عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 03:15 PM   #40
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
Gadid رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الأصل الثاني‏:‏ من الاصول الموهومة قول الصحابي
وقد ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي حجة مطلقا، وقوم إلى أنه حجة إن خالف القياس، وقوم إلى أن الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اقتدوا باللذين من بعدي وقوم إلى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا، والكل باطل عندنا، فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة في قوله، فكيف يحتج بقولهم مع جواز الخطأ وكيف تدعى عصمتهم من غير حجة متواترة، وكيف يتصور عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف، وكيف يختلف المعصومان، كيف وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة، فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كل مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه، فانتفاء الدليل على العصمة، ووقوع الاختلاف بينهم وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه ثلاثة أدلة قاطعة‏.‏ وللمخالف خمس شبه‏:‏ الشبهة الأولى‏:‏ قولهم‏:‏ وإن لم تثبت عصمتهم فإذا تعبدنا باتباعهم لزم الاتباع، كما أن الراوي الواحد لم تثبت عصمت لكن لزم اتباعه للتعبد به، وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديت اهتديتم والجواب‏:‏ أن هذا خطاب مع عوام أهل عصره صلى الله عليه وسلم بتعريف درجة الفتوى لاصحابه حتى يلزم اتباعهم، وهو تخيير لهم في الاقتداء بمن شاؤوا منهم، بدليل أن الصحابي غير داخل فيه، إذ له أن يخالف صحابيا آخر، فكما خرج الصحابة بدليل فكذلك خرج العلماء بدليل، وكيف وهذا لا يدل على وجوب الاتباع بل على الاهتداء إذا اتبع، فلعله يدل على مذهب من يجوز للعالم تقليد العالم، أو من يخير العامي في تقليد الائمة من غير تعيين الافضل‏.‏ الشبهة الثانية‏:‏ أن دعوى وجوب الاتباع إن لم تصح لجميع الصحابة فتصح للخلفاء الاربعة، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ عليكم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وظاهر قوله عليكم للايجاب، وهو عام، قلنا‏:‏ فيلزمكم على هذا تحريم الاجتهاد على سائر الصحابة رضي الله عنهم، إذا اتفق الخلفاء، ولم يكن كذلك، بل كانوا يخالفون، وكانوا يصرحون بجواز الاجتهاد فيما ظهر لهم، وظاهر هذا تحريم مخالفة كل واحد من الصحابة، وإن انفرد فليس في الحديث شرط الاتفاق، وما اجتمعوا في الخلافة حتى يكون اتفاقهم اتفاق الخلفاء، وإيجاب اتباع كل واحد منهم محال مع اختلافهم في مسائل، لكن المراد بالحديث إما أمر الخلق بالانقياد وبذل الطاعة لهم، أي عليكم بقبول إمارتهم وسنتهم، أو أمر الأمة بأن ينهجوا منهجهم في العدل والانصاف والاعراض عن الدنيا وملازمة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفقر والمسكنة والشفقة على الرعية، أو أراد منع من بعدهم عن نقض أحكامهم، فهذه احتمالات ثلاثة تعضدها الأدلة التي ذكرناها‏.‏ الشبهة الثالثة‏:‏ قولهم‏:‏ إنه إن لم يجب اتباع الخلفاء، فيجب اتباع أبي بكر وعمر، بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر قلنا‏:‏ تعارضه الاخبار السابقة، فيتطرق إليه الاحتمالات الثلاثة، ثم نقول بموجبه، فيجب الاقتداء بهما في تجويزهما لغيرهما مخالفتهما بموجب الاجتهاد، ثم ليت شعري، لو اختلفا كما اختلفا في التسوية في العطاء فأيهما يتبع‏.‏ الشبهة الرابعة‏:‏ أن عبد الرحمن بن عوف ولى عليا الخلافة بشرط الاقتداء بالشيخين، فأبى وولى عثمان فقبل، ولم ينكر عليه، قلنا‏:‏ لعله اعتقد بقوله عليه السلام‏:‏ من بعدي جواز تقليد العالم للعالم، وعلي رضي الله عنه لم يعتقد أو اعتقد أن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر إيجاب التقليد ولا حجة في مجرد مذهبه ويعارضه مذهب علي إذ فهم أنه إنما أراد عبد الرحمن اتباعهما في السيرة والعدل، وفهم على إيجاب التقليد‏.‏ الشبهة الخامسة‏:‏ أنه إذا قال الصحابي قولا يخالف القياس فلا محمل له إلا سماع خبر فيه ‏,‏ قلنا‏:‏ فهذا إقرار بأن قوله ليس بحجة وإنما الحجة الخبر، إلا أنكم أثبتم الخبر بالتوهم المجرد ومستندنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم في قبول خبر الواحد وهم إنما عملوا بالخبر المصرح بروايته دون الموهوم المقدر الذي لا يعرف لفظه ومورده، فقوله ليس بنص صريح في سماع خبر، بل ربما قاله عن دليل ضعيف ظنه دليلا وأخطأ فيه، والخطأ جائز عليه، وربما يتمسك الصحابي بدليل ضعيف، وظاهر موهوم، ولو قاله عن نص قاطع لصرح به، نعم لو تعارض قياسان، وقول الصحابي مع أحدهما، فيجوز للمجتهد إن غلب على ظنه الترجيح بقول الصحابي أن يرجح، وكذلك نوع من المعنى يقتضي تغليظ الدية بسبب الجرم، وقياس أظهر منه يقتضي نفي التغليظ، فربما يغلب على ظن المجتهد أن ذلك المعنى الاخفى الذي ذهب إليه الصحابي يترجح به، ولكن يختلف ذلك باختلاف المجتهدين، أما وجوب اتباعه ولم يصرح بنقل خبر فلا وجه له، وكيف وجميع ما ذكروه أخبار آحاد ونحن أثبتنا القياس والإجماع، وخبر الواحد بطرق قاطعة لا بخبر الواحد، وجعل قول الصحابي حجة كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخبره إثبات أصل من أصول الاحكام ومداركه فلا يثبت إلا بقاطع كسائر الاصول‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏هل يجوز تقليد الصحابي‏؟‏‏)‏
إن قال قائل‏:‏ إن لم يجب تقليدهم فهل يجوز تقليدهم‏؟‏ قلنا‏:‏ أما العامي فيقلدهم، وأما العالم فإنه إن جاز له تقليد العالم جاز له تقليدهم، وإن حرمنا تقليد العالم للعالم فقد اختلف قول الشافعي رحمه الله في تقليد الصحابة، فقال في القديم‏:‏ يجوز تقليد الصحابي إذا قال قولا وانتشر قوله ولم يخالف وقال في موضع آخر‏:‏ يقلد وإن لم ينتشر، ورجع في الجديد إلى أنه لا يقلد العالم صحابيا، كما لا يقلد عالما آخر، ونقل المزني عنه ذلك، وأن العمل على الأدلة التي بها يجوز للصحابة الفتوى وهو الصحيح المختار عندنا إذ كل ما دل على تحريم تقليد العالم للعالم كما سيأتي في كتاب ‏(‏الاجتهاد‏)‏ لا يفرق فيه بين الصحابي وغيره‏.‏ فإن قيل‏:‏ كيف لا يفرق بينهم مع ثناء الله تعالى وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 95‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لقد رضي الله عن المؤمنين‏}‏ ‏(‏الفتح‏:‏ 81‏)‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ خير الناس قرني وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أصحابي كالنجوم إلى غير ذلك‏؟‏ قلنا‏:‏ هذا كله ثناء يوجب حسن الاعتقاد في علمهم ودينهم، ومحلهم عند الله تعالى، ولا يوجب تقليدهم لا جوازا ولا وجوبا فإنه صلى الله عليه وسلم أثنى أيضا على آحاد الصحابة، ولا يتميزون عن بقية الصحابة بجواز التقليد أو وجوبه، كقوله صلى اللهه عليه وسلم‏:‏ لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله قد ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه يقول الحق وإن كان مرا وقال لعمر‏:‏ والله ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجك، وقال صلى الله عليه وسلم في قصة أسارى بدر حيث نزلت الآية على وفق رأي عمر، لو نزل بلاء من السماء ما نجا منه إلا عمر وقال صلوات الله عليه‏:‏ إن منكم لمحدثين وإن عمر لمنهم وكان علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة يقولون ما كنا نظن إلا أن ملكا بين عينيه يسدده، وأن ملكا ينطق على لسانه، وقال صلى الله عليه وسلم في حق علي‏:‏ اللهم أدر الحق مع علي حيث دار وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ أقضاكم علي، وأفرضكم زيد، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وقال عليه السلام‏:‏ رضيت لامتي ما رضي ابن أم عبد وقال عليه السلام لابي بكر وعمر‏:‏ لو اجتمعا على شئ ما خالفتهما وأراد في مصالح الحرب، وكل ذلك ثناء لا يوجب الاقتداء أصلا‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة فصل في تفريع الشافعي في القديم على تقليد الصحابة ونصوصه
قال في كتاب اختلاف الحديث‏:‏ إنه روي عن علي أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات، قال‏:‏ لو ثبت ذلك عن علي لقلت به، وهذا لانه رأى أنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف، إذ لا مجال للقياس فيه، وهذا غير مرضي، لانه لم ينقل فيه حديثا حتى يتأمل لفظه ومورده وقرائنه، وفحواه وما يدل عليه، ولم نتعبد إلا بقبول خبر يرويه صحابي مكشوفا يمكن النظر فيه، كما كان الصحابة يكتفون بذكر مذهب مخالف للقياس ويقدرون ذلك حديثا من غير تصريح به، وقد نص في موضع أن قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف فهو حجة، وهو ضعيف، لان السكوت ليس بقول، فأي فرق بين أن ينتشر أو لا ينتشر‏؟‏ وقد نص على أنه إذا اختلفت الصحابة فالائمة أولى، فإن اختلف الائمة فقول أبي بكر وعمر أولى لمزيد فضلهما، وقال في موضع آخر‏:‏ يجب الترجيح بقول الاعلم والاكثر قياسا لكثرة القائلين على كثرة الرواة وكثرة الاشباه، وإنما يجب ترجيح الاعلم، لان زيادة علمه تقوي اجتهاده وتبعده عن الاهمال والتقصير والخطأ وإن اختلف الحكم والفتوى من الصحابة فقد اختلف قول الشافعي فيه، فقال مرة‏:‏ الحكم أولى، لان العناية به أشد، والمشورة فيه أبلغ، وقال مرة‏:‏ الفتوى أولى، لان سكوتهم على الحكم يحمل على الطاعة للوالي، وكل هذا مرجوع عنه‏:‏ فإن قيل‏:‏ فما قولكم في ترجيح أحد القياسين بقول الصحابي‏؟‏ قلنا‏:‏ قال القاضي، لا ترجيح إلا بقوة الدليل، ولا يقوى الدليل بمصير مجتهد إليه، والمختار أن هذا في محل الاجتهاد، فربما يتعارض ظنان والصحابي في أحد الجانبين، فتميل نفس المجتهد إلى موافقة الصحابي، ويكون ذلك أغلب على ظنه، ويختلف ذلك باختلاف المجتهدين، وقال قوم‏:‏ إنما يجوز ترجيح قياس المصير إذا كان أصل القياس في واقعة شاهدها الصحابي، وإلا فلا فرق بينه وبين غيره وهذا قريب، ولكن مع هذا يحتمل أن يكون مصيره إليه لا لاختصاصه بمشاهدة ما يدل عليه بل بمجرد الظن، أما إذا حمل الصحابي لفظ الخبر على أحد محتمليه فمنهم من رجح ومنهم من قال‏:‏ إذا لم يقل‏:‏ علمت ذلك من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بقرينة شاهدتها فلا ترجيح به، وهذا اختيار القاضي، فإن قيل‏:‏ فقد ترك الشافعي في الجديد القياس في تغليظ الدية في الحرم بقول عثمان، وكذلك فرق بين الحيوان وغيره في شرط البراءة بقول علي‏؟‏ قلنا له‏:‏ في مسألة شرط البراءة أقوال، فلعل هذا مرجوع عنه، وفي مسألة التغليظ الظن به أنه قوي القياس بموافقة الصحابة، فإن لم يكن كذلك فمذهبه في الاصول أن لا يقلد، والله أعلم‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الأصل الثالث‏:‏ من الاصول الموهومة الاستحسان
وقد قال به أبو حنيفة، وقال الشافعي‏:‏ من استحسن فقد شرع ورد الشئ قبل فهمه محال، فلا بد أولا من فهم الاستحسان، وله ثلاثة معان‏:‏ الأول‏:‏ وهو الذي يسبق إلى الفهم ما يستحسنه المجتهد بعقله، ولا شك في أنا نجوز ورود التعبد باتباعه عقلا، بل لو ورد الشرع بأن ما سبق إلى أوهامكم أو استحسنتموه بعقولكم أو سبق إلى أوهام العوام مثلا فهو حكم الله عليكم لجوزناه، ولكن وقوع التعبد لا يعرف من ضرورة العقل ونظره، بل من السمع، ولم يرد فيه سمع متواتر ولا نقل آحاد، ولو ورد لكان لا يثبت بخبر الواحد، فإن جعل الاستحسان مدركا من مدارك أحكام الله تعالى ينزل منزلة الكتاب والسنة والإجماع، وأصلا من الاصول لا يثبت بخبر الواحد، ومهما انتفى الدليل وجب النفي‏.‏ المسلك الثاني‏:‏ أنا نعلم قطعا إجماع الامة قبلهم، على أن العالم ليس له أن يحكم بهواه وشهوته من غير نظر في دلالة الأدلة، والاستحسان من غير نظر في أدلة الشرع حكم بالهوى المجرد، وهو كاستحسان العامي، ومن لا يحسن النظر فإنه إنما جوز الاجتهاد للعالم دون العامي، لانه يفارقه في معرفة أدلة الشريعة، وتمييز صحيحها من فاسدها، وإلا فالعامي أيضا يستحسن، ولكن يقال‏:‏ لعل مستند استحسانك وهم وخيال لا أصل له، ونحن نعلم أن النفس لا تميل إلى الشئ إلا بسبب مميل إليه، لكن السبب ينقسم إلى ما هو وهم وخيال إذا عرض على الأدلة لم يتحصل منه طائل، وإلى ما هو مشهور من أدلة الشرع، فلم يميز المستحسن ميله عن الاوهام وسوابق الرأي إذا لم ينظر في الأدلة ولم يأخذ منها، ولهم شبه ثلاث‏:‏ الشبهة الأولى‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم‏}‏ ‏(‏الزمر‏:‏ 55‏)‏ وقال‏:‏ ‏{‏الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه‏}‏ ‏(‏الزمر‏:‏ 81‏)‏ قلنا اتباع أحسن ما أنزل إلينا هو اتباع الأدلة، فبينوا أن هذا مما أنزل إلينا، فضلا عن أن يكون من أحسنه، وهو كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم‏}‏ ‏(‏الزمر‏:‏ 55‏)‏ ثم نقول‏:‏ نحن نستحسن إبطال الاستحسان، وأن لا يكون لنا شرع سوى المصدق بالمعجزة، فليكن هذا حجة عليهم‏.‏ الجواب الثاني‏:‏ أن يلزم من ظاهر هذا اتباع استحسان العامي والطفل والمعتوه، لعموم اللفظ، فإن قلتم‏:‏ المراد بعض الاستحسانات، وهو استحسان من هو من أهل النظر، فكذلك نقول‏:‏ المراد كل استحسان صدر عن أدلة الشرع، وإلا فأي وجه لاعتبار أهلية النظر في الأدلة مع الاستغناء عن النظر‏.‏ الشبهة الثانية‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، ولا حجة من أوجه‏:‏ الأول‏:‏ أنه خبر واحد لا تثبت به الاصول‏.‏ الثاني‏:‏ أن المراد به ما رآه جميع المسلمين، لانه لا يخلو أن يريد به جميع المسلمين أو آحادهم، فإن أراد الجميع فهو صحيح إذ الامة لا تجتمع على حسن شئ إلا عن دليل، والإجماع حجة، وهو مراد الخبر، وإن أراد الآحاد لزم استحسان العوام، فإن فرق بأنهم ليسوا أهلا للنظر قلنا‏:‏ إذا كان لا ينظر في الأدلة فأي فائدة لاهلية النظر‏.‏ الثالث‏:‏ أن الصحابة أجمعوا على استحسان منع الحكم بغير دليل ولا حجة، لانهم مع كثرة وقائعهم تمسكوا بالظواهر والاشباه، وما قال واحد‏:‏ حكمت بكذا وكذا لاني استحسنته ولو قال ذلك لشددوا الانكار عليه وقالوا‏:‏ من أنت حتى يكون استحسانك شرعا وتكون شارعا لنا، وما قال معاذ حيث بعثه إلى اليمن أني أستحسن، بل ذكر الكتاب والسنة والاجتهاد فقط‏.‏ الشبهة الثالثة‏:‏ إن الامة استحسنت دخول الحمام من غير تقدير أجرة وعوض الماء ولا تقدير مدة السكون واللبث فيه، وكذلك شرب الماء من يد السقاء بغير تقدير العوض، ولا مبلغ الماء المشروب، لان التقدير في مثل هذا قبيح في العادات، فاستحسنوا ترك المضايقة فيه، ولا يحتمل ذلك في إجارة ولا بيع، والجواب من وجهين‏:‏ الأول‏:‏ أنهم من أين عرفوا أن الامة فعلت ذلك من غير حجة ولا دليل، ولعل الدليل جريان ذلك في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع معرفته به وتقريره عليه، لاجل المشقة في تقدير الماء المشروب والمصبوب في الحمام وتقدير مدة المقام والمشقة سبب الرخصة‏.‏ الثاني‏:‏ أن نقول شرب الماء بتسليم السقاء مباح، وإذا أتلف ماءه فعليه ثمن المثل، إذ قرينة حاله تدل على طلب العوض فيما بذله في الغالب، وما يبذل له في الغالب يكون ثمن المثل فيقبله السقاء، فإن منع فعليه مطالبته، فليس في هذا إلا الاكتفاء في معرفة الاباحة بالمعاطاة والقرينة، وترك المماسكة في العوض، وهذا مدلول عليه من الشرع، وكذلك داخل الحمام مستبيح بالقرينة، ومتلف بشرط العوض بقرينة حال الحمامي، ثم ما يبذله إن ارتضى به الحمامي واكتفى به عوضا أخذه وإلا طالبه بالمزيد إن شاء، فليس هذا أمرا مبدعا ولكنه منقاس والقياس حجة‏.‏ التأويل الثاني‏:‏ للاستحسان قولهم المراد به دليل ينقدح في نفس المجتهد لا تساعده العبارة عنه، ولا يقدر على إبرازه وإظهاره، وهذا هوس، لان ما لا يقدر على التعبير عنه لا يدري أنه وهم وخيال أو تحقيق، ولا بد من ظهوره ليعتبر بأدلة الشريعة لتصححه الأدلة أو تزيفه، أما الحكم بما لا يدري ما هو فمن أين يعلم جوازه، أبضرورة العقل أو نظره أو بسمع متواتر أو آحاد، ولا وجه لدعوى شئ من ذلك، كيف وقد قال أبو حنيفة‏:‏ إذا شهد أربعة على زنا شخص لكن عين كل واحد منهم زاوية من زوايا البيت وقال‏:‏ زنى فيها، فالقياس أن لا حد عليه، لكنا نستحسن حده، فيقول له، لم يستحسن سفك دم مسلم من غير حجة إذ لم تجتمع شهادة الاربعة على زنا واحد، وغايته أن يقول‏:‏ تكذيب المسلمين قبيح، وتصديقهم وهم عدول حسن، فنصدقهم ونقدر دورانه في زنية واحدة على جميع الزوايا، بخلاف ما لو شهدوا في أربعة بيوت، فإن تقدير التزاحف بعيد، وهذا هوس، لانا نصدقهم ولا نرجم المشهود عليه، كما لو شهد ثلاثة، وكما لو شهدوا في دور وندرأ الرجم من حيث لم نعلم يقينا اجتماع الاربعة على شهادة واحدة فدرء الحد بالشبهة أحسن، كيف وإن كان هذا دليلا، فلا ننكر الحكم بالدليل، ولكن لا ينبغي أن يسمى بعض الأدلة استحسانا‏.‏ التأويل الثالث‏:‏ للاستحسان، ذكره الكرخي وبعض أصحاب أبي حنيفة ممن عجز عن نصرة الاستحسان، وقال‏:‏ ليس هو عبارة عن قول بغير دليل، بل هو بدليل، وهو أجناس، منها‏:‏ العدول بحكم المسألة عن نظائرها بدليل خاص من القرآن، مثل قوله‏:‏ مالي صدقة، أو لله علي أن أتصدق بمالي، فالقياس لزوم التصدق بكل ما يسمى مالا، لكن استحسن أبو حنيفة التخصيص بمال الزكاة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 301‏)‏ ولم يرد إلا مال الزكاة‏.‏ ومنها‏:‏ أن يعدل بها عن نظائرها بدليل السنة، كالفرق في سبق الحدث والبناء على الصلاة بين السبق والتعمد على خلاف قياس الاحداث وهذا مما لا ينكر، وإنما يرجع الاستنكار إلى اللفظ، وتخصيص هذا النوع من الدليل بتسميته استحسانا من بين سائر الأدلة، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس