قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ , بَيَانٌ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) الْخِيَارَ : فِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ , أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِ إنْ حَكَمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ . وَالْقِسْطُ : حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمَحْضُ الصَّادِقُ , أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ عَهْدًا بِاَللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } الْآيَةَ . قَالَ : وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ , مَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَهُ , بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ قَالَ : وَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } إنْ حَكَمْت لَا عَزْمًا أَنْ تَحْكُمَ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ , إلَى أَنْ قَالَ : أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ : وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ , تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ ؟ , أَلَمْ يُخْبِرْكُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَبَدَّلُوا , وَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ , فَقَالُوا : { هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } ؟ , أَلَا يَنْهَاكُمْ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ ؟ , وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ . هَذَا : قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ , وَبِمَعْنَاهُ أَجَابَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , وَقَالَ فِيهِ : فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ , يَقُولُ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } إنْ حَكَمْتَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فَتِلْكَ مُفَسِّرَةٌ , وَهَذِهِ : جُمْلَةٌ . وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } ; دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ تَوَلَّوْا : لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ . وَلَوْ كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } ; إلْزَامًا مِنْهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ : أَلْزَمَهُمْ الْحُكْمَ مُتَوَلِّينَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَوَلَّوْنَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ ; فَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتُوا ; فَلَا يُقَالُ لَهُمْ : تَوَلَّوْا . وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ : وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ ; [ وَ ] أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } ; إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الْمُوَادَعِينَ : الَّذِينَ لَمْ يُعْطُوا جِزْيَةً , وَلَمْ يُقِرُّوا بِأَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا . قَالَ : وَاَلَّذِي قَالُوا , يُشْبِهُ مَا قَالُوا ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ } وَقَالَ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَإِنْ تَوَلَّوْا } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنْ حُكْمِكَ [ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ] فَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَتَاكَ : غَيْرَ مَقْهُورٍ عَلَى الْحُكْمِ . وَاَلَّذِينَ حَاكَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي امْرَأَةٍ مِنْهُمْ وَرَجُلٍ : زَنَيَا مُوَادَعُونَ ; فَكَانَ فِي التَّوْرَاةِ : الرَّجْمُ , وَرَجَوْا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَجَاءُوا بِهِمَا : فَرَجْمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا : مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ : أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ ; ثُمَّ جَاءُوهُ مُتَحَاكِمِينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ : بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ , أَوْ يَدَعَ الْحُكْمَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ : حَكَمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَ رِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ : حَارَبَهُمْ . قَالَ : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي أَحَدٍ : [ مِنْ ] الْمُعَاهَدِينَ : الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ . إذَا جَاءُوهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ . قَالَ : وَإِذَا أَبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ , مَا فِيهِ [ لَهُ ] حَقٌّ عَلَيْهِ ; فَأَتَى طَالِبُ الْحَقِّ إلَى الْإِمَامِ , يَطْلُبُ حَقَّهُ فَحَقٌّ لَازِمٌ لِلْإِمَامِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَحْكُمَ [ لَهُ ] عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ : مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ الْمَطْلُوبُ : رَاضِيًا بِحُكْمِهِ , وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ السَّخَطَ لِحُكْمِهِ . لِمَا وَصَفْتُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } . فَكَانَ الصَّغَارُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّفْرِيعِ وَكَأَنَّهُ وَقَفَ حِينَ صَنَّفَ كِتَابَ الْجِزْيَةِ أَنَّ آيَةَ الْخِيَارِ وَرَدَتْ فِي الْمُوَادِعِينَ ; فَرَجَعَ عَمَّا قَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْمُعَاهَدِينَ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا .
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ : ( السُّنَنِ ) رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الشَّافِعِيِّ : قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَكَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : إذَا أَذِنَ فِي أَكْلِ مَا أَمْسَكَ الْجَوَارِحُ أَنَّهُمْ إنَّمَا اتَّخَذُوا الْجَوَارِحَ , لِمَا لَمْ يَنَالُوهُ إلَّا بِالْجَوَارِحِ : وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } . قَالَ : وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَمْرَهُ بِالذَّبْحِ , وَقَالَ : { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } : كَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ فِيمَا فِيهِ الذَّبْحُ وَالذَّكَاةُ ; وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلَمَّا كَانَ مَعْقُولًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , مَا وَصَفْتُ : انْبَغَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي , أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا حَلَّ مِنْ الْحَيَوَانِ فَذَكَاةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ [ مِنْهُ ] مِثْلُ الذَّبْحِ , أَوْ النَّحْرِ ; وَذَكَاةُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يُقْتَلُ بِهِ : جَارِحٌ , أَوْ سِلَاحٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ : الَّذِي إذَا أُشْلِيَ : اسْتَشْلَى , وَإِذَا أَخَذَ : حَبَسَ , وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ : كَانَ مُعَلَّمًا , يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ : لِأَنَّهَا تَجْرَحُ ; فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُحِلَّ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ : الَّذِي إذَا أُشْلِيَ : اسْتَشْلَى , وَإِذَا أَخَذَ : حَبَسَ , وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ : كَانَ مُعَلَّمًا , يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ : لِأَنَّهَا تَجْرَحُ ; فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُحِلَّ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَحَلَّ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) : طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَكَانَ طَعَامُهُمْ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْتُ عَنْهُ : مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ; فَهِيَ : حَلَالٌ . وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ; مِثْلَ : اسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ يَذْبَحُونَهُ بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ لَمْ يَحِلَّ هَذَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ [ وَلَا أُثْبِتُ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا . ]
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا : وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ , دُونَ بَعْضٍ فَإِذَا زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ : إنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ : أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ , وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ : وَهُوَ لَا يَدَعُهُ لِشِرْكٍ كَانَ مَنْ يَدَعُهُ عَلَى الشِّرْكِ ; أَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) لُحُومَ الْبُدْنِ مُطْلَقَةً ; فَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا } , وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ , يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ مِنْ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ نَذْرٌ , وَلَا جَزَاءُ صَيْدٍ وَلَا فِدْيَةٌ . فَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذَهَبْنَا إلَيْهِ , وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ لَا أَنَّهَا بِخِلَافِ الْقُرْآن وَلَكِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ وَمَعْقُولٌ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ ; لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَهَكَذَا : ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ مُشْبِهَةٌ لِمَا قُلْنَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاجِبُ مَنْ أَهْدَى نَافِلَةً أَنْ يُطْعِمَ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } , وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } . وَالْقَانِعُ هُوَ : السَّائِلُ ; وَالْمُعْتَرُّ هُوَ : الزَّائِرُ , وَالْمَارُّ بِلَا وَقْتٍ فَإِذَا أَطْعَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدًا : كَانَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ وَأَحَبُّ إلَيَّ مَا أَكْثَرَ أَنْ يُطْعِمَ ثُلُثًا , وَأَنْ يُهْدِيَ ثُلُثًا , وَيَدَّخِرَ ثُلُثًا : يَهْبِطُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ . قَالَ : وَالضَّحَايَا فِي هَذِهِ السَّبِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : وَالْقَانِعُ : الْفَقِيرُ ; وَالْمُعْتَرُّ : الزَّائِرُ وَقَدْ قِيلَ : الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلْعَطِيَّةِ مِنْهُمَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ , أَوْ مَنْ سَمِعْتُ [ مِنْهُ ] مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ . فَإِنَّ الْعَرَبَ : قَدْ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ , وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا . وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ , أَوْ مَنْ سَمِعْتُ [ مِنْهُ ] مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ . فَإِنَّ الْعَرَبَ : قَدْ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ , وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا . وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .