عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 07:59 PM   #57
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


الفن الثالث في كيفية استثمار الاحكام من الالفاظ والاقتباس من معقول الالفاظ بطريق القياس
ويشتمل على مقدمتين وأربعة أبواب الأول‏:‏ في إثبات أصل القياس على منكريه‏.‏ الثاني‏:‏ في طريق إثبات العلة‏.‏ الثالث‏:‏ في قياس الشبه‏.‏ الرابع‏:‏ في أركان القياس، وهي أربعة‏:‏ الأصل، والفرع، والعلة، والحكم، وبيان شروط كل ركن من هذه الاركان‏.‏ مقدمة في حد القياس وحده أنه جمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما عنهما، ثم إن كان الجامع موجبا للاجتماع على الحكم كان قياسا صحيحا، وإلا كان فاسدا، واسم القياس يشتمل على الصحيح والفاسد في اللغة، ولا بد في كل قياس من فرع وأصل وعلة وحكم، وليس من شرط الفرع والأصل كونهما موجودين، بل ربما يستدل بالنفي على النفي، فلذلك لم نقل حمل شئ، لان المعدوم ليس بشئ عندنا، وأبدلنا لفظ الشئ بالمعلوم ولم نقل حمل فرع على أصل، لانه ربما ينبو هذا اللفظ عن المعدوم، وإن كان لا يبعد إطلاق هذا الاسم عليه بتأويل ما، والحكم يجوز أن يكون نفيا ويجوز أن يكون إثباتا، والنفي كانتفاء الضمان والتكليف، والانتفاء أيضا يجوز أن يكون علة، فلذلك أدرجنا الجميع في الحد، ودليل صحة هذا الحد إطراده وانعكاسه، أما قول من قال في حد القياس أنه الدليل الموصل إلى الحق أو العلم الواقع بالمعلوم عن نظر أو رد غائب إلى شاهد، فبعض هذا أعم من القياس وبعضه أخص، ولا حاجة إلى الاطناب في إبطاله، وأبعد منه إطلاق الفلاسفة اسمه على تركيب مقدمتين يحصل منهما نتيجة، كقول القائل‏:‏ كل مسكر حرام، وكل نبيذ مسكر، فيلزم منه أن كل نبيذ حرام، فإن لزوم هذه النتيحه من المقدمتين لا ننكره، لكن القياس يستدعي أمرين يضاف أحدهما إلى الآخر بنوع من المساواة، إذ تقول العرب‏:‏ لا يقاس فلان إلى فلان في عقله ونسبه وفلان يقاس إلى فلان، فهو عبارة عن معنى إضافي بين شيئين، وقال بعض الفقهاء‏:‏ القياس هو الاجتهاد، وهو خطأ، لان الاجتهاد أعم من القياس، لانه قد يكون بالنظر في العمومات ودقائق الالفاظ وسائر طرق الأدلة سوى القياس، ثم أنه لا ينبئ في عرف العلماء إلا عن بذل المجتهد وسعه في طلب الحكم، ولا يطلق إلا على من يجهد نفسه ويستفرغ الوسع، فمن حمل خردلة لا يقال اجتهد، ولا ينبئ هذا عن خصوص معنى القياس، بل عن الجهد الذي هو حال القياس فقط‏.‏ مقدمة أخرى في حصر مجاري الاجتهاد في العلل اعلم أنا نعني بالعلة في الشرعيات مناط الحكم، أي ما أضاف الشرع الحكم إليه وناطه به ونصبه علامة عليه، والاجتهاد في العلة إما أن يكون في تحقيق مناط الحكم أو في تنقيح مناط الحكم أو في تخريج مناط الحكم واستنباطه‏.‏ أما الاجتهاد في تحقيق مناط الحكم‏:‏ فلا نعرف خلافا بين الامة في جوازه مثاله الاجتهاد في تعيين الامام بالاجتهاد مع قدرة الشارع في الامام الأول على النص، وكذا تعيين الولاة والقضاة، وكذلك في تقدير المقدرات وتقدير الكفايات في نفقة القرابات، وإيجاب المثل في قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وطلب المثل في جزاء الصيد، فإن مناط الحكم في نفقة القريب الكفاية، وذلك معلوم النص، أما أن الرطل كفاية لهذا الشخص أم لا فيدرك بالاجتهاد والتخمين، وينتظم هذا الاجتهاد بأصلين‏.‏ أحدهما‏:‏ أنه لا بد من الكفاية‏.‏ والثاني‏:‏ أن الرطل قدر الكفاية فيلزم منه أنه الواجب على القريب، أما الأصل الأول فمعلوم بالنص والإجماع، وأما الثاني فمعلوم بالظن، وكذلك نقول يجب في حمار الوحش بقرة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فجزاء مثل ما قتل من النعم‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 59‏)‏ فنقول‏:‏ المثل واجب، والبقرة مثل، فإذا هي الواجب، والأول معلوم بالنص وهي المثلية التي هي مناط الحكم، أما تحقق المثلية في البقرة فمعلوم بنوع من المقايسة والاجتهاد، وكذلك من أتلف فرسا فعليه ضمانه، والضمان هو المثل في القيمة، أما كونه مائة درهم مثلا في القيمة فإنما يعرف بالاجتهاد، ومن هذا القبيل الاجتهاد في القبلة وليس ذلك من القياس في شئ بل الواجب استقبال جهة القبلة وهو معلوم بالنص، أما أن هذه جهة القبلة فإنه يعلم بالاجتهاد والامارات الموجبة للظن عند تعذر اليقين، وكذلك حكم القاضي بقول الشهود ظني لكن الحكم بالصدق واجب، وهو معلوم بالنص، وقول العدل صدق معلوم بالظن وأمارات العدالة، والعدالة لا تعلم إلا بالظن فلنعبر عن هذا الجنس بتحقيق مناط الحكم، لان المناط معلوم، بنص أو إجماع لا حاجة إلى استنباطه، لكن تعذرت معرفته باليقين فاستدل عليه بإمارات ظنية، وهذا لا خلاف فيه بين الامة، وهو نوع اجتهاد، والقياس مختلف فيه، فكيف يكون هذا قياسا وكيف يكون مختلفا فيه، وهو ضرورة كل شريعة، لان التنصيص على عدالة الاشخاص وقدر كفاية كل شخص محال، فمن ينكر القياس ينكره حيث يمكن التعريف للحكم بالنص المحيط بمجاري الحكم‏.‏ الاجتهاد الثاني‏:‏ في تنقيح مناط الحكم‏:‏ وهذا أيضا يقربه أكثر منكري القياس، مثاله‏:‏ أن يضيف الشارع الحكم إلى سبب وينوطه به وتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الاضافة، فيجب حذفها عن درجة الاعتبار حتى يتسع الحكم، مثاله‏:‏ إيجاب العتق على الاعرابي حيث أفطر في رمضان بالوقاع مع أهله، فإنا نلحق به أعرابيا آخر بقوله عليه السلام‏:‏ حكمي على الواحد حكمي على الجماعة أو بالإجماع على أن التكليف يعم الاشخاص، ولكنا نلحق التركي والعجمي به، لانا نعلم أن مناط الحكم وقاع مكلف لا وقاع أعرابي، ونلحق به من أفطر في رمضان آخر، لانا نعلم أن المناط هتك حرمة رمضان لا حرمة ذلك الرمضان، بل نلحق به يوما آخر من ذلك الرمضان، ولو وطئ أمته أوجبنا عليه الكفارة، لانا نعلم أن كون الموطوءة منكوحة لا مدخل له في هذا الحكم بل يلحق به الزنا، لانه أشد في هتك الحرمة، إلا أن هذه إلحاقات معلومة تنبئ على تنقيح مناط الحكم بحذف ما علم بعادة الشرع في موارده ومصادره في أحكامه أنه لا مدخل له في التأثير، وقد يكون حذف بعض الاوصاف مظنونا فينقدح الخلاف فيه، كإيجاب الكفارة بالاكل والشرب إذ يمكن أن يقال‏:‏ مناط الكفارة كونه مفسدا للصوم المحترم والجماع آلة الافساد، كما أن مناط القصاص في القتل بالسيف كونه مزهقا روحا محترمة، والسيف آلة فيلحق به السكين والرمح والمثقل، فكذلك الطعام والشراب آلة، ويمكن أن يقال‏:‏ الجماع مما لا تنزجر النفس عنه عند هيجان شهوته لمجرد وازع الدين، فيحتاج فيه إلى كفارة وازعة، بخلاف الاكل، وهذا محتمل، والمقصود أن هذا تنقيح المناط بعد أن عرف المناط بالنص لا بالاستنباط، ولذلك أقر به أكثر منكري القياس، بل قال أبو حنيفة رحمه الله‏:‏ لا قياس في الكفارات وأثبت هذا النمط من التصرف وسماه استدلالا، فمن جحد هذا الجنس من منكري القياس وأصحاب الظاهر لم يخف فساد كلامه‏.‏ الاجتهاد الثالث في تخريج مناط الحكم واستنباطه مثاله‏:‏ أن يحكم بتحريم في محل ولا يذكر إلا الحكم والمحل، ولا يتعرض لمناط الحكم وعلته، كتحريم شرب الخمر والربا في البر، فنحن نستنبط المناط بالرأي والنظر فنقول‏:‏ حرمه لكونه مسكرا، وهو العلة، ونقيس عليه النبيذ، وحرم الربا في البر لكونه مطعوما ونقيس عليه الارز والزبيب، ويوجب العشر في البر فنقول‏:‏ أوجبه لكونه قوتا‏.‏ فنلحق به الاقوات، أو لكونه نبات الارض وفائدتها، فنلحق به الخضراوات وأنواع النبات، فهذا هو الاجتهاد القياسي الذي عظم الخلاف فيه وأنكره أهل الظاهر وطائفة من معتزلة بغداد وجميع الشيعة، والعلة المستنبطة أيضا عندنا لا يجوز التحكم بها بل قد تعلم بالايماء وإشارة النص فتلحق بالمنصوص وقد تعلم بالسير حيث يقوم دليل على وجوب التعليل، وتنحصر الاقسام في ثلاثة مثلا، ويبطل قسمان فيتعين الثالث، فتكون العلة ثابتة بنوع من الاستدلال، فلا تفارق تحقيق المناط وتنقيح المناط، وقد يقوم الدليل على كون الوصف المستنبط مؤثرا بالإجماع فيلحق به ما لا يفارقه إلا فيما لا مدخل له في التأثير، كقولنا الصغير يولي عليه في ماله لصغره، فيلحق بالمال البضع، إذ ثبت بالإجماع تأثير الصغر في جلب الحكم، ولا يفارق البضع المال في معنى مؤثر في الحكم، فكل ذلك استدلال قريب من القسمين الأولين، والقسم الأول متفق عليه، والثاني مسلم من الاكثرين‏.‏ هذا شرح المقدمتين ولنشرع الآن في الابواب‏.‏


حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس