مَا نُسِخَ مِنَ الْوَصَايَا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } . قَالَ فَكَانَ فَرْضًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا وَالْخَيْرُ الْمَالُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ . وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [ بِالْقُرْآنِ ] أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَبِينَ : غَيْرِ الْوَارِثِينَ ; فَأَكْثَرُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ حَفِظْتُ [ عَنْهُ ] . قَالَ : الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهَا إذَا كَانَتْ إنَّمَا يُورَثُ بِهَا , فَلَمَّا قَسَمَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ : كَانَتْ تَطَوُّعًا وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كُلُّهُ كَمَا قَالُوا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) [ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ] بِآيَةِ الْمِيرَاثِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ قَوْلِهِ : { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ . } وَاحْتَجَّ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ : لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ , فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ , فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً . } [ ثُمَّ قَالَ ] : وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ , وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ : تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ . فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ لَمْ تَجُزْ لِلْمَمْلُوكِينَ وَقَدْ أَجَازَهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَوْدَعِ : إذَا قَالَ : دَفَعْتهَا إلَيْكَ , فَالْقَوْلُ : قَوْلُهُ . وَلَوْ قَالَ أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ , فَدَفَعْتُهَا ; فَالْقَوْلُ : قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } وَقَالَ فِي الْيَتَامَى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } . وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هُوَ : وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ [ وَصِيٌّ ] وَصَّاهُ الْحَاكِمُ : لَيْسَ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ . وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ : غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ; إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ . [ وَ ] كَذَلِكَ : الْوَصِيُّ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ [ أَبَا الْعَبَّاسِ ] حَدَّثَهُمْ : أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } وَقَالَ : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } إلَى قوله تعالى : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا [ مَعًا ] الْخُمُسُ مِنْ جَمِيعِهِمَا , لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ [ لَهُ ] فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ مُجْتَمَعِينَ غَيْرُ مُفْتَرِقِينَ . ثُمَّ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَفِي فِعْلِهِ . فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ وَالْغَنِيمَةُ هِيَ : الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَاب . : لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ . وَالْفَيْءُ هُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي قُرَى : عُرَيْنَةَ ; الَّتِي أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ . أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا حَدِيثَ { عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حَيْثُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ , فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصًا , دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ , فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : هَذَا : كَلَامٌ عَرَبِيٌّ ; إنَّمَا يَعْنِي عُمَرَ ( رضي الله عنه ) [ بِقَوْلِهِ ] : لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَالِصًا مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ . فَاسْتَدْلَلْت بِخَبَرِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ لِأَهْلِ الْخُمْسِ : [ مِمَّا أُوجِفَ عَلَيْهِ ] . وَاسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْحَشْرِ : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } عَلَى أَنَّ لَهُمْ الْخُمُسَ , فَإِنَّ الْخُمُسَ إذَا كَانَ لَهُمْ فَلَا يُشَكُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَلَّمَهُ لَهُمْ . وَاسْتَدْلَلْنَا : إذْ كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } , فَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الْأَنْفَالِ , لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ . أَنَّ مَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ : الْخُمُسُ لَا غَيْرُهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَوَجَدْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) حَكَمَ فِي الْخُمُسِ بِأَنَّهُ عَلَى خَمْسَةٍ ; لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( لِلَّهِ ) مِفْتَاحُ كَلَامٍ : لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ , وَلَهُ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ , وَمِنْ بَعْدُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) [ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِنَّ لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ ] . فَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ : لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ : [ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ ] وَلَا خَالَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ : حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَيُقْسَمُ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِي قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى , بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُهُ : { إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ : شَيْءٌ وَاحِدٌ } . وَهُوَ مَذْكُورٌ بِشَوَاهِدِهِ , فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْمَبْسُوطِ وَالْمَعْرِفَةِ , وَالسُّنَنِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كُلُّ مَا حَصَلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قُسِمَ كُلُّهُ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمَنَّ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْهُمْ أَوْ يَقْتُلَ , أَوْ يُفَادِيَ , أَوْ يَسْبِيَ . وَسَبِيلُ مَا سَبَى وَمَا أَخَذَ مِمَّا , فَادَى : سَبِيلُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ . وَاحْتَجَّ فِي الْقَدِيمِ : بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } وَذَلِكَ فِي بَيَانِ اللُّغَةِ : قَبْلَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أُسَارَى بَدْرٍ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَفْدَاهُمْ : وَالْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَائِمَةٌ . وَعَرَضَ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ : وَهُوَ ( يَوْمئِذٍ ) وَقَوْمُهُ أَهْلُ الْيَمَامَةِ ; حَرْبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ } الْآيَةُ . فَأَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ أَكَّدَهَا [ وَشَدَّدَهَا ] , فَقَالَ : { فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ } . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ عَلَيْهِ ] وَذَلِكَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مَنْ وُجِدَ : كَقَوْلِهِ : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } الْآيَةُ وَكَقَوْلِهِ : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } , وَكَقَوْلِهِ : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } . فَمَعْقُولٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] فَرَضَ هَذَا : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ . وَكَانَ مَعْقُولًا [ عَنْهُ ] أَنَّ هَذِهِ السُّهْمَانَ : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ وَتُقْسَمُ . فَإِذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ قَوْمٍ : قُسِمَتْ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِي دَارِهِمْ مِنْ أَهْلِ [ هَذِهِ ] السُّهْمَانِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ جِيرَانِهِمْ [ إلَى أَحَدٍ ] : حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهَا . ثُمَّ ذَكَرَ تَفْسِيرَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) , قَالَ : نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله تَعَالَى ) فَأَهْلُ السُّهْمَانِ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَا لَهُمْ مِنْهَا كُلُّهُمْ وَأَسْبَابُ حَاجَتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ , [ وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ ] يَجْمَعُهَا الْحَاجَةُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا صِفَاتُهَا . فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ : الزَّمْنَى الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ , وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ : الَّذِينَ لَا تَقَعُ حِرْفَتُهُمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ , وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ . وَالْمَسَاكِينُ : السُّؤَالُ , وَمَنْ لَا يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ وَلَا عِيَالَهُ وَقَالَ فِي ( كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ ) الْفَقِيرُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ : تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا ; زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ , سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا . وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ , أَوْ حِرْفَةٌ : [ لَا ] تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ : سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ .