(ثالثها): المراد بإقام الصلاة: المداومة عليها أو مطلق الإتيان بها، والمراد بإيتاء الزكاة: إخراج جزء من المال على وجه مخصوص.
(رابعها): اشترط الباقلاني في صحة الإسلام تقدم الإقرار بالتوحيد على الرسالة، ولم يتابع، مع أنه إذا دقق فيه بان وجهه، ويزداد اتجاها إذا فرقهما، فليتأمل.
(خامسها): يستفاد منه تخصيص عموم مفهوم السنة بخصوص منطوق القرآن، لأن عموم الحديث يقتضي صحة إسلام من باشر ما ذكر، ومفهومه أن من لم يباشره لا يصح منه، وهذا العموم مخصوص بقوله تعالى: (والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم) على ما تقرر في موضعه.
(سادسها): وقع هنا تقديم الحج على الصوم، وعليه بنى البخاري ترتيبه، لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج،
قال: فقال رجل: والحج وصيام رمضان.
فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
انتهى.
ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى، إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه.
ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم -على الوجهين ونسي أحدهما عند رده على الرجل، ووجه بعده أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي، كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج، ولأبي عوانة - من وجه آخر عن حنظلة - أنه جعل صوم رمضان قبل، فتنويعه دال على أنه روي بالمعنى.
ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه؟ هذا مستبعد.
والله أعلم.
(فائدة) اسم الرجل المذكور: يزيد بن بشر السكسكي، ذكره الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى-.
*3*3
بَاب أُمُورِ الْإِيمَانِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) وَقَوْلِهِ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) الْآيَةَ
الشرح:
قوله: (باب أمور الإيمان) ، وللكشميهني " أمر الإيمان " بالإفراد على إرادة الجنس، والمراد بيان الأمور التي هي الإيمان والأمور التي للإيمان.
قوله: (وقول الله تعالى) بالخفض.(1/51)
ووجه الاستدلال بهذه الآية ومناسبتها لحديث الباب، تظهر من الحديث الذي رواه عبد الرزاق وغيره، من طريق مجاهد أن أبي ذر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم -عن الإيمان، فتلا عليه: (ليس البر) إلى آخرها، ورجاله ثقات.
وإنما لم يسقه المؤلف لأنه ليس على شرطه، ووجهه: أن الآية حصرت التقوى على أصحاب هذه الصفات، والمراد المتقون من الشرك والأعمال السيئة.
فإذا فعلوا وتركوا فهم المؤمنون الكاملون.
والجامع بين الآية والحديث: أن الأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخلة في مسمى البر، كما هي داخلة في مسمى الإيمان.
فإن قيل: ليس في المتن ذكر التصديق؟
أجيب: بأنه ثابت في أصل هذا الحديث كما أخرجه مسلم وغيره، والمصنف يكثر الاستدلال بما اشتمل عليه المتن الذي يذكر أصله ولم يسقه تاما.