
.مُقَدِمَةٌ
قَالَ الشَّيْخُ الإمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ، الرُّحْلُةُ الْمُحَقِّقُ بَحْرٌ الْفَوَائِدِ، وَمَعْدِنُ الْفَرَائِدُ، عُمْدَةُ الحُفَّاظِ وَالمُحَدِّثِينَ، وَعُدَّةُ الأئِمَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، وَآخِرُ الْمُجْتَهِدينَ، شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ أََحْمدَ بنِ عُثْمَانَ الذَّهَبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ وَنَفَعَنَا بِعُلُومِهِ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمينَ.

.1 - اَلْحَدِيثُ اَلصَّحِيحُ
هُوَ مَا دَارُ عَلَى عَدْلٍ مُتْقِنٍ وَاتَّصَلَ سَنَدُهُ فَإِنْ كَانَ مُرْسَلاً فَفِي اَلِاحْتِجَاجِ بِهِ اِخْتِلَافٌ.
وَزَادَ أَهْلُ اَلْحَدِيثِ سَلَامَتَهُ مِنْ اَلشُّذُوذِ وَالْعِلَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مُقْتَضَى نَظَرِ اَلْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ اَلْعِلَلِ يَأْبَوْنَهَا.
فَالْمُجْمَعُ عَلَى صِحَّتِهِ إِذاً اَلْمُتَّصِلُ اَلسَّالِمُ مِنْ اَلشُّذُوذِ وَالْعِلَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ رُوَاتُهُ ذَوِي ضَبْطٍ وَعَدَالَةٍ وَعَدَمِ تَدْلِيسٍ.
فَأَعْلَى مَرَاتِبِ اَلْمُجْمَعِ عَلَيْه
ِمَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ اِبْنِ عُمَرَ.
أَوْ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ.
اَللَّيْثُ وَزُهَيْرٌ عَنْ أَبِي اَلزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.
أَوْ سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ.
أَوْ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ اَلْبَرَاءِ.
أَوْ اَلْعَلَاءِ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَادِ اَلْبُخَارِيِّ أَوْ مُسْلِمٍ.

. 2- اَلْحَسَنُ
وَفِي تَحْرِيرِ مَعْنَاهُ اِضْطِرَاب فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ-
هُوَ مَا عُرِفَ مَخْرَجُهُ وَاشْتَهَرَ رِجَالُهُ وَعَلَيْهِ مَدَارُ أَكْثَرِ اَلْحَدِيثِ وَهُوَ اَلَّذِي يَقْبَلُهُ أَكْثَرُ اَلْعُلَمَاءِ وَيَسْتَعْمِلُهُ عَامَّةُ اَلْفُقَهَاءِ.
وَهَذِهِ عِبَارَةٌَ لَيْسَتْ عَلَى صِنَاعَةِ اَلْحُدُودِ وَالتَّعْرِيفَاتِ إِذْ اَلصَّحِيحُ يَنْطَبِقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنَّ مُرَادَهُ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ اَلصَّحِيحِ.
فَأَقُولُ اَلْحَسَنُ مَا اِرْتَقَى عَنْ دَرَجَةِ اَلضَّعِيفِ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ اَلصِّحَّةِ.
اَلْحَسَنُ مَا سَلِمَ مِنْ ضَعْفِ اَلرُّوَاةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ فِي قِسْمِ اَلصَّحِيحِ.
وَحِينَئِذٍ يَكُونُ اَلصَّحِيحُ مَرَاتِبَ -كَمَا قَدَّمْنَاهُ- وَالْحَسَنُ ذَا رُتْبَةٍ دُونَ تِلْكَ اَلْمَرَاتِبِ فَجَاءَ اَلْحَسَنُ -مَثَلاً- فِي آخِرِ مَرَاتِبِ اَلصَّحِيحِ.
وَأَمَّا اَلتِّرْمِذِيُّ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَصَّ هَذَا اَلنَّوْع بِاسْمِ اَلْحَسَنِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَسْلَمَ رَاوِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا وَأَنْ يَسْلَمَ مِنْ اَلشُّذُوذِ وَأَنْ يُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
وَهَذَا مُشْكِلٌ أَيْضًا عَلَى مَا يَقُولُ فِيهِ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ.
وَقِيلَ اَلْحَسَنُ مَا ضَعْفُهُ مُحْتَمَل وَيَسُوغُ اَلْعَمَلُ بِهِ.
وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ مَضْبُوطًا بِضَابِطٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ اَلضَّعْفُ اَلْمُحْتَمَلُ.
فَهَذَا عَلَيْهِ مُؤَاخَذَاتٌ.
وَقَدْ قُلْتُ لَكَ إِنَّ اَلْحَسَنَ مَا قَصُرَ سَنَدُهُ قَلِيلاً عَنْ رُتْبَةِ اَلصَّحِيحِ وَسَيَظْهَرُ لَكَ بِأَمْثِلَةٍ
ثُمَّ لَا تَطْمَعُ بِأَنَّ لِلْحَسَنِ قَاعِدَةً تَنْدَرِجُ كُلُّ اَلْأَحَادِيثِ اَلْحِسَانِ فِيهَا فَأَنَا عَلَى إِيَاسٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ تَرَدَّدَ فِيهِ اَلْحُفَّاظُ هَلْ هُوَ حَسَنٌ أَوْ ضَعِيفٌ أَوْ صَحِيحٌ؟ بَلِ اَلْحَافِظُ اَلْوَاحِدُ يَتَغَيَّرُ اِجْتِهَادُهُ فِي اَلْحَدِيثِ اَلْوَاحِدِ فَيَوْمًا يَصِفُهُ بِالصِّحَّةِ وَيَوْمًا يَصِفُهُ بِالْحُسْنِ وَلَرُبَّمَا اِسْتَضْعَفَهُ.
وَهَذَا حَقّ فَإِنَّ اَلْحَدِيثَ اَلْحَسَنَ يَسْتَضْعِفُهُ اَلْحَافِظُ عَنْ أَنْ يُرَقِّيَهُ إِلَى رُتْبَةِ اَلصَّحِيحِ فَبِهَذَا اَلِاعْتِبَارِ فِيهِ ضَعْفٌ مَا إِذْ اَلْحَسَنُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ضَعْفٍ مَا وَلَوْ اِنْفَكَّ عَنْ ذَلِكَ لَصَحَّ بِاتِّفَاقٍ.
وَقَوْلُ اَلتِّرْمِذِيِّ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )، عَلَيْهِ إِشْكَالٌ بِأَنَّ اَلْحَسَنَ قَاصِرٌ عَنْ اَلصَّحِيحِ فَفِي اَلْجَمْعِ بَيْنَ السَّمْتَيْنِ لِحَدِيثٍ وَاحِدٍ مُجَاذَبَةٌ.
وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا بِشَيْءٍ لَا يَنْهَضُ أَبَدًا,وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى اَلْإِسْنَادِ فَيَكُونُ قَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَبِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحِينَئِذٍ لَوْ قِيلَ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ لِبَطَلَ هَذَا اَلْجَوَابُ.
وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ - أَنْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ- أَنْ يُقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَصَحِيح فَكَيْفَ اَلْعَمَلُ فِي حَدِيثٍ يَقُولُ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا اَلْوَجْهِ فَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِسْنَادَيْنِ.
وَيَسُوغُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْحَسَنِ اَلْمَعْنَى اَللُّغَوِيَّ لَا اَلِاصْطِلَاحِيَّ وَهُوَ إِقْبَالُ اَلنُّفُوسِ وَإِصْغَاءُ اَلْأَسْمَاعِ إِلَى حُسْنِ مَتْنِهِ وَجَزَالَةِ لَفْظِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ اَلثَّوَابِ وَالْخَيْرِ فَكَثِيرٌ مِنَ اَلْمُتُونِ اَلنَّبَوِيَّةِ بِهَذِهِ اَلْمَثَابَةِ.
قَالَ شَيْخُنَا اِبْنُ وَهْبٍ: فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ إِطْلَاقُ اَلْحَسَنِ عَلَى بَعْضِ (اَلْمَوْضُوعَاتِ) وَلَا قَائِلَ بِهَذَا.
ثُمَّ قَالَ فَأَقُولُ لَا يُشْتَرَطُ فِي اَلْحَسَنِ قَيْدُ اَلْقُصُورِ عَنْ اَلصَّحِيحِ وَإِنَّمَا جَاءَ اَلْقُصُورِ إِذْ اِقْتَصَرَ عَلَى (حَدِيثِ حَسَنٍ) فَالْقُصُورُ يَأْتِيهِ مِنَ اَلِاقْتِصَارِ لَا مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ وَذَاتُهُ.
ثُمَّ قَالَ فَلِلرُّوَاةِ صِفَاتٌ تَقْتَضِي قَبُولَ اَلرِّوَايَةِ وَلِتِلْكَ اَلصِّفَاتِ دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كَالتَّيَقُّظِ وَالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ.
فَوُجُودُ اَلدَّرَجَةِ اَلدُّنْيَا كَالصِّدْقِ -مَثَلاً- وَعَدَمِ اَلتُّهْمَةِ لَا يُنَافِيهِ وُجُودُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ اَلْإِتْقَانِ وَالْحِفْظِ فَإِذَا وُجِدَتِ اَلدَّرَجَةُ اَلْعُلْيَا لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ وُجُودَ اَلدُّنْيَا كَالْحِفْظِ مَعَ اَلصِّدْقِ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ (حَسَنٌ) بِاعْتِبَار اَلدُّنْيَا (صَحِيحٌ) بِاعْتِبَار اَلْعُلْيَا.
وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَحِيحٍ حَسَنًا فَيُلْتَزَمُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ عِبَارَاتُ اَلْمُتَقَدِّمِينَ فَإِنَّهُمْ قَدْ يَقُولُونَ فِيمَا صَحَّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قُلْتُ
فَأَعْلَى مَرَاتِبِ اَلْحَسَنِ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
و: عمرو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ.
و: مُحَمَّدُ بْنُ عمرو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَِ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ يُتَنَازَعُ فِيهَا بَعْضُهُمْ يُحَسِّنُونَهَا وَآخَرُونَ يُضَعِّفُونَهَا كَحَدِيثِ اَلْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ وَعَاصِمِ بْنِ ضَمُرَةَ وَحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وخُصَيْفٍ وَدَرَّاجٍ أَبِي اَلسَّمْحِ وَخَلْقٍ سِوَاهُمْ