عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 03:12 PM   #38
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


مسألة ‏(‏كيفية انعقاد الإجماع‏)‏
يجوز انعقاد الإجماع عن اجتهاد وقياس ويكون حجة، وقال قوم الخلق الكثير لا يتصور اتفاقهم في مظنة الظن، ولو تصور لكان حجة، وإليه ذهب ابن جرير الطبري، وقال قوم، هو متصور وليس بحجة، لان القول بالاجتهاد يفتح باب الاجتهاد ولا يحرمه، والمختار أنه متصور وأنه حجة، وقولهم أن الخلق الكثير كيف يتفقون على حكم واحد في مظنة الظن‏؟‏ قلنا‏:‏ هذا إنما يستنكر فيما يتساوى فيه الاحتمال، وأما الظن الاغلب فيميل إليه كل واحد، فأي بعد في أن يتفقوا على أن النبيذ في معنى الخمر في الاسكار، فهو في معناه في التحريم، كيف وأكثر الإجماعات مستندة إلى عمومات وظواهر وأخبار آحاد صحت عند المحدثين، والاحتمال يتطرق إليها، كيف وقد أجمعوا على التوحيد والنبوة، وفيهما من الشبهة ما هو أعظم جذبا لاكثر الطباع من الاحتمال الذي في مقابلة الظن الاظهر، وقد أجمعت على إبطال النبوة مذاهب باطلة ليس لها دليل قطعي ولا ظني، فكيف لا يجوز الاتفاق على دليل ظاهر وظن غالب، ويدل عليه جواز الاتفاق عن اجتهاد لا بطريق القياس، كالاتفاق على جزاء الصيد، ومقدار أرش الجناية، وتقدير النفقة، وعدالة الائمة والقضاة، وكل ذلك مظنون وإن لم يكن قياسا‏.‏ ولهم شبه‏:‏ الأولى‏:‏ قولهم‏:‏ كيف تتفق الامة على اختلاف طباعها وتفاوت أفهامها في الذكاء والبلادة على مظنون‏؟‏ قلنا‏:‏ إنما يمتنع مثل هذا الاتفاق في زمان واحد وساعة معينة، لانهم في مهلة النظر قد يختلفون، أما في أزمنة متمادية فلا يبعد أن يسبق الاذكياء إلى الدلالة الظاهرة، ويقررون ذلك عند ذوي البلادة، فيقبلونه منهم ويساعدون عليه، وأهل هذا المذهب قد جوزوا الإجماع على نفي القياس وإبطاله، مع ظهور أدلة صحته، فكيف يمتنع الإجماع على هذا‏.‏ الشبهة الثانية‏:‏ قولهم‏:‏ كيف تجتمع الامة على قياس، وأصل القياس مختلف فيه‏؟‏ قلنا‏:‏ إنما يفرض ذلك من الصحابة، وهم متفقون عليه، والخلاف حدث بعدهم وإن فرض بعد حدوث الخلاف فيستند القائلون بالقياس إلى القياس والمنكرون له إلى اجتهاد ظنوا أنه ليس بقياس، وهو على التحقيق قياس، إذ قد يتوهم غير العموم عموما، وغير الامر أمرا، وغير القياس قياسا، وكذا عكسه‏.‏ الشبهة الثالثة‏:‏ قولهم إن الخطأ في الاجتهاد جائز، فكيف تجتمع الامة على ما يجوز فيه الخطأ، وربما قالوا‏:‏ الإجماع منعقد على جواز مخالفة المجتهد، فلو انعقد الإجماع عن قياس لحرمت المخالفة التي هي جائز بالإجماع، ولتناقض الإجماعان‏؟‏ قلنا‏:‏ إنما يجوز الخطأ في اجتهاد ينفرد به الآحاد، أما اجتهاد الامة المعصومة فلا يحتمل الخطأ كاجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقياسه، فإنه لا يجوز خلافه لثبوت عصمته، فكذا عصمة الامة من غير فرق‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الباب الثالث في حكم الإجماع
وحكمه وجوب الاتباع وتحريم المخالفة، والامتناع عن كل ما ينسب الامة إلى تضييع الحق، والنظر فيما هو خرق ومخالفة، وما ليس بمخالفة يتهذب برسم مسائل‏:‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏الإجماع على رأيين‏)‏
إذا اجتمعت الامة في المسألة على قولين كحكمهم، مثلا في الجارية المشتراة إذا وطئها المشتري ثم وجد بها عيبا، فقد ذهب بعضهم إلى أنها ترد مع العقر وذهب بعضهم إلى منع الرد، فلو اتفقوا على هذين المذهبين كان المصير إلى الرد مجانا خرقا للإجماع عند الجماهير، إلا عند شذوذ من أهل الظاهر والشافعي إنما ذهب إلى الرد مجانا لان الصحابة بجملتهم لم يخوضوا في المسألة وإنما نقل فيها مذهب بعضهم، فلو خاضوا فيها بجملتهم واستقر رأي جميعهم على مذهبين لم يجز إحداث مذهب ثالث، ودليله أنه يوجب نسبة الامة إلى تضييع الحق، إذ لا بد لمذهب الثالث من دليل، ولا بد من نسبة الامة إلى تضييعه والغفلة عنه، وذلك محال، ولهم شبه‏:‏ الشبهة الأولى‏:‏ قولهم‏:‏ إنهم خاضوا خوض مجتهدين، ولم يصرحوا بتحريم قول ثالث‏؟‏ قلنا‏:‏ وإذا اتفقوا على قول واحد عن اجتهاد فهو كذلك، ولم يجز خلافهم لانه يوجب نسبتهم إلى تضييح الحق والغفلة عن دليله فكذلك هاهنا‏.‏ الشبهة الثانية‏:‏ قولهم إنه لو استدل الصحابة بدليل أو علة لجاز الاستدلال بعلة أخرى، لانهم لم يصرحوا ببطلانها فكذلك القول الثالث لم يصرحوا ببطلانه‏؟‏ قلنا‏:‏ فليجز خلافهم إذا اتفقوا عن اجتهاد، إذ يجوز التعليل بعلة أخرى فيما اتفقوا عليه، لكن الجواب أنه ليس من فرض دينهم الاطلاع على جميع الأدلة، بل يكفيهم معرفة الحق بدليل واحد، فليس في إحداث علة أخرى واستنباطها نسبة إلى تضييع الحق، وفي مخالفتهم في الحكم إذا اتفقوا نسبة إلى التضييع، فكذلك إذا اختلفوا على قولين‏.‏ الشبهة الثالثة‏:‏ إنه لو ذهب بعض الصحابة إلى أن اللمس والمس ينقضان الوضوء وبعضهم إلى أنهما لا ينقضان الوضوء، ولم يفرق واحد بينهما، فقال تابعي‏:‏ ينقض أحدهما دون الآخر، كان هذا جائزا وإن كان قولا ثالثا قلنا‏:‏ لان حكمه في كل مسألة يوافق مذهب طائفة وليس في المسألتين حكم واحد، وليست التسوية مقصودة، ولو قصدوها وقالوا لا فرق واتفقوا عليه لم يجز الفرق، وإذا فرقوا بين المسألتين واتفقوا على الفرق قصدا امتنع الجمع، أما إذا لم يجمعوا ولم يفرقوا فلا يلتئم حكم واحد من مسألتين، بل نقول صريحا لا يخلو إنسان عن معصية وخطأ في مسألة، فالامة مجتمعة على المعصية والخطأ وكل ذلك ليس بمحال إنما يستحيل الخطأ بحيث يضيع الحق حتى لا يقوم به طائفة مع قوله عليه السلام‏:‏ لا تزال طائفة من أمتي على الحق فلهذا نقول‏:‏ يجوز أن تنقسم الامة في مسألتين إلى فرقتين وتخطئ فرقة في مسألة، والفرقة الاخرى تقوم بالحق فيها، والقائمون بالحق يخطئون في المسألة الاخرى، ويقوم بالحق فيها المخطئون في المسألة الأولى حتى يقول مثلا أحد شطري الامة‏:‏ القياس ليس بحجة والخوارج مبطلون، ويقول فريق آخر القياس حجة والخوارج محقون، فيشملهم الخطأ، ولكن في مسألتين، فلا يكون الحق في مسألتين مضيعا بين الامة في كل واحد منهما‏.‏ الشبهة الرابعة‏:‏ إن مسروقا أحدث في مسألة الحرام قولا ثالثا ولم ينكر عليه منكر، قلنا‏:‏ لم يثبت استقرار كافة الصحابة على رأيين في مسألة الحرام بل ربما كان بعضهم فيها في مهلة النظر أو لم يخض فيها، أو لعل مسروقا خالف الصحابة في ذلك الوقت ولم ينطق بوفاقهم وكان أهلا للاجتهاد في وقت وقوع هذه المسألة، كيف ولم يصح هذا عن مسروق إلا بإخبار الآحاد، فلا يدفع بها ما ذكرنا‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏خلاف القليل للإجماع‏)‏
إذا خالف واحد من الامة أو اثنان لم ينعقد الإجماع دونه، فلو مات لم تصر المسألة إجماعا، خلافا لبعضهم، ودليلنا أن المحرم مخالفة الامة كافة، ومن ذهب إلى مذهب الميت بعد عصره لا يمكن أن يقال مذهبه خلاف كافة الامة، لان الميت من الامة لا ينقطع مذهبه بموته، ولذلك يقال‏:‏ فلان وافق الشافعي أو خالفه، وذلك بعد موت الشافعي، فمذهب الميت لا يصير مهجورا بموته، ولو صار مهجورا لصار مذهب الجميع كالمنعدم عند موتهم، حتى يجوز لمن بعدهم أن يخالفهم، فإن قيل‏:‏ فلو مات في مهلة النظر وهو بعد متوقف فماذا تقولون فيه‏؟‏ قلنا‏:‏ نقطع في طرفين واضحين إحداهما‏:‏ أن يموت قبل الخوض في المسألة وقبل أن تعرض عليه، فالباقون بعده كل الامة، وإن خاض وأفتى فالباقون بعض الامة، وإن مات في مهلة النظر فهذا محتمل، فإنه كما لم يخالفهم لم يوافقهم أيضا، بل المتوقف مخالف للجازم، لكنه بصدد الموافقة فهذه المسألة محتملة عندنا والله أعلم‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏إجماع التابعين على أحد قولي الصحابة‏)‏
إذا اتفق التابعون على أحد قولي الصحابة لم يصر القول الآخر مهجورا، ولم يكن الذاهب إليه خارقا للإجماع، خلافا للكرخي وجماعة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وكثير من القدرية، كالجبائي وابنه، لانه ليس مخالفا لجميع الامة، فإن الذين ماتوا على ذلك المذهب هم من الامة، والتابعون في تلك المسألة بعض الامة، وإن كانوا كل الامة، فمذهبهم باختيار أحد القولين لا يحرم القول الآخر، فإن صرحوا بتحريم القول الآخر فنحن بين أمرين‏:‏ إما أن نقول هذا محال وقوعه لانه يؤدي إلى تناقض الإجماعين، إذ مضت الصحابة مصرحة بتجويز الخلاف، وهؤلاء اتفقوا على تحريم ما سوغوه، وإما أن نقول أن ذلك ممكن، ولكنهم بعض الامة في هذه المسألة، والمعصية من بعض الامة جائزة، وإن كانوا كل الامة في كل مسألة لم يخض الصحابة فيها، لكن هذا يخالف قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إذ يكون الحق قد ضاع في هذا الزمان، فلعل من يميل إلى هذا المذهب يجعل الحديث من أخبار الآحاد، فإن قيل‏:‏ بم تنكرون على من يقول هذا إجماع يجب اتباعه، وأما الصحابة فقد اتفقوا على قولين‏:‏ بشرط أن لا يعثر من بعدهم على دليل يعين الحق في أحدهما‏:‏ قلنا‏:‏ هذا تحكم واختراع عليهم، فإنهم لم يشترطوا هذا الشرط والإجماع حجة قاطعة، فلا يمكن الشرط في الحجة القاطعة، إذ يتطرق الاحتمال إليه ويخرج عن كونه قاطعا، ولو جاز هذا لجاز أن يقال‏:‏ إذا أجمعوا على قول واحد عن اجتهاد فقد اتفقوا بشرط أن لا يعثر من بعدهم على دليل يعين الحق في خلافه، وقد مضت الصحابة متفقة على تسويغ كل واحد من القولين فلا يجوز خرق إجماعهم‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏الرجوع إلى أحد الرأيين‏)‏
إذا اختلفت الامة على قولين ثم رجعوا إلى قول واحد صار ما اتفقوا عليه إجماعا قاطعا عند من شرط انقراض العصر، ويخلص من الاشكال، أما نحن إذا لم نشترط فالإجماع الأول ولو في لحظة قد تم على تسويغ الخلاف‏:‏ فإذا رجعوا إلى أحد القولين فلا يمكننا في هذه الصورة أن نقول هم بعض الامة في هذه المسألة كما ذكرناه في اتفاق التابعين على أحد قولي الصحابة، فيعظم الاشكال، وطرق الخلاص عنه خمسة‏:‏ أحدها‏:‏ أن نقول هذا محال وقوعه، وهو كفرض إجماعهم على شئ ثم رجوعهم بأجمعهم إلى خلافه، أو اتفاق التابعين على خلافه والشارطون لانقراض العصر يتخذون هذه المسألة عمدة لهم ويقولون مثلا إذا اختلفوا في مسألة النكاح بلا ولي فمن ذهب إلى بطلانه جاز له أن يصر عليه فلم لا يجوز للآخرين أن يوافقوه مهما ظهر لهم دليل البطلان، وكيف يحجز على المجتهد إذا تغير اجتهاده أن يوافق مخالفه‏؟‏ قلنا‏:‏ هذا استبعاد محض، ونحن نحيل ذلك لانه يؤدي إلى تناقض الإجماعين، فإن الإجماع الأول قد دل على تسويغ الخلاف، وعلى إيجاب التقليد على كل عامي لمن شاء من المجتهدين، ولا يكون الاتفاق على تسويغ ذلك إلا عن دليل قاطع أو كالقاطع في تجويزه، وكيف يتصور رفعه وإحالة وقوع هذا التناقض في الإجماعين أقرب من التحكم باشتراط العصر، ثم يبقى الاشكال في اتفاق التابعين بعد انقراض العصر الأول على اختلاف قولين، ثم لا خلاف في أنه يجوز الرجوع إلى أحدهما في القطعيات، كما رجعوا إلى قتال المانعين للزكاة بعد الخلاف، وإلى أن الائمة من قريش، لان كل فريق يؤثم مخالفه، ولا يجوز مذهبه بخلاف المجتهدات، فإن الخلاف فيها مقرون بتجويز الخلاف وتسويغ الاخذ بكل مذهب أدى إليه الاجتهاد من المذهبين‏.‏ والمخلص الثاني‏:‏ اشتراط انقراض العصر، وهو مشكل فإن اشتراطه تحكم‏.‏ والمخلص الثالث‏:‏ اشتراط كون الإجماع مستندا إلى قاطع لا إلى قياس واجتهاد، فإن من شرط هذا يقول لا يحصل من اختلافهم إجماع على جواز كل مذهب، بل ذلك أيضا مستند إلى اجتهاد، فإذا رجعوا إلى واحد فالنظر إلى ما اتفقوا عليه لتعين الحق، بدليل قاطع في أحد المذهبين، وهو مشكل لانه لو فتح هذا الباب لم يكن التعلق بالإجماع، إذ ما من إجماع إلا ويتصور أن يكون عن اجتهاد، فإذا انقسم الإجماع إلى ما هو حجة وإلى ما ليس بحجة ولا فاصل سقط التمسك به، وخرج عن كونه حجة، فإنه إن ظهر لنا القاطع الذي هو مستندهم فيكون الحكم مستقلا بذلك القاطع، ومستندا إليه لا إلى الإجماع، ولان قوله عليه السلام‏:‏ لا تجتمع أمتي على الخطأ لم يفرق بين إجماع وإجماع، ولا يتخلص من هذا إلا من أنكر تصور الإجماع عن اجتهاد، وعند ذلك يناقض آخر كلامه أوله حيث قال‏:‏ اتفاقهم على تسويغ الخلاف مستنده الاجتهاد‏.‏ المخلص الرابع‏:‏ أن يقال‏:‏ النظر إلى الاتفاق الاخير فأما في الابتداء فإنما جوز الخلاف بشرط أن لا ينعقد إجماع على تعيين الحق في واحد، وهذا مشكل فإنه زيادة شرط في الإجماع والحجج القاطعة لا تقبل الشرط الذي يمكن أن يكون وأن لا يكون، ولو جاز هذا لجاز أن يقال‏:‏ الإجماع الثاني ليس بحجة، بل إنما يكون حجة بشرط أن لا يكون اتفاقا بعد اختلاف، وهذا أولى لانه يقطع عن الإجماع الشرط المحتمل‏.‏ المخلص الخامس‏:‏ هذا، وهو أن الاخير ليس بحجة، ولا يحرم القول المهجور، لان الإجماع إنما يكون حجة بشرط أن لا يتقدم اختلاف، فإذا تقدم لم يكن حجة، وهذا أيضا مشكل، لان قوله عليه السلام‏:‏ لا تجتمع أمتي على الخطأ يحسم باب الشرط، ويوجب كون كل إجماع حجة كيف ما كان، فيكون كل واحد من الإجماعين حجة، ويتناقض، فلعل الأولى الطريق الأول، وهو أن هذا لا يتصور، لانه يؤدي إلى التناقض، وتصويره كتصوير رجوع أهل الإجماع عما أجمعوا عليه، وكتصوير اتفاق التابعين على خلاف إجماع الصحابة، وذلك مما يمتنع وقوعه بدليل السمع فكذلك هذا، فإن قيل‏:‏ فإذا ذهب جميع الامة من الصحابة إلى العول إلا ابن عباس وإلى منع بيع أمهات الأولاد إلا عليا، فإذا ظهر لهما الدليل على العول وعلى منع البيع فلم يحرم عليهما الرجوع إلى موافقة سائر الامة، وكيف يستحيل أن يظهر لهما ما ظهر للامة، ومذهبكم يؤدي إلى هذه الاحالة عند سلوك الطريق الأول‏؟‏ قلنا‏:‏ لا إشكال على الطريق الأول إلا هذا، وسبيل قطعه أن يقال‏:‏ لا يحرم عليهما الرجوع لو ظهر لهما وجه ذلك، ولكنا نقول‏:‏ يستحيل أن يظهر لهما وجه أو يرجعا لا لامتناعه في ذاته، لكن لافضائه إلى ما هو ممتنع سمعا، والشئ تارة يمتنع لذاته وتارة لغيره، كاتفاق التابعين على إبطال القياس وخبر الواحد، فإنه محال لا لذاته، لكن لافضائه إلى تخطئة الصحابة أو تخطئة التابعين كافة، وهو ممتنع سمعا، والله أعلم‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏ظهور حديث يخالف إجماع الصحابة‏)‏
فإن قال قائل إذا أجمعت الصحابة على حكم ثم ذكر واحد منهم حديثا على خلافه ورواه، فإن رجعوا إليه كان الإجماع الأول باطلا، وإن أصروا على خلاف الخبر فهو محال، لا سيما في حق من يذكره تحقيقا، وإذا رجع هو كان مخالفا للإجماع، وإن لم يرجع كان مخالفا للخبر، وهذا لا مخلص عنه إلا باعتبار انقراض العصر فليعتبر قلنا عنه مخلصان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن هذا فرض محال، فإن الله يعصم الامة عن الإجماع على نقيض الخبر، أو يعصم الراوي عن النسيان إلى أن يتم الإجماع‏.‏ الثاني‏:‏ أنا ننظر إلى أهل الإجماع، فإن أصروا تبين أنه حق، وأن الخبر إما أن يكون غلط فيه الراوي فسمعه من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وظن أنه سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم أو تطرق إليه نسخ لم يسمعه الراوي وعرفه أهل الإجماع، وإن لم ينكشف لنا، فإن رجع الراوي كان مخطئا، لانه خالف الإجماع وهو حجة قاطعة، وإن رجع أهل الإجماع إلى الخبر قلنا‏:‏ كان ما أجمعوا عليه حقا في ذلك الزمان إذ لم يكلفهم الله ما لم يبلغهم، كما يكون الحكم المنسوخ حقا قبل بلوغ النسخ، وكما لو تغير الاجتهاد أو يكون كل واحد من الرأيين حقا عند من صوب قول كل مجتهد، فإن قيل‏:‏ فإن جاز هذا فلم لا يجوز أن يقال‏:‏ إذا أجمعت الامة عن اجتهاد جاز لمن بعدهم الخلاف، بل جاز لهم الرجوع، فإن ما قالوه كان حقا ما دام ذلك الاجتهاد باقيا، فإذا تغير تغير الفرض والكل حق، لا سيما إذا اختلفوا عن اجتهاد ثم رجعوا إلى قول واحد، وهلا قلتم‏:‏ إن ذلك جائز لانهم كانوا يجوزون للذاهب إلى إنكار العول وبيع أم الولد القول به ما غلب ذلك على ظنه، فإذا تغير ظنه تغير فرضه وحرم عليه ما كان سائغا له، ولا يكون هذا رفعا للإجماع بل تجويزا للمصير إلى مذهب بشرط غلبة الظن، فإذا تغير الظن لم يكن مجوزا، ويكون هذا مخلصا سادسا في المسألة التي قبل هذه المسألة‏؟‏ قلنا‏:‏ ما أجمعوا عليه عن اجتهاد لا يجوز خلافه بعده، لا لانه حق فقط، لكن لانه حق اجتمعت الامة عليه، وقد أجمعت الامة على أن كل ما أجمعت الامة عليه يحرم خلافه لا كالحق الذي يذهب إليه الآحاد، وأما إذا اختلفوا عن اجتهاد فقد اتفقوا على جواز القول الثاني، فيصير جواز المصير إليه أمرا متفقا عليه، ولايجوز أن يقيد بشرط بقاء الاجتهاد، كما لو اتفقوا على قول واحد بالاجتهاد، فإنه لا يشترط فيه أن لا يتغير الاجتهاد، بل يحرم خلافه مطلقا من غير شرط، فكذلك هذا فإن قيل‏:‏ فلو ظهر للتابعين ذلك الخبر على خلاف ما أجمعت الصحابة عليه ونقله إليهم من كان حاضرا عند إجماع أهل الحل والعقد، ولم يكن الراوي من أهل الحل والعقد‏؟‏ قلنا‏:‏ يحرم على التابعين موافقته ويجب عليه اتباع الإجماع القاطع فإن خبر الواحد يحتمل النسخ والسهو والإجماع لا يحتمل ذلك‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏هل يثبت الإجماع بخبر الواحد‏)‏
الإجماع لا يثبت بخبر الواحد، خلافا لبعض الفقهاء، والسر فيه أن الإجماع دليل قاطع يحكم به على الكتاب والسنة المتواترة، وخبر الواحد، لا يقطع به فكيف يثبت به قاطع وليس يستحيل التعبد به عقلا لو ورد كما ذكرناه في نسخ القرآن بخبر الواحد، لكن لم يرد، فإن قيل‏:‏ فليثبت في حق وجوب العمل به إن لم يكن العمل به مخالفا لكتاب ولا سنة متواترة، إذ الإجماع كالنص في وجوب العمل، والعمل بما ينقله الراوي من النص واجب، وإن لم يحصل القطع به لصحة النص، فكذا الإجماع‏؟‏ قلنا‏:‏ إنما يثبت العمل بخبر الواحد اقتداء بالصحابة وإجماعهم عليه، وذلك فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ أما ما روي عن الامة من اتفاق أو إجماع، فلم يثبت فيه نقل وإجماع، ولو أثبتناه لكان ذلك بالقياس، ولم يثبت لنا صحة القياس في إثبات أصول الشريعة، هذا هو الاظهر، ولسنا نقطع ببطلان مذهب من يتمسك به في حق العمل خاصة، والله أعلم‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏ليست من الإجماع الاخذ بالاقل‏)‏
الاخذ بأقل ما قيل ليس تمسكا بالإجماع خلافا لبعض الفقهاء، ومثاله‏:‏ إن الناس اختلفوا في دية اليهودي، فقيل‏:‏ إنها مثل دية المسلم، وقيل‏:‏ إنها مثل نصفها، وقيل إنها ثلثها، فأخذ الشافعي بالثلث الذي هو الاقل، وظن ظانون أنه تمسك بالإجماع، وهو سوء ظن بالشافعي رحمه الله، فإن المجمع عليه وجوب هذا القدر فلا مخالف فيه، وإنما المختلف فيه سقوط الزيادة، ولا إجماع فيه، بل لو كان الإجماع على الثلث إجماعا على سقوط الزيادة لكان موجب الزيادة خارقا للإجماع، ولكان مذهبه باطلا على القطع، لكن الشافعي أوجب ما أجمعوا عليه، وبحث عن مدارك الأدلة، فلم يصح عنده دليل على إيجاب الزيادة، فرجع إلى استصحاب الحال في البراءة الأصلية التي يدل عليها العقل، فهو تمسك بالاستصحاب، ودليل العقل لا بدليل الإجماع، كما سيأتي معناه إن شاء الله تعالى، وهذا تمام الكلام في الإجماع الذي هو الأصل الثالث‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس