فَصْلٌ فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِير والْمَعانِي في الطَّهَاراتِ والصَّلَوات
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ أَنَّ غُسْلَهُمْ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَاءِ [ ثُمَّ ] أَبَانَ اللَّهُ فِي [ هَذِهِ ] الْآيَةِ أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ . وَكَانَ مَعْقُولًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ : [ أَنَّ الْمَاءَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ لِلْآدَمِيِّينَ ] وَذَكَرَ الْمَاءَ عَامًّا ; فَكَانَ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْقُلَّاتِ وَالْبِحَارِ الْعَذْبُ مِنْ جَمِيعِهِ , وَالْأُجَاجُ سَوَاءٌ : فِي أَنَّهُ يُطَهِّرُ مَنْ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ بِهِ . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْوَجْهَ الْمَفْرُوضَ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ مَا ظَهَرَ دُونَ مَا بَطَنَ . وَقَالَ : وَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْوَجْهَ مَا دُونَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى الْأُذُنَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ وَفِي قوله تعالى : { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } ; قَالَ فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا [ فِي ] أَنَّ الْمَرَافِقَ فِيمَا يُغْسَلُ . كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى [ أَنَّ ] مَعْنَاهَا : فَاغْسِلُوا أَيْدِيكُمْ إلَى أَنْ تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ . وَفِي قوله تعالى : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } ; قَالَ : وَكَانَ مَعْقُولًا فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا , فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ إلَّا هَذَا وَهُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهَا أَوْ مَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ قَالَ : فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ مَسْحُ رَأْسِهِ كُلِّهِ وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ , فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ . وَفِي قوله تعالى : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } ;
قَالَ الشَّافِعِيُّ : نَحْنُ نَقْرَؤُهَا ( وَأَرْجُلَكُمْ ) عَلَى مَعْنَى : اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ , وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ قَالَ : وَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوُضُوءِ الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ وَهُمَا مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَأَنَّ عَلَيْهِمَا الْغُسْلَ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِمَا إلَى اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ حَتَّى تَغْسِلُوا الْكَعْبَيْنِ . وَقَالَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْكَعْبُ إنَّمَا سُمِّيَ كَعْبًا لِنُتُوئِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَمَّا تَحْتَهُ وَمَا فَوْقَهُ وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الْمُجْتَمِعِ مِنْ السِّمَنِ , كَعْبٌ سَمِنَ وَلِلْوَجْهِ فِيهِ نُتُوءٌ وَجْهٌ كَعَبَ وَالثَّدْيُ إذَا تَنَاهَدَ كَعَبَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : وَأَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَأْتِي بِالْغُسْلِ كَيْفَ شَاءَ وَلَوْ قَطَعَهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ : { حَتَّى تَغْتَسِلُوا } فَهَذَا مُغْتَسَلٌ وَإِنْ قَطَعَ الْغُسْلَ ; فَلَا أَحْسَبُهُ يَجُوزُ إذَا قَطَعَ الْوُضُوءَ إلَّا مِثْلُ هَذَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ . فَأَشْبَهَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي الْوُضُوءِ شَيْئَانِ [ أَنْ ] يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ , ثُمَّ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بِهِ مِنْهُ وَيَأْتِي عَلَى إكْمَالِ مَا أَمَرَ بِهِ وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } . { فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفَا وَقَالَ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَذَكَرَ اللَّهُ الْيَدَيْنِ مَعًا وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا , فَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيُمْنَى وَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى , فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ . وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَكَانَتْ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي خَاصٍّ , فَسَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ بِالْقُرْآنِ يَزْعُمُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ , وَأَحْسَبُ مَا قَالَ , كَمَا قَالَ . لِأَنَّ [ فِي ] السُّنَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ مَنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَكَانَ الْوُضُوءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْدِثْ غَائِطًا وَلَا بَوْلًا دُونَ مَنْ أَحْدَثَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا لِأَنَّهُمَا نَجَسَانِ يَمَاسَّانِ بَعْضَ الْبَدَنِ . يَعْنِي , فَيَكُونُ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ فَيَسْتَنْجِي بِالْحِجَارَةِ أَوْ الْمَاءِ ; قَالَ وَلَوْ جَمَعَهُ رَجُلٌ , ثُمَّ غَسَلَ بِالْمَاءِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ . وَيُقَالُ إنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَنْجَوْا بِالْمَاءِ , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَمَعْقُولٌ إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَائِطَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْغَائِطَ التَّخَلِّي ; فَمَنْ تَخَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ . ثُمَّ ذَكَرَ الْحُجَّةَ مِنْ غَيْرِ الْكِتَابِ , فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالرِّيحِ وَالْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ وَفِي قوله تعالى : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ } ;
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَامَ مِنْ مَضْجَعِ النَّوْمِ . وَذَكَرَ طَهَارَةَ الْجُنُبِ , ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } . فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأَوْجَبَهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَوْصُولَةً بِالْغَائِطِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَنَابَةِ , فَأَشْبَهَتْ الْمُلَامَسَةُ أَنْ تَكُونَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ وَالْقُبَلَ غَيْرَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِآثَارٍ ذَكَرَهَا . قَالَ الرَّبِيعُ : اللَّمْسُ بِالْكَفِّ ; أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ . وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ , فَلَا يَقْلِبُهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ : فَأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّهُ أَطْلُبُ الْغِنَى وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي فَلَا أَنَا مِنْهُ مَا أَفَادَ ذَوُو الْغِنَى أَفَدْتُ وَأَعْدَانِي فَبَدَّدْتُ مَا عِنْدِي هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَا : الْحُسَيْنُ بْنُ رَشِيقٍ الْمِصْرِيُّ إجَازَةً أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرِيرٍ النَّحْوِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : فَذَكَرَ مَعْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } فَأَوْجَبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْجَنَابَةَ : الْجِمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجِمَاعِ مَاءٌ دَافِقٌ . وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي حَدِّ الزِّنَا , وَإِيجَابِ الْمَهْرِ , وَغَيْرِهِ وَكُلُّ مَنْ خُوطِبَ بِأَنَّ فُلَانًا أَجْنَبَ مِنْ فُلَانَةَ عَقَلَ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَرِفًا يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ فَرْضُ اللَّهِ الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ , فَإِذَا جَاءَ الْمُغْتَسِلُ [ بِالْغُسْلِ ] أَجْزَأَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَمَا جَاءَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَا وَقْتَ فِي الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ , إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ , انْحَلَّ عِقْدٌ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَقَامَ النَّاسُ عَلَى الْتِمَاسِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) آيَةَ التَّيَمُّمِ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَدَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي وَغَيْرُهُمْ . [ ثُمَّ ] رَوَى فِيهِ حَدِيثَ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } قَالَ : وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ , فَهُوَ : صَعِيدٌ طَيِّبٌ يُتَيَمَّمُ بِهِ وَلَا يَقَعُ اسْمُ صَعِيدٍ إلَّا عَلَى تُرَابٍ ذِي غُبَارٍ ; فَأَمَّا الْبَطْحَاءُ الْغَلِيظَةُ وَالرَّقِيقَةُ وَالْكَثِيبُ الْغَلِيظُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } الْآيَةُ وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } , فَدَلَّ حُكْمُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ التَّيَمُّمَ فِي حَالَيْنِ : أَحَدُهُمَا : السَّفَرُ وَالْإِعْوَازُ مِنْ الْمَاءِ وَالْآخَرُ الْمَرَضُ فِي حَضَرٍ كَانَ أَوْ سَفَرٍ . وَدَلَّ [ ذَلِكَ ] عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسَافِرِ طَلَبَ الْمَاءِ , لِقَوْلِهِ : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } وَكَانَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ مُجْتَازًا مِنْ بَلَدٍ إلَى غَيْرِهِ , يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ قَصُرَ السَّفَرُ أَوْ طَالَ . وَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ السُّنَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ لِبَعْضِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَتَيَمَّمَ دُونَ بَعْضٍ , فَكَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا يَتَيَمَّمُ قَالَ : وَإِذَا كَانَ مَرِيضًا بَعْضَ الْمَرَضِ : تَيَمَّمَ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ , وَاجِدًا لِلْمَاءِ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ لَهُ وَالْمَرَضُ اسْمٌ جَامِعٌ لَمَعَانٍ لِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ , فَاَلَّذِي سَمِعْتُ أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِيهِ الْجِرَاحُ وَالْقُرْحُ دُونَ الْغَوْرِ كُلِّهِ مِثْلُ الْجِرَاحِ ; لِأَنَّهُ يُخَافُ فِي كُلِّهِ إذَا مَا مَسَّهُ الْمَاءُ أَنْ يَنْطِفَ , فَيَكُونَ مِنْ النَّطْفِ التَّلَفُ وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ( رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ) : يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ [ إنْ مَسَّهُ الْمَاءُ ] التَّلَفَ , أَوْ شِدَّةَ الضَّنَى . وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : فَخَافَ , إنْ أَصَابَهُ الْمَاءُ , أَنْ يَمُوتَ , أَوْ يَتَرَاقَى عَلَيْهِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا ; تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمَرِيضِ التَّيَمُّمَ وَقِيلَ : ذَلِكَ الْمَرَضُ : الْجِرَاحُ وَالْجُدَرِيُّ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ الْمَرَضِ عِنْدِي مِثْلَهُمَا وَلَيْسَ الْحُمَّى وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الرَّمَدِ وَغَيْرِهِ عِنْدِي , مِثْلَ ذَلِكَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِنَا : جَعَلَ اللَّهُ الْمَوَاقِيتَ لِلصَّلَاةِ , فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا وَالْإِعْوَازِ مِنْ الْمَاءِ . فَمَنْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَطَلَبَ الْمَاءَ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ .
أَخْبَرَنَا , أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِنَّمَا قُلْتُ : لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) يَقُولُ { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } , فَكَانَ مَعْقُولًا . أَنَّ الْوَجْهَ لَا يَكُونُ مَغْسُولًا إلَّا بِأَنْ يَبْتَدِئَ لَهُ بِمَاءٍ فَيُغْسَلَ بِهِ , ثُمَّ عَلَيْهِ فِي الْيَدَيْنِ عِنْدِي مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ [ مِنْ ] أَنْ يَبْتَدِئَ لَهَا مَاءً , فَيَغْسِلَهُمَا بِهِ . فَلَوْ أَعَادَ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ الَّذِي غَسَلَ بِهِ الْوَجْهَ كَانَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَوَجْهِهِ وَلَا يَكُونُ مُسَوِّيًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَبْتَدِئَ لَهُمَا الْمَاءَ , كَمَا ابْتَدَأَ لِلْوَجْهِ { وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ لِكُلِّ عُضْوٍ مَاءً جَدِيدًا } وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } إلَى : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) بِغُسْلِ الْقَدَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ , وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ . فَدَلَّ مَسْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهَا عَلَى مَنْ لَا خُفَّيْنِ عَلَيْهِ [ إذَا هُوَ ] لَبِسَهُمَا عَلَى كَمَالِ طَهَارَةٍ . كَمَا دَلَّ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) صَلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مِمَّنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , عَلَى بَعْضِ الْقَائِمِينَ دُونَ بَعْضٍ , لَا أَنَّ الْمَسْحَ خِلَافٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا الْوُضُوءَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ . زَادَ فِي رِوَايَتِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْهُ : إنَّمَا يُقَالُ : الْغُسْلُ كَمَالٌ وَالْمَسْحُ رُخْصَةُ كَمَالٍ وَأَيَّهمَا شَاءَ فَعَلَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } الْآيَةُ , وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى [ أَنَّ ] الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } الْآيَةُ . فَكَانَ الْوُضُوءُ عَامًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ الْأَحْدَاثِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ الْجُنُبَ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ , دَلِيلًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ غُسْلٌ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ إلَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى غُسْلٍ وَاجِبٍ فَنُوجِبُهُ بِالسُّنَّةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي الْأَخْذِ بِهَا وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنْ يَجِبَ غُسْلٌ غَيْرُ الْجَنَابَةِ الْوُجُوبَ الَّذِي لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ . وَقَدْ رُوِيَ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ , فَذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى غَيْرِ مَا قُلْنَا وَلِسَانُ الْعَرَبِ وَاسِعٌ . ثُمَّ ذَكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ وَذَكَرَ تَأْوِيلَهُ وَذَكَرَ السُّنَّةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَ [ فِي ] النَّظَافَةِ , وَنَفَى تَغَيُّرَ الرِّيحِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ , وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ .
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) عَنْ الرَّبِيعِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ( رحمه الله تَعَالَى ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } الْآيَةُ . فَأَبَانَ أَنَّهَا حَائِضٌ غَيْرُ طَاهِرٍ وَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَقْرَبَ حَائِضًا حَتَّى تَطْهُرَ وَلَا إذَا طَهُرَتْ حَتَّى تَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ وَتَكُونُ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ . وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } ,
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يَعْنِي فِي مَوَاضِعِ الْحَيْضِ . وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِمَا قَالَ , وَمُحْتَمِلَةً أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ : اعْتِزَالُ جَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى اعْتِزَالِ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا وَإِبَاحَةِ مَا فَوْقَهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ مُبَيَّنًا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ : } أَنَّهُنَّ حُيَّضٌ فِي غَيْرِ حَالِ الطَّهَارَةِ وَقَضَى اللَّهُ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ لَا يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَغْتَسِلَ , فَكَانَ مُبَيِّنًا أَنْ لَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْجُنُبِ إلَّا الْغُسْلَ وَلَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْحَائِضِ إلَّا ذَهَابَ الْحَيْضِ , ثُمَّ الْغُسْلَ : لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ } وَذَلِكَ : انْقِضَاءُ الْحَيْضِ : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } يَعْنِي بِالْغُسْلِ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ طَهَارَةَ الْحَائِضِ : الْغُسْلُ وَدَلَّتْ عَلَى بَيَانِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ أَنْ لَا تُصَلِّيَ الْحَائِضُ . فَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ رضي الله عنها , ثُمَّ قَالَ : { وَأَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي } يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تُصَلِّيَ حَائِضًا ; لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرٍ مَا كَانَ الْحَيْضُ قَائِمًا وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } الْآيَتَيْنِ . فَلَمَّا لَمْ يُرَخِّصْ اللَّهُ فِي أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ فِي الْخَوْفِ وَأَرْخَصَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْمُصَلِّي , كَمَا أَمْكَنَتْهُ رِجَالًا وَرُكْبَانًا , وَقَالَ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وَكَانَ مَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ الْبَالِغِينَ , عَاصِيًا بِتَرْكِهَا إذَا جَاءَ وَقْتُهَا وَذِكْرُهَا , [ وَكَانَ غَيْرَ نَاسٍ لَهَا ] , وَكَانَتْ الْحَائِضُ بَالِغَةً عَاقِلَةً , ذَاكِرَةً لِلصَّلَاةِ مُطِيقَةً لَهَا وَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا زَوْجُهَا حَائِضًا وَدَلَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ إذَا حَرَّمَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا لِلْحَيْضِ , حَرَّمَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ : كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ [ عَلَى ] أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ زَائِلٌ عَنْهَا , فَإِذَا زَالَ عَنْهَا وَهِيَ ذَاكِرَةٌ عَاقِلَةٌ مُطِيقَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ . وَكَيْفَ تَقْضِي مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهَا بِزَوَالِ , فَرْضِهِ عَنْهَا ؟ , وَهَذَا مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( رحمه الله ) نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمِمَّا نَقَلَ بَعْضُ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْزَلَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } ثُمَّ نَسَخَ هَذَا فِي السُّورَةِ مَعَهُ , فَقَالَ : { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَك } ; قَرَأَ إلَى : { وَآتُوا الزَّكَاةَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بَعْدَ أَمْرِهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ : نِصْفَهُ إلَّا قَلِيلًا , أَوْ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ , فَقَالَ : { أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ } , فَخَفَّفَ , فَقَالَ : { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } كَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) نَسْخُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ وَالنُّقْصَانُ مِنْ النِّصْفِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } . ثُمَّ احْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } , مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ , فَرْضًا ثَابِتًا ; لِأَنَّهُ أُزِيلَ بِهِ , فَرْضٌ غَيْرُهُ . ( وَالْآخَرُ ) أَنْ يَكُونَ , فَرْضًا مَنْسُوخًا أُزِيلَ بِغَيْرِهِ , كَمَا أُزِيلَ بِهِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } الْآيَةُ وَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } أَنْ يَتَهَجَّدَ بِغَيْرِ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْهُ فَكَانَ الْوَاجِبُ طَلَبَ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ , فَوَجَدْنَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا وَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا الْخَمْسَ , فَصِرْنَا إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْخَمْسُ وَأَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ وَاجِبٍ مِنْ صَلَاةٍ , قَبْلَهَا مَنْسُوخٌ بِهَا , اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } فَإِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقِيَامِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ , وَثُلُثِهِ وَمَا تَيَسَّرَ . وَلَسْنَا نُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ , أَنْ يَتَهَجَّدَ بِمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ , مُصَلِّيًا [ بِهِ ] وَكَيْفَمَا أَكْثَرَ , فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا . ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله . فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا بِلَفْظٍ آخَرَ , ثُمَّ قَالَ : وَيُقَالُ : نُسِخَ مَا وَصَفَتْ الْمُزَّمِّلُ , بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } وَدُلُوكُ الشَّمْسِ : زَوَالُهَا ; { إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } الْعَتَمَةُ , { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } الصُّبْحُ , { إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } فَأَعْلَمَهُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ نَافِلَةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَأَنَّ الْفَرَائِضَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُقَالُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } الصُّبْحُ { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا } الْعَصْرُ { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } الظُّهْرُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قِيلَ مِنْ هَذَا , بِمَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَبِهِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَحْكَمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِكِتَابِهِ : أَنَّ مَا فَرَضَ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَوْقُوتٌ وَالْمَوْقُوتُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : الْوَقْتُ الَّذِي نُصَلِّي فِيهِ , وَعَدَدُهَا فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ [ قَالَ ] :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ . } قَالَ يُقَالُ : نَزَلَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ . وَأَيُّمَا كَانَ نُزُولُهَا : قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَوْ بَعْدَ [ ه ] فَمَنْ صَلَّى سَكْرَانَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ; لِنَهْيِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إيَّاهُ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ وَإِنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الصَّلَاةَ : قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَإِمْسَاكٌ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا يُؤَدِّي هَذَا كَمَا أَمَرَ بِهِ , إلَّا مَنْ عَقَلَهُ .