عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 08:01 PM   #60
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


القسم الأول إثبات العلة بأدلة نقلية
وذلك إنما يستفاد من صريح النطق أو من الايماء أو من التنبيه على الاسباب، وهي ثلاثة أضرب‏:‏ الضرب الأول‏:‏ الصريح، وذلك أن يرد فيه لفظ التعليل، كقوله لكذا أو لعلة كذا أو لاجل كذا، أو لكيلا يكون كذا، وما يجري مجراه من صيغ التعليل، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم‏}‏ ‏(‏الحشر‏:‏ 7‏}‏ ‏(‏من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 23‏)‏ و ‏{‏ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله‏}‏ ‏(‏الانفال‏:‏ 31‏)‏ وقوله عليه السلام‏:‏ إنما جعل الاستئذان لاجل البصر وإنما نهيتكم لاجل الدافة فهذه صيغ التعليل، إلا إذا دل دليل على أنه ما قصد التعليل فيكون مجازا كما يقال‏:‏ لم فعلت‏؟‏ فيقول لاني أردت أن أفعل، فهذا لا يصح أن يكون علة، فهو استعمال اللفظ في غير محله‏.‏ قال القاضي‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أقم الصلاة لدلوك الشمس‏}‏ ‏(‏الاسراء‏:‏ 87‏)‏ من هذا الجنس، لان هذا لام التعليل، والدلوك لا يصلح أن يكون علة، فمعناه‏:‏ صل عنده، فهو للتوقيت، وهذا فيه نظر إذ الزوال والغروب لا يبعد أن ينصبه الشرع علامة للوجوب، ولا معنى لعلة الشرع إلا العلامة المنصوبة، وقد قال الفقهاء‏:‏ الاوقات أسباب، ولذلك يتكرر الوجوب بتكررها ولا يبعد تسمية السبب علة‏.‏ الضرب الثاني‏:‏ التنبيه والايماء على العلة‏:‏ كقوله عليه السلام لما سئل عن الهرة إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات فإنه وإن لم يقل لانها أو لاجل أنها من الطوافين لكن أومأ إلى التعليل لانه لو لم يكن علة لم يكن ذكر وصف الطواف مفيدا، فإنه لو قال‏:‏ إنها سوداء أو بيضاء، لم يكن منظوما إذ لم يرد التعليل، وكذلك قوله‏:‏ فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا وإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دما وقوله جل جلاله‏:‏ ‏{‏إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 19‏)‏ فإنه بيان لتعليل تحريم الخمر حتى يطرد في كل مسكر، وكذلك ذكر الصفة قبل الحكم، كقوله‏:‏ ‏{‏قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 222‏)‏ فهو تعليل حتى يفهم منه تحريم الاتيان في غير المأتي، لان الاذى فيه دائم، ولا يجري في المستحاضة، لان ذلك عارض وليس بطبيعي، وكذلك قوله‏:‏ تمرة طيبة وماء طهور فإن ذلك لو لم يكن تعليلا لاستعماله لما كان الكلام واقعا في محله، وهو الذي يدل على أنه كان ماء نبذ فيه تميرات، فيقاس عليه الزبيب و غيره ولا يقاس عليه المرقة والعصيدة وما انقلب شيئا آخر بالطبخ، وكذلك قوله عليه السلام‏:‏ أينقص الرطب إذا يبس‏؟‏ فقيل‏:‏ نعم، فقال فلا إذا ففيه تنبيه على العلة من ثلاثة أوجه‏.‏ أحدها‏:‏ أنه لا وجه لذكر هذا الوصف لولا التعليل به‏.‏ الثاني‏:‏ قوله‏:‏ إذا فإنه للتعليل‏.‏ الثالث‏:‏ الفاء في قوله‏:‏ فلا إذا فإنه للتعقيب والتسبيب، ومن ذلك أن يجيب عن المسألة بذكر نظيرها كقوله‏:‏ أرأيت لو تمضمضت أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه‏؟‏ فإنه لو لم يكن للتعليل لما كان التعرض لغير محل السؤال منتظما ومن ذلك أن يفصل الشارع بين قسمين بوصف ويخصه بالحكم، كقول القائل‏:‏ القاتل لا يرث، فإنه يدل في الظاهر على أنه لا يرث لكونه قاتلا، وليس هذا للمناسبة، بل لو قال‏:‏ الطويل لا يرث أو الاسود لا يرث لكنا نفهم منه جعله الطول والسواد علامة على انفصاله عن الورثة فهذا وأمثاله مما يكثر، ولا يدخل تحت الحصر، فوجوه التنبيه لا تنضبط، وقد أطنبنا في تفصيلها في كتاب شفاء الغليل‏.‏ وهذا القدر كاف ههنا‏.‏ الضرب الثالث‏:‏ التنبيه على الاسباب بترتيب الاحكام عليها بصيغة الجزاء والشرط وبالفاء التي هي للتعقيب والتسبيب، كقوله عليه السلام‏:‏ من أحيا أرضا ميتة فهي له ومن بدل دينه فاقتلوه وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كانوا‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 38‏)‏ و ‏{‏الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 2‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 6‏)‏ ويلتحق بهذا القسم ما يرتبه الراوي بفاء الترتيب كقوله‏:‏ زنى ماعز فرجم، وسها النبي فسجد، ورضخ يهودي رأس جارية فرضخ النبي رأسه، فكل هذا يدل على التسبيب، وليس للمناسبة، فإن قوله‏:‏ من مس ذكره فليتوضأ يفهم منه السبب، وإن لم يناسب، بل يلتحق بهذا الجنس كل حكم حدث عقيب وصف حادث سواء كان من الاقوال كحدوث الملك والحل عند البيع والنكاح والتصرفات، أو من الافعال كاشتغال الذمة عند القتل والاتلاف، أو من الصفات، كتحريم الشرب عند طريان الشدة على العصير وتحريم الوطئ عند طريان الحيض فإنه ينقدح أن يقال‏:‏ لا يتجدد إلا بتجدد سبب ولم يتجدد إلا هذا، فإذا هو السبب، وإن لم يناسب‏.‏ فإن قيل‏:‏ فهذه الوجوه المذكورة تدل على السبب، والعلة دلالة قاطعة أو دلالة ظنية‏؟‏ قلنا‏:‏ أما ما رتب على غيره بفاء الترتيب وصيغة الجزاء والشرط فيدل على أن المرتب عليه معتبر في الحكم لا محالة، فهو صريح في أصل الاعتبار‏.‏ أما اعتباره بطريق كونه علة أو سببا متضمنا للعلة بطريق الملازمة والمجاورة أو شرطا يظهر الحكم عنده بسبب آخر، أو يفيد الحكم على تجرده حتى يعم الحكم المحال أو يضم إليه وصف آخر حتى يختص ببعض المحال، فمطلق الاضافة من الالفاظ المذكورة ليس صريحا فيها، ولكن قد يكون ظاهرا من وجه ويحتمل غيره، وقد يكون مترددا بين وجهين فيتبع فيه موجب الأدلة وإنما الثابت بالايماء، والتنبيه كون الوصف المذكور معتبرا بحيث لا يجوز إلغاؤه، مثال هذا قوله عليه السلام‏:‏ لا يقض القاضي وهو غضبان وهو تنبيه على أن الغضب علة في منع القضاء، لكن قد يتبين بالنظر أنه ليس علة لذاته، بل لما يتضمنه من الدهشة المانعة من استيفاء الفكر حتى يلحق به الجائع والحاقن والمتألم فيكون الغضب مناطا لا لعينه بل لمعنى يتضمنه‏.‏ وكذلك قوله‏:‏ سها فسجد، يحتمل أن يكون السبب هو السهو لعينه ويحتمل أن يكون لما يتضمنه من ترك أبعاض الصلاة، حتى لو تركه عمدا ربما قيل يسجد أيضا، وكذلك قوله‏:‏ زنى ما عز فرجم، احتمل أن يكون لانه زنى، واحتمل أن يكون لما يتضمنه الزنا من إيلاج فرج في فرج محرم قطعا مشتهى طبعا، حتى يتعدى إلى اللواط‏.‏ وكذلك قوله‏:‏ من جامع في نهار رمضان فعليه ما على المظاهر يحتمل أن يكون لنفس الجماع، ويحتمل أن يكون لما يتضمنه من هتك حرمة الشهر، ويحتمل أن يكون لما يتضمنه من إفساد الصوم، حتى يتعدى إلى الاكل، والظاهر الاضافة إلى الأصل ومن صرفه عن الأصل إلى ما يتضمنه من إفساد الصوم حتى يتعدى إلى الاكل افتقر إلى دليل‏.‏ وهذا النوع من التصرف غير منقطع عن هذه الاضافات‏.‏ فهذا ظاهر في الاضافات اللفظية إيماء كان أو صريحا‏.‏ أما ما يحدث بحدوث وصف كحدوث الشدة ففي إضافة الحكم إليه نظر سيأتي في الطرد والعكس‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة القسم الثاني في إثبات العلة بالإجماع على كونها مؤثرة في الحكم
مثاله قولهم‏:‏ إذا قدم الاخ من الاب والام على الاخ للاب في الميراث، فينبغي أن يقدم في ولاية النكاح فإن العلة في الميراث التقديم بسبب امتزاج الاخوة، وهو المؤثر بالاتفاق، وكذلك قول بعضهم‏:‏ الجهل بالمهر يفسد النكاح، لانه جهل بعوض في معاوضة، فصار كالبيع، إذ الجهل مؤثر في الافساد في البيع بالاتفاق وكذلك نقول‏:‏ يجب الضمان على السارق وإن قطع لانه مال تلف تحت اليد العارية فيضمن، كما في الغصب وهذا الوصف هو المؤثر في الغصب اتفاقا، وكذلك يقول الحنفي‏:‏ صغيرة فيولي عليها قياسا لثيب الصغيرة على البكر الصغيرة، فالمطالبة منقطعة عن إثبات علة الأصل، لانها بالاتفاق مؤثرة‏.‏ ويبقى سؤال وهو أن يقال‏:‏ لم قلتم إذا أثر امتزاج الاخوة في التقديم في الارث فينبغي أن يؤثر في النكاح‏؟‏ وإذا أثر الصغر في البكر فهو يؤثر في الثيب، وهذا السؤال إما أن يوجهه المجتهد على نفسه أو يوجهه المناظر في المناظرة، أما المجتهد فيدفعه بوجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يعرف مناسبة المؤثر كالصغر، فإنه يسلط الولي على التزويج للعجز، فنقول‏:‏ الثيب كالبكر في هذه المناسبة‏.‏ الثاني‏:‏ أن يتبين أنه لا فارق بين الفرع والأصل إلا كذا وكذا، ولا مدخل له في التأثر كما ذكرناه في إلحاق الامة بالعبد في سراية العتق ونظائره، فيكون هذا القياس تمامه بالتعرض للجامع ونفي الفارق جميعا، وإن ظهرت المناسبة استغنى عن التعرض للفارق، وإن كان السؤال من مناظر فيكفي أن يقال‏:‏ القياس لتعدية حكم العلة من موضع إلى موضع وما من تعدية إلا ويتوجه عليها هذا السؤال، فلا ينبغي أن يفتح هذ الالباب، بل يكلف المعترض الفرق أو التنبيه على مثار خيال الفرق بأن يقول مثلا‏:‏ إخوة الام أثرت في الميراث في الترجيح، لان مجردها يؤثر في التوريث، فلم قلت‏:‏ إذا استعمل في الترجيح ما يستقل بالتأثير فيستعمل حيث لا يستقل، فتقبل المطالبة على هذه الصيغة، وهي أولى من إبدائه في معرض الفرق ابتداء، أما إذا لم ينبه على مثار خيال الفرق وأصر على صرف المطالبة فلا ينبغي أن يصطلح المناظرون على قبوله، لانه يفتح بابا من اللجاج لا ينسد، ولا يجوز إرهافه إلى طلب المناسبة فإن ما ظهر تأثيره بإضافة الحكم إليه، فهو علة ناسب أو لم يناسب، فقد قال عليه السلام‏:‏ من مس ذكره فليتوضأ فنحن نقيس عليه ذكر غيره ولا مناسبة، ولكن نقول‏:‏ ظهر تأثير المس ولا مدخل للفارق في التأثير، فإنه وإن ظهر مناسبته أيضا فيجوز أن يختص اعتبار المناسب ببعض المواضع، إذ السرقة تناسب القطع ثم تختص بالنصاب، والزنا يناسب الرجم ثم يختص بالمحصن، فيتوجه على المناسب أيضا أن يقول‏:‏ لم قلت إذا أثر هذا المناسب وهو الصغر في ولاية المال فينبغي أن يؤثر في ولاية البضع، وإذا أثر في البكر يؤثر في الثيب، وإذا أثر في التزويج من الابن يؤثر في التزويج من البنت ومن المناسبات ما يختص ببعض المواضع، وهذا السؤال يستمد من خيال منكري القياس، فلا ينبغي أن يقبل‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة القسم الثالث في إثبات العلة بالاستنباط وطرق الاستدلال
وهي أنواع‏:‏ النوع الأول‏:‏ السبر والتقسيم‏:‏ وهو دليل صحيح، وذلك بأن يقول هذا الحكم معلل، ولا علة له إلا كذا أو كذا، وقد بطل أحدهما فتعين الآخر، وإذا استقام السبر كذلك فلا يحتاج إلى مناسبة، بل له أن يقول‏:‏ حرم الربا في البر، ولا بد من علامة تضبط مجرى الحكم عن موقعه، ولا علامة إلا الطعم أو القوت أو الكيل، وقد بطل القوت والكيل بدليل كذا وكذا، فثبت الطعم، لكن يحتج ههنا إلى إقامة الدليل على ثلاثة أمور‏.‏ أحدها‏:‏ أنه لا بد من علامة، إذ قد يقال‏:‏ هو معلوم باسم البر، فلا يحتاج إلى علامة وعلة فنقول‏:‏ ليس كذلك، لان إذا صار دقيقا وخبزا وسويقا نفى حكم الربا وزال اسم البر، فدل أن مناط الربا أمر أعم من اسم البر‏.‏ الثاني‏:‏ أن يكون سبره حاصرا، فيحصر جميع ما يمكن أن يكون علة أما بأن يوافقه الخصم على أن الممكنات ما ذكره، وذلك ظاهر أو لا يسلم، فإن كان يسلم، فإن كان مجتهدا فعليه سبر بقدر إمكانه حتى يعجز عن إيراد غيره، وإن كان مناظرا فيكفيه أن يقول‏:‏ هذا منتهى قدرتي في السبر فإن شاركتني في الجهل بغيره لزمك ما لزمني، وإن أطلعت على علة أخرى فيلزمك التنبيه عليها حتى أنظر في صحتها أو فسادها‏.‏ فإن قال‏:‏ لا يلزمني ولا أظهر العلة وإن كنت أعرفها، فهذا عناد محرم، وصاحبه إما كاذب وإما فاسق بكتمان حكم مست الحاجة إلى إظهار، ومثل هذا الجدل حرام وليس من الدين، ثم إفساد سائر العلل تارة يكون ببيان سقوط أثرها في الحكم بأن يظهر بقاء الحكم مع انتفائها أو بانتقاضها بأن يظهر انتفاء الحكم مع وجودها‏.‏ النوع الثاني‏:‏ من الاستنباط‏:‏ إثبات العلة بإبداء مناسبتها للحكم، والاكتفاء بمجرد المناسبة في إثبات الحكم مختلف فيه، وينشأ منه أن المراد بالمناسب ما هو على منهاج المصالح، بحيث إذا أضيف الحكم إليه انتظم، مثاله‏:‏ قولنا حرمت الخمر لانها تزيل العقل الذي هو مناط التكليف، وهو مناسب، لا كقولنا‏:‏ حرمت لانها تقذف بالزبد، أو لانها تحفظ في الدن، فإن ذلك لا يناسب، وقد ذكرنا حقيقة المناسب وأقسامه ومراتبه في آخر القطب الثاني من باب الاستحسان والاستصلاح، فلا نعيده، لكنا نقول‏:‏ المناسب ينقسم إلى مؤثر وملائم وغريب‏.‏ ومثال المؤثر‏:‏ التعليل للولاية بالصغر ومعنى كونه مؤثرا أنه ظهر تأثيره في الحكم بالإجماع أو النص، وإذا ظهر تأثيره فلا يحتاج إلى المناسبة، بل قوله‏:‏ من مس ذكره فليتوضأ لما دل على تأثير المس قسنا عليه مس ذكر غيره‏.‏ أما الملائم‏:‏ فعبارة عما لم يظهر تأثير عينه في عين ذلك الحكم كما في الصغر، لكن ظهر تأثير جنسه في جنس ذلك الحكم‏.‏ مثاله قوله‏:‏ لا يجب على الحائض قضاء الصلاة دون الصوم، لما في قضاء الصلاة من الحرج بسبب كثرة الصلاة، وهذا قد ظهر تأثير جنسه لان لجنس المشقة تأثيرا في التخفيف، أما هذه المشقة نفسها وهي مشقة التكرر فلم يظهر تأثيرها في موضع آخر، نعم‏:‏ لو كان قد ورد النص بسقوط قضاء الصلاة عن الحرائر الحيض وقسنا عليهن الاماء لكان ذلك تعليلا بما ظهر تأثير عينه في عين الحكم لكن في محل مخصوص فعديناه إلى محل آخر، ومثاله أيضا قولنا إن قليل النبيذ وإن لم يسكر حرام قياسا على قليل الخمر، وتعليلنا قليل الخمر بأن ذلك منه يدعو إلى كثيره فهذا مناسب لم يظهر تأثير عينه، لكن ظهر تأثير جنسه إذا الخلوة لما كانت داعية إلى الزنا حرمها الشرع، كتحريم الزنا فكان هذا ملائما للجنس بصرف الشرع وأن لم يظهر تأثير عينه في الحكم‏.‏ وأما الغريب الذي لم يظهر تأثيره ولا ملاءمته لجنس تصرفات الشرع، فمثاله قولنا‏:‏ إن الخمر إنماح رمت، لكونها مسكرة، ففي معناها‏:‏ كل مسكر، ولم يظهر أثر السكر في موضع آخر لكنه مناسب‏.‏ وهذا مثال الغريب لو لم يقدبر التنبيه بقوله‏:‏ ‏{‏إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 19‏)‏ ومثاله أيضا قولنا‏:‏ المطلقة ثلاثا في مرض الموت ترث، لان الزوج قصد الفرار من ميراثها، فيعارض بنقيض قصده، قياسا على القاتل، فإنه لا يرث، لانه يستعجل الميراث فعورض بنقيض قصده، فإن التعليل حرمان القاتل بهذا تعليل بمناسب لا يلائم جنس تصرفات الشرع، لانا لا نرى الشرع في موضع آخر قد التفت إلى جنسه، فتبقى مناسبة مجردة غريبة، ولو علل الحرمان بكونه متعديا بالقتل وجعل هذا جزاء على العدوان كان تعليلا بمناسبة ملائم ليس بمؤثر لان الجناية بعينها وإن ظهر تأثيرها في العقوبات فلم يظهر تأثيرها في الحرمان عن الميراث، فلم يؤثر في عين الحكم، وإنما أثر في جنس آخر من الاحكام فهو من جنس الملائم لا من جنس المؤثر، ولا من جنس الغريب، فإذا عرفت مثال هذه الاقسام الثلاثة، فأعلم أن المؤثر مقبول باتفاق القائلين بالقياس، وقصر أبو زيد الدبوسي القياس عليه وقال‏:‏ لا يقبل إلا مؤثر، ولكن أورد للمؤثر أمثله عرف بها أنه قبل الملائم لكنه سماه أيضا مؤثرا، وذكرنا تفصيل أمثلته والاعتراض عليها في كتاب شفاء الغليل، ولا سبيل إلى الاقتصار على المؤثر، لان المطلوب غلبة الظن، ومن استقرأ أقيسة الصحابة رضي الله عنهم واجتهاداتهم علم أنهم لم يشترطوا في كل قياس، كون العلة معلومة بالنص والإجماع، وأما المناسب الغريب فهذا في محل الاجتهاد‏.‏ ولا يبعد عندي أن يغلب ذلك على ظن بعض المجتهدين، ولا يدل دليل قاطع على بطلان اجتهاده، فإن قيل‏:‏ يدل على بطلانه أنه متحكم بالتعليل من غير دليل يشهد لاضافة الحكم إلى علته، قلنا‏:‏ إثبات الحكم على وفقه يشهد لملاحظة الشرع له ويغلب ذلك على الظن، فإن قيل‏:‏ قولكم إثبات الحكم على وفقه تلبيس إذ معناه أنه تقاضى الحكم بمناسبة، وبعث الشارع على الحكم فأجاب باعثه وانبعث على وفق بعثه، وهذا تحكم، لانه يحتمل أن يكون حكم الشرع بتحريم الخمر تعبدا أو تحكما، كتحريم الخنزير والميتة والدم والحمر الاهلية، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، مع تحليل الضبع والثعلب على بعض المذاهب، وهي تحكمات، لكن اتفق معنى الاسكار في الخمر فظن أنه لاجل الاسكار، ولم يتفق مثله في الميتة والخنزير، فقيل أنه تحكم، وهذا على تقدير عدم التنبيه في القرآن بذكر العداوة والبغضاء، ويحتمل أن يكون بمعنى آخر مناسب لم يظهر لنا، ويحتمل أن يكون للاسكار فهذه ثلاثة احتمالات، فالحكم بواحد من هذه الثلاثة تحكم بغير دليل وإلا فبم يترجح هذا الاحتمال وهذا لا ينقلب في المؤثر فإنه عرف كونه علة بإضافة الحكم إليه نصا أو إجماعا، كالصغر وتقديم الاخ للاب والام‏.‏ والجواب‏:‏ أنا نرجح هذا الاحتمال على احتمال التحكم بما رددنا به مذهب منكري القياس، كما في المؤثر، فإن العلة إذا أضيف الحكم إليها في محل احتمل أن يكون مختصا بذلك المحل، كما اختص تأثير الزنا بالمحصن وتأثير السرقة بالنصاب، فلا يبعد أن يؤثر الصغر في ولاية المال دون ولاية البضع وامتزاج الاخوة في التقديم في الميراث دون الولاية، وبه اعتصم نفاة القياس، لكن قيل لهم‏:‏ علم من الصحابة رضي الله عنهم اتباع العلل، وإطراح تنزيل الشرع على التحكم ما أمكن، فكذلك ههنا ولا فرق، وأما قولهم‏:‏ لعل فيه معنى آخر مناسبا هو الباعث للشارع ولم يظهر لنا، وإنما مالت أنفسنا إلى المعنى الذي ظهر لعدم ظهور الآخر لا لدليل دل عليه، فهو وهم محض‏.‏ فنقول‏:‏ غلبة الظن في كل موضع تستند إلى مثل هذا الوهم وتعتمد انتفاء الظهور في معنى آخر لو ظهر لبطلت غلبة الظن، ولو فتح هذا الباب لم يستقم قياس، فإن العلة الجامعة بين الفرع والأصل، وإن كانت مؤثرة فإنما يغلب على الظن الاجتماع لعدم ظهور الفرق، ولعل فيه معنى لو ظهر لزالت عنه غلبة الظن، ولعدم علة معارضة لتلك العلة، فلو ظهر أصل آخر يشهد للفرع بعلة أخرى تناقض العلة الأولى لا تدفع غلبة الظن، بل يحصل الظن من صيغ العموم والظواهر بشرط انتفاء قرينة مخصصة لو ظهرت لزال الظن، لكن إذا لم تظهر جاز التعويل عليه، وذلك لانه لم يظهر لنا من إجماع الصحابة رضي الله عنهم على الاجتهاد إلا اتباع الرأي الاغلب، وإلا فلم يضبطوا أجناس غلبة الظن ، ولم يميزوا جنسا عن جنس، فإن سلمتم حصول الظن بمجرد المناسبة وجب إتباعه، فإن قيل‏:‏ لا نسلم أن هذا ظن، بل هو وهم مجرد، فإن التحكم محتمل ومناسب آخر لم يظهر لنا محتمل وهذا الذي ظهر محتمل، ووهم الانسان مائل إلى طلب علة وسبب لكل حكم ثم أنه سباق إلى ما ظهر له وقاض بأنه ليس في الوجود إلا ما ظهر له فتقضي نفسه بأنه لا بد من سبب، ولا سبب إلا هذا فإذا هو السبب، فقوله‏:‏ لا بد من سبب إن سلمناه ولم ينزل على التحكم ونقول بلا علة ولا سبب، فقوله‏:‏ لا سبب إلا هذا، تحكم مستنده أنه لم يعلم إلا هذا، فجعل عدم علمه بسبب آخر علما بعدم سبب آخر، وهو غلط، وبمثل هذا الطريق أبطلتم القول بالمفهوم، إذ مستند القائل به أنه لابد من باعث على التخصيص، ولم يظهر لنا باعث سوى اختصاص الحكم، فإذا هو الباعث إذ قلتم بما عرفتم أنه لا باعث سواه‏؟‏ فلعله بعثه على التخصيص باعث لم يظهر لكم، وهذا كلام واقع في إمكان التعليل بمناسب لا يؤثر ولا يلائم‏.‏ والجواب أن هذا استمداد من مأخذ نفاة القياس، وهو منقلب في المؤثر والملائم فإن الظن الحاصل به أيضا يقابله احتمال التحكم واحتمال فرق ينقدح واحتمال علة تعارض هذه العلة في الفرع، ولا فرق بين هذه الاحتمالات، ولولاها لم يكن الالحاق مظنونا بل مقطوعا، كإلحاق الامة بالعبد، وفهم الضرب من التأفيف، وقول القائل‏:‏ أن هذا وهم وليس بظن، ليس كذلك، فإن الوهم عبارة عن ميل النفس من غير سبب مرجح والظن عبارة عن الميل بسبب، ومن بنى أمره في المعاملات الدنيوية على الوهم سفه في عقله، ومن بناه على الظن كان معذورا، حتى لو تصرف في مال الطفل بالوهم ضمن، ولو تصرف بالظن لم يضمن، فمن رأى مركب الرئيس على باب دار السلطان فاعتقد أن الرئيس ليس في داره بل في دار السلطان وبنى عليه مصلحته لم يعد متوهما، وإن أمكن أن يكون الرئيس قد أعار مركبه أو ركبه الركابي في شغل ومن رأى الرئيس أمر غلامه بضرب رجل وكان قد عرف أنه يشتم الرئيس فحمل ضربه على أنه شتمه كان معذورا، ومن رأى ماعزا أقر بالزنا، ثم رأى النبي عليه السلام قد أمر برجمه فاعتقد أنه أمر برجمه لزناه، وروى ذلك كان معذورا ظانا ولم يكن متوهما، ومن عرف شخصا بأنه جاسوس ثم رأى السلطان قد أمر بقتله فحمله عليه لم يكن متوهما، فإن قيل‏:‏ لا بل، يكون متوهما، فإنه لو عرف من عادة الرئيس أنه يقابل الاساءة بالاحسان ولا يضرب من يشتمه، وعرف من عادة الامير الاغضاء عن الجاسوس إما استهانة بالخصم أو استمالة ثم رآه قتل جاسوسا فحكم بأنه قتله لتجسسه، فهو متوهم متحكم، أما إذا عرف من عادته ذلك فتكون عادته المطردة علامة شاهدة لحكم ظنه، ووزانه من مسألتنا الملائم الذي التفت الشرع إلى مثله وعرف من عادته ملاحظة عينه أو ملاحظة جنسه، وكلامنا في الغريب الذي ليس بملائم ولا مؤثر‏.‏ والجواب‏:‏ أن ههنا ثلاث مراتب‏:‏ إحداها‏:‏ أن يعرف أن من عادة الرئيس الاحسان إلى المسئ ومن عادة الامير الاغضاء عن الجاسوس، فهذا يمنع تعليل الضرب والقتل بالشتم والتجسس، ووزانه أن يعلل الحكم بمناسب أعرض الشرع عنه وحكم بنقيض موجبه، فهذا لا يعول عليه، لان الشرع كما التفت إلى مصالح فقد أعرض عن مصالح، فما أعرض عنه لا يعلل به‏.‏ والثانية‏:‏ أن يعرف من عادة الرئيس والامير ضرب الشاتم وقتل الجاسوس، فوزانه الملائم وهذا مقبول وفاقا من القائسين‏.‏ وإنما النظر في رتبة ثالثة وهو من لم تعرف له عادة أصلا في الشاتم والجاسوس، فنحن نعلم أنه لو ضرب وقتل غلب على ظنون العقلاء الحوالة عليه، وأنه سلك مسلك المكافأة، لان الجريمة تناسب العقوبة، فإن قيل‏:‏ لان أغلب عادة الملوك ذلك، والاغلب أن طبائعهم تتقارب قلنا‏:‏ فليس في هذا إلا الاخذ بالاغلب، وكذلك أغلب عادات الشرع في غير العبادات اتباع المناسبات والمصالح دون التحكمات الجامدة، فتنزيل حكمه عليه أغلب على الظن، ويبقى أن يقال لعله حكم بمناسب آخر لم يظهر لنا فنقول‏:‏ ما بحثنا عنه بحسب جهدنا فلم نعثر عليه فهو معدوم في حقنا، ولم يكلف المجتهد غيره وعليه دلت أقيسة الصحابة والتمسك بالمؤثر والملائم، لقول النبي عليه السلام لعمر‏:‏ أرأيت لو تمضمضت معناه‏:‏ لم لم تفهم أن القبلة مقدمة الوقاع، والمضمضة مقدمة الشرب، فلو قال عمر‏:‏ لعلك عفوت عن المضمضة لخاصية في المضمضة أو لمعنى مناسب لم يظهر لي ولا يتحقق ذلك في القبلة، لم يقبل منه ذلك، وعد ذلك مجادلة وكذلك قوله‏:‏ أرأيت لو كان على أبيك دين فتقضينه‏؟‏ وكذلك كل قياس نقل عن الصحابة، وبالجملة إذا فتح باب القياس فالضبط بعده غير ممكن، لكن يتبع الظن، والظن على مراتب، وأقواه المؤثر، فإنه لا يعارضه إلا احتمال التعليل بتخصيص المحل ودونه الملائم ودونه المناسب الذي لا يلائم، وهو أيضا درجات، وإن كان على ضعف، ولكن يختلف باختلاف قوة المناسبة، وربما يورث الظن لبعض المجتهدين في بعض المواضع، فلا يقطع ببطلانه ولا يمكن ضبط درجات المناسبة أصلا، بل لكل مسألة ذوق آخر ينبغي أن ينظر فيه المجتهد‏.‏ وأما المفهوم فلا يبعد أيضا أن يغلب في بعض المواضع على ظن بعض المتجهدين وعند ذلك يعسر الوقوف، على أن ذلك الظن حصل بمجرد التخصيص وحده أو به مع قرينة، فلا يبعد أن يقال‏:‏ هو مجتهد فيه وليس مقطوعا، فإنه ظهر لنا أن صيغة العموم بمجردها إذا تجردت عن القرائن أفادت العموم، وليس يفهم ذلك من مجرد لفظ التخصيص وإن كان يمكن انقداحه في النفس في بعض المواضع، فليكن ذلك أيضا في محل الاجتهاد، وقد خرج على هذا أن المعنى باعتبار الملاءمة وشهادة الأصل المعين أربعة أقسام، ملائم يشهد له أصل معين يقبل قطعا عند القائسين، ومناسب لا يلائم ولا يشهد له أصل معين، فلا يقبل قطعا عند القائسين فإنه استحسان ووضع للشرع بالرأي ومثاله‏:‏ حرمان القاتل لو لم يرد فيه نص لمعارضته بنقيض قصده، فهذا وضع للشرع بالرأي ومناسب يشهد له أصل معين، لكن لا يلائم، فهو في محل الاجتهاد، وملائم لا يشهد له أصل معين، وهو الاستدلال المرسل وهو أيضا في محل الاجتهاد، وقد ذكرناه في باب الاستصلاح في آخر القطب الثاني وبينا مراتبه‏.‏ القول في المسالك الفاسدة في إثبات علة الأصل وهي ثلاثة‏:‏ الأول‏:‏ أن نقول الدليل على صحة علة الأصل سلامتها عن علة تعارضها تقتضي نقيض حكمها، وسلامتها عن المعارضة دليل صحتها، وهذا فاسد، لانه إن سلم عنه فإنما سلم عن مفسد واحد، فربما لا يسلم عن مفسد آخر، وإن سلم عن كل مفسد أيضا لم يدل على صحته، كما لو سلم شهادة المجهول عن علة قادحة، لا يدل على كونه حجة ما لم تقم بينة معدلة مزيكة، فكذلك لا يكفي للصحة انتفاء المفسد بل لابد من قيام الدليل على الصحة‏.‏ فإن قيل‏:‏ دليل صحتها انتفاء المفسد، قلنا‏:‏ لا بل، دليل، فساده انتفاء المصحح، فهذا منقلب ولا فرق بين الكلامين المسلك الثاني‏:‏ الاستدلال على صحتها بأطرادها وجريانها في حكمها، وهذا لا معنى له إلا سلامتها عن مفسد واحد وهو النقض، فهو كقول القائل‏:‏ زيد عالم لانه دليل يفسد دعوى العلم ويعارضه أنه جاهل، لانه لا دليل يفسد دعوى الجهل، والحق أنه لا يعلم كونه عالما بانتفاء دليل الجهل، ولا كونه جاهلا بانتفاء دليل العلم بل يتوقف فيه إلى ظهور الدليل، فكذلك الصحة والفساد، فإن قيل‏:‏ ثبوت حكمها معها واقترانه بها دليل على كونها علة، قلنا غلطتم في قولكم ثبوت حكمها، لان هذه إضافة للحكم لا تثبت إلا بعد قيام الدليل على كونها علة، فإذا لم يثبت لم يكن حكمها بل بحال غلبة الظن عليه كان حكم علته واقترن بها، والاقتران لا يدل على الاضافة، فقد يلزم الخمر لون وطعم يقترن به التحريم ويطرد وينعكس والعلة الشدة واقترانه بما ليس بعلة كاقتران الاحكام بطلوع كوكب وهبوب ريح وبالجملة، فنصب العلة مذهب يفتقر إلى دليل كوضع الحكم ولا يكفي في إثبات الحكم أنه لا نقض عليه ولا مفسد له، بل لا بد من دليل فكذلك العلة‏.‏ المسلك الثالث‏:‏ الطرد والعكس، وقد قال قوم‏:‏ الوصف إذا ثبت الحكم معه وزال مع زواله يدل على أنه علة، وهو فاسد، لان الرائحة المخصوصة مقرونة بالشدة في الخمر ويزول التحريم عند زوالها ويتجدد عند تجددها وليس بعلة بل هو مقترن بالعلة، وهذا لان الوجود عند الوجود طرد محض، فزيادة العكس لا تؤثر لان العكس ليس بشرط في العلل الشرعية فلا أثر لوجوده وعدمه، ولان زواله عند زواله يحتمل أن يكون لملازمته للعلة كالرائحة أو لكونه جزءا من أجزاء العلة، أو شرطا من شروطها، والحكم ينتفي بانتفاء بعض شروط العلة وبعض أجزائها فإذا تعارضت الاحتمالات فلا معنى للتحكم، وعلى الجملة فنسلم أن ما ثبت الحكم بثبوته فهو علة، فكيف إذا انضم إليه أنه زال بزواله‏؟‏ أما ما ثبت مع ثبوته وزال مع زواله فلا يلزم كونه علة، كالرائحة المخصوصة مع الشدة، أما إذا انضم إليه سبر وتقسيم كان ذلك حجة، كما لو قال هذا الحكم لا بد له من علة، لانه حدث بحدوث حادث ولا حادث يمكن أن يعلل به إلا كذا وكذا، وقد بطل الكل إلا هذا فهو العلة، ومثل هذا السبر حجة في الطرد المحض وإن لم ينضم إليها العكس، ولا يرد على هذا إلا أنه ربما شذ عنه وصف آخر هو العلة، ولا يجب على المجتهد إلا سبر بحسب وسعه، ولا يجب على الناظر غير ذلك، وعلى من يدعي وصفا رخر إبرازه حتى ينظر فيه، فإن قيل فما معنى إبطالكم التمسك بالطرد والعكس وقد رأيتم تصويب المجتهدين، وقد غلب هذا على ظن قوم، فإن قلتم‏:‏ لا يجوز لهم الحكم به فمحال، إذ ليس على المجتهد إلا الحكم بالظن، وإن قلتم‏:‏ لم يغلب على ظنهم فمحال، لان هذا قد غلب على ظن قوم ولولاه لما حكموا به‏.‏ قلنا‏:‏ أجاب القاضي رحمه الله عن هذا بأن قال‏:‏ نعني بإبطاله أنه باطل في حقنا، لانه لم يصح عندنا ولم يغلب على ظننا إما من غلب على ظنه فهو صحيح في حقه‏.‏ وهذا فيه نظر عندي، لان المجتهد مصيب إذا استوفى النظر وأتمه، وأما إذا قضى بسابق الرأي وبادئ الوهم فهو مخطئ، فإن سبر وقسم فقد أتم النظر وأصاب، أما حكمه قبل السبر والتقسيم بأن ما اقترن بشئ ينبغي أن يكون علة فيه تحكم ووهم، إذ تمام دليله أن ما اقترن بشئ فهو علته، وهذا قد اقترن به فهو إذا علته، والمقدمة الأولى منقوضة بالطم والرم فإذا كأنه لم ينظر ولم يتمم النظر ولم يعثر على مناسبة العلة ولم يتوصل إليه بالسير والتقسيم، ومن كشف له هذا لم يبق له غلبة ظن بالطرد المجرد إلا أن يكون جاهلا ناقص الرتبة عن درجة المجتهدين، ومن اجتهد وليس أهلا له فهو مخطئ، وليس كذلك عندي المناسب الغريب والاستدلال المرسل فإن ذلك مما يوجب الظن لبعض المجتهدين، وليس يقوم فيه دليل قاطع من عرفه محق ظنه بخلاف الطرد المجرد الذي ليس معه سبر وتقسيم، وهذا تمام القول في قيا س العلة، ولنشرع في قياس الشبه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس