قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } الْآيَةُ وَقَالَ : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } , وَقَالَ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهِ صِغَارًا : خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ , وَالْعَارِ بِهِنَّ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ ذَلِكَ : مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ . دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ : فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ : دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ , مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } الْآيَةُ وَقَالَ : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } , وَقَالَ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهِ صِغَارًا : خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ , وَالْعَارِ بِهِنَّ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ ذَلِكَ : مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ . دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ : فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ : دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ , مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : مِنْ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيتُهُ فَحَدَّثَنِيهِ , وَبَلَغَنِي عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِ . أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : تُبَايِنُ فِي الْفَضْلِ , وَيَكُونُ بَيْنَهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِيرَانِ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ . وَكَانَ بَعْضُهَا يَعْرِفُ لِبَعْضٍ الْفَضْلَ فِي الدِّيَاتِ حَتَّى تَكُونُ دِيَةُ الرَّجُلِ الشَّرِيفِ أَضْعَافَ دِيَةِ الرَّجُلِ دُونَهُ فَأَخَذَ بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ بَيْنِ أَظْهُرِهَا مِنْ غَيْرِهَا . بِأَقْصَدَ مِمَّا كَانَتْ تَأْخُذُ بِهِ ; فَكَانَتْ دِيَةُ النَّضِيرِيِّ : ضِعْفُ دِيَةِ الْقُرَظِيِّ . وَكَانَ الشَّرِيفُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا قُتِلَ يُجَاوَزُ قَاتِلُهُ إلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ مِنْ أَشْرَافِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي قَتَلَهُ أَحَدُهَا وَرُبَّمَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِعَدَدٍ يَقْتُلُونَهُمْ . فَقَتَلَ بَعْضُ غَنِيٍّ شَأْسُ بْنَ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيَّ فَجَمَعَ عَلَيْهِمْ أَبُوهُ زُهَيْرُ بْنُ جَذِيمَةَ ; فَقَالُوا لَهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ نُدِبَ عَنْهُمْ : سَلْ فِي قَتْلِ شأس ; فَقَالَ إحْدَى ثَلَاثٍ لَا يُرْضِينِي غَيْرُهَا ; فَقَالُوا مَا هِيَ ؟ فَقَالَ : تُحْيُونَ لِي شَأْسًا , أَوْ تَمْلَئُونَ رِدَائِي مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ , أَوْ تَدْفَعُونَ لِي غَنِيًّا بِأَسْرِهَا فَأَقْتُلُهَا , ثُمَّ لَا أَرَى أَنِّي أَخَذْتُ [ مِنْهُ ] عِوَضًا . وَقُتِلَ كُلَيْبُ وَائِلٍ فَاقْتَتَلُوا دَهْرًا طَوِيلًا , وَاعْتَزَلَهُمْ بَعْضُهُمْ فَأَصَابُوا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ : بُجَيْرٌ . فَأَتَاهُمْ , فَقَالَ : قَدْ عَرَفْتُمْ عُزْلَتِي , فَبُجَيْرٌ بِكُلَيْبٍ وَهُوَ أَعَزُّ الْعَرَبِ [ وَكُفُّوا عَنْ الْحَرْبِ ] . فَقَالُوا : بُجَيْرٌ بِشِسْعِ [ نَعْلِ ] كُلَيْبٍ , فَقَاتَلَهُمْ : وَكَانَ مُعْتَزِلًا قَالَ : وَقَالَ إنَّهُ نَزَلَ فِي ذَلِكَ [ وَغَيْرِهِ ] مِمَّا كَانُوا يَحْكُمُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي أَحْكِيهِ [ كُلَّهُ ] بَعْدَ هَذَا , وَحُكْمُ اللَّهُ بِالْعَدْلِ فَسَوَّى فِي الْحُكْمِ بَيْنَ عِبَادِهِ : الشَّرِيفِ مِنْهُمْ , وَالْوَضِيعِ : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . فَقَالَ إنَّ الْإِسْلَامَ نَزَلَ : وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَطْلُبُ بَعْضًا بِدِمَاءٍ وَجِرَاحٍ ; فَنَزَلَ فِيهِمْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } الْآيَةُ . قَالَ : وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ فِي حَيَّيْنِ مِنْ الْعَرَبِ : اقْتَتَلُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ , وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ : فَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ : لَيَقْتُلُنَّ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ , وَبِالْعَبْدِ مِنْهُمْ الْحُرَّ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رَضُوا وَسَلَّمُوا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا مِنْ هَذَا , بِمَا قَالُوا : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا أَلْزَمَ كُلَّ مُذْنِبٍ ذَنْبَهُ , وَلَمْ يَجْعَلْ جُرْمَ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ : فَقَالَ : ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) إذَا كَانَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) قَاتِلًا لَهُ ; ( وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) إذَا كَانَ قَاتِلًا لَهُ ; ( وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً لَهَا . لَا أَنْ يُقْتَلَ بِأَحَدٍ مِمَّنْ [ لَمْ ] يَقْتُلْهُ لِفَضْلِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ . } وَمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا : فِي أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ . دَلِيلُ أَنْ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [ غَيْرَ ] خَاصَّةٍ كَمَا قَالَ مَنْ وَصَفْتُ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ , لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرٌ بِأُنْثَى .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ نا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } . فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا كُتِبَ عَلَى الْبَالِغِينَ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ : لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ إذَا قَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ . بِابْتِدَاءِ الْآيَةِ , وَقَوْلُهُ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } , وَقَطَعَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ قَالَ : وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى مِثْلِ ظَاهِرِ الْآيَةِ . [
قَالَ الشَّافِعِيُّ ] : قَالَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } الْآيَةُ . [ قَالَ وَلَا يَجُوزُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِي حُكْمِ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ ] أَنْ كَانَ حُكْمًا بَيِّنًا . إلَّا مَا جَازَ فِي قَوْلِهِ : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ : كُلُّ نَفْسٍ مُحَرَّمَةِ الْقَتْلِ : فَعَلَى مَنْ قَتَلَهَا الْقَوَدُ . فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهِدِ , وَالْمُسْتَأْمَنِ , وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ : مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ; [ وَالرَّجُلِ بِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ مُسْلِمًا كَانَ , أَوْ كَافِرًا ] , وَالرَّجُلُ بِوَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ . أَوْ يَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ) مِمَّنْ دَمُهُ مُكَافِئٌ دَمَ مَنْ قَتَلَهُ , وَكُلُّ نَفْسٍ : كَانَتْ تُقَادُ بِنَفْسٍ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ , أَوْ سُنَّةٍ , أَوْ إجْمَاعٍ . كَمَا كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) : إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً خَاصَّةً لَا أَنْ ذَكَرًا [ لَا ] يُقْتَلُ بِأُنْثَى . وَهَذَا أُولَى مَعَانِيهِ بِهِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لِأَنَّ عَلَيْهِ دَلَائِلَ مِنْهَا : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ } ; وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلُ الْمَرْءُ بِابْنِهِ إذَا قَتَلَهُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ الرَّجُلُ : بِعَبْدِهِ , وَلَا بِمُسْتَأْمَنٍ : مِنْ أَهْلِ [ دَارِ ] الْحَرْبِ ; وَلَا بِامْرَأَةٍ : مِنْ أَهْل [ دَارِ الْحَرْبِ ] ; وَلَا صَبِيٍّ . قَالَ : وَكَذَلِكَ : وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ بِحَالٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ; قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُعَاذُ بْنُ مُوسَى , عَنْ بُكَيْر بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ; قَالَ [ مُعَاذٌ ] : قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ نَفَرٍ حَفِظَ مُعَاذٌ مِنْهُمْ : مُجَاهِدًا , وَالْحَسَنَ , وَالضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ . فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ : قَالَ : كَانَ كُتِبَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ , حَقَّ أَنْ يُقَادَ بِهَا , وَلَا يُعْفَى عَنْهُ , وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الدِّيَةُ وَفُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يُقْتَلُ وَرُخِّصَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) إنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ , وَإِنْ شَاءَ عَفَى . فَذَلِكَ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } يَقُولُ : الدِّيَةُ تَخْفِيفٌ مِنْ اللَّهِ إذْ جَعَلَ الدِّيَةَ , وَلَا يُقْتَلُ ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يَقُولُ : فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ : فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } . يَقُولُ : لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ , حَيَاةٌ يَنْتَهِي بِهَا بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ , أَنْ يُصِيبَ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ . ( وَأَخْبَرَنَا ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , وَأَبُو زَكَرِيَّا ; قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ , يَقُولُ : كَانَ فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ ; فَقَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ; فَإِنَّ الْعَفْوَ أَنْ يُقْبَلَ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ ; { فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ ; { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : وَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا , كَمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَكَذَلِكَ : قَالَ مُقَاتِلٌ وَتَقَصِّي مُقَاتِلٍ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَقَصِّي ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالتَّنْزِيلُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ مُقَاتِلٌ : لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ ذَكَرَ الْقِصَاصَ ) , ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } . لَمْ يَجُزْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يُقَالَ إنْ عُفِيَ إنْ صُولِحَ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ . لِأَنَّ الْعَفْوَ : تَرْكُ حَقٍّ بِلَا عِوَضٍ ; فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ عُفِيَ عَنْ الْقَتْلِ ; فَإِذَا عُفِيَ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ , وَصَارَ لِعَافِي الْقَتْلِ مَالٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُوَ : دِيَةُ قَتِيلِهِ فَيَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ , وَيُؤَدِّيَ إلَيْهِ الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ . وَإِنْ كَانَ إذَا عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ , لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي أَنْ يَتْبَعَهُ , وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ : شَيْءٌ يُؤَدِّيه بِإِحْسَانٍ . قَالَ : وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مَعَ بَيَانِ الْقُرْآنِ : [ فِي ] مِثْلِ مَعْنَى الْقُرْآنِ . فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وسلم ) قَالَ : { مَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا , فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا : قَتَلُوهُ , وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } , وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ : مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِيرَاثًا مِنْهُ .
( وَفِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ذَكَرَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) مَا فَرَضَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ , قَالَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } . قَالَ : وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ , كَمَا حَكَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : [ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ ] بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ . وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِي النَّفْسِ , وَمَا دُونَهَا مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ بِلَا تَلَفٍ يَخَافُ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَوَدِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } . فَأَحْكَامَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي تَنْزِيلِ كِتَابِهِ : [ أَنَّ ] عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ , دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِهِ . وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : كَمْ الدِّيَةُ ؟ وَكَانَ نَقْلُ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ; عَنْ عَدَدٍ لَا تَنَازُعَ بَيْنَهُمْ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَضَى فِي دِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَكَانَ هَذَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ الْخَاصَّةِ , وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْخَاصَّةِ [ وَبِهِ نَأْخُذُ ; فَفِي الْمُسْلِمِ يُقْتَلُ خَطَأً مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا يَلْزَمُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ فِي الدِّيَةِ إنَّهَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ . قَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) { أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ : اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ : { وَمَا نَقَمُوا إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ } } . قَالَ الشَّيْخُ : حَدِيثُ عِكْرِمَةَ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ : مَرَّةً مُرْسَلًا , وَمَرَّةً مَوْصُولًا بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ . وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَمَرَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْمُعَاهَدِ : يُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ; مَعَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ . فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى قَاتِلِ الْكَافِرِ , [ إلَّا ] بِدِيَةٍ , وَلَا أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا , إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ . وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ( رضي الله عنهما ) فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ , وَالنَّصْرَانِيِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَضَى عُمَرُ ( رضي الله عنه ) فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ , وَذَلِكَ : ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : تَقُومُ الدِّيَةُ : اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فِي دِيَاتِهِمْ بِأَقَلِّ مِنْ هَذَا . وَقَدْ قِيلَ إنَّ دِيَاتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا . فَأَلْزَمْنَا قَاتِلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَقَلَّ مِمَّا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَنَاقَضَهُمْ : بِالْمُؤْمِنَةِ الْحُرَّةِ , وَالْجَنِينِ , وَبِالْعَبْدِ : وَقَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ دَرَاهِمِ يَجِبُ فِي قَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ , وَلَمْ يُسَوَّ بَيْنَهُمْ فِي الدِّيَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } إلَى قَوْلِهِ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَوْلُهُ مِنْ قَوْمٍ ] يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَفِي التَّنْزِيلِ كِفَايَةٌ عَنْ التَّأْوِيلِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) إذْ حَكَمَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى , فِي الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ , وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ , فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا فِي الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِيثَاقٌ , وَقَالَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ مَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : ( مِنْ قَوْمٍ ) يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا , دَارُهُمْ : دَارُ حَرْبٍ مُبَاحَةٌ , وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) إذَا بَلَغَتْ النَّاسَ الدَّعْوَةُ , أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ غَارِّينَ كَانَ فِي ذَلِكَ , دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يُبِيحَ الْغَارَةَ عَلَى دَارٍ : وَفِيهَا مَنْ لَهُ إنْ قُتِلَ عَقْلٌ , أَوْ قَوَدٌ . وَكَانَ هَذَا : حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ إلَّا فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا . وَذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ : كَانُوا مِنْ قُرَيْشٍ ; وَقُرَيْشٌ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ ; وَقُرَيْشٌ عَدُوٌّ لَنَا . وَكَذَلِكَ : كَانُوا مِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ; وَقَبَائِلُهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ حَرْبٍ , ثُمَّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ : تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ , وَلَا عَقْلَ لَهُ إذَا قَتَلَهُ : وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ مُسْلِمًا وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : وَكُلُّ قَاتِلِ عَمْدٍ عُفِيَ عَنْهُ , وَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فَعَلَيْهِ : الْكَفَّارَةُ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إذْ جَعَلَهَا فِي الْخَطَإِ : الَّذِي وُضِعَ فِي الْإِثْمُ ; كَانَ الْعَمْدُ أَوْلَى . وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ : كِتَابُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : حَيْثُ قَالَ فِي الظِّهَارِ : { مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } , وَجَعَلَ فِيهِ كَفَّارَةً . وَمِنْ قَوْلِهِ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } ; ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ , وَذَكَرَهَا ( أَيْضًا ) فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ دُونَ الْعَفْوِ , وَأَخْذِ الدِّيَةِ .