عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 08:00 PM   #59
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


مسألة ‏(‏العلة المنصوصة‏)‏
قال النظام‏:‏ العلة المنصوصة توجب الالحاق، لكن لا بطريق القياس، بل بطريق اللفظ والعموم، إذ لا فرق في اللغة بين قوله‏:‏ حرمت كل مشتد، وبين قوله‏.‏ حرمت الخمر لشدتها، وهذا فاسد، لان قوله حرمت الخمر لشدتها لا يقتضي من حيث اللفظ والوضع إلا تحريم الخمر خاصة، ولا يجوز إلحاق النبيذ ما لم يرد التعبد بالقياس، وإن لم يرد فهو كقوله‏:‏ أعتقت غانما لسواده، فإنه لا يقتضي إعتاق جميع السودان، فكيف يصح هذا ولله أن ينصب شدة الخمر خاصة علة ويكون فائدة ذكر العلة زوال التحريم عند زوال الشدة ويجوز أن يعلم الله خاصية في شدة الخمر تدعو إلى ركوب القبائح ويعلم في شدة النبيذ لطفا داعيا إلى العبادات، فإذا قد ظن النظام أنه منكر للقياس، وقد زاد علينا إذ قاس حيث لا نقيس لكنه أنكر اسم القياس، فإن قيل‏:‏ قول السيد والوالد لعبده ولده‏:‏ لا تأكل هذا لانه سم وكل هذا فإنه غذاء، يفهم منه المنع عن أكل سم آخر، والامر يتناول ما هو مثله في الاغتذاء، قلنا‏:‏ لان ذلك معلوم بقرينة إطراد العادات، ومعرفة أخلاق الآباء والسادات في مقاصدهم من العبيد والابناء، وأنهم لا يفرقون بين سم وسم، وإنما يتقون الهلاك، وأما الله تعالى إذا حرم شيئا بمجرد إرادته فيجوز أن يبيح مثله وأن يحرم، لان فيه رفقا ومصلحة، فيجوز أن يكون قد سبق في علمه أن مثله مفسدة، لان تضمنه الصلاح والفساد ليس لطبعه ولذاته ولوصف هو عليه في نفسه، بل يجوز أن يكون في فعل شئ وقت الزوال مصلحة، وفيه وقت العصر مفسدة، وكذلك يجوز أن يختلف بيوم السبت والجمعة والمكان والحال، فكذلك يجوز أن يفارق شدة الخمر شدة النبيذ، فإن قيل‏:‏ فإن لم يفهم النبيذ من الخمر فينبغي أن لا يفهم تحريم الضرب والاذى من التأفيف‏؟‏ قلنا‏؟‏ الحق عندنا، أن ذلك غير مفهوم من مجرد اللفظ العاري عن القرينة، لكن إذا دلت قرينة الحال على قصد الاكرام فعند ذلك يدل لفظ التأفيف على تحريم الضرب بل يكون ذلك أسبق إلى الفهم من التأفيف المذكور، إذا التأفيف لا يكون مقصودا في نفسه بل يقصد به التنبيه على منع الايذاء بذكر أقل درجاته‏.‏ وكذلك النقير والقطمير والذرة والدينار لا يدل بمجرد اللفظ على ما فوقه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره‏}‏ ‏(‏الزلزلة‏:‏ 7‏)‏ وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 57‏)‏ وفي قوله‏:‏ والله ما شربت لفلان جرعة، ولا أخذت من ماله حبة، بل بقرينة دفع المنة وإظهار جزاء العمل، وليس إلحاق الضرب بالتأفيف أيضا بطريق القياس، لان الفرع المسكوت عنه الملحق بطريق القياس هو الذي يتصور أن يغفل عنه المتكلم ولا يقصده بكلامه وهاهنا المسكوت عنه هو الأصل في القصد الباعث على النطق بالتأفيف، وهو الاسبق إلى فهم السامع، فهذا مفهوم من لحن القول وفحواه، وعند ظهور القرينة المذكورة ربما تظهر قرينة أخرى تمنع هذا الفهم، إذا الملك قد يقتل أخاه المنازع له، فيقول للجلاد‏:‏ اقتله ولا تهنه ولا تقل له أف، أما تحريم النبيذ بتحريم الخمر فليس من هذا بالقبيل، بل لا وجه له إلا القياس، فإذا لم يرد التعبد بالقياس، فقوله حرمت الخمر لشدتها، لا يفهم تحريم النبيذ، بخلاف قوله‏:‏ حرمت كل مشتد‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏تخصيص القياس‏)‏
ذهب القاشاني والنهرواني إلى الاقرار بالقياس لاجل إجماع الصحابة، لكن خصصوا ذلك بموضعين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن تكون العلة منصوصة، كقوله‏:‏ حرمت الخمر لشدتها وفإنها من الطوافين عليكم والطوافات‏.‏ الثاني‏:‏ الاحكام المعلقة بالاسباب، كرجم ماعز لزناه، وقطع سارق رداء صفوان، وكأنهم يعنون بهذا الجنس تنقيح مناط الحكم ويعترفون به‏.‏ قلنا‏:‏ هذا المذهب يمكن تنزيله على ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أن يشترطوا مع هذا أن يقول‏:‏ وحرمت كل مشارك للخمر في الشدة، ويقول في رجم ماعز‏:‏ وحكمي على الواحد حكمي على الجماعة فهذا ليس قولا بالقياس بل بالعموم، فلا يحصل التقصي به عن عهدة الإجماع المنعقد من الصحابة على القياس‏.‏ الثاني‏:‏ أن لا يشترط هذا ولا يشترط أيضا ورود التعبد بالقياس، فهذه زيادة علينا، وقول بالقياس حيث لا نقول به كما رددناه على النظام‏.‏ الثالث‏:‏ أن يقول‏:‏ مهما ورد التعبد بالقياس جاز الالحاق بالعلة المنصوصة، فهذا قول حق في الأصل، خطأ في الحصر، فإنه قصر طريق إثبات علة الأصل على النص، وليس مقصورا عليه، بل ربما دل عليه السبر والتقسيم أو دليل آخر، وما لم يدل عليه دليل فنحن لا نجوز الجمع بين الفرع والأصل، ولا فرق بين دليل ودليل‏.‏ فإن قيل إذا كانت العلة منصوصة كان الحكم في الفرع معلوما ولم يكن مظنونا، وحصل الامن من الخطأ، وإن كانت مستنبطة لم يؤمن الخطأ‏؟‏ قلنا‏:‏ أخطأتم في طرفي الكلام حيث ظننتم حصول الامن بالنص، وإمكان الخطأ عند عدم النص، فإن وإن نص على شدة الخمر فلا نعلم قطعا أن شدة النبيذ في معناها، بل يجوز أن يكون معللا بشدة الخمر خاصة إلا أن يصرح ويقول يتبع الحكم مجرد الشدة في كل محل فيكون ذلك لفظا عاما، ولا يكون حكما بالقياس، فلا يحصل التقصي عن عهدة الإجماع، وإذا لم يصرح فنحن نظن أن النبيذ في معناه ولا نقطع، فللظن مثاران في العلة المستنبطة‏:‏ أحدهما‏:‏ أصل العلة، والآخر إلحاق الفرع بالأصل، فإنه مشروط بانتفاء الفوارق، وفي العلة المنصوصة مثار الظن واحد، وهو إلحاق الفرع لانه مبني على الوقوف على جميع أوصاف علة الأصل، وأنه الشدة بمجردها دون شدة الخمر، وذلك لا يعلم إلا بنص يوجب عموم الحكم ويدفع الحاجة إلى القياس‏.‏ أما قوله في العلة المستنبطة أنه لا يؤمن فيها الخطأ فهذا لا يستقيم على مذهب من يصوب كل مجتهد، إذ شهادة الأصل للفرع عنده كشهادة العدل عند القاضي، والقاضي في أمن من الخطأ وإن كان الشاهد مزورا، لانه لم يتعبد باتباع الصدق، بل باتباع ظن الصدق، وكذلك هاهنا لم يتعبد باتباع العلة بل باتباع ظن العلة وقد تحقق الظن‏.‏ نعم‏:‏ هذا الاشكال متوجه على من يقول المصيب واحد، لانه لا يأمن الخطأ، ولا دليل يميز الصواب عن الخطأ، إذ لو كان عليه دليل لكان آثما إذا أخطأ كما في العقليات، ثم نقول‏:‏ إن محملهم على الاقرار بهذا القياس إجماع الصحابة، ولم يقتصر قياسهم على العلة المنصوصة إذ قاسوا في قوله‏:‏ أنت علي حرام وفي مسألة الجد والاخوة، وفي تشبيه حد الشرب بحد القذف لما فيه من خوف الافتراء والقذف أوجب ثمانين جلدة، لانه نفس الافتراء لا الخوف من الافتراء، ولكنهم رأوا الشارع في بعض المواضع أقام مظنة الشئ مقام نفسه، فشبهوا هذا به بنوع من الظن هو في غاية الضعف، فدل أنهم لم يطلبوا النص ولا القطع، بل اكتفوا بالظن، ثم نقول‏:‏ إذا جاز القياس بالعلة المعلومة فلنلحق بها المظنونة في حق العمل، كما لتحق رواية العدل بالتواتر وشهادة العدل بشهادة النبي عليه السلام المعصوم، والقبلة المظنونة بالقبلة المعاينة، وهذا فيه نظر لانا وإن أثبتنا خبر الواحد وقبول الشهادة بأدلة قاطعة فقبول الشرع الظن في موضع لا يرخص لنا في قياس ظن آخر عليه، بل لا بد من دليل على القياس المظنون كما في خبر الواحد وغيره‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏التفريق بين الفعل والترك‏)‏
فرق بعض القدرية الفعل والترك، فقال‏:‏ إذا علل الشارع وجوب فعل بعلة فلا يقاس عليه غيره إلا بتعبد بالقياس، ولو علل تحريم الخمر بعلة وجب قياس النبيذ عليه دون التعبد بالقياس، لان من ترك العسل لحلاوته لزمه أن يترك كل حلو ومن ترك الخمر لاسكاره لزمه أن يترك كل مسكر‏.‏ أما من شرب العسل لحلاوته فلا يلزمه أن يشرب كل حلو، ومن صلى لانها عبادة لا يلزمه أن يأتي بكل عبادة، وبنوا على هذا أن التوبة لا تصح من بعض الذنوب، بل من ترك ذنبا لكونه معصية لزمه ترك كل ذنب، أما من أتى بعبادة لكونها طاعة فلا يلزمه أن يأتي بكل طاعة، وهذا محال في الطرفين، لانه لا يبعد في جانب التحريم أن يحرم الخمر لشدة الخمر خاصة، ويفرق بين شدة الخمر وشدة النبيذ‏.‏ وأما في جانب الفعل فمن تناول العسل لحلاوته ولفراغ معدته وصدق شهوته لا يفرق بين عسل وعسل، نعم لا يلزمه أن يأكل مرة بعد أخرى لزوال الشهوة وامتلاء المعدة واختلاف الحال، فما ثبت للشئ ثبت لمثله، كان ذلك في ترك أو فعل لكن المثل المطلق لا يتصور إذا الاثنينية شرط المثلية، ومن شرط الاثنينية مغايرة ومخالفة، وإذا جاءت المخالفة بطلت المماثلة، وهذا له غور وليس هذا موضع بيانه‏.‏ هذا تمام النظر في إثبات أصل القياس على منكريه‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الباب الثاني في طريق إثبات علة الأصل وكيفية إقامة الدلالة على صحة آحاد الاقيسة
وننبه في صدر الكتاب على مثارات الاحتمال في كل قياس، إذ لا حاجة إلى الدليل إلا في محل الاحتمال، ثم على انحصار الدليل في الأدلة السمعية، ثم على انقسام الأدلة السمعية إلى ظنية وقطعية، فهذه ثلاث مقدمات‏.‏ المقدمة الأولى في مواضع الاحتمال من كل قياس وهي ستة‏:‏ الأول‏:‏ يجوز أن لا يكون الأصل معلولا عند الله تعالى، فيكون القائس قد علل ما ليس بمعلل‏.‏ الثاني‏:‏ أنه إن كان معللا فلعله لم يصب ما هو العلة عند الله تعالى، بل علله بعلة أخرى‏.‏ الثالث‏:‏ أنه إن أصاب في أصل التعليل وفي عين العلة فلعله قصر على وصفين أو ثلاثة، وهو معلل به مع قرينة أخرى زائدة على ما قصر اعتباره عليه‏.‏ الرابع‏:‏ أن يكون قد جمع إلى العلة وصفا ليس مناطا للحكم فزاد على الواحد‏.‏ الخامس‏:‏ أن يصيب في أصل العلة وتعيينها وضبطها لكن يخطئ في وجودها في الفرع، فيظنها موجودة بجميع قيودها وقرائنها ولا تكون كذلك‏.‏ السادس‏:‏ أن يكون قد استدل على تصحيح العلة بما ليس بدليل، وعند ذلك لا يحل له القياس وإن أصاب العلة، كما لو أصاب بمجرد الوهم والحدس من غير دليل، وكما لو ظن القبلة في جهة من غير اجتهاد فصلى، فإنه لا تصح الصلاة، وزاد آخرون احتمالا سابعا وهو الخطأ في أصل القياس، إذا يحتمل أن يكون أصل القياس في الشرع باطلا، وهذا خطأ لان صحة القياس ليس مظنونا بل هو مقطوع به، ولو تطرق إليه احتمال التطرق إلى جميع القطعيات من التوحيد والنبوة وغيرهما والمثارات الستة لاحتمال الخطأ‏:‏ إنما تستقيم على مذهب من يقول المصيب واحد وفي موضع يقدر نصب الله تعالى أدلة قاطعة يتصور أن يحيط بها الناظر‏.‏ أما من قال‏:‏ كل مجتهد مصيب، فليس في الأصل وصف معين هو العلة عند الله تعالى حتى يخطئ أصلها أو وصفها، بل العلة عند الله تعالى في حق كل مجتهد ما ظنه علة فلا يتصور الخطأ، ولكنه على الجملة يحتاج إلى إقامة الدليل في هذه وإن كانت أدلة ظنية‏.‏ المقدمة الثانية إن هذه الأدلة لا تكون إلا سمعية، بل لا مجال للنظر العقلي في هذه المثارات إلا في تحقيق وجود علة الأصل في الفرع، فإن العلة إذا كانت محسوسة كالسكر والطعم والطوف في السؤر، فوجود ذلك في النبيذ والارز والفأرة قد يعلم بالحس وبالأدلة العقلية، أما أصل تعليل الحكم وإثبات عين العلة ووصفها فلا يمكن إلا بالأدلة السمعية لان العلة الشرعية علامة وأمارة لا توجب الحكم بذاتها إنما معنى كونها علة نصب الشرع إياها علامة، وذلك وضع من الشارع، ولا فرق بين وضع الحكم وبين وضع العلامة ونصبها أمارة على الحكم، فالشدة التي جعلت أمارة التحريم يجوز أن يجعلها الشرع أمارة الحل، فليس إيجابها لذاتها، ولا فرق بين قوله الشارع‏:‏ راجموا ماعزا، وبين قوله‏:‏ جعلت الزنا علامة إيجاب الرجم، فإن قيل‏:‏ فالحكم لا يثبت إلا توقيفا ونصا فلتكن العلة كذلك، قلنا‏:‏ لا يثبت الحكم إلا توقيفا لكن ليس طريق معرفة التوقيف في الاحكام مجرد النص بل النص والعموم والفحوى ومفهوم القول وقرائن الاحوال وشواهد الاصول وأنواع الأدلة، فكذلك إثبات العلة تتسع طرقه ولا يقتصر فيه على النص‏.‏ المقدمة الثالثة إن الحاق المسكوت بالمنطوق ينقسم إلى مقطوع ومظنون، والمقطوع به على مرتبتين‏:‏ إحداهما‏:‏ أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به، كقوله‏:‏ ‏(‏لا تقل لهما أف‏}‏ ‏[‏ الاسراء‏:‏ 32 ‏]‏ فإنه أفهم تحريم الضرب والشتم، وكقوله عليه السلام أدوا الخيط والمخيط فإنه أفهم تحريم الغلول في الغنيمة بكل قليل وكثير، وكنهيه عن الضحية بالعوراء والعرجاء، فإنه أفهم المنع من العمياء ومقطوعة الرجلين، وكقوله‏:‏ العينان وكاء السه فإذا نامت العينا استطلق الوكاء، فإن الجنون والاغماء والسكر وكل ما أزال العقل أولى به من النوم، وقد اختلفوا في تسمية هذا قياسا وتبعد تسميته قياسا، لانه لا يحتاج فيه إلى فكر واستنباط علة، ولان المسكوت عنه هاهنا كأنه أولى بالحكم من المنطوق به ومن سماه قياسا اعترف بأنه مقطوع به، ولا مشاحة في الاسامي، فمن كان القياس عنده عبارة عن نوع من الالحاق يشمل هذه الصورة، فإنما مخالفته في عبارة، وهذا الجنس قد يلتحق بأذياله ما يشبهه من وجه، ولكنه يفيد الظن دون العلم، كقولهم‏:‏ إذا جبت الكفارة في قتل الخطأ فبأن تجب في العمد أولى، لان فيه ما فيه الخطأ وزيادة عدوان، وإذا ردت شهادة الفاسق فالكافر أولى، لان الكفر فسق وزيادة، وإذا أخذت الجزية من الكتابي فمن الوثني أولى، لانه كافر مع زيادة جهل، وهذا يفيد الظن في حق بعض المجتهدين، وليس من جنس الأول بل جنس الأول أن يقول إذا قبلت شهادة اثنين فشهادة الثلاثة أولى‏.‏ وهو مقطوع به لانه وجد فيه الأول وزيادة‏.‏ والعمياء عوراء مرتين، ومقطوع الرجلين أعرج مرتين، فأما العمد فيخالف الخطأ، فيجوز أن لا تقوى الكفارة على محوه بخلاف الخطأ، بل جنس الأول قولنا‏:‏ من واقع أهله في نهار رمضان فعليه الكفارة‏.‏ فالزاني به أولى إذ وجد في الزنا إفساد الصوم بالوطئ وزيادة ولم يوجد في العمد الخطأ وزيادة، وكذلك االوثنى، لبدليل أنه لو وقع التصريح بالفرق بين هذه المسائل لم تنفر النفس عن قبوله، ولو قيل‏:‏ تجزئ العمياء دون العوراء أو تقبل شهادة اثنين ولا تقبل شهادة ثلاثة‏.‏ كان ذلك مما تنفر النفس عن قبوله وإنما نفرت النفس عن قبوله لما علم قطعا من أن منع العوراء لاجل نقصانها، وقبول شهادة اثنين لظهور صدق الدعوى وتحريم التأفيف لاكرام الآباء، فمع فهم هذه المعاني يتناقض الفرق، ولم يفهم مثل ذلك من قتل الخطأ وشهادة الكافر وجزية الوثني‏.‏ المرتبة الثانية‏:‏ ما يكون المسكوت عنه مثل المنطوق به، ولا يكون أولى منه ولا هو دونه، فيقال إنه في معنى الأصل، وربما اختلفوا في تسميته قياسا، ومثاله قوله‏:‏ من أعتق شركا له في عبد قوم عليه الباقي فإن الامة في معناه‏.‏ وقوله‏:‏ أيما رجل أفلس أو مات فصاحب المتاع أحق بمتاعه فالمرأة في معناه، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فعليهن نصف من على المحصنات من العذاب‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 52‏)‏ فالعبد في معناها، وقوله عليه السلام‏:‏ من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإن الجارية في معناه، وقوله في موت الحيوان في السمن أنه يراق المائع ويقور ما حوالي الجامد، أن العسل لو كان جامدا في معناه، وهذا جنس يرجع حاصله إلى العلم بأن الفارق بين المسكوت عنه والمنطوق به لا مدخل له في التأثير في جنس ذلك الحكم، وإنما يعرف أنه لا مدخل له في التأثير باستقراء أحكام الشرع وموارده ومصادره في ذلك الجنس حتى يعلم أن حكم الرق والحرية ليس يختلف بذكورة وأنوثة، كما لا يختلف بالبياض والسواد والطول والقصر والحسن والقبح فلا يجري هذا في جنس من الحكم تؤثر الذكورة فيه والانوثة، كولاية النكاح والقضاء والشهادة وأمثالها، وضابط هذا الجنس أن لا يحتاج إلى التعرض للعلة الجامعة، بل يتعرض للفارق ويعلم أنه لا فارق إلا كذا، ولا مدخل له في التأثير قطعا، فإن تطرق الاحتمال إلى قولنا‏:‏ لا فارق إلا كذا بأن احتمل أن يكون ثم فارق آخر وتطرق الاحتمال إلى قولنا لا مدخل له في التأثير بأن احتمل أن يكون له مدخل، لم يكن هذا الالحاق مقطوعا به، بل ربما كان مظنونا‏.‏ ويتعلق بأذيال هذا الجنس ما هو مظنون، كقولنا إنه لو أضاف العتق إلى عضو معين سرى، فإنه إذا أضاف إلى النصف سرى لانه بعض، واليد بعض، وهذا يغلب على ظن بعض المجتهدين، ومساواة البعض المعين للبعض الشائع في هذا الحكم غير مقطوع به، لان هذا النوع من المفارقة لا يبعد أن يكون له مدخل في التأثير‏.‏ ومن هذا الجنس ما يتعلق بتنقيح مناط الحكم، كقوله للاعرابي الذي جامع امرأته في رمضان أعتق رقبة فإنا نعلم أن التركي والهندي في معنى العربي إذ علمنا أن ذلك لا مدخل له في الحكم، ويعلم أن العبد في معنى الحر فيلزمه الصوم، لانه شاركه في وجوب الصوم، ولا نرى الصبي في معناه لانه لا يشاركه في اللزوم، وللزوم مدخل في التأثير، وإن نظرنا إلى المحل فقد واقع أهله، فيعلم أنه لو واقع مملوكته فهو في معناه، بل لو زنى بامرأة فهو بالكفارة أولى، أما اللواط وإتيان البهيمة والمرأة الميتة هل هو في معناه‏؟‏ ربما يتردد فيه، والاظهر أن اللواط في معناه، وإن نظرنا إلى الصوم المجني عليه فقد جرى وقاع الاعرابي في يوم معين وشهر معين، فيعلم أن سائر الايام في ذلك الشهر، وسائر شهور رمضان في معناه، والقضاء والنذر ليس في معناه لان حرمة رمضان أعظم، فهتكها أفحش، وللحرمة مدخل في جنس هذا الحكم، وإن نظرنا إلى نفس هذا الفعل فهل يلتحق به الاكل والشرب وسائر المفطرات، هذا في محل النظر، إذ يحتمل أن يقال‏:‏ إنما وجبت الكفارة لتفويت الصوم، والوطئ آلته، كما يجب القصاص لتفويت الدم ثم السيف والسكين وسائر الآلات على وتيرة واحدة‏.‏ ويحتمل أن يقال‏:‏ الكفارة زجر ودواعي الوقاع لا تنخنس بمجرد وازع الدين فافتقر إلى كفارة زاجرة، بخلاف داعية الاكل، وهذه ظنون تختلف بالاضافة إلى المجتهدين، وهل يسمى إلحاق الاكل ههنا بالجماع قياسا‏؟‏ اختلفوا فيه فقال أصحاب أبي حنيفة‏:‏ لا قياس في الكفارات، وهذا استدلال وليس بقياس، بل هو استدلال على تجريد مناط الحكم وحذف الحشو منه، ولفظة القياس اصطلاح للفقهاء، فيختلف إطلاقها بحسب اختلافهم في الاصطلاح، فلست أرى الاطناب في تصحيح ذلك أو إفساده لان أكثر تدوار النظر لا فيه على اللفظ، وعلى الجملة فلا يظه بالظاهر في المنكر للقياس إنكار المعلوم، والمقطوع به من هذه الالحاقات، لكن لعله ينكر المظنون منه ويقول‏:‏ ما علم قطعا أنه لا مدخل له في التأثير، فه كاختلاف الزمان والمكان والسواد والبياض والطوال والقصر فيجب حذفه عن درجة الاعتبار‏.‏ أما ما يحتمل فلا يجوز حذفه بالظن، وإذا بان لنا إجماع الصحابة أنهم عملوا بالظن كان ذلك دليلا على نزول الظن منزلة العلم في وجوب العمل، لان المسائل التي اختلفوا فيها واجتهدوا، كمسألة الحرام ومسألة الجد وحد الخمر والمفوضة وغيرها من المسائل ظنية وليست قطعية، وعلى الجملة‏:‏ فلالحاق المسكوت عنه بالمنطوق طريقان متباينان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن لا يتعرض إلا للفارق وسقوط أثره فيقول‏:‏ لا فارق إلا كذا وهذه مقدمة، ثم يقول‏:‏ ولا مدخل لهذا الفارق في التأثير، وهذه مقدمة أخرى، فيلزم منه نتيجة وهو أنه لا فرق في الحكم، وهذا إنما يحسن إذا ظهر التقارب بين الفرع والأصل، كقرب الامة من العبد، لانه لا يحتاج إلى التعرض للجامع لكثرة ما فيه من الاجتماع‏.‏ الطريق الثاني‏:‏ أن يتعرض للجامع ويقصد نحوه، ولا يلتفت إلى الفوارق وإن كثرت، ويظهر تأثير الجامع في الحكم فيقول‏:‏ العلة في الأصل كذا، وهي موجودة في الفرع، فيجب الاجتماع في الحكم، وهذا هو الذي يسمى قياسا بالاتفاق‏.‏ أما الأول‏:‏ ففي تسميته قياسا خلاف لان القياس ما قصد به الجمع بين شيئين، وذلك قصد فيه نفي الفرق، فحصل الاجتماع بالقصد الثاني لا بالقصد الأول، فلم يكن على صورة المقايسة بالاضافة إلى القصد الأول والطريق الأول الذي هو التعرض للفارق ونفيه ينتظم حيث لم تعرف علة الحكم، بل ينتظم في حكم لا يعلل وينتظم حيث عرف أنه معلل، لكن لم تتعين العلة، فإنا نقول‏:‏ الزبيب في معنى التمر في الربا قبل أن يتعين عندنا علة الربا أنه الطعم أو الكيل أو القوت، وينتظم حيث ظهر أصل العلة وتعين أيضا ولكن لم تتلخص بعد أوصافه ولم تتحرر بعد قيوده وحدوده‏.‏ أما الطريق الثاني وهو الجمع فلا يمكن إلا بعد تعين العلة وتلخيصها بحدها وقيودها وبيان تحقيق وجودها بكمالها في الفرع، وكل واحد من الطريقين ينقسم إلى مقطوع به وإلى مظنون، فإذا تمهدت هذه المقدمات فيرجع إلى المقصود وهو بيان إثبات العلة في الطريق الثاني الذي هو القياس بالاتفاق، وهو رد فرع إلى أصل بعلة جامعة بينهما، وهذا القياس يحتاج إلى إثبات مقدمتين‏:‏ إحداهما‏:‏ مثلا أن علة تحريم الخمر الاسكار‏.‏ والثانية‏:‏ أن الاسكار موجود في النبيذ، أما الثانية فيجوز أن تثبت بالحس ودليل العقل والعرب وبدليل الشرع وسائر أنواع الأدلة، أما الأولى فلا تثبت إلا بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع، أو نوع استدلال مستنبط، فإن كون الشدة علامة التحريم وضع شرعي، كما أن نفس التحريم كذلك وطريقه طريقه، وجملة الأدلة الشرعية ترجع إلى ألفاظ الكتاب والسنة والإجماع والاستنباط، فنحصره في ثلاث أقسام‏:‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس