مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْخُلْعِ وَالطَّلاقِ وَالرَّجْعَة
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَاصِمِيِّ :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِمِصْرَ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا , يَقُولُ : قَرَأَ عَلَيَّ يُونُسُ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّجُلِ : يَحْلِفُ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ , قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا قَالَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ذَكَر الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ . وَقَرَأَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } قَالَ الشَّيْخُ : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ ( أَيْضًا ) : بِهَذِهِ الْآيَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } قَالَ : وَقُرِئَتْ : ( لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ ) , وَهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَعْنَى وَرُوِيَ [ ذَلِكَ ] عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَطَلَاقُ السُّنَّةِ فِي الْمَرْأَةِ : الْمَدْخُولِ بِهَا , الَّتِي تَحِيضُ أَنْ يُطَلِّقَهَا : طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ , فِي الطُّهْرِ الَّذِي خَرَجَتْ [ إلَيْهِ ] مِنْ حَيْضَةٍ , أَوْ نِفَاسٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ , وَالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ . وَنَهَى عَنْ الضَّرَرِ . وَطَلَاقُ الْحَائِضِ : ضَرَرٌ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا : لَا زَوْجَةٌ , وَلَا فِي أَيَّامِ تَعْتَدُّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَهِيَ إذَا طَلُقَتْ : وَهِيَ تَحِيضُ . بَعْد جِمَاعٍ لَمْ تَدْرِ , وَلَا زَوْجُهَا عِدَّتُهَا : الْحَمْلُ , أَوْ الْحَيْضُ ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَا مَعًا الْعِدَّةَ ; لِيَرْغَبَ الزَّوْجُ وَتُقْصَرُ الْمَرْأَةُ عَنْ الطَّلَاقِ إذَا طَلَبَتْهُ .
( نا ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : ذَكَر اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الطَّلَاقُ , فِي كِتَابِهِ , بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ : الطَّلَاقِ , وَالْفِرَاقِ , وَالسَّرَاحِ . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلُهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } , وَقَالَ لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَزْوَاجِهِ : { وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } . زَادَ أَبُو سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَمَنْ خَاطَبَ امْرَأَتَهُ , فَأَفْرَدَ لَهَا اسْمًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ : لَزِمَهُ الطَّلَاقُ , وَلَمْ يُنَوَّ فِي الْحُكْمِ , وَنَوَّيْنَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ( فِي آخَرِينَ ) , قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : ثَنَا مَالِكٌ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ , ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا : كَانَ ذَلِكَ لَهُ , وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَد رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ لَهُ فَطَلَّقَهَا , ثُمَّ أَمْهَلَهَا ; حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا : ارْتَجَعَهَا ; ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا آوِيكَ إلَيَّ , وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمئِذٍ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَلَّقَ , أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ ( رحمه الله ) : قَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } قَالَ : وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ : كَفِرَاقِ الزَّوْجَةِ , وَأَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ وَيُغْنَمَ مَالُهُ . فَلَمَّا وَضَعَ [ اللَّهُ ] عَنْهُ : سَقَطَتْ [ عَنْهُ ] أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ كُلِّهِ ; لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عَنْ النَّاسِ : سَقَطَ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ , وَمَا يَكُونُ حُكْمَهُ : بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا }
قَالَ الشَّافِعِيُّ [ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ] : { إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } يُقَالُ : إصْلَاحُ الطَّلَاقِ : بِالرَّجْعَةِ ; وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَأَيُّمَا زَوْجٍ حُرٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ , فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا } إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ : فَرَاجَعُوهُنَّ بِمَعْرُوفِ , [ أَوْ ] وَدَعَوْهُنَّ تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُمْ أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا : لِيَعْتَدُوا ; فَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُهُنَّ : ضِرَارًا زَادَ عَلَى هَذَا , فِي مَوْضِعِ آخَرَ هُوَ عِنْدِي بِالْإِجَازَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . [ وَالْعَرَبُ ] تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا قَارَبَ الْبَلَدَ يُرِيدُهُ أَوْ الْأَمْرَ يُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْته , وَتَقُولُهُ إذَا بَلَغَهُ . فَقَوْلُهُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إذَا قَارَبْنَ [ بُلُوغَ ] أَجَلِهِنَّ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ , إلَّا : مَنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي الْعِدَّةِ . وَقَوْلُهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ; هَذَا إذَا قَضَيْنَ أَجَلَهُنَّ . وَهَذَا : كَلَامٌ عَرَبِيٌّ , وَالْآتِيَانِ يَدُلَّانِ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا بَيِّنًا ; وَالْكَلَامُ فِيهِمَا مِثْلُ قَوْلِهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا , فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمَرْأَةِ : يُطَلِّقُهَا الْحُرُّ ثَلَاثًا . [ قَالَ ] : فَلَا تَحِلُّ لَهُ : حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ; لِقَوْلِهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قَالَ : فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ; [ وَ ] دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ : فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا , بِزَوْجٍ : صَحِيحِ النِّكَاحِ فَأَصَابَهَا , ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا : حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ : ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } . وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ ; فَأَمَّا الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ إنْ أَقَامَا الرَّجْعَةَ ; لِأَنَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ . وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } إصْلَاحَ مَا أَفْسَدُوا بِالطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامُ إلَى أَنْ قَالَ : فَأُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَنْوِيَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا , وَغَيْرِهِ مِنْ حُدُودِهِ . قَالَ الشَّيْخُ : قَوْلُهُ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } ; إنْ أَرَادَ [ بِهِ ] : الزَّوْجَ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَإِقَامَةُ الرَّجْعَةِ , مِثْلُ : أَنْ يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَكُونُ الْحُجَّةُ فِي رُجُوعِهَا إلَى الْأَوَّلِ : بِنِكَاحٍ مُبْتَدَإٍ تَعْلِيقَهُ التَّحْرِيمَ بِغَايَتِهِ . وَإِنْ أَرَادَ بِهِ : الزَّوْجَ الْأَوَّلَ ; فَالْمُرَادُ بِالتَّرَاجُعِ : النِّكَاحُ الَّذِي يَكُونُ بِتَرَاجُعِهِمَا وَبِرِضَاهُمَا جَمِيعًا , بَعْدَ الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فَقَالَ الْأَكْثَرُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . عِنْدَنَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ : وُقِفَ الْمُولِي ; فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ , وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ . [ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ . عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ : انْقِضَاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ] قَالَ : وَالظَّاهِرُ فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَنْظَرَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , فِي شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ . لِأَنَّهُ [ إنَّمَا ] جَعَلَ عَلَيْهِ : الْفَيْئَةَ أَوْ الطَّلَاقَ وَالْفَيْئَةُ : الْجِمَاعُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ . وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ; فَلَا يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ : وَقَدْ ذُكِرَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَمَا يُقَالُ لَهُ : افْدِهِ , أَوْ نَبِيعَهُ عَلَيْكَ بِلَا فَصْلٌ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ , وَبَيَانُ الِاعْتِبَارِ بِالْعَزْمِ . قَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ : وَكَيْفَ يَكُونُ عَازِمًا عَلَى أَنْ يَفِيءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ , فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ , لَزِمَهُ الطَّلَاقُ : وَهُوَ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَتُرَى هَذَا قَوْلًا يَصِحُّ فِي الْعُقُولِ [ لِأَحَدٍ ] ؟ , . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ لِي مَسْمُوعٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ : وَلِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفَيْئَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِشَيْءٍ يُحْدِثَهُ مِنْ جِمَاعٍ , أَوْ فِي فَيْءٍ بِلِسَانٍ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجِمَاعِ . وَأَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ هُوَ مُضِيّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا : شَيْءٌ يُحْدِثُهُ هُوَ بِلِسَانِ , وَلَا فِعْلٍ ؟ أَرَأَيْتَ الْإِيلَاءَ : طَلَاقٌ هُوَ ؟ قَالَ : لَا . قُلْنَا أَفَرَأَيْتَ كَلَامًا قَطُّ : لَيْسَ بِطَلَاقٍ جَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ فَجَعَلَتْهُ طَلَاقًا ؟ , وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ نَقَلْتُهُ إلَى ( الْمَبْسُوطِ ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } الْآيَة .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى : [ مِنْ ] أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَذْكُرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ( كَانُوا ) يُطَلِّقُونَ بِثَلَاثٍ : الظِّهَارِ , وَالْإِيلَاءِ , وَالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الطَّلَاقَ : طَلَاقًا ; وَحَكَمَ فِي الْإِيلَاءِ بِأَنَّ أَمْهَلَ الْمُولِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِ : أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَحَكَمَ فِي الظِّهَارِ بِالْكَفَّارَةِ , وَ [ أَنْ ] لَا يَقَعَ بِهِ طَلَاقٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي حَفِظْتُ مِمَّا سَمِعْتُ فِي : { يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } . أَنَّ الْمُتَظَاهِرَ حَرَّمَ [ مَسَّ ] امْرَأَتِهِ بِالظِّهَارِ ; فَإِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ , لَمْ يُحْرِمْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُحَرَّمُ بِهِ , وَلَا بِشَيْءٍ يَكُونُ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْ أَنْ تَحْرُمَ [ عَلَيْهِ ] بِهِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ . كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَلَالٌ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ , فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ . قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مَعْنَى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا , وَلَمْ أَعْلَم مُخَالِفًا فِي أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ : وَإِنْ لَمْ يَعُدْ بِتَظَاهُرٍ آخَرَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالُ مَا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْآيَةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَقْتٌ لِأَنَّ يُؤَدِّيَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ ; [ فِيهَا قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ فَإِذَا كَانَتْ الْمُمَاسَّةُ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ ] فَذَهَبَ الْوَقْتُ : لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَّارَةُ , [ وَلَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ فِيهَا ] . . وَجَعَلَهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ; قَالَ : لَا [ يُجْزِيهِ ] تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ فِي الْقَتْلِ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } . وَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ [ إذَا كَانَتْ ] كَفَّارَةً , كَالدَّلِيلِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى أَنْ لَا تُجْزِيَ رَقَبَةٌ فِي كَفَّارَةٍ , إلَّا مُؤْمِنَةٌ . كَمَا شَرَطَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ , فِي مَوْضِعَيْنِ , وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ . فَلَمَّا كَانَتْ شَهَادَةً كُلُّهَا : اكْتَفَيْنَا بِشَرْطِ اللَّهِ فِيمَا شَرَطَ فِيهِ ; وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَطْلَقَ مِنْ الشَّهَادَاتِ ; ( إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا شَرَطَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } الْآيَةُ . قَالَ فَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا : [ فِي ] أَنَّ ذَلِكَ إذَا طَلَبَتْ الْمَقْذُوفَةُ الْحَدَّ , وَلَمْ يَأْتِ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُخْرِجُونَهُ مِنْ الْحَدِّ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ } إلَى آخِرِهَا