رَجُلٍ حَلَفَ : أَنْ لَا يَنْفَعَ رَجُلًا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ : أَنْ لَا يَنْفَعَ رَجُلًا ; فَأَمَرَهُ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ يَنْفَعَهُ . قَالَ الشَّيْخُ : وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ( رضي الله عنه ) : حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا لِمَا كَانَ مِنْهُ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : قُلْت لِلشَّافِعِيِّ مَا لَغْوُ الْيَمِينِ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ ; أَمَّا الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ فَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ( رضي الله عنها ) ; أَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها ) أَنَّهَا قَالَتْ : لَغْوُ الْيَمِينِ : قَوْلُ الْإِنْسَانِ : لَا وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : اللَّغْوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْكَلَامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَلْبُهُ ; وَجِمَاعُ اللَّغْوِ يَكُونُ فِي الْخَطَإِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَغْوُ الْيَمِينِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ( رضي الله عنها ) , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : قَوْلُ الرَّجُلِ : لَا وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ . وَذَلِكَ إذَا كَانَ : اللَّجَاجُ , وَالْغَضَبُ , وَالْعَجَلَةُ لَا يَعْقِدُ عَلَى مَا حَلَفَ [ عَلَيْهِ ] وَعَقْدُ الْيَمِينِ : أَنْ يَعْنِيَهَا عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ ; فَيَفْعَلُهُ أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ ; فَلَا يَفْعَلُهُ أَوْ لَقَدْ كَانَ , وَمَا كَانَ . فَهَذَا : آثِمٌ ; وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ [ أَنَّ ] اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَدْ جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ فِي عَمْدِ الْمَأْثَمِ . قَالَ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } , وَقَالَ { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } إلَى قَوْلِهِ : { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } . وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الظِّهَارِ : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } ; ثُمَّ أَمَرَ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَيُجْزِي : بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ : وَمَا يَقْتَاتُ أَهْلُ الْبُلْدَانِ مِنْ شَيْءٍ . أَجْزَأَهُمْ مِنْهُ مُدٌّ . [ قَالَ ] : وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي : مِنْ الْكِسْوَةِ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ مِنْ عِمَامَةٍ , أَوْ سَرَاوِيلَ , أَوْ إزَارٍ أَوْ مِقْنَعَةٍ , وَغَيْرِ ذَلِكَ : لِلرَّجُلِ , وَالْمَرْأَةِ , وَالصَّبِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَطْلَقَهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ . [ قَالَ ] : وَلَيْسَ لَهُ إذَا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ أَنْ يُطْعِمَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ بِالْكِسْوَةِ أَنْ يَكْسُوَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ [ قَالَ ] وَإِذَا أَعْتَقَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ ; وَيُجْزِي كُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لَا يُضِرُّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } فَجَعَلَ قَوْلَهُمْ الْكُفْرَ : مَغْفُورًا لَهُمْ , مَرْفُوعًا عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَكَانَ الْمَعْنَى الَّذِي عَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ , كَمَا لَمْ يَقُلْ : فِي الْحُكْمِ , وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُوَ أَنْ يُغْلَبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ . فَإِذَا تَلِفَ مَا حَلَفَ : لَيَفْعَلَنَّ فِيهِ شَيْئًا ; فَقَدْ غُلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ . وَهَذَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ . وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْقَوْلَ فِيهِ , وَاخْتَارَ : أَنَّ يَمِينَ الْمُكْرَهِ : غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَلَيْهِ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ [ وَالسُّنَّةِ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَ [ هُوَ ] قَوْلُ عَطَاءٍ إنَّهُ يُطْرَحُ عَنْ النَّاسِ , الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا ; فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا , أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا : فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ , وَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَحْنَثُ . لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ , غَيْرُ الْكَلَامِ : وَإِنْ كَانَ يَكُونُ كَلَامًا فِي حَالٍ وَمَنْ حَنَّثَهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } . وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ , فِي الْمُنَافِقِينَ : { قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ; وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ ( عليه السلام ) عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَيُخْبِرُهُمْ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِوَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَمَنْ قَالَ : لَا يَحْنَثُ ; قَالَ : لِأَنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ : بِالْمُوَاجَهَةِ ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا كَانَتْ الْهِجْرَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ , أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ : وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى كَلَامِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا مِنْ هِجْرَتِهِ : الَّتِي يَأْثَمُ بِهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ : لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ ; فَجَمَعَهَا , فَضَرَبَهُ بِهَا : فَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا , مَاسَّتْهُ كُلُّهَا فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ مُغَيَّبًا , [ فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً ] لَمْ يَحْنَثْ فِي الْحُكْمِ , وَيَحْنَثْ فِي الْوَرَعِ . وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } , وَذَكَرَ خَبَرَ الْمُقْعَدِ الَّذِي ضُرِبَ فِي الزِّنَا بِإِثْكَالِ النَّخْلِ .