت النعل ": فإن لم يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذة وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف.
قوله: (فغسل بها رجله يعني اليسرى) قائل: " يعني " هو زيد بن أسلم أو من دونه، واستدل ابن بطال بهذا الحديث على أن الماء المستعمل طهور، لأن العضو إذا غسل مرة واحدة فإن الماء الذي يبقى في اليد منها يلاقي ماء العضو الذي يليه.
وأيضا فالغرفة تلاقي أول جزء من أجزاء كل عضو فيصير مستعملا بالنسبة إليه.
وأجيب بأن الماء ما دام متصلا باليد مثلا لا يسمى مستعملا حتى ينفصل، وفي الجواب بحث.
(تنبيه) : ذكر ابن التين أنه رواه بلفظ " فعل بها رجله " بالعين المهملة واللام المشددة قال: فلعله جعل الرجلين بمنزلة العضو الواحد فعد الغسلة الثانية تكريرا لأن العل هو الشرب الثاني انتهى، وهو تكلف ظاهر، والحق أنها تصحيف.