عرض مشاركة واحدة
قديم 12-21-2012, 09:11 PM   #35
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب اتعاظ الحنفاء باخبار الائمة الفاطميين الخلفاء للامام احمد الحسينى


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة سنة ثلاثين وخمسمائة
فيها أخرج بهرام الأمير رضوان بن ولخشى من القاهرة لولاية عسقلان وقيل بل كان خروجه في سلخ رجب من السنة الماضية‏.‏
فلما وصل إليها وجد فيها جماعة من الأرمن قد وصلوا في البحر يريدون القاهرة فناكدهم ومنع كثيراً منهم فبلغ ذلك الوزير بهرام فشق عليه وصرفه عن عسقلان واستدعاه فقدم إلى القاهرة‏.‏
وشكره الناس على منعه الأرمن من الوصول إلى القاهرة فلم يطق بهرام إقامته معه فولاه الغربية في صفر إبعاداً له عنه‏.‏
وفيها ملك رجار بن رجار ملك صقلية جربة ونازل طرابلس الغرب فانهزم عنها سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فيها تكاثر حضور أقارب بهرام وإخوته وأهله وقومه ومجيئهم من ناحية تل باشر وكانوا مقيمين بها ولهم فيها كبير منهم يتولى أمرهم وقدموا أيضا بلاد الأرمن حتى صار منهم بديار مصر نحو الثلاثين ألف إنسان‏.‏
فعظم ضررهم بالمسلمين وكثرت استطالتهم واشتد جورهم وتظاهروا بدين النصرانية وأكثروا من بناء الكنائس والديارات وصار كل رئيس منهم يبني له كنيسةً بجوار داره‏.‏
وتفاقم الأمر‏.‏
فخاف الناس منهم أن يغيروا الملة الإسلامية ويغلبوا على البلاد فيردوها دار ووردت الأخبار من قوص بأن الباساك أخا بهرام قد جار على الناس واستباح أموالهم وبالغ في أذيتهم وظلمهم فاشتد ذلك على الناس وعظم على الأمراء ما نزل بالمسلمين فبعثوا إلى أبي الفتح رضوان بن ولخشى وكان مقدماً فيهم لكثرة نعوته بفحل الأمراء وهو يومئذ يتولى بالغربية يشكون إليه ما حل بالمسلمين ويستحثونه على المصير وإنقاذهم مما نزل بهم‏.‏
فلما وصلت إليه كتب الأمراء تشمر لطلب الوزارة ورقى المنبر خطيبا بنفسه فخطب خطبة بليغةً حرض فيها الناس على الجهاد في سبيل الله والاجتماع لقتال بهرام وشيعته النصارى من الأرمن‏.‏
وكان حينئذ بمدينة سخا ثم نزل وحشد الناس من العربان وغيرهم حتى استجاب له نحو من ثلاثين ألفا فأخرج لهم كتب الخليفة الحافظ إليه بالتقدم بالمسير ونزع الوزارة من يد بهرام إذ تبين أن ليس من أهل الملة‏.‏
وسار بهم إلى دجوة وبهرام لا ينزعج‏.‏
فلما قرب رضوان جمع بهرام الأرمن إليه وقال لهم‏:‏ اعلموا أننا قوم غرباء لم نزل نخدم هذه الدولة والآن فقد كثر بغضهم لأيامنا وما كنت بالذي أكون عبد قوم وأخدمهم من حال الصبا فلما بلغني الكبر أقاتلهم لا ضربت في وجوههم بسيف أبدا‏.‏
سيروا‏.‏
وأخذ أمراء الدولة وعساكرها يخرجون شيئاً بعد شيء إلى رضوان‏.‏
واجتمع بهرام بالخليفة وفاوضه في أمره فقال تحلبني الإسلام عليك‏.‏
فأيس حينئذ وجمع الأرمن وكانوا كلهم منقادين إليه لا يخالفونه في شيء من الأشياء وسار بهم نحو بلاد الصعيد يريد أخاه الباساك بقوص قاصداً أنه يجتمع به ويمضون إلى أسوان فيتملكونهما ويتقوون بالنوبة أهل دينهم‏.‏
وقد ذكر أن بهرام خرج يريد محاربة رضوان في عساكر مصر‏.‏
فلما وصل بعسكر القاهرة إلى رضوان رأوا المصاحف قد رفعها رضوان فوق الرماح فصاروا بأجمعهم إلى رضوان باتفاق كان بينهم وبينه من قبل ذلك فعاد بهرام إلى القاهرة وأخذ ما خف حمله وخرج من باب البرقية يوم الأربعاء وقت العصر حادي عشر جمادى الأولى وسار يريد الصعيد وقد أوسق المراكب بما يحتاج إليه‏.‏
فعندما رحل اقتحم رعاع الناس وأوباشهم إلى دار الوزارة فنهبوها وهتكوا حرمتها وعملوا كل مكروه فكان هذا أول نهب وقع في دار الوزارة‏.‏
وامتدت الأيدي إلى دور الأرمن التي كانوا قد عمروها بالحسينية خارج باب الفتوح فنهبوها ونهبوا كنيسة الزهري ونبشوا قبر البطرك أخي بهرام‏.‏
وطار خبر انهزام بهرام في سائر إقليم مصر فوصل الخبر بذلك إلى قوص قبل وصول بهرام فثار المسلمون بها على الباساك وقتلوه ومثلوا به وجعلوا في رجله كلباً ميتا وألقوه على مزبلة‏.‏
فلما كان بعد قتله بيومين قدم بهرام في طائفة الأرمن وهم نحو الألفي فارس رماة فرأى أخاه على المزبلة كما ذكر فقتل جماعةً من أهل قوص ونهبها‏.‏
وسار عنها إلى أسوان فنزل بالأديرة البيض وأما رضوان فإنه لما وصل إلى القاهرة وقف بين القصرين واستأذن الحافظ فيما يفعله فأشار بنزوله في دار الوزارة فنزلها وخلع عليه خلع الوزارة يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى ونعت بالسيد الأجل الملك الأفضل‏.‏
فاستدعى بالأموال من الخليفة وأنفق في الجند ومهد الأمر‏.‏
ورضوان أول وزير لقب بالملك‏.‏
فلما كن في اليوم الثالث من استقراره في الوزارة سير أخاه الأوحد إبراهيم ومعه العسكر شرقاً وغرباً والأسطول بحراً في طلب بهرام وبيده أمان له ليعود مكرماً وطائفته على إقطاعاتهم‏.‏
فسار إلى الأديرة وتقرر الحال من غير قتال على إقامة بهرام بها وذلك أن أسوان امتنعت عليه بكنز الدولة وأهلها فاضطر إلى الإقامة بالأديرة وقد فارقه أكثر الأرمن فمنهم من سار إلى بلاده ومنهم من أقام بأرض مصر ليكونوا فلاحين فسأل لهم مواضع يسكنونها فأفردت لهم جهات منها سمالوط وإبوان وأقلوسنا والبرجين في صعيد مصر وضيعة أخرى بأعمال المحلة‏.‏
وأقام بهرام بالأديرة البيض ومعه أهله وولده‏.‏
وفيها صرف أبو عبد الله محمد بن ميسر عن قضاء القضاة في يوم الأحد لسبع خلون من المحرم والوزير إذ ذاك بهرام ونفي إلى تنيس فأقام بها إلى يوم الاثنين ثاني ربيع الأول وقتل‏.‏
وهو من قيسارية وقدم منها مع أبيه وهو صغير في وزارة أمير الجيوش بدر الجمالي عند حضوره إلى المستنصر في سني الشدة وبعثه إلى البلاد الشامية لإحضار أرباب الأموال واليسار وكان من جملة من أحضر والد القاضي وكان له مال جزيل ففوض إليه خطابة الجامع بمصر وفتح دار وكالة وأقام بها مدة حتى مات‏.‏
فترقى ولده إلى أن ولي القضاء عدة مرار وكان له أفضال ومكارم وحصلت له وجاهة ورتبة جليلة وضرب دنانير كثيرة كان اقترحها على الخليفة الآمر‏.‏
وهو الذي أخرج الفستق الملبس بالحلوى فإنه بلغه أن أبا بكر محمد بن علي المادرائي عمل الكعك الذي يقال له افطن له وعمل عوضاً من حشو السكر دنانير فلما مد السماط في يوم العيد قال أحد الخدام لصديق له كان على السماط‏:‏ افطن له ففهم عنه وتناول من ذلك وصار يخرج الذهب من فمه ويخفيه حتى تنبه الناس لذلك فتناولوا بأجمعهم منه‏.‏
فأرادوا القاضي ابن ميسر أن تشبه بأبي بكر المادرائي في ذلك فعمل صحناً منه لكن جعل فستقا قد لبس حلوى وذلك الفستق من ذهب وأباحه أهل مجلسه ولم يقدر على علم ذلك سوى مرة واحدة‏.‏
ثم إنه لما تناهت مدته عاداه رجل يعرف بابن الزعفراني فنم عليه عند الحافظ بأن أحمد بن الأفضل لما كان قد اعتقل الحافظ وجلس للهناء ودخل عليه الشعراء كان فيهم علي بن عباد الإسكندري وأنه أنشد قصيدة يذم فيه خلفاء مصر ويذكر سوء اعتقادهم منها في ذم هذا سليمانكم قد ردّ خاتمه واسترجع الملك من صخر بن إبليس فعندما قال هذا البيت قام ابن ميسر وألقى عرضيته طرباً بهذا البيت‏.‏
فأمر الحافظ بإحضار هذا الشاعر وقال‏:‏ أنشدني قصيدتك‏:‏ فأنشدها إلى أن بلغ فيها إلى قوله‏:‏ ولا ترضوا عن الخمس المناحيس‏.‏
يعني الحافظ وابنيه وأباه وجده فأمر الغلمان بلكمه فلكموه حتى مات بين يديه‏.‏
وقبض على ابن ميسر ونفي ثم قتل‏.‏
وكان ينعت بجلال الملك وكانت علامته الحمد لله على نعمه‏.‏
وفيها مات أبو البركات بن بشرى الواعظ المعروف بابن الجوهري في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين سنة‏.‏
وفيها ولي قضاء القضاة أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي عقيل ونعت بقاضي القضاة الأعز أبي المكارم‏.‏
وفيها ثار بناحية برقة رجل من بني سليم وادعى النبوة فاستجاب له خلق كثير وأملى عليهم قرآنا منه‏:‏ إنما الناس بالناس ولولا الناس لم يكن الناس والجميع رب الناس‏.‏
ثم تلاشى أمره وانحل عنه الناس‏.‏
وفيها جلس الوزير رضوان في ذي القعدة لاستخدام المسلمين في المناصب التي كانت بأيدي النصارى‏.‏
واستجد ديوان الجهاد واهتم بتقوية الثغور واستعد لتعمير عسقلان بالعدد والآلات وأشاع الخروج إلى الشام لغزو الفرنج وأظهر من الاعتناء بذلك ما لا يوصف‏.‏
وكان قد مهد الأمور وأعاد الناس إلى ما كانوا عليه من الطمأنينة بحسن سيرته وكثرة عدله وعمارته البلاد وقوة نفسه وشجاعته‏.‏
وأحضر جميع الدواوين وكتبها ورثبها ورتب الأمور أحسن تدبير‏.‏
وكان من جملة الضمان في أموال الدولة هبة الله بن عبد المحسن الشاعر فلما عرض حسابه وجد قد انكسر عليه مال في ضمانه فكتب له في المجلس‏:‏ أنا شاعرٌ وصناعتي الأدب وضمان مثلي المال لا يجب أنا مستميحكم وليس علي من جاء يطلب رفدكم طلب وإذا الباقي عليّ فما من حاصلٍ ورقٌ ولا ذهب فسامحه فيما عليه من الباقي‏.‏
وفيها أحضر من الصعيد الأعلى في رمضان جماعة تقدمهم رجل‏.‏
بجاوي يدعى فيه أصحابه أنه إله فصلبوا‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة
فيها أفرج الوزير رضوان عن شمس الخلافة مختار الأفضلي صاحب باب بهرام من الاعتقال وولاه الإسكندرية‏.‏
فيها تشدد رضوا على الأنصاري من أصحاب بهرام وصادره وقتلهم بالسيف وأباد أكثرهم‏.‏
وتطلع إلى تقديم أرباب المعارف من أرباب السيوف والأقلام وأحسن إليهم وزاد في أرزاقهم‏.‏
ووجد نصرانياً قد توصل في أيام بهرام إلى ديوان النظر يعرف بالأخرم وبذل في كل يوم ألف دينار سوى المؤن والغرامات فآذى المسلمين وشق عليهم فصرفه رضوا واستخدم بدله رجلاً يقال له المرتضى المحنك بغير ضمان‏.‏
وتقدم إلى ديوان الإنشاء بانشاء سجل في الوضع من النصارى واليهود فأنشأه أبو القاسم ابن الصيرفي منعوا فيه من إرخاء الذوائب وركوب البغلات ولبس الطيالسة وأمر النصارى بشد الزنانير المخالفة لألوان ثيابهم وألا يجوزوا على معابد المسلمين ركبانا فما رئي في أيامه يهودي ولا نصراني يجوز على الجامع راكباً لكنه ينزل ويقود دابته‏.‏
وأمر أن يؤخذ الجزية من فوق مساطب وهم وقوف أسفلها‏.‏
ومنعهم من التكني بأبي الحسن وأبي الحسين وأبي الطاهر وأن يبيضوا قبورهم‏.‏
وضمن ذلك كله السجل فعمل به‏.‏
وفيها نزع السعر لتوقف النيل فنال الناس مجاعة فأمر الحافظ بفتح الأهراء والبيع منها على الناس بأوساط الأثمان فلم يمض الوزير بذلك وأخذ يهين حواشي الخليفة إذا حضروا إليه ويقدح في مذاهبه لأنه كان سنيا وكان أخوه الأوحد إبراهيم إماميا‏.‏
فلما كثر ذلك منه انزعج الخليفة ولم يظهر تغيراً وأخذ يعمل في الخلاص منه فتنافر كل منهما من الآخر‏.‏
وكان رضوان خفيفا طائشا لا يثبت فهم بخلع الحافظ وقال ما هو بخليفة ولا إمام وإنما هو كفيل لغيره وذلك الغير لم يصح‏.‏
وأحضر الفقيه أبا الطاهر ابن عوف وابن أبي كامل فقيه الإمامية وابن سلامة داعي الدعاة وفاوضهم في الخلع واستخلاف شخص عينه لهم وألزم كلاً منهم أن يقول ما عنده‏.‏
فقال ابن عوف‏:‏ الخلع لا يجوز إلا بشروط تثبت شرعا‏.‏
وقال ابن أبي كامل‏:‏ السلطان أبقاه الله يحملني على أن أتكلم على غير مذهبي في الإمامة‏.‏
قال‏:‏ لأجل عمل مذهبك فقال‏:‏ مذهبي معلوم يعني أن الإمامية للحاضر من إخوته ولأنه لا ينبغي لمن لم تكن له إمامة أن يخلع‏.‏
فخلص من هذا وقال الداعي‏:‏ أنا داعي ومولىً لهم وما يصح لي خلعه فإني أصير فيما مضى كأني أدعو لغير مستحق فأكون قد كذبت نفسي فلا أقبل الآن وأستخصم بذلك ولا يؤثر قولي فيما تريدون ولم تجر العادة على الفاطميين بخلع حتى نأتي به‏.‏
فقابله على هذا القول بالسب وإقامته أقبح قيام‏.‏
فقال الفقيه النحاس وكان حاضراً كل عظيمة وحمله على خلع الحافظ فبلغ ذلك المجلس الحافظ‏.‏
وفيها أحضرت من تنيس امرأة بغير ثديين في موضع ثدييها مثل الحلمتين فصارت إلى مجلس الوزير رضوان وأخبرته أنها تصنع برجليها جميع ما يعمل باليدين من رقم وخط وغير ذلك‏.‏
فجاء لها في المجلس بدواة فتناولت برجلها اليسرى الأقلام قلماً قلماً ثم تناولت السكين برجليها وبرت قلماً واستدعت ورقةً وأمسكتها برجلها اليمنى وكتبت بالرجل اليسرى رقعة بأحسن خط تكتبه النساء وحمدت الله في آخرها وناولتها الوزير فإذا فيها سؤال بأن يزاد في راتبها‏.‏
فوقع لها خلف الرقعة بما تسأل وأعادها إلى بلدها‏.‏
وفيها بنى الوزير رضوان المدرسة المعروفة به في ثغر الإسكندرية وجعل في تدريسها الفقيه أبا طاهر بن عوف‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة
فيها زاد السعر وبلغ القمح ثلاثة دنانير للإردب فبيعت الغلال التي كان الأفضل خزنها وقد تغيرت وأرادوا رميها في النيل فكانت تقطع بالفئوس وتباع بأربعين ديناراً كل مائة إردب فيها كثر سعي الوشاة بين الحافظ والوزير فتخوف كل منهما من الآخر وقبض الوزير على عدة من خواص الحافظ منهم أبو المعالي بن قادوس وابن شيبان المنجم ورئيس اليهود وجماعة فقتلهم‏.‏
فسير الحافظ من أحضر إليه بهرام في رمضان فلما حضر أسكنه عنده بالقصر وأكرمه وشق ذلك على رضوان‏.‏
وكان الحافظ قد تلطف برضوان في أمر بهرام وقرر معه أ يستدعيه وينزله في القصر وحلف له أنه لا يوليه أمراً ولا يمكنه من تصرف فتسامح رضوان في أمره‏.‏
واستدعى فحضر بأهله وأنزل في دار بالقصر قريبة من المحول وهو قريب من سكن الحافظ فكان يستحضره في غالب الليالي ويستشيره ويعمل برأيه‏.‏
ولما كان يوم عيد الفطر ركب الوزير مع الحافظ وعليه من الملابس ما لم يلبسه أحد من الوزراء في مثل ذلك اليوم وعاد إلى القصر وفي نفس الحافظ منه أشياء تبينها رضوان في وجه الحافظ وعلمها منه فاشمأزت نفسه مع ما كان فيه من الطيش فركب في تاسع شوال وزحف إلى القصر فكلمه الخليفة من بعض طاقات المنظرة التي تطل على باب الذهب وجرى بينهما كلام اجترأ فيه على الخليفة‏.‏
وعاد إلى داره بعد أن احتاط بالقصر واحتفظ بالأبواب فانتفض الناس لذلك بالقاهرة ومصر وكثرت الأراجيف‏.‏
وفي تلك الحالة نزل بعض أولاد الحافظ من القصر هارباً إلى رضوان وكان شيخا ومعه ولد له ليقيمه خليفة فلم يكترث به وأحضر إسماعيل بن سلامة الداعي وقال له‏:‏ ما تقول في هذا الرجل هل يصلح لما التمسه فقال‏:‏ الخلافة لها شروط ونواميس ما في هذا منها شيء وتحتاج إلى نصوص ولولا أنم مولانا الآمر نص على مولانا الحافظ وأودعه سر الخلافة لما ثبتت فيه ولا استجاب له الناس‏.‏
فلم يحصل سوى أنه كان مشئوماً على نفسه وأهله فإن الحافظ لما بلغه ذلك قتله وقتل جماعة منهم كثيرة‏.‏
ثم إن الحافظ لما رأى فعل رضوان وتعديه وكثرة من انضم إليه من العسكر عمل في التدبير عليه وأرسل إلى صبي من الجند يعرف بشومان وكانت فيه شهامة وجرأة وهو من صبيان الخاص فأحضره إليه من أحد السراديب سراً وأرسله إلى علي بن السلار أحد أمراء الدولة يأمره بالتدبير على رضوان وأنفذ معه مالاً إليه ليستعين به على ذلك‏.‏
وكان علي بن السلار عاقلاً صاحب حزم ويقظة وحسن تأت مع قوة وصرامة‏.‏
فلما جاءه القاصد بالمال وبلغه عن الخليفة ما قال انتهز الفرصة وأرسل إلى جماعة من صبيان الخاص وقرر معهم أن يجتمعوا ويدخلوا من باب زويلة كردوسا واحداً وهم يصيحون‏:‏ الحافظ يا منصور وفرق فيهم ما أرسله إليه الخليفة‏.‏
فلما كان يوم الاثنين الثالث عشر من شوال اجتمع بظاهر القاهرة منهم نحو العشرين وأقبلوا من باب زويلة يصيحون‏:‏ يا للحافظ الحافظ يا منصور فما وصلوا إلى الشرايحيين الذي يعرف اليوم بالشوايين حتى صاروا نحو الخمسمائة وما وصلوا بين القصرين إلا والعسكر جميعه من فارس وراجل معهم ولم يبق من الصبيان والعوام أحد حتى خرج النساء وأشرف النساء من الطاقات وصاروا بأجمعهم يصيحون‏:‏ يا للحافظية‏.‏
فلما سمع رضوان الضجيج أراد أن يركب فمنعه بعض غلمانه فأبى عليه لأنه كان واثقا بنفسه وبمن معه وخرج وحده بغير سلاح ليس معه سوى سيف فلقي الناس بنفسه وطردهم يميناً وشمالا وظهر منه شجاعة تعجب منه من شاهدها فإنه لقي ألوفاً من الناس بمفرده ولم يزل يحمل عليهم حملةً بعد حملة إلى أن قتل منهم عدة‏.‏
وكان أخوه إبراهيم قد بلغه الخبر فركب من داره وأمسك عنه من يجيئه من ناحية قصر الشوك وشدت الريحانية ورجعوا إليه من ناحية زيادة الجامع الحاكمي ودرب الفرنجية‏.‏
فلما طال عليه وتيقن أن القوم بأجمعهم قد تمالئوا على حربه وكان قد انقضى من النهار أربع ساعات وأشرف عليه الأستاذون من ناحية باب الريح من أعالي القصر يرشقونه بالنشاب ويرمونه بالطوب تحير‏.‏
وكان ابن أخته والي مصر فبلغه الخبر فقام بجميع غلمانه وسار لنجدة خاله فوجد عند باب زويلة من بلغه الخبر بأنه لا يقدر على الوصول إليه فسار من ناحية باب البرقية ومعه بوقات وطبول فسمع إبراهيم أخو رضوان أصوات البوقات والطبول من جهة باب البرقية فأنفذ إلى أخيه رضوان يقول له‏:‏ قد تفرق علينا العسكر وجاء من ناحية قصر الشوك وقد قاطع الراجل علينا من ناحية باب النصر‏.‏
فلما بلغ رضوان ذلك أيقن بالهلاك إن وقف فما زال يتأخر قليلاً قليلاً حتى صار في رحبة باب العيد عند دار سعيد السعداء وبعث إلى داره التي هي دار الوزارة من أخذ له شيئاً منها على سبيل الخطف وأوصى إلى أخيه فانضم إليه هو ومن معه من أصحابه وفيهم أبي الفوارس وقدارة بن أبي عزة وشاور بن مجير السعدي وجماعة من خواصه وخرجوا من باب النصر‏.‏
فما هو إلا أن صار بظاهر القاهرة اقتحم الناس دار الوزارة ونهبوها حتى لم يتركوا فيها شيئاً‏.‏
وما وصل رضوان إلى تربة أمير الجيوش إلا وقد تلاحق كثير من المغافرة وكان قد أسلف عند العرب أيادي وأفاض عليهم نعماً وأحسن إليهم إحساناً كثيرا في مدة وزارته فأدركه رجل من العرب يقال له سالم بن المحجل أحد شياطين الإنس وحسن له المسير إلى الشام‏.‏
واشتغل الناس بنهب دار الوزارة وكان قد جمع فيها رضوان أكثر أموال ديار مصر وشحنها بالذخائر وأنواع السلاح والعدد والآلات والغلال فانتهب جميع ذلك وأحرقت أخشاب تعب وطلب رضوان الشام فدخل عسقلان وملكها وجعلها معقله وتوجه أخوه إلى الحجاز وأقام بها حتى مات وسار ابن أخته إلى بغداد فأكرمه أصحاب الخليفة هناك ولم يزل عندهم إلى أن مات‏.‏
وخرج رضوان من عسقلان ولحق بصلخد فنزل على أمين الدولة كمشتكين صاحبها فأكرمه وأبره وأقام عنده ثلاثة أشهر‏.‏
ثم أنفذ إلى دمشق واستفسد من الأتراك بها من قدر عليه‏.‏
وفيها خربت الأثارب من زلزلة وزلزلت دمشق أيضا‏.‏
وفيها مات الأعز قاضي القضاة أبو المكارم أحمد بن عبد الرحمن بن أبي عقيل في شعبان فأقام منصب القضاء بغير قاض ثلاثة أشهر ثم اختير الفقيه أبو العباس أحمد ابن الحطيئة في ذي القعدة فاشترط ألا يحكم بمذهب الدولة فلم يمكن من ذلك‏.‏
وكان الوزير رشوان قد تقدم إلى الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد المولى بن عبد الله محمد بن عقبة اللخمي المعروف بابن اللبني المغربي المالكي أن يعقد الأنكحة‏.‏
فلما كان في الحادي عشر من ذي القعدة قرر الحافظ في قضاء القضاة القاضي فخر الأمناء أبا الفضائل هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن محمد الأنصاري الأوسي المعروف بابن الأزرق‏.‏
فيها عاد الأفضل رضوان بن ولخشي من صلخد في جمع فيه نحو الألف فارس وكان الناس في مدة غيبته يهتفون بعوده فبرزت له العساكر ودافعوه عند باب الفتوح فلم يطق مقابلتهم فمضى إلى مصر ونزل على سطح الجرف المعروف اليوم بالرصد وذلك يوم الثلاثاء مستهل صفر‏.‏
فاهتم الحافظ بأمره وبعث إليه بعسكر من الحافظية والآمرية وصبيان الخاص عدتهم خمسة عشر ألف فارس مقدم القلب تاج الملوك قايماز ومقدم الآمرية فرج غلام الحافظ‏.‏
فلقيهم رضوان في قريب ثلثمائة فارس فانكسروا وقتل كثير منهم وغنم معظمهم وركب أقفيتهم إلى قريب القاهرة‏.‏
وعاد شاور إلى موضعه فلم يثبت وأراد العود إلى صلخد فلم يقدر لقلة الزاد وتعذر الطريق فتوجه بمن معه من العربان إلى الصعيد‏.‏
فأنفذ إليه الحافظ الأمير المفضل أبا الفتح نجم الدين سليم بن مصال في عسكر ومعه أمان فسار خلفه وما زال به حتى أخذه وأحضره إلى القصر آخر نهار الاثنين رابع ربيع الآخر فعفا عنه الحافظ ولم يؤاخذ أحداً من الأتراك الذين حضروا معه من الشام‏.‏
واعتقله عنده بالقصر قريباً من الدار التي فيها بهرام‏.‏
وفيها أضيف لقاضي القضاة هبة الله بن حسن الأنصاري في سابع عشر جمادى الآخرة تدريس دار العلم بالقاهرة فمضى إليها وكان مدرسها أبو الحسن علي بن إسماعيل فجرت بينهما مفاوضات أدت إلى الخصام الشنيع فخرج القاضي إلى القصر ماشياً وقد تخرقت ثيابه وسقطت عمامته‏.‏
فعظم على الحافظ خروجه في الأسواق على هذه الهيئة وغضب لذلك فصرفه ورسم عليه وغرمه مائتي دينار وألزمه داره‏.‏
وأمر بطلب أبي الطاهر إسماعيل بن سلامة الأنصاري فخلع عليه وقرره مكانه ونعته الموفق في الدين ولم يكتب له سجل فأقام إلى آخر ذي الحجة ولم يتناول على القضاء معلوماً وكان جاري الحكم في كل شهر أربعين ديناراً وقنع بجاري التقدمة على الدعاة وهو ثلاثون ديناراً في الشهر‏.‏
وفيها ولي الحافظ لدين الله الأمير المفضل نجم الدين أبو الفتح سليم بن مصال المالكي تدبير الأمور‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة سنة خمس وثلاثين وخمسمائة
فيها هلك بهرام الأرمني بالقصر وكان الحافظ لما أقدمه من الصعيد إلى عنده أنزله في القصر ولم يمكنه من التصرف وكان يشاوره في تدبير أمور الدولة فيعجبه رأيه وحزمه وعقله‏.‏
فلما مات في العشرين من ربيع الآخر حزن عليه حزناً كثيراً ظهر بسببه على القص غمة وهم أن يغلق الدواوين ولا يفتحها ثلاثة أيام‏.‏
وأحضر بطرك الملكية وأمره أن يجهز بهرام فقام بتجهيزه‏.‏
وأخرج نصف النهار في تابوت وعليه ثوب ديباج أحمر ومن حوله النصارى يبخرون باللبان والصبار وخرج الخليفة علة بغلة شهباء وعليه عمامة خضراء وثوب أخضر بغير طيلسان فسار خلف التابوت وسار والناس تبكي والأقساء يعلنون بقراءتهم والخليفة سائر إلى دير الخندق من ظاهر القاهرة‏.‏
فنزل الخليفة عن بغلته وجلس على شفير القبر وبكى بكاء شديداً‏.‏
وكان عاقلاً مقداماً في الحرب حسن السياسة جيد التدبير وكان أولاً يقوم بأمر الأرمن وسكناهم يومئذ في ناحية تل باشر فتعصب عليه جماعة منهم وولوا غيره فخرج مغضباً وقدم إلى القاهرة فترقى في الخدم إلى أن ولي المحلة فقام بولايتها‏.‏
ومنها سار في زي حسن إلى القاهرة ومعه من الأرمن نحو الألفين يقولون بقوله فاستوزره الحافظ‏.‏
وفيها مات الفقيه أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن رشا المقدسي في آخر جمادى الآخرة‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة سنة ست وثلاثين وخمسمائة
في ليلة الثلاثاء الثاني عشر من ربيع الأول سقطت صاعقة أحرقت ركن منارة الجامع العتيق‏.‏
في شعبان غلت الأسعار وعدم القمح والشعير فبلغ القمح كل إردب إلى تسعين درهما والدقيق إلى مائة وخمسين للحملة والخبز إلى ثلاثة أرطال بدرهم والويبة من الشعير إلى سبعة دراهم والزيت الطيب إلى سبعة دراهم للرطل والجبن إلى درهمين للرطل والبيض إلى عشرين درهماً للمائة والزيت الحار إلى درهم ونصف للرطل والقلقاس كل رطلين بدرهم وعدم الفرخ والدجاج فلم يقدر على شيء منه‏.‏
وعم الوباء وكثر الموتان‏.‏
وفيها مات أحمد بن مفرج بن أحمد بن أبي الخليل الصقلي الشاعر المعروف بتلميذ ابن سابق وكان فاضلاً ذكيا يتصرف في عدة فنون وله رسائل حسنة وشعر جيد‏.‏
وكان الشعراء في أيام الحافظ قد أطنبوا في المديح وتناهوا في إطالة القصائد حتى صار الإنشاد يؤدى إلى قصر الوقت الذي جرت العادة باستماع أشعارهم فيه لطول مثولهم بالخدمة فخرج الأمر إليهم بالاختصار فيما ينشدونه من الأشعار‏.‏
فقال أحمد بن مفرج يخاطب الخليفة‏:‏ أمرتنا أن نصوغ المدح مختصراً لم لا أمرت ندى كفّيك يختصر واللّه لا بدّ أن تجرى سوابقنا حتى يبين لنا في مدحك الأثر فأمروا بالاستمرار على ما هم عليه من الإطالة في الإنشاد‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس