عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 03:05 PM   #32
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


مسألة ‏(‏لا ينسخ الإجماع‏)‏
الإجماع لا ينسخ به إذ لا نسخ بعد انقطاع الوحي، وما نسخ فالإجماع بالإجماع يدل على ناسخ قد سبق في زمان نزول الوحي من كتاب أو سنة، أما السنة فينسخ المتواتر منها بالمتواتر والآحاد بالآحاد، أما نسخ المتواتر منها بالآحاد فاختلفوا في وقوعه سمعا وجوازه عقلا، فقال قوم‏:‏ وقع ذلك سمعا، فإن أهل مسجد القباء تحولوا إلى الكعبة بقول واحد أخبرهم وكان ثابتا بطريق قاطع فقلبوا نسخه عن الواحد، والمختار جواز ذلك عقلا لو تعبد به ووقوعه سمعا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قصة قباء، وبدليل أنه كان ينفذ آحاد الولاة إلى الاطراف، وكانوا يبلغون الناسخ والمنسوخ جميعا، ولكن ذلك ممتنع بعد وفاته، بدليل الإجماع من الصحابة، على أن القرآن والمتواتر المعلوم لا يرفع بخبر الواحد، فلا ذاهب إلى تجويزه من السلف والخلف، والعمل بخبر الواحد تلقى من الصحابة وذلك فيما لا يرفع قاطعا، بل ذهب الخوارج إلى منع نسخ القرآن بالخبر المتواتر حتى أنهم قالوا رجم ماعز وإن كان متواترا لا يصلح لنسخ القرآن، وقال الشافعي رحمه الله‏:‏ لا يجوز نسخ القرآن بالسنة، وإن تواترت، وليس ذلك بمحال، لانه يصح أن يقال‏:‏ تعبدناكم بالنسخ بخبر الواحد في زمان نزول الوحي وحرمنا ذلك بعده، فإن قيل‏:‏ كيف يجوز ذلك عقلا وهو رفع القاطع بالظن، وأما حديث قباء فلعله انضم إليه من القرائن ما أورث العلم، قلنا‏:‏ تقدير قرائن معرفة توجب إبطال أخبار الآحاد وحمل عمل الصحابة على المعرفة بالقرائن ولا سبيل إلى وضع ما لم ينقل، وأما قولهم إنه رفع للقاطع بالظن فباطل، إذ لو كان كذلك لقطعنا بكذب الناقل ولسنا نقطع به، بل نجوز صدقه، وإنما هو مقطوع به بشرط أن لا يرد خبر نسخه، كما أن البراءة الأصلية مقطوع بها وترتفع بخبر الواحد، لانها تفيد القطع، بشرط عدم خبر الواحد، فإن قيل‏:‏ بم تنكرون على من يقطع بكونه كاذبا، لان الرسول عليه السلام أشاع الحكم، فلو ثبت نسخه للزمه الاشاعة، قلنا‏:‏ ولم يستحيل أن يشيع الحكم، ويكل النسخ، إلى الآحاد، كما يشيع العموم وبكل التخصيص إلى المخصص‏؟‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏لا يصح نسخ المتواتر بالقياس‏)‏
لا يجوز نسخ النص القاطع المتواتر بالقياس المعلوم بالظن والاجتهاد على اختلاف مراتبه، جليا كان أو خفيا، هذا ما قطع به الجمهور إلا شذوذا منهم قالوا‏:‏ ما جاز التخصيص به جاز النسخ به، وهو منقوض بدليل العقل وبالإجماع وبخبر الواحد، فالتخصيص بجميع ذلك جائز دون النسخ، ثم كيف يتساويان والتخصيص بيان والنسخ رفع والبيان تقرير والرفع إبطال، وقال بعض أصحاب الشافعي، يجوز النسخ بالقياس الجلي، ونحن نقول‏:‏ لفظ الجلي مبهم فإن أرادوا المقطوع به فهو صحيح، وأما المظنون فلا، وما يتوهم القطع به على ثلاث مراتب‏:‏ الأولى‏:‏ ما يجري مجرى النص وأوضح منه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تقل لهما أف‏}‏ ‏(‏الاسراء‏:‏ 32‏)‏، فإن تحريم الضرب مدرك منه قطعا، فلو كان ورد نص بإباحة الضرب لكان هذا ناسخا، لانه أظهر من المنطوق به، وفي درجته قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره‏}‏ ‏(‏الزلزلة‏:‏ 7‏)‏ الآية في أن ما هو فوق الذرة كذلك، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وورثه أبواه فلامه الثلث‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 11‏)‏ في أن للاب الثلثين‏.‏ الرتبة الثانية‏:‏ لو ورد نص بأن العتق لا يسري في الامة، ثم ورد قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أعتق شركا له في عبد قوم عليه الباقي لقضينا بسراية عتق الامة قياسا على العبد، لانه مقطوع به، إذ علم قطعا قصد الشارع إلى المملوك لكونه مملوكا‏.‏ الرتبة الثالثة‏:‏ أن يرد النص مثلا بإباحة النبيذ ثم يقول الشارع‏:‏ حرمت الخمر لشدتها، فينسخ إباحة النبيد بقياسه على الخمر إن تعبدنا بالقياس، وقال قوم‏:‏ وإن لم نتعبد بالقياس نسخنا أيضا، إذ لا فرق بين قوله حرمت كل منتبذ، وبين قوله‏:‏ حرمت الخمر لشدتها، ولذلك أقر النظام بالعلة المنصوصة وإن كان منكرا لاصل القياس، ولنبين أنه إن لم نتعبد بالقياس، فقوله‏:‏ حرمت الخمر عليكم لشدتها ليس قاطعا في تحريم النبيذ بل يجوز أن تكون العلة شدة الخمر خاصة كما تكون العلة في الرجم زنا المحصن خاصة، والمقصود أن القاطع لا يرفع بالظن بل بالقاطع، فإن قيل استحالة رفعه بالمظنون عقلي أو سمعي، قلنا‏:‏ الصحيح أنه سمعي، ولا يستحيل عقلا أن يقال‏:‏ تعبدناكم بنسخ النص بالقياس على نص آخر، نعم يستحيل أن نتعبد بنسخ النص بقياس مستنبط من عين ذلك النص، لان ذلك يؤدي إلى أن يصير هو مناقضا لنفسه، فيكون واجب العمل به وساقط العمل به، فإن قيل‏:‏ فما الدليل على امتناعه سمعا‏؟‏ قلنا‏:‏ يدل عليه الإجماع على بطلان كل قياس مخالف للنص، وقول معاذ رضي الله عنه اجتهد رأيي، بعد فقد النص وتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم له وإجماع الصحابة على ترك القياس بأخبار الآحاد، فكيف بالنص القاطع المتواتر، واشتهار قولهم عند سماع خبر الواحد‏:‏ لولا هذا لقضينا برأينا، ولان دلالة النص قاطع في المنصوص، ودلالة الأصل على الفرع مظنون، فكيف يترك الاقوى بالاضعف، وهذا مستند الصحابة في إجماعهم على ترك القياس بالنص، فإن قيل‏:‏ إذا تناقض قاطعان وأشكل المتأخر فهل يثبت تأخر أحدهما بقول الواحد حتى يكون هو الناسخ‏؟‏ قلنا يحتمل أن يقال ذلك، لانه إذا ثبت الاحصان بقول اثنين مع أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة دل على أنه لا يحتاط للشرط بما يحتاط به للمشروط، ويحتمل أن يقال النسخ إذا كان بالتأخير والمنسوخ قاطع، فلا يكفي فيه قول الواحد، فهذا في محل الاجتهاد، والاظهر قبوله، لان أحد النصين منسوخ قطعا، وإنما هذا مطلوب قبوله للتعيين‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏نسخ الحكم بقول الصحابي‏)‏
لا ينسخ حكم بقول الصحابي نسخ حكم كذا ما لم يقل‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نسخت حكم كذا، فإذا قال ذلك نظر في الحكم، إن كان ثابتا بخبر الواحد صار منسوخا بقوله، وإن كان قاطعا فلا، أما قوله‏:‏ نسخ حكم كذا، فلا يقبل قطعا، فلعله ظن ما ليس ينسخ نسخا، فقد ظن أن الزيادة على النص نسخ، وكذلك في مسائل، وقال قوم‏:‏ إن ذكر لنا ما هو الناسخ عنده لم نقلده، لكن نظرنا فيه، وإن أطلق فنحمله على أنه لم يطلق إلا عن معرفة قطعية، وهذا فاسد، بل الصحيح أنه إن ذكر الناسخ تأملنا فيه وقضينا برأنيا، وإن لم يذكر لم نقلده وجوزنا أن يقول ذلك عن اجتهاد ينفرد به، هذا ما ذكره القاضي رحمه الله، والاصح عندنا أن نقبل كقول الصحابي أمر بكذا ونهى عن كذا، فإن ذلك يقبل كما سنذكره في كتاب الاخبار، ولا فرق بين اللفظين، فإن قيل‏:‏ قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد أحلت له النساء اللاتي حظرن عليه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أحللنا لك أزواجك‏}‏ ‏(‏الاحزاب‏:‏ 05‏)‏ فقبل ذلك منها، قلنا‏:‏ ليس ذلك مرضيا عندنا، ومن قبل فإنما قبل ذلك للدليل الناسخ ورآه صالحا للنسخ، ولم يقلد مذهبها‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة خاتمة الكتاب فيما يعرف به تاريخ الناسخ
اعلم أنه إذا تناقض نصان فالناسخ هو المتأخر، ولا يعرف تأخره بدليل العقل ولا بقياس الشرع، بل بمجرد النقل، وذلك بطرق‏:‏ الأول‏:‏ أن يكون في اللفظ ما يدل عليه كقوله عليه السلام‏:‏ كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الاضاحي فالآن ادخروها وكقوله‏:‏ كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها‏.‏ الثاني‏:‏ أن تجمع الامة في حكم على أنه المنسوخ وأن ناسخه الآخر‏.‏ الثالث‏:‏ أن يذكر الراوي التاريخ مثل أن يقول‏:‏ سمعت عام الخندق، أو عام الفتح، وكان المنسوخ معلوما قبله، ولا فرق بين أن يروي الناسخ والمنسوخ راو واحد أو راويان، ولا يثبت التاريخ بطرق‏:‏ الأول‏:‏ أن يقول الصحابي‏:‏ كان الحكم علينا كذا ثم نسخ لانه ربما قاله عن اجتهاد‏.‏ الثاني‏:‏ أن يكون أحدهما مثبتا في المصحف بعد الآخر، لان السور والآيات ليس إثباتها على ترتيب النزول، بل ربما قدم المتأخر‏.‏ الثالث‏:‏ أن يكون راويه من أحداث الصحابة، فقد ينقل الصبي عمن تقدمت صحبته، وقد ينقل الاكابر عن الاصاغر وبعكسه‏.‏ الرابع‏:‏ أن يكون الراوي أسلم عام الفتح ولم يقل إني سمعت عام الفتح، إذ لعله سمع في حاله كفره، ثم روى بعد الاسلام، أو سمع ممن سبق بالاسلام‏.‏ الخامس‏:‏ أن يكون الراوي قد انقطعت صحبته، فربما يظن أن حديثه مقدم على حديث من بقيت صحبته، وليس من ضرورة من تأخرت صحبته أن يكون حديثه متأخرا عن وقت انقطاع صحبة غيره‏.‏ السادس‏:‏ أن يكون أحد الخبرين على وفق قضية العقل والبراءة الأصلية، فربما يظن تقدمه ولا يلزم ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا وضوء مما مسته النار ولا يلزم أن يكون متقدما على إيجاب الوضوء مما مست النار إذ يحتمل أنه أوجب ثم نسخ والله أعلم‏.‏ وقد فرغنا من الأصل الأول من الاصول الاربعة وهو الكتاب ويتلوه القول في سنة رسول الله صلى الله عليه، سلم‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الأصل الثاني‏:‏ من أصول الأدلة سنة رسول الله صلى الله عليه سلم
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة، لدلالة المعجزة على صدقه، ولامر الله تعالى إيانا باتباعه، ولانه ‏{‏وما ينطق عن الهوى ئ إن هو إلا وحي يوحى‏}‏ ‏(‏النجم‏:‏ 3‏)‏ لكن بعض الوحي يتلى فيسمى كتابا، وبعضه لا يتلى وهو السنة‏.‏ وقول لسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على من سمعه شفاعا فأما نحن فلا يبلغنا قوله إلا على لسان المخبرين إما على سبيل التواتر وإما بطريق الآحاد، فلذلك اشتمل الكلام في هذا الأصل على مقدمة وقسمين‏:‏ قسم في أخبار التواتر، وقسم في أخبار الآحاد، ويشتمل كل قسم على أبواب‏.‏ أما المقدمة‏:‏ ففي بيان ألفاظ الصحابة رضي الله عنهم في نقل الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على خمس مراتب‏:‏ الأولى‏:‏ وهي أقواها، أن يقول الصحابي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو أخبرني أو حدثني أو شافهني، فهذا لا يتطرق إليه الاحتمال وهو الأصل في الرواية والتبليغ، قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها الحديث‏.‏ الثانية‏:‏ أن يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أخبر، أو أخبر، أو حدث فهذا ظاهره النقل إذا صدر من الصحابي، وليس نصا صريحا، إذ قد يقول الواحد منا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، اعتمادا على ما نقل إليه، وإن لم يسمعه منه فلا يستحيل أن يقول الصحابي ذلك اعتمادا على ما بلغه تواترا، أو بلغه على لسان من يثق به، ودليل الاحتمال ما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ من أصبح جنبا فلا صوم له فلما استكشف قال‏:‏ حدثني به الفضل بن عباس، فأرسل الخبر أولا ولم يصرح، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنما الربا في النسيئة فلما روجع فيه أخبر أنه سمعه من أسامة بن زيد إلا أن هذا وإن كان محتملا فهو بعيد، بل الظاهر أن الصحابي إذا قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يقوله إلا وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف من لم يعاصر إذا قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قرينة حاله تعرف أنه لم يسمع، ولا يوهم إطلاقه السماع، بخلاف الصحابي فإنه إذا قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوهم السماع، فلا يقدم عليه إلا عن سماع هذا هو الظاهر وجميع الاخبار إنما نقلت إلينا كذلك، إذ يقال‏:‏ قال أبو بكر‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نفهم من ذلك إلا السماع‏.‏ الثالثة‏:‏ أن يقول الصحابي‏:‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا أو نهى عن كذا، فهذا يتطرق إليه احتمالان‏:‏ أحدهما‏:‏ في سماعه، كما في قوله‏:‏ قال‏.‏ والثاني‏:‏ في الامر إذ ربما يرى ما ليس بأمر أمرا، فقد اختلف الناس في أن قوله إفعل هو للامر، فلاجل هذا قال بعض أهل الظاهر لا حجة فيه ما لم ينقل اللفظ، والصحيح أنه لا يظن بالصحابي إطلاق ذلك إلا إذا علم تحقيقا أنه أمر بذلك، وأن يسمعه يقول‏:‏ أمرتكم بكذا، أو يقول‏:‏ إفعلوا، وينضم إليه من القرائن ما يعرفه كونه أمرا ويدرك ضرورة قصده إلى الامر، أما احتمال بنائه الامر على الغلط والوهم فلا نطرقه إلى الصحابة بغير ضرورة، بل يحمل ظاهر قولهم وفعلهم على السلامة ما أمكن، ولهذا لو قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولكن شرط شرطا ووقت وقتا فيلزمنا اتباعه، ولا يجوز أن نقول لعله غلط في فهم الشرط والتأقيت، ورأى ما ليس بشرط شرطا، ولهذا يجب أن يقبل قول الصحابي نسخ حكم كذا، وإلا فلا فرق بين قوله‏:‏ نسخ، وقوله‏:‏ أمر، ولذلك قال علي رضي الله عنه وأطلق‏:‏ أمرت أن أقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين، ولا يظن بمثله أن يقول أمرت إلا عن مستند يقتضي الامر ويتطرق إليه احتمال ثالث في عمومه وخصوصه حتى ظن قوم أن مطلق هذا يقتضي أمر جميع الامة، والصحيح أن من يقول بصيغة العموم أيضا، ينبغي أن يتوقف في هذا إذ يحتمل أن يكون ما سمعه أمرا للامة أو لطائفة أو لشخص بعينه، وكل ذلك يتيح له أن يقول‏:‏ أمر، فيتوقف فيه على الدليل، لكن يدل عليه أن أمره للواحد أمر للجماعة إلا إذا كان لوصف يخصه من سفر أو حضر، ولو كان كذلك لصرح به الصحابي، كقوله‏:‏ أمرنا إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، نعم لو قال‏:‏ أمرنا بكذا، وعلم من عادة الصحابي أنه لا يطلقه إلا في أمر الامة حمل عليه وإلا احتمل أن يكون أمرا للامة أو له أو لطائفة‏.‏ الرابعة‏:‏ أن يقول أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، فيتطرق إليه ما سبق من الاحتمالات الثلاثة، واحتمال رابع وهو الآمر، فإنه لا يدري أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الائمة والعلماء، فقال قوم‏:‏ لا حجة فيه، فإنه محتمل، وذهب الاكثرون إلى أنه لا يحمل إلا على أمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم لانه يريد به إثبات شرع وإقامة حجة، فلا يحمل على قول من لا حجة في قوله، وفي معناه قوله‏:‏ من السنة كذا، والسنة جارية بكذا، فالظاهر أنه لا يريد إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يجب اتباعه دون سنة غيره ممن لا تجب طاعته ولا فرق بين أن يقول الصحابي ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته، أما التابعي إذا قال‏:‏ أمرنا احتمل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الامة بأجمعها والحجة حاصلة به، ويحتمل أمر الصحابة، لكن لا يليق بالعالم أن يطلق ذلك إلا وهو يريد من تجب طاعته، ولكن الاحتمال في قول التابعي أظهر منه في قول الصحابي‏.‏ الخامسة‏:‏ أن يقول‏:‏ كانوا يفعلون كذا، فإن أضاف ذلك إلى زمن الرسول عليه السلام فهو دليل على جواز الفعل، لان ذكره في معرض الحجة يدل على أنه أراد ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكت عليه دون ما لم يبلغه، وذلك يدل على الجواز، وذلك مثل قول ابن عمر رضي الله عنه‏:‏ كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول‏:‏ خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، وقال‏:‏ كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده أربعين سنة حتى روى لنا رافع بن خديج الحديث، وقال أبو سعيد‏:‏ كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من بر في زكاة الفطر، وقالت عائشة رضي الله عنها، كانوا لا يقطعون في الشئ التافه، وأما قول التابعي‏:‏ كانوا يفعلون، لا يدل على فعل جميع الامة بل على البعض، فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع فيكون نقلا للإجماع، وفي ثبوته بخبر الواحد كلام سيأتي، فقد ظهر من هذه المقدمة ما هو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ليس خبرا عنه، والآن فلا بد من بيان طرق انتهاء الخبر إلينا، وذلك إما بنقل التواتر أو الآحاد

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة القسم الأول من هذا الأصل الكلام في التواتر
وفيه أبواب
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الباب الأول في إثبات أن التواتر يفيد العلم
ولنقدم عليها حد الخبر، وحده أنه القول الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب أو هو القول الذي يدخله الصدق أو الكذب، وهو أولى من قولهم يدخله الصدق والكذب، إذ الخبر الواحد لا يدخله كلاهما، بل كلام الله تعالى لا يدخله الكذب أصلا، والخبر عن المحالات لا يدخله الصدق أصلا، والخبر قسم من أقسام الكلام القائم بالنفس، وأما العبارة فهي الاصوات المقطعة التي صيغتها، مثل قول القائل، زيد قائم وضارب، وهذا ليس خبرا لذاته، بل يصير خبرا بقصد القاصد إلى التعبير به عما في النفس، ولهذا إذا صدر من نائم أو مغلوب لم يكن خبرا، وأما كلام النفس فهو خبر لذاته وجنسه، إذا وجد، لا يتغير بقصد القاصد، أما إثبات كون التواتر مفيدا للعلم فهو ظاهر خلافا للسمنية، حيث حصروا العلوم في الحواس وأنكروا هذا، وحصرهم باطل، فإنا بالضرورة نعلم كون الالف أكثر من الواحد، واستحالة كون الشئ الواحد قديما محدثا وأمورا أخر ذكرناها في مدارك اليقين سوى الحواس، بل نقول‏:‏ حصرهم العلوم في الحواس معلوم لهم، وليس ذلك مدركا بالحواس الخمس، ثم لا يستريب عاقل في أن في الدنيا بلدة تسمى بغداد، وإن لم يدخلها، ولا يشك في وجود الانبياء، بل في وجود الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله بل في الدول والوقائع الكبيرة، فإن قيل‏:‏ لو كان هذا معلوما ضرورة لما خالفناكم‏؟‏ قلنا‏:‏ من يخالف في هذا فإنما يخالف بلسانه أو عن خبط في عقله أو عن عناد، ولا يصدر إنكار هذا من عدد كثير يستحيل إنكارهم في العادة لما علموه، وعنادهم ولو تركنا ما علمناه ضرورة لقولكم للزمكم ترك المحسوسات بسبب خلاف السوفسطائية، أما بطلان مذهب الكعبي حيث ذهب إلى أن هذا العلم نظري، فإنا نقول‏:‏ النظري هو الذي يجوز أن يعرض فيه الشك، وتختلف فيه الاحوال، فيعلمه بعض الناس دون بعض، ولا يعلمه النساء والصبيان ومن ليس من أهل النظر، ولا يعلمه من ترك النظر قصدا، وكل علم نظري، فالعالم به قد يجد نفسه فيه شاكا ثم طالبا، ونحن لا نجد أنفسنا شاكين في وجود مكة ووجود الشافعي رحمه الله، طالبين لذلك، فإن عنيتم بكونه نظريا شيئا من ذلك فنحن ننكره، وإن عنيتم به أن مجرد قول المخبر لا يفيد العلم ما لم ينتظم في النفس مقدمتان‏:‏ إحداهما‏:‏ أن هؤلاء مع اختلاف أحوالهم وتباين أغراضهم ومع كثرتهم على حال لا يجمعهم على الكذب جامع، ولا يتفقون إلا على الصدق‏.‏ والثانية‏:‏ أنهم قد اتفقوا على الاخبار عن الواقعة فيبتني العلم بالصدق على مجموع المقدمتين، فهذا مسلم ولا بد وأن تشعر النفس بهاتين المقدمتين حتى يحصل له العلم والتصديق، وإن لم تتشكل في النفس هذه المقدمات بلفظ منظوم فقد شعرت به حتى حصل التصديق وإن لم يشعر بشعورها، وتحقيق القول فيه أن الضروري إن كان عبارة عما يحصل بغير واسطة كقولنا‏:‏ القديم لا يكون محدثا، والموجود لا يكون معدوما، فهذا ليس بضروري، فإنه حصل بواسطة المقدمتين المذكورتين، وإن كان عبارة عما يحصل بدون تشكل الواسطة في الذهن فهذا ضروري ورب واسطة حاضرة في الذهن لا يشعر الانسان بوجه توسطها وحصول العلم بواسطتها، فيسمى أوليا وليس بأولي كقولنا الاثنان نصف الاربعة فإنه لا يعلم ذلك إلا بواسطة وهو أن النصف أحد جزئي الجملة المساوي للآخر والاثنان أحد الجزأين المساوي للثاني من جملة الاربعة، فهو إذا نصف، فقد حصل هذا العلم بواسطة، لكنها جلية في الذهن حاضرة ولهذا لو قيل‏:‏ ستة وثلاثون، هل هو نصف اثنين وسبعين يفتقر فيه إلى تأمل ونظر حتى يعلم أن هذه الجملة تنقسم بجزأين متساويين‏:‏ أحدهما‏:‏ ستة وثلاثون، فإذا العلم بصدق خبر التواتر يحصل بواسطة هذه المقدمات وما هو كذلك فهو ليس بأولي، وهل يسمى ضروريا هذا ربما يختلف في الاصطلاح، والضروري عند الاكثرين عبارة عن الأولي لا عما نجد أنفسنا مضطرين إليه، فإن العلوم الحسابية كلها ضرورية وهي نظرية، ومعنى كونها نظرية أنها ليست بأولية، وكذلك العلم بصدق خبر التواتر، ويقرب منه العلم المستفاد من التجربة التي يعبر عنها باطراد العادات كقولنا الماء مرو، والخمر مسكر، كما نبهنا عليه في مقدمة الكتاب، فإن قيل‏:‏ لو استدل مستدل على كونه غير ضروري بأنه لو كان ضروريا لعلمنا بالضرورة كونه ضروريا، ولما تصور الخلاف فيه، فهذا الاستدلال صحيح أم لا‏؟‏ قلنا‏:‏ إن كان الضروري عبارة عما نجد أنفسنا مضطرين إليه فبالضرورة نعلم من أنفسنا أنا مضطرون إليه، وإن كان عبارة عما يحصل بغير واسطة فيجوز أن يحتاج في معرفة ذلك إلى تأمل، ويقع الشك فيه كما يتصور أن نعتقد شيئا على القطع، ونتردد في أن اعتقادنا علم محقق أم لا‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الباب الثاني في شروط التواتر
وهي أربعة‏:‏ الأول‏:‏ أن يخبروا عن علم لا عن ظن، فإن أهل بغداد لو أخبرونا عن طائر أنهم ظنوه حماما، أو عن شخص أنهم ظنوه زيدا لم يحصل لنا العلم بكونه حماما وبكونه زيدا، وليس هذا معللا، بل حال المخبر لا تزيد على حال المخبر، لانه كان في قدرة الله تعالى أن يخلق لنا العلم بخبرهم وإن كان عن ظن ولكن العادة غير مطردة بذلك‏.‏ الشرط الثاني‏:‏ أن يكون علمهم ضروريا مستندا إلى محسوس، إذ لو أخبرنا أهل بغداد عن حدوث العالم وعن صدق بعض الانبياء لم يحصل لنا العلم، وهذا أيضا معلوم بالعادة، وإلا فقد كان في قدرة الله تعالى أن يجعل ذلك سببا للعلم في حقنا‏.‏ الشرط الثالث‏:‏ أن يستوي طرفاه وواسطته في هذه الصفات وفي كمال العدد، فإذا نقل الخلف عن السلف وتوالت الاعصار ولم تكن الشروط قائمة في كل عصر، لم يحصل العلم بصدقهم، لان خبر أهل كل عصر خبر مستقل بنفسه، فلا بد من شروط، ولا جل ذلك لم يحصل لنا العلم بصدق اليهود مع كثرتهم في نقلهم عن موسى صلوات الله عليه تكذيب كل ناسخ لشريعته، ولا بصدق الشيعة والعباسية والبكرية في نقل النص على إمامة علي أو العباس أو أبي بكر رضي الله عنهم، وإن كثر عدد الناقلين في هذه الاعصار القريبة، لان بعض هذا وضعه الآحاد أولا ثم أفشوه ثم كثر الناقلون في عصره وبعده، والشرط إنما حصل في بعض الاعصار فلم تستو فيه الاعصار، ولذلك لم يحصل التصديق بخلاف وجود عيسى عليه السلام وتحديه بالنبوة ووجود أبي بكر وعلي رضي الله عنهما وانتصابهما للامامة، فإن كل ذلك لما تساوت فيه الاطراف والواسطة حصل لنا علم ضروري لا نقدر على تشكيك أنفسنا فيه، ونقدر على التشكيك فيما نقلوه عن موسى وعيسى عليهما السلام، وفي نص الامامة‏.‏ الشرط الرابع‏:‏ في العدد وتهذب الغرض منه برسم مسائل‏:‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏العدد الذي يحصل به التواتر‏)‏
عدد المخبرين ينقسم إلى ما هو ناقص فلا يفيد العلم، وإلى ما هو كامل وهو الذي يفيد العلم، وإلى زائد وهو الذي يحصل العلم ببعضه وتقع الزيادة فضلا عن الكفاية، والكامل وهو أقل عدد يورث العلم ليس معلوما لنا، لكنا بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد، لا أنا بكمال العدد نستدل على حصول العلم، فإذا عرفت هذا فالعدد الكامل الذي يحصل التصديق به في واقعة هل يتصور أن لا يفيد العلم في بعض الوقائع‏؟‏ قال القاضي رحمه الله‏:‏ ذلك محال، بل كل ما يفيد العلم في واقعة يفيد في كل واقعة، وإذا حصل العلم لشخص فلا بد وأن يحصل لكل شخص يشاركه في السماع، ولا يتصور أن يختلف، وهذا صحيح إن تجرد الخبر عن القرائن، فإن العلم لا يستند إلى مجرد العدد ونسبة كثرة العدد إلى سائر الوقائع وسائر الاشخاص واحدة، أما إذا اقترنت به قرائن تدل على التصديق فهذا يجوز أن تختلف فيه الوقائع والاشخاص، وأنكر القاضي ذلك ولم يلتفت إلى القرائن ولم يجعل لها أثرا، وهذا غير مرضي، لان مجرد الاخبار يجوز أن يورث العلم عند كثرة المخبرين، وإن لم تكن قرينة، ومجرد القرائن أيضا قد يورث العلم وإن لم يكن فيه أخبار، فلا يبعد أن تنضم القرائن إلى الاخبار، فيقوم بعض القرائن مقام بعض العدد من المخبرين، ولا ينكشف هذا إلا بمعرفة معنى القرائن وكيفية دلالتها فنقول‏:‏ لا شك في أنا نعرف أمورا ليست محسوسة، إذ نعرف من غيرنا حبه لانسان وبغضه له وخوفه منه وغضبه وخجله، وهذه أحوال في نفس المحب والمبغض لا يتعلق الحس بها قد تدل عليها دلالات آحادها ليست قطعية بل يتطرق إليها الاحتمال، ولكن تميل النفس بها إلى اعتقاد ضعيف‏.‏ ثم الثاتي والثالث يؤكد ذلك، ول أفردت آحاذها لتطرق إليها الاحتمال، يحصل القطع باجتماعها، كما أن قول كل واحد من عدد التواتر يتطرق إليه الاحتمال لو قدر مفردا ويحصل القطع بسبب الاجتماع، ومثاله أنا نعرف عشق العاشق لا بقوله بل بأفعال هي أفعال المحبين، من القيام بخدمته وبذل ماله وحضور مجالسه لمشاهدته وملازمته في تردداته وأمور من هذا الجنس، فإن كل واحد يدل دلالة لو انفرد لاحتمل أن يكون ذلك لغرض آخر يضمره لا لحبه إياه، لكن تنتهي كثرة هذه الدلالات إلى حد يحصل لنا علم قطعي بحبه وكذلك ببغضه، إذا رؤيت منه أفعال ينتجها البغض، وكذلك نعرف غضبه وخجله لا بمجرد حمرة وجهه لكن الحمرة إحدى الدلالات، وكذلك نشهد الصبي يرتضع مرة بعد أخرى فيحصل لنا علم قطعي بوصول اللبن إلى جوفه وإن لم نشاهد اللبن في الضرع لانه مستور، ولا عند خروجه فإنه مستور بالفم، ولكن حركة الصبي في الامتصاص وحركة حلقه تدل عليه دلالة ما، مع أن ذلك قد يحصل من غير وصول اللبن، لكن ينضم إليه أن المرأة الشابة لا يخلو ثديها عن لبن، ولا تخلو حلمته عن ثقب، ولا يخلو الصبي عن طبع باعث على الامتصاص مستخرج للبن، وكل ذلك يحتمل خلافه نادرا وإن لم يكن غالبا، لكن إذا انضم إليه سكوت الصبي عن بكائه مع أنه لم يتناول طعاما آخر صار قرينة، ويحتمل أن يكون بكاؤه عن وجع وسكوته عن زواله، ويحتمل أن يكون تناول شيئا آخر لم نشاهده وإن كنا نلازمه في أكثر الاوقات، ومع هذا فاقتران هذه الدلائل كاقتران الاخبار وتواترها وكل دلالة شاهدة يتطرق إليها الاحتمال، كقول كل مخبر على حياله، وينشأ من الاجتماع العلم وكأن هذا مدرك سادس من مدارك العلم سوى ما ذكرناه في المقدمة من الأوليات والمحسوسات والمشاهدات الباطنة والتجريبات والمتواترات فيلحق هذا بها، وإذا كان هذا غير منكر فلا يبعد أن يحصل التصديق بقول عدد ناقص عند انضمام قرائن إليه، لو تجرد عن القرائن لم يفد العلم، فإنه إذا أخبر خمسة أو ستة عن موت إنسان لا يحصل العلم بصدقهم، لكن إذا انضم إليه خروج والد الميت من الدار حاسر الرأس حافي الرجل ممزق الثياب مضطرب الحال يصفق وجهه ورأسه وهو رجل كبير ذو منصب ومروءة، لا يخالف عادته ومروءته والتجربه تدل عليه‏.‏ وكذلك العدد الكثير ربما يخبرون عن أمر يقتضي إيالة الملك وسياسة إظهاره والمخبرون من رؤساء جنود الملك، فيتصور اجتماعهم تحت ضبط الايالة بالاتفاق على الكذب، ولو كانوا متفرقين خارجين عن ضبط الملك لم يتطرق إليهم هذا الوهم، فهذا يؤثر في النفس تأثيرا لا ينكر، ولا أدري لم أنكر القاضي ذلك وما برهانه على استحالته، فقد بان بهذا أن العدد يجوز أن يختلف بالوقائع وبالاشخاص فرب شخص انغرس في نفسه أخلاق تميل به إلى سرعة التصديق ببعض الاشياء، فيقوم ذلك مقام القرائن، وتقوم تلك القرائن مقام خبر بعض المخبرين، فينشأ من ذلك أن لا برهان على استحالته، فإن قيل‏:‏ فهل يجوز أن يحصل العلم بقول واحد‏؟‏ قلنا‏:‏ حكي عن الكعبي جوازه، ولا يظن بمعتوه تجويزه مع انتفاء القرائن، أما إذا اجتمعت قرائن فلا يبعد أن تبلغ القرائن مبلغا لا يبقى بينها وبين إثارة العلم إلا قرينة واحدة، ويقوم إخبار الواحد مقام تلك القرينة، فهذا مما لا يعرف استحالته ولا يقطع بوقوعه، فإن وقوعه إنما يعلم بالتجربة ونحن لم نجربه، ولكن قد جربنا كثيرا مما اعتقدناه جزما بقول الواحد مع قرائن أحواله، ثم انكشف أنه كان تلبيسا، وعن هذا أحال القاضي ذلك، وهذا كلام في الوقائع مع بقاء العادات على المعهود من استمرارها فأما لو قدرنا خرق هذه العادة فالله تعالى قادر على أن يحصل لنا العلم بقول واحد من غير قرينة فضلا على أن تنضم إليه القرائن‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس