عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 03:03 PM   #30
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة كتاب النسخ
والنظر في حده وحقيقته ثم في إثباته على منكريه، ثم في أركانه وشروطه وأحكامه فنرسم فيه أبوابا

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الباب الأول‏:‏ في حده وحقيقته وإثباته
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الفصل الأول‏:‏ في حده وحقيقته وإثباته
أما حده‏:‏ فاعلم أن النسخ عبارة عن الرفع والازالة في وضع اللسان، يقال‏:‏ نسخت الشمس الظل، ونسخت الريح الآثار إذا أزالتها، وقد يطلق لارادة نسخ الكتاب، فهو مشترك، ومقصودنا النسخ الذي هو بمعنى الرفع والازالة فنقول‏:‏ حده أنه الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا به مع تراخيه عنه، وإنما آثرنا لفظ الخطاب على لفظ النص ليكون شاملا للفظ والفحوى والمفهوم وكل دليل، إذ يجوز النسخ بجميع ذلك، وإنما قيدنا الحد بالخطاب المتقدم، لان ابتداء إيجاب العبادات في الشرع مزيل حكم العقل من براءة الذمة، ولا يسمى نسخا، لانه لم يزل حكم خطاب، وإنما قيدنا بارتفاع الحكم، ولم نقيد بارتفاع الامر والنهي ليعم جميع أنواع الحكم، من الندب والكراهة والاباحة، فجميع ذلك قد ينسخ، وإنما قلنا‏:‏ لولاه لكان الحكم ثابتا به، لان حقيقة النسخ الرفع، فلو لم يكن هذا ثابتا لم يكن هذا رافعا، لانه إذا ورد أمر بعبادة موقتة وأمر بعبادة أخرى بعد تصرم ذلك الوقت لا يكون الثاني نسخا، فإذا قال‏:‏ ‏{‏ثم أتموا الصيام إلى الليل‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 781‏)‏، ثم قال‏:‏ في الليل لا تصوموا، لا يكون ذلك نسخا بل الرافع ما لا يرتفع الحكم لولاه، وإنما قلنا‏:‏ مع تراخيه عنه، لانه لو اتصل به لكان بيانا وإتماما لمعنى الكلام وتقديرا له بمدة أو شرط، وإنما يكون رافعا إذا ورد بعد أن ورد الحكم واستقر بحيث يدوم لولا الناسخ‏.‏ وأما الفقهاء فإنهم لم يعقلوا الرفع لكلام الله تعالى فقالوا في حد النسخ‏:‏ أنه الخطاب الدال الكاشف عن مدة العبادة أو عن زمن انقطاع العبادة، وهذا يوجب أن يكون قوله‏:‏ صم بالنهار وكل بالليل نسخا، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم أتموا الصيام إلى الليل‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 781‏)‏ نسخا، وليس فيه معنى الرفع ولا يغنيهم أن يزيدوا شرط التراخي، فإن قوله الأول إذا لم يتناول إلا النهار فهو متقاعد عن الليل بنفسه، فأي معنى لنسخه، وإنما يرفع ما دخل تحت الخطاب الأول وأريد باللفظ الدلالة عليه، وما ذكروه تخصيص، وسنبين وجه مفارقة النسخ للتخصيص، بل سنبين أن الفعل الواحد إذا أمر به في وقت واحد يجوز نسخه قبل التمكن من الامتثال وقبل وقته فلا يكون بيانا لانقطاع مدة العبادة‏.‏ وأما المعتزلة فإنهم حدوه‏:‏ بأنه الخطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت بالنص المتقدم زائل على وجهه، لولاه لكان ثابتا، وربما أبدلوا لفظ الزائل بالساقط، وربما أبدلوه بالغير الثابت كل ذلك حذرا من الرفع وحقيقة النسخ الرفع فكأنهم أخلوا الحد عن حقيقة المحدود فإن قيل تحقيق معنى الرفع في الحكم يمتنع من خمسة أوجه‏:‏ الأول‏:‏ أن المرفوع إما حكم ثابت أو ما لا ثبات له، والثابت لا يمكن رفعه، وما لا ثبات له لا حاجة إلى رفعه، فدل أن النسخ هو رفع مثل الحكم الثابت لا رفع عينه أو هو بيان لمدة العبادة كما قاله الفقهاء‏.‏ الثاني‏:‏ أن كلام الله تعالى قديم عندكم والقديم لا يتصور رفعه‏.‏ الثالث‏:‏ أن ما أثبته الله تعالى إنما أثبته لحسنه، فلو نهى عنه لادى إلى أن ينقلب الحسن قبيحا وهو محال‏.‏ الرابع‏:‏ أن ما أمر به أراد وجوده، فما كان مرادا كيف ينهى عنه حتى يصير مراد العدم مكروها‏.‏ الخامس‏:‏ أنه يدل على البداء، فإنه نهى عنه بعدما أمر به، فكأنه بدا له فيما كان قد حكم به وندم عليه‏.‏ فالاستحالة الأولى‏:‏ من جهة استحالة نفس الرفع، والثانية‏:‏ من جهة قدم الكلام، والثالثة‏:‏ من جهة صفة ذات المأمور في كونه حسنا قبيحا، والرابعة‏:‏ من جهة الارادة المقترنة بالامر، والخامسة‏:‏ من جهة العلم المتعلق به وظهور البداء بعده‏.‏ والجواب عن الأول‏:‏ أن الرفع من المرفوع كالكسر من المكسور وكالفسخ من العقد، إذ لو قال قائل‏:‏ ما معنى كسر الآنية وإبطال شكلها من تربيع وتسديس وتدوير فإن الزائل بالكسر تدوير موجود أو معدوم، والمعدوم لا حاجة إلى إزالته، والموجود لا سبيل إلى إزالته، فيقال‏:‏ معناه أن استحكام شكل الآنية يقتضي بقاء صورتها دائما لولا ما ورد عليه من السبب الكاسر، فالكاسر قطع ما اقتضاه استحكام بنية الآنية لولا الكسر، فكذلك الفسخ يقطع حكم العقد من حيث أن الذي ورد عليه لولاه لدام، فإن البيع سبب للملك مطلقا، بشرط أن لا يطرأ قاطع، وليس طريان القاطع من الفسخ مبينا لنا أن البيع في وقته انعقد مؤقتا ممدودا إلى غاية الفسخ فإنا نعقل أن نقول بعتك هذه الدار سنة، ونعقل أن نقول‏:‏ بعتك وملكتك أبدا، ثم نفسخ بعد انقضاء السنة، وندرك الفرق بين الصورتين، وأن الأول وضع لملك قاصر بنفسه، والثاني‏:‏ وضع لملك مطلق مؤبد إلى أن يقطع بقاطع، فإذا فسخ كان الفسخ قاطعا لحكمه الدائم بحكم العقد لولا القاطع لا بيانا لكونه في نفسه قاصر، وبهذا يفارق النسخ التخصيص، فإن التخصيص يبين لنا أن اللفظ ما أريد به الدلالة إلا على البعض، والنسخ يخرج عن اللفظ ما أريد به الدلالة عليه، ولاجل خفاء معنى الرفع أشكل على الفقهاء ووقعوا في إنكار معنى النسخ‏.‏ وأما الجواب عن الثاني‏:‏ وهو استحالة رفع الكلام القديم فهو فاسد، إذ ليس معنى النسخ رفع الكلام، بل قطع تعلقه بالمكلف والكلام القديم يتعلق بالقادر العاقل، فإذا طرأ العجز والجنون زال التعلق، فإذا عاد العقل والقدرة عاد التعلق، والكلام القديم لا يتغير في نفسه، فالعجز والموت سبب من جهة المخاطب يقطع تعلق الخطاب عنه، والنسخ سبب من جهة المخاطب يقطع تعلق الخطاب كما أن حكم البيع وهو ملك المشتري إياه تارة ينقطع بموت العبد المبيع، وتارة بفسخ العاقد، ولاجل خفاء هذه المعاني أنكر طائفة قدم الكلام‏.‏ وأما الجواب عن الثالث‏:‏ وهو انقلاب الحسن قبيحا فقد أبطلنا معنى الحسن والقبح، وأنه لا معنى لهما، وهذا أولى من الاعتذار بأن الشئ يجوز أن يحسن في وقت ويقبح في وقت، لانه قد قال في رمضان‏:‏ لا تأكل بالنهار وكل بالليل، لان النسخ ليس مقصورا عندنا على مثل ذلك، بل يجوز أن يأمر بشئ واحد في وقت وينهى عنه قبل دخول الوقت، فيكون قد نهى عما أمر به كما سيأتي‏.‏ وأما الجواب عن الرابع‏:‏ وهو صيرورة المراد مكروها فهو باطل، لان الامر عندنا يفارق الارادة، فالمعاصي مرادة عندنا وليست مأمورا بها وسيأتي تحقيقه في كتاب الاوامر‏.‏ وأما الجواب عن الخامس وهو لزوم البداء، فهو فاسد، لانه إن كان المراد أنه يلزم من النسخ أن يحرم ما أباح، وينهى عما أمر فذلك جائز ‏{‏يمحو الله ما يشاء ويثبت‏}‏ ‏(‏الرعد‏:‏ 93‏)‏ ولا تناقض فيه، كما أباح الاكل بالليل وحرمه بالنهار، وإن كان المراد أنه انكشف له ما لم يكن عالما به، فهو محال، ولا يلزم ذلك من النسخ، بل يعلم الله تعالى أنه يأمرهم بأمر مطلق ويديم عليهم التكليف إلى وقت معلوم، ثم يقطع التكليف بنسخه عنهم فينسخه في الوقت الذي علم نسخه فيه، وليس فيه تبين بعد جهل، فإن قيل‏:‏ فهم مأمورون في علمه إلى وقت النسخ أو أبدا فإن كان إلى وقت النسخ فالنسخ قد بين وقت العبادة كما قاله الفقهاء، وإن كانوا مأمورين أبدا فقد تغير علمه ومعلومه، قلنا‏:‏ هم مأمورون في علمه إلى وقت النسخ الذي هو قطع الحكم المطلق عنهم، الذي لولاه لدام الحكم كما يعلم الله تعالى البيع المطلق مفيدا للملك إلى أن ينقطع بالفسخ‏:‏ ولا يعلم البيع في نفسه قاصرا على مدة، بل يعلمه مقتضيا لملك مؤبد بشرط أن لا يطرأ قاطع، لكن يعلم أن النسخ سيكون، فينقطع الحكم لانقطاع شرطه لا لقصوره في نفسه، فليس إذا في النسخ لزوم البداء، ولاجل قصور فهم اليهود عن هذا أنكروا النسخ، ولاجل قصور فهم الروافض عنه ارتكبوا البداء ونقلوا عن علي رضي الله عنه أنه كان لا يخبر عن الغيب مخافة أن يبدو له تعالى فيه فيغيره، وحكوا عن جعفر بن محمد أنه قال‏:‏ ما بدا الله في شئ كما بدا له في إسماعيل أي في أمره بذبحه، وهذا هو الكفر الصريح، ونسبة الاله تعالى إلى الجهل والتغير، ويدل على استحالته ما دل على أنه محيط بكل شئ علما وأنه ليس محلا للحوادث والتغيرات، وربما احتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يمحو الله ما يشاء ويثبت‏}‏ ‏(‏الرعد‏:‏ 93‏)‏ وإنما معناه أنه يمحو الحكم المنسوخ ويثبت الناسخ، أو يمحو السيئات بالتوبة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الحسنات يذهبن السيئات‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 411‏)‏ ويمحو الحسنات بالكفر والردة، أو يمحو ما ترفع إليه الحفظة من المباحات ويثبت الطاعات، فإن قيل‏:‏ فما الفرق بين التخصيص والنسخ‏؟‏ قلنا‏:‏ هما مشتركان من وجه إذ كل واحد يوجب اختصاص الحكم ببعض ما تناوله اللفظ لكن التخصيص بيان أن ما أخرج عن عموم الصيغة ما أريد باللفظ الدلالة عليه، والنسخ يخرج عن اللفظ ما قصد به الدلالة عليه، فإن قوله‏:‏ إفعل أبدا، يجوز أن ينسخ، وما أريد باللفظ بعض الازمنة، بل الجميع، لكن بقاؤه مشروط بأن لا يرد ناسخ، كما إذا قال‏:‏ ملكتك أبدا، ثم يقول‏:‏ فسخت، فالفسخ هذا إبداء ما ينافي شرط استمرار الحكم بعد ثبوته، وقصد الدلالة عليه باللفظ، فلذلك يفترقان في خمسة أمور‏:‏ الأول‏:‏ أن الناسخ يشترط تراخيه، والتخصيص يجوز اقترانه، لانه بيان بل يجب اقترانه عند من لا يجوز تأخير البيان‏.‏ الثاني‏:‏ أن التخصيص لا يدخل في الامر بمأمور واحد، والنسخ يدخل عليه‏.‏ والثالث‏:‏ أن النسخ لا يكون إلا بقول وخطاب، والتخصيص قد يكون بأدلة العقل والقرائن وسائر أدلة السمع‏.‏ الرابع‏:‏ أن التخصيص يبقى دلالة اللفظ على ما بقي تحته حقيقة كان أو مجازا، على ما فيه من الاختلاف، والنسخ يبطل دلالة المنسوخ في مستقبل الزمان بالكلية‏.‏ الخامس‏:‏ أن تخصيص العام المقطوع بأصله جائز بالقياس، وخبر الواحد وسائر الأدلة، ونسخ القاطع لا يجوز إلا بقاطع، وليس من الفرق الصحيح قول بعضهم أن النسخ لا يتناول إلا الازمان، والتخصيص يتناول الازمان والاعيان والاحوال، وهذا تجوز واتساع، لان الاعيان والازمان ليست من أفعال المكلفين، والنسخ يرد على الفعل في بعض الازمان، والتخصيص أيضا يرد على الفعل في بعض الاحوال، فإذا قال‏:‏ اقتلوا المشركين إلا المعاهدين، معناه لا تقتلوهم في حالة العهد واقتلوهم في حالة الحرب، والمقصود أن ورود كل واحد منهما على الفعل وهذا القدر كاف في الكشف عن حقيقة النسخ‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الفصل الثاني‏:‏ من هذا الباب في إثباته على منكريه والمنكر
إما جوازه عقلا أو وقوعه سمعا، أما جوازه عقلا فيدل عليه أنه لو امتنع لكان إما ممتنعا لذاته وصورته أو لما يتولد عنه من مفسدة أو أداء إلى محال ولا يمتنع لاستحالة ذاته وصورته، بدليل ما حققناه من معنى الرفع، ودفعناه من الاشكالات عنه، ولا يمتنع لادائه إلى مفسدة وقبح، فإنا أبطلنا هذه القاعدة وإن سامحنا بها فلا بعد في أن يعلم الله تعالى مصلحة عباده في أن يأمرهم بأمر مطلق حتى يستعدوا له ويمتنعوا، بسبب العزم عن معاص وشهوات، ثم يخفف عنهم، وأما وقوعه سمعا فيدل عليه الإجماع والنص، أما الإجماع فاتفاق الامة قاطبة على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم نسخت شرع من قبله، إما بالكلية وإما فيما يخالفها فيه، وهذا متفق عليه، فمنكر هذا خارق للإجماع، وقد ذهب شذوذ من المسلمين إلى إنكار النسخ، وهم مسبوقون بهذا الإجماع، فهذا الإجماع حجة عليهم وإن لم يكن حجة على اليهود‏.‏ وأما النص فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر‏}‏ ‏(‏النحل‏:‏ 101‏)‏ الآية‏.‏ والتبديل يشتمل على رفع وإثبات، والمرفوع إما تلاوة وإما حكم وكيفما كان، فهو رفع ونسخ، فإن قيل‏:‏ ليس المعني به رفع المنزل، فإن ما أنزل لا يمكن رفعه وتبديله، لكن المعني به تبديل مكان الآية بإنزال آية بدل ما لم ينزل، فيكون ما لم ينزل كالمبدل بما أنزل، قلنا‏:‏ هذا تعسف بارد، فإن الذي لم ينزل كيف يكون مبدلا، والبدل يستدعي مبدلا، وكيف يطلق اسم التبديل على ابتداء الانزال فهذا هوس وسخف‏.‏ والدليل الثاني‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 061‏)‏ ولا معنى للنسخ إلا تحريم ما أحل، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 601‏)‏ فإن قيل لعله أراد به التخصيص‏؟‏ قلنا‏:‏ قد فرقنا بين التخصيص والنسخ فلا سبيل إلى تغيير اللفظ، كيف والتخصيص لا يستدعي بدلا مثله أو خيرا منه، وإنما هو بيان معنى الكلام‏.‏ الدليل الثالث‏:‏ ما اشتهر في الشرع من نسخ تربص الوفاة حولا بأربعة أشهر وعشر، ونسخ فرض تقديم الصدقة أمام مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى‏:‏ ‏{‏فقدموا بين يدي نجواكم صدقة‏}‏ ‏(‏المجادلة‏:‏ 21‏)‏ ومنه نسخ تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فول وجهك شطر المسجد الحرام‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 441‏)‏ وعلى الجملة اتفقت الامة على إطلاق لفظ النسخ في الشرع، فإن قيل‏:‏ معناه نسخ ما في اللوح المحفوظ إلى صحف الرسل والانبياء وهو بمعنى نسخ الكتاب ونقله‏؟‏ قلنا‏:‏ فإذا شرعنا منسوخ كشرع من قبلنا، وهذا اللفظ كفر بالاتفاق كيف وقد نقلنا من قبلة إلى قبلة، ومن عدة إلى عدة، فهو تغيير وتبديل ورفع قطعا‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الفصل الثالث‏:‏ في مسائل تتشعب عن النظر في حقيقة النسخ
وهي ست مسائل
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏هل ينسخ الامر‏؟‏‏)‏
يجوز عندنا نسخ الامر قبل التمكن من الامتثال، خلافا للمعتزلة، وصورته أن يقول الشارع في رمضان، حجوا في هذه السنة، ثم يقول قبل يوم عرفة‏:‏ لا تحجوا فقد نسخت عنكم الامر، أو يقول‏:‏ إذبح ولدك فيبادر إلى إحضار أسبابه، فيقول‏:‏ قبل ذبحه لا تذبح فقد نسخت عنك الامر، لان النسخ عندنا رفع للامر أي لحكم الامر ومدلوله، وليس بيانا لخروج المنسوخ عن لفظ الامر، بخلاف التخصيص، فلو قال‏:‏ صلوا أبدا، فيجوز أن ينسخ بعد سنة وجوب في المستقبل، لا بمعنى أنه لم يقصد باللفظ الأول الدلالة على جميع الازمان، ولكن بمعنى قطع حكم اللفظ بعد دوامه، إذ كان دوامه مشروطا بعدم النسخ، فكل أمر مضمن بشرط أن لا ينسخ، فكأنه يقول‏:‏ صلوا أبدا ما لم أنهكم، ولم أنسخ عنكم أمري، وإذا كان كذلك، عقل نسخ الحج قبل عرفة، ونسخ الذبح قبل فعله، لان الامر قبل التمكن حاصل، وإن كان أمرا بشرط التمكن، لان الامر بالشرط ثابت، ولذلك يعلم المأمور كونه مأمورا قبل التمكن من الامتثال، ولما لم تفهم المعتزلة هذا أنكروا ثبوت الامر بالشرط كما سيأتي فساد مذهبهم في كتاب ‏(‏الاوامر‏)‏ وأقرب دليل على فساده أن المصلي ينوي الفرض، وامتثال الامر في ابتداء الصلاة، وربما يموت في أثنائها وقبل تمام التمكن، ولو مات قبل لم يتبين أنه لم يكن مأمورا، بل نقول‏:‏ كان مأمورا بأمر مقيد بشرط، والامر المقيد بالشرط ثابت في الحال وجد الشرط أو لم يوجد، وهم يقولون‏:‏ إذا لم يوجد الشرط علمنا انتفاء الامر من أصله، وإنا كنا نتوهم وجوبه، فبان أنه لم يكن، فهذه المسألة فرع لتلك المسألة، ولذلك أحالت المعتزلة النسخ قبل التمكن وقالوا أيضا‏:‏ إنه يؤدي إلى أن يكون الشئ الواحد في وقت واحد على وجه واحد مأمورا منهيا حسنا قبيحا مكروها مرادا مصلحة مفسدة، وجميع ما يتعلق بالحسن والقبح والصلاح والفساد قد أبطلناه، ولكن يبقى لهم مسلكان‏:‏ المسلك الأول أن الشئ الواحد في وقت واحد كيف يكون منهيا عنه ومأمورا به على وجه واحد‏؟‏ وفي الجواب عنه طريقتان‏:‏ الأولى‏:‏ إنا لا نسلم أنه منهي عنه على الوجه الذي هو مأمور به، بل على وجهين، كما ينهى عن الصلاة مع الحدث ويؤمر بها مع الطهارة، وينهى عن السجود للصنم ويؤمر بالسجود لله عزوجل لاختلاف الوجهين، ثم اختلفوا في كيفية اختلاف الوجهين فقال قوم‏:‏ هو مأمور بشرط بقاء الامر منهي عنه عند زوال الامر، فهما حالتان مختلفتان، ومنهم من أبدل لفظ بقاء الامر بانتفاء النهي أو بعدم المنع، والالفاظ متقاربه، وقال قوم‏:‏ هو مأمور بالفعل في الوقت المعين، بشرط أن يختار الفعل والعزم، وإنما ينهى عنه إذا علم أنه لا يختاره، وجعلوا حصول ذلك في علم الله تعالى بشرط هذا النسخ، وقال قوم‏:‏ يأمر بشرط كونه مصلحة، وإنما يكون مصلحة مع دوام الامر، أما بعد النهي فيخرج عن كونه مصلحة، وقال قوم‏:‏ إنما يأمر في وقت يكون الامر مصلحة ثم يتغير الحال فيصير النهي مصلحة، وأنما يأمر الله تعالى به مع علمه بأن إيجابه مصلحة مع دوام الامر، أما بعد النهي فيخرج عن كونه مصلحة، وقال قوم‏:‏ إنما يأمر الله به مع العلم بأن الحال ستتغير، ليعزم المكلف على فعله إن بقيت المصلحة في الفعل، وكل هذا متقارب، وهو ضعيف، لان الشرط ما يتصور أن يوجد، وأن لا يوجد، فإما ما لا بد منه فلا معنى لشرطيته، والمأمور لا يقع مأمورا إلا عند دوام الامر وعدم النهي، فكيف يقول‏:‏ آمرك بشرط أن لا أنهاك، فكأنه يقول‏:‏ آمرك بشرط أن آمرك، وبشرط أن يتعلق الامر بالمأمور، وبشرط أن يكون الفعل المأمور به حادثا أو عرضا أو غير ذلك مما لا بد منه، فهذا لا يصلح للشرطية، وليس هذا كالصلاة مع الحدث والسجود للصنم، فإن الانقسام يتطرق إليه، ومن رغب في هذه الطريقة فأقرب العبارات أن يقول‏:‏ الامر بالشئ قبل وقته يجوز أن يبقى حكمه على المأمور إلى وقته، ويجوز أن يزال حكمه قبل وقته، فيجوز أن يجعل بقاء حكمه شرطا في الامر فيقال‏:‏ إفعل ما أمرتك به إن لم يزل حكم أمري عنك بالنهي عنه، فإذا نهى عنه كان قد زال حكم الامر فليس منهيا على الوجه الذي أمر به‏.‏ الطريقة الثانية‏:‏ أنا لا نلتزم إظهار اختلاف الوجه، لكن نقول‏:‏ يجوز أن يقول‏:‏ ما أمرناك أن تفعله على وجه فقد نهيناك عن فعله على ذلك الوجه ولا استحالة فيه، إذ ليس المأمور حسنا في عينه، أو لوصف هو عليه قبل الامر به حتى يتناقض ذلك، ولا المأمور مرادا حتى يتناقض أن يكون مرادا مكروها، بل جميع ذلك من أصول المعتزلة، وقد أبطلناها، فإن قيل‏:‏ فإذا علم الله تعالى أنه سينهى عنه فما معنى أمره بالشئ الذي يعلم انتفاءه قطعا لعلمه بعواقب الامور‏؟‏ قلنا‏:‏ لا يصح ذلك إن كانت عاقبة أمره معلومة للمأمور، أما إذا كان مجهولا عند المأمور معلوما عند الآمر أمكن الامر لامتحانه بالعزم والاشتغال بالاستعداد المانع له من أنواع اللهو والفساد، حتى يعرض بالعزم للثواب، وبتركه للعقاب، وربما يكون فيه لطف واستصلاح، كما سيأتي تحقيقه في كتاب الاوامر والعجب من إنكار المعتزلة ثبوت الامر بالشرط، مع أنهم جوزوا الوعد من العالم بعواقب الامور بالشرط وقالوا‏:‏ وعد الله على الطاعة ثوابا بشرط عدم ما يحبطها من الفسق والردة، وعلى المعصية عقابا بشرط خلوها عما يكفرها من التوبة، والله تعالى عالم بعاقبة أمر من يموت على الردة والتوبة، ثم شرط ذلك في وعده، فلم يستحل أن يشرط في أمره ونهيه، وتكون شرطيته بالاضافة إلى العبد الجاهل بعاقبة الامر فيقول‏:‏ أثيبك على طاعتك ما لم تحبطها بالردة وهو عالم بأنه يحبط أم لا يحبط، وكذلك يقول‏:‏ أمرتك بشرط البقاء والقدرة وبشرط أن لا أنسخ عنك‏.‏ المسلك الثاني في إحالة النسخ قبل التمكن قولهم‏:‏ الامر والنهي عندكم كلام الله تعالى القديم، وكيف يكون الكلام الواحد أمرا بالشئ الواحد ونهيا عنه في وقت واحد، بل كيف يكون الرافع والمرفوع واحدا، والناسخ والمنسوخ كلام الله تعالى‏؟‏ قلنا‏:‏ هذا إشارة إلى إشكالين‏:‏ أحدهما‏:‏ كيفية اتحاد كلام الله تعالى، ولا يختص ذلك بهذه المسألة، بل ذلك عندنا، كقولهم‏:‏ العالمية حالة واحدة ينطوي فيها العلم بما لا نهاية من التفاصيل، وإنما يحل إشكاله في الكلام‏.‏ أما الثاني‏:‏ فهو أن كلامه واحد، وهو أمر بالشئ ونهي عنه، ولو علم المكلف ذلك دفعة واحدة لما تصور منه اعتقاد الوجوب والعزم على الاداء، ولم يكن ذلك منه بأولى من اعتقاد التحريم والعزم على الترك فنقول‏:‏ كلام الله تعالى في نفسه واحد، وهو بالاضافة إلى شئ أمر، وبالاضافة إلى شئ خبر، ولكنه إنما يتصور الامتحان به إذا سمع المكلف كليهما في وقتين، ولذلك شرطنا التراخي في النسخ، ولو سمع كليهما في وقت واحد لم يجز، وأما جبريل عليه السلام فإنه يجوز أن يسمعه في وقت واحد إذ لم يكن هو مكلفا، ثم يبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم في وقتين إن كان ذلك الرسول داخلا تحت التكليف، فإن لم يكن فيبلغ في وقت واحد، لكن يؤمر بتبيلغ الامة في وقتين‏:‏ فيأمرهم مطلقا بالمسالمة وترك قتال الكفار، ومطلقا باستقبال بيت المقدس في كل صلاة، ثم ينهاهم عنها بعد ذلك، فيقطع عنهم حكم الامر المطلق، كما يقطع حكم العقد بالفسخ، ومن أصحابنا من قال الامر‏:‏ لا يكون أمرا قبل بلوغ المأمور، فلا يكون أمرا ونهيا في حالة واحدة، بل في حالتين، فهذا أيضا يقطع التناقض ويدفعه، ثم الدليل القاطع من جهة السمع على جوازه قصة إبراهيم عليه السلام، ونسخ ذبح ولده عنه، قبل الفعل، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفديناه بذبح عظيم‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 701‏)‏، فقد أمر بفعل واحد، ولم يقصر في البدار والامتثال،، ثم نسخ عنه، وقد اعتاص هذا على القدرية حتى تعسفوا في تأويله وتحزبوا فرقا، وطلبوا الخلاص من خمسة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أن ذلك كان مناما لا أمرا‏.‏ الثاني‏:‏ أنه كان أمرا لكن قصد به تكليفه العزم على الفعل لامتحان سره في صبره على العزم فالذبح لم يكن مأمورا به‏.‏ الثالث‏:‏ أنه لم ينسخ الامر، لكن قلب الله تعالى عنقه نحاسا أو حديدا فلم ينقطع، فانقطع التكليف لتعذره‏.‏ الرابع‏:‏ المنازعة في المأمور، وأن المأمور به كان هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح‏.‏ الخامس‏:‏ جحود النسخ، وأنه ذبح امتثالا، فالتأم واندمل والذاهبون إلى هذا التأويل، اتفقوا على أن إسماعيل ليس بمذبوح، واختلفوا في كون إبراهيم عليه السلام ذابحا، فقال قوم‏:‏ هو ذابح للقطع، والولد غير مذبوح لحصول الالتئام، وقال قوم‏:‏ ذابح لا مذبوح له محال، وكل ذلك تعسف وتكلف‏.‏ أما الأول‏:‏ وهو كونه مناما، فمنام الانبياء جزء من النبوة، وكانوا يعرفون أمر الله تعالى به، فلقد كانت نبوة جماعة من الانبياء عليهم السلام بمجرد المنام، ويدل على فهمه الامر قول ولده إفعل ما تؤمر، ولو لم يؤمر لكان كاذبا، وأنه لا يجوز قصد الذبح، والتل للجبين بمنام لا أصل له، وأنه سماه البلاء المبين ، وأي بلاء في المنام، وأي معنى للفداء‏.‏ وأما الثاني‏:‏ وهو أنه كان مأمورا بالعزم اختبارا فهو محال، لان علام الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار، ولان الاختبار إنما يحصل بالايجاب، فإن لم يكن إيجاب لم يحصل اختبار، وقولهم‏:‏ العزم هو الواجب محال، لان العزم على ما ليس بواجب لا يجب، بل هو تابع للمعزوم، ولا يجب العزم ما لم يعتقد وجوب المعزوم عليه، ولو لم يكن المعزوم عليه واجبا لكان إبراهيم عليه السلام أحق بمعرفته من القدرية، كيف وقد قال‏:‏ ‏{‏إني أرى في المنام أني أذبحك‏}‏، فقال له ولده‏:‏ ‏{‏إفعل ما تؤمر يعني‏:‏ الذبح، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتله للجبين‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 103‏)‏ استسلام لفعل الذبح لا للعزم‏.‏ وأما الثالث‏:‏ وهو أن الاضجاع بمجرده هو المأمور به، فهو محال، إذ لا يسمى ذلك ذبحا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى الفداء بعد الامتثال‏.‏ وأما الرابع‏:‏ وهو إنكار النسخ، وأنه امتثل، لكن انقلب عنقه حديدا ففات التمكن فانقطع التكليف، فهذا لا يصح على أصولهم، لان الامر بالمشروط لا يثبت عندهم، بل إذا علم الله تعالى أنه يقلب عنقه حديدا فلا يكون آمرا بما يعلم امتناعه، فلا يحتاج إلى الفداء فلا يكون بلاء في حقه‏.‏ وأما الخامس‏:‏ وهو أنه فعل والتأم فهو محال لان الفداء كيف يحتاج إليه بعد الالتئام، ولو صح ذلك لاشتهر وكان ذلك من آياته الظاهرة، ولم ينقل ذلك قط، وإنما هو اختراع من القدرية فإن قيل‏:‏ أليس قد قال‏:‏ ‏{‏قد صدقت الرؤيا‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 105‏)‏ قلنا‏:‏ معناه أنك عملت في مقدماته عملا مصدقا بالرؤيا، والتصديق غير التحقيق والعمل‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس