عرض مشاركة واحدة
قديم 01-30-2013, 11:21 AM   #33
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


*3*17 نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب ‏(‏فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏)‏
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ هو منون في الرواية، والتقدير‏:‏ هذا باب في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإن تابوا‏)‏ ، وتجوز الإضافة أي‏:‏ باب تفسير قوله‏.‏
وإنما جعل الحديث تفسيرا للآية لأن المراد بالتوبة في الآية الرجوع عن الكفر إلى التوحيد، ففسره قوله -صلى الله عليه وسلم -‏:‏
‏"‏ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏"‏‏.‏
وبين الآية والحديث مناسبة أخرى، لأن التخلية في الآية والعصمة في الحديث بمعنى واحد، ومناسبة الحديث لأبواب الإيمان من جهة أخرى وهي الرد على المرجئة، حيث زعموا أن الإيمان لا يحتاج إلى الأعمال‏.‏
الحديث‏:‏
-25- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ‏:‏
‏"‏ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ‏.‏
فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ‏.‏‏"‏
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ زاد ابن عساكر ‏"‏ المسندي ‏"‏ وهو بفتح النون كما مضى، قال‏:‏ حدثنا أبو روح هو بفتح الراء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الحرمي‏)‏ هو بفتح المهملتين، وللأصيلي حرمي، وهو اسم بلفظ النسب تثبت فيه الألف واللام وتحذف، مثل مكي بن إبراهيم الآتي بعد‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ أبو روح كنيته، واسمه ثابت والحرمي نسبته، كذا قال‏.‏
وهو خطأ من وجهين‏:‏
أحدهما في جعله اسمه نسبته، والثاني في جعله اسم جده اسمه، وذلك أنه حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، واسم أبي حفصة نابت، وكأنه رأى في كلام بعضهم واسمه نابت فظن أن الضمير يعود على حرمي لأنه المتحدث عنه، وليس كذلك بل الضمير يعود على أبي حفصة لأنه الأقرب، وأكد ذلك عنده وروده في هذا السند ‏"‏ الحرمي ‏"‏ بالألف واللام وليس هو منسوبا إلى الحرم بحال، لأنه بصري الأصل والمولد والمنشأ والمسكن والوفاة‏.‏
ولم يضبط نابتا كعادته وكأنه ظنه بالمثلثة كالجادة، والصحيح أن أوله نون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن واقد بن محمد‏)‏ زاد الأصيلي‏:‏ يعني ابن زيد بن عبد الله بن عمر فهو من رواية الأبناء عن الأباء، وهو كثير لكن رواية الشخص عن أبيه عن جده أقل، وواقد هنا روى عن أبيه عن جد أبيه، وهذا الحديث غريب الإسناد تفرد بروايته شعبة عن واقد قاله ابن حبان، وهو عن شعبة عزيز تفرد بروايته عنه حرمي هذا وعبد الملك بن الصباح، وهو عزيز عن حرمي تفرد به عنه المسندي وإبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومن جهة إبراهيم أخرجه أبو عوانة وابن حبان والإسماعيلي وغيرهم‏.‏ ‏(‏1/76‏)‏
وهو غريب عن عبد الملك تفرد به عنه أبو غسان مالك بن عبد الواحد شيخ مسلم، فاتفق الشيخان على الحكم بصحته مع غرابته، وليس هو في مسند أحمد على سعته‏.‏
وقد استبعد قوم صحته، بأن الحديث لو كان عند ابن عمر لما ترك أباه ينازع أبا بكر في قتال مانعي الزكاة، ولو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر عمر على الاستدلال بقوله -عليه الصلاة والسلام -‏:‏
‏"‏ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله‏"‏، وينتقل عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس إذ قال‏:‏ لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، لأنها قرينتها في كتاب الله‏.‏
والجواب‏:‏ أنه لا يلزم من كون الحديث المذكور عند ابن عمر أن يكون استحضره في تلك الحالة، ولو كان مستحضرا له فقد يحتمل أن لا يكون حضر المناظرة المذكورة، ولا يمتنع أن يكون ذكره لهما بعد، ولم يستدل أبو بكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط، بل أخذه أيضا من قوله -عليه الصلاة والسلام -في الحديث الذي رواه‏:‏ ‏"‏ إلا بحق الإسلام‏"‏، قال أبو بكر‏:‏ والزكاة حق الإسلام‏.‏
ولم ينفرد ابن عمر بالحديث المذكور‏.‏
بل رواه أبو هريرة أيضا بزيادة الصلاة والزكاة فيه، كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الزكاة‏.‏
وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة، ويطلع عليها آحادهم، ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها، ولا يقال‏:‏ كيف خفي ذا على فلان‏؟‏ والله الموفق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمرت‏)‏ أي‏:‏ أمرني الله، لأنه لا آمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم -إلا الله، وقياسه في الصحابي إذا قال‏:‏ أمرت، فالمعنى‏:‏
أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يحتمل أن يريد أمرني صحابي آخر، لأنهم من حيث أنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر، وإذا قاله التابعي احتمل‏.‏
والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الآمر له هو ذلك الرئيس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أقاتل‏)‏ أي‏:‏ بأن أقاتل، وحذف الجار من ‏"‏ أن ‏"‏ كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يشهدوا‏)‏ جعلت غاية المقاتلة وجود ما ذكر، فمقتضاه‏:‏
أن من شهد وأقام وآتى، عصم دمه ولو جحد باقي الأحكام‏.‏
والجواب‏:‏ أن الشهادة بالرسالة تتضمن التصديق بما جاء به، مع أن نص الحديث وهو قوله‏:‏ ‏"‏ إلا بحق الإسلام ‏"‏ يدخل فيه جميع ذلك‏.‏
فإن قيل‏:‏ فلم لم يكتف به ونص على الصلاة والزكاة‏؟‏
فالجواب‏:‏ أن ذلك لعظمهما والاهتمام بأمرهما، لأنهما أما العبادات البدنية والمالية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويقيموا الصلاة‏)‏ أي‏:‏ يداوموا على الإتيان بها بشروطها، من قامت السوق إذا نفقت، وقامت الحرب إذا اشتد القتال‏.‏
أو المراد بالقيام‏:‏ الأداء - تعبيرا عن الكل بالجزء - إذ القيام بعض أركانها‏.‏
والمراد بالصلاة‏:‏ المفروض منها، لا جنسها، فلا تدخل سجدة التلاوة مثلا وإن صدق اسم الصلاة عليها‏.‏
وقال الشيخ محيي الدين النووي‏:‏ في هذا الحديث، أن من ترك الصلاة عمدا يقتل‏.‏
ثم ذكر اختلاف المذاهب في ذلك‏.‏
وسئل الكرماني هنا عن حكم تارك الزكاة، وأجاب‏:‏
بأن حكمهما واحد لاشتراكهما في الغاية، وكأنه أراد في المقاتلة، أما في القتل فلا‏.‏
والفرق أن الممتنع من إيتاء الزكاة يمكن أن تؤخذ منه قهرا، بخلاف الصلاة، فإن انتهى إلى نصب القتال ليمنع الزكاة قوتل، وبهذه الصورة قاتل الصديق مانعي الزكاة، ولم ينقل أنه قتل أحدا منهم صبرا‏.‏
وعلى هذا ففي الاستدلال بهذا الحديث على قتل تارك الصلاة نظر، للفرق بين صيغة أقاتل وأقتل‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقد أطنب ابن دقيق العيد في شرح العمدة في الإنكار على من استدل بهذا الحديث على ذلك، وقال‏:‏ لا يلزم من إباحة المقاتلة إباحة القتل، لأن المقاتلة مفاعلة تستلزم وقوع القتال من الجانبين، ولا كذلك القتل‏.‏
وحكى البيهقي عن الشافعي أنه قال‏:‏ ليس القتال من القتل بسبيل، قد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا فعلوا ذلك‏)‏ فيه التعبير بالفعل عما بعضه قول، إما على سبيل التغليب، وإما على إرادة المعنى الأعم، إذ القول فعل اللسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عصموا‏)‏ أي‏:‏ منعوا، ‏(‏1/77‏)‏
وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحسابهم على الله‏)‏ أي‏:‏ في أمر سرائرهم، ولفظة ‏"‏ على ‏"‏ مشعرة بالإيجاب، وظاهرها غير مراد، فإما أن تكون بمعنى اللام أو على سبيل التشبيه، أي‏:‏ هو كالواجب على الله في تحقق الوقوع‏.‏
وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر، والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة، وقد تقدم ما فيه‏.‏
ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع، وقبول توبة الكافر من كفره، من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن‏.‏
فإن قيل‏:‏ مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف ترك قتال مؤدي الجزية والمعاهد‏؟‏
فالجواب من أوجه، أحدها‏:‏ دعوى النسخ بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرا عن هذه الأحاديث، بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى ‏(‏اقتلوا المشركين‏.‏ ‏(‏
ثانيها‏:‏ أن يكون من العام الذي خص منه البعض، لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب، فإذا تخلف البعض لدليل لم يقدح في العموم‏.‏
ثالثها‏:‏ أن يكون من العام الذي أريد به الخاص، فيكون المراد بالناس في
قوله‏:‏ ‏"‏ أقاتل الناس ‏"‏ أي‏:‏ المشركين من غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسائي بلفظ ‏"‏ أمرت أن أقاتل المشركين‏"‏‏.‏
فإن قيل‏:‏ إذا تم هذا في أهل الجزية، لم يتم في المعاهدين، ولا فيمن منع الجزية‏!‏
أجيب‏:‏ بأن الممتنع في ترك المقاتلة رفعها لا تأخيرها مدة كما في الهدنة، ومقاتلة من امتنع من أداء الجزية بدليل الآية‏.‏
رابعها‏:‏ أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها‏:‏ التعبير عن إعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين، فيحصل في بعض بالقتل، وفي بعض بالجزية، وفي بعض بالمعاهدة‏.‏
خامسها‏:‏ أن يكون المراد بالقتال هو، أو ما يقوم مقامه، من جزية أو غيرها‏.‏
سادسها‏:‏ أن يقال‏:‏ الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام، وسبب السبب سبب، فكأنه قال‏:‏ حتى يسلموا أو يلتزموا ما يؤديهم إلى الإسلام، وهذا أحسن، ويأتي فيه ما في الثالث وهو آخر الأجوبة، والله أعلم‏.‏
*3*18 نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏)‏
وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏(‏فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏)‏ ‏:‏ عَنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏.‏
وَقَالَ‏:‏ ‏(‏لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ‏)‏
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال‏)‏ هو مضاف حتما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الإيمان هو العمل‏)‏ مطابقة الآيات والحديث لما ترجم له بالاستدلال بالمجموع على المجموع، لأن كل واحد منها دال بمفرده على بعض الدعوى، فقوله‏:‏ ‏(‏بما كنتم تعملون‏)‏ عام في الأعمال، وقد نقل جماعة من المفسرين أن قوله هنا‏:‏ ‏(‏تعملون‏)‏ معناه تؤمنون، فيكون خاصا‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏عما كانوا يعملون‏)‏ خاص بعمل اللسان على ما نقل المؤلف‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏فليعمل العاملون‏)‏ عام أيضا‏.‏
وقوله في الحديث‏:‏ ‏"‏ إيمان بالله ‏"‏ في جواب‏:‏ ‏"‏ أي العمل أفضل ‏"‏‏؟‏ دال على أن الاعتقاد والنطق من جملة الأعمال‏.‏
فإن قيل‏:‏ الحديث يدل على أن الجهاد والحج ليسا من الإيمان، لما تقتضيه ‏"‏ ثم ‏"‏ من المغايرة والترتيب‏.‏
فالجواب‏:‏ أن المراد بالإيمان هنا التصديق، هذه حقيقته، والإيمان كما تقدم يطلق على الأعمال البدنية لأنها من مكملاته‏.‏ ‏(‏1/78‏)‏
قوله‏:‏ ‏(‏أورثتموها‏)‏ أي‏:‏ صيرت لكم إرثا‏.‏
وأطلق الإرث مجازا عن الإعطاء لتحقق الاستحقاق‏.‏
و ‏"‏ ما ‏"‏ في قوله‏:‏ ‏"‏ بما ‏"‏ إما مصدرية أي‏:‏ بعملكم، وإما موصولة
أي‏:‏ بالذي كنتم تعملون‏.‏
والباء للملابسة أو للمقابلة‏.‏
فإن قيل‏:‏ كيف الجمع بين هذه الآية وحديث‏:‏ ‏"‏ لن يدخل أحدكم الجنة بعمله ‏"‏‏؟‏
فالجواب‏:‏ أن المنفي في الحديث دخولها بالعمل المجرد عن القبول، والمثبت في الآية دخولها بالعمل المتقبل، والقبول إنما يحصل برحمة الله، فلم يحصل الدخول إلا برحمة الله‏.‏
وقيل في الجواب غير ذلك كما سيأتي عند إيراد الحديث المذكور‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏‏:‏ اختلف الجواب عن هذا السؤال، وأجيب‏:‏
بأن لفظ ‏"‏ من ‏"‏ مراد في كل منهما، وقيل‏:‏ وقع باختلاف الأحوال والأشخاص فأجيب كل سائل بالحال اللائق به، وهذا اختيار الحليمي ونقله عن القفال‏.‏
قوله ‏(‏وقال عدة‏)‏ أي‏:‏ جماعة من أهل العلم، منهم أنس بن مالك روينا حديثه مرفوعا في الترمذي وغيره وفي إسناده ضعف‏.‏
ومنهم ابن عمر روينا حديثه في التفسير للطبري، والدعاء للطبراني‏.‏
ومنهم مجاهد رويناه عنه في تفسير عبد الرزاق وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لنسألنهم الخ‏)‏ قال النووي‏:‏ معناه عن أعمالهم كلها، أي‏:‏ التي يتعلق بها التكليف، وتخصيص ذلك بالتوحيد دعوى بلا دليل‏.‏
قلت‏:‏ لتخصيصهم وجه من جهة التعميم في قوله‏:‏ ‏(‏أجمعين‏)‏ بعد أن تقدم ذكر الكفار إلى قوله‏:‏ ‏(‏ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين‏)‏ فيدخل فيه المسلم والكافر، فإن الكافر مخاطب بالتوحيد بلا خلاف، بخلاف باقي الأعمال ففيها الخلاف، فمن قال إنهم مخاطبون يقول‏:‏
إنهم مسؤولون عن الأعمال كلها، ومن قال إنهم غير مخاطبين يقول‏:‏ إنما يسألون عن التوحيد فقط، فالسؤال عن التوحيد متفق عليه‏.‏
فهذا هو دليل التخصيص، فحمل الآية عليه أولى، بخلاف الحمل على جميع الأعمال لما فيه من الاختلاف‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏)‏ أي‏:‏ الله عز وجل ‏(‏لمثل هذا‏)‏ أي‏:‏ الفوز العظيم ‏(‏فليعمل العاملون‏)‏ أي‏:‏ في الدنيا‏.‏
والظاهر أن المصنف تأولها بما تأول به الآيتين المتقدمتين، أي‏:‏ فليؤمن المؤمنون، أو يحمل العمل على عمومه لأن من آمن لا بد أن يقبل، ومن قبل فمن حقه أن يعمل، ومن عمل لا بد أن ينال، فإذا وصل قال‏:‏ لمثل هذا فليعمل العاملون‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يحتمل أن يكون قائل ذلك المؤمن الذي رأى قرينه، ويحتمل أن يكون كلامه انقضى عند قوله‏:‏ ‏(‏الفوز العظيم‏)‏ والذي بعده ابتداء من قول الله عز وجل أو بعض الملائكة، لا حكاية عن قول المؤمن‏.‏
والاحتمالات الثلاثة مذكورة في التفسير‏.‏
ولعل هذا هو السر في إبهام المصنف القائل، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
-26- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -سُئِلَ‏:‏ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ‏؟‏
فَقَالَ‏:‏ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ‏.‏
قِيلَ‏:‏ ثُمَّ مَاذَا‏؟‏
قَالَ‏:‏ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏
قِيلَ‏:‏ ثُمَّ مَاذَا‏؟‏
قَالَ‏:‏ حَجٌّ مَبْرُورٌ‏.‏‏"‏
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن يونس‏)‏ هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي، نسب إلى جده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سئل‏)‏ أبهم السائل، وهو أبو ذر الغفاري، وحديثه في العتق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قيل ثم ماذا‏؟‏ قال‏:‏ الجهاد‏)‏ وقع في مسند الحارث أبي أسامة عن إبراهيم ابن سعد ‏"‏ ثم جهاد ‏"‏ فواخى بين الثلاثة في التنكير، بخلاف ما عند المصنف‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ الإيمان لا يتكرر كالحج، والجهاد قد يتكرر، فالتنوين للإفراد الشخصي، والتعريف للكمال‏.‏
إذ الجهاد لو أتى به مرة مع الاحتياج إلى التكرار لما كان أفضل‏.‏
وتعقب عليه بأن التنكير من جملة وجوهه التعظيم، وهو يعطي الكمال‏.‏
وبأن التعريف من جملة وجوهه العهد، وهو يعطي الإفراد الشخصي، فلا يسلم الفرق‏.‏
قلت‏:‏ وقد ظهر من رواية الحارث التي ذكرتها أن التنكير والتعريف فيه من تصرف الرواة، لأن مخرجه واحد، فالإطالة في طلب الفرق في مثل هذا غير طائلة، والله الموفق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حج مبرور‏)‏ أي‏:‏ مقبول ومنه بر حجك، وقيل‏:‏ المبرور الذي لا يخالطه إثم، وقيل‏:‏ الذي لا رياء فيه‏.‏ ‏(‏1/79‏)‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ قال النووي‏:‏ ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان، وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج وذكر العتق، وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة ثم البر ثم الجهاد، وفي الحديث المتقدم ذكر السلامة من اليد واللسان‏.‏
قال العلماء‏:‏ اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال، واحتياج المخاطبين، وذكر ما لم يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه، ويمكن أن يقال‏:‏ إن لفظة ‏"‏ من ‏"‏ مرادة كما يقال‏:‏ فلان أعقل الناس، والمراد من أعقلهم، ومنه حديث‏:‏ ‏"‏ خيركم خيركم لأهله ‏"‏ ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس، فإن قيل‏:‏ لم قدم الجهاد وليس بركن على الحج
وهو ركن‏؟‏
فالجواب‏:‏ إن نفع الحج قاصر غالبا، ونفع الجهاد متعد غالبا، أو كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين - ووقوعه فرض عين إذ ذاك متكرر - فكان أهم منه فقدم، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس