عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 03:02 PM   #28
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


الفصل الرابع‏:‏ في العزيمة والرخصة
اعلم أن العزم عبارة عن القصد المؤكد‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فنسي ولم نجد له عزما‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 511‏)‏ أي قصدا بليغا، وسمي بعض الرسل أولي العزم، لتأكيد قصدهم في طلب الحق، والعزيمة في لسان حملة الشرع عبارة عما لزم العباد بإيجاب الله تعالى، والرخصة في اللسان عبارة عن اليسر والسهولة، يقال‏:‏ رخص السعر إذا تراجع وسهل الشراء، وفي الشريعة عبارة عما وسع للمكلف في فعله لعذر وعجز عنه مع قيام السبب المحرم، فإن لم يوجبه الله تعالى علينا من صوم شوال وصلاة الضحى لا يسمى رخصة، وما أباحه في الأصل من الاكل والشرب لا يسمى رخصة، ويسمى تناول الميتة رخصة، وسقوط صوم رمضان عن المسافر يسمى رخصة، وعلى الجملة فهذا الاسم يطلق حقيقة ومجازا فالحقيقة في الرتبة العليا كإباحة النطق بكلمة الكفر بسبب الاكراه، وكذلك إباحة شرب الخمر، وإتلاف مال الغير بسب الاكراه، والمخمصة والغصص بلقمة لا يسيغها إلا الخمر التي معه، وأما المجاز البعيد عن الحقيقة فتسمية ما حط عنا من الاصر والاغلال التي وجبت على من قبلنا في الملل المنسوخة رخصة، وما لم يجب علينا ولا على غيرنا لا يسمى رخصة، وهذا لما أوجب على غيرنا، فإذا قابلنا أنفسنا به حسن إطلاق اسم الرخصة تجوزا فإن الايجاب على غيرنا ليس تضييقا في حقنا، والرخصة فسحة في مقابلة التضييق، ويتردد بين هاتين الدرجتين صور بعضها أقرب إلى الحقيقة وبعضها أقرب إلى المجاز، منها‏:‏ القصر والفطر في حق المسافر، وهو جدير بأن يسمى رخصة حقيقة، لان السبب هو شهر رمضان، وهو قائم، وقد دخل المسافر تحت قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن شهد منكم الشهر فليصمه‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 581‏)‏ وأخرج عن العموم بعذر وعسر، أما التيمم عند عدم الماء فلا يحسن تسميته رخصة، لانه لا يمكن تكليف استعمال الماء مع عدمه، فلا يمكن أن يقال‏:‏ السبب قائم مع استحالة التكليف، بخلاف المكره على الكفر والشرب، فإنه قادر على الترك، نعم‏:‏ تجويز ذلك عند المرض أو الجراحة أو بعد الماء عنه أو بيعه بأكثر من ثمن المثل رخصة، بل التيمم عند فقهاء الماء، كالاطعام عند فقد الرقبة، وذلك ليس برخصة، بل أوجبت الرقبة في حالة، والاطعام في حالة، فلا نقول السبب قائم عند فقد الرقبة، بل الظهار سبب لوجوب العتق في حالة، ولوجوب الاطعام في حالة، فإن قيل‏:‏ إن كان سبب وجوب الوضوء مندفعا عند فقد الماء، فسبب تحريم الكفر والشرب والميتة مندفع عند خوف الهلاك، فكان المحرم محرم بشرط انتفاء الخوف، قلنا‏:‏ المحرم في الميتة الخبث، وفي الخمر الاسكار وفي الكفر كونه جهلا بالله تعالى أو كذبا عليه، وهذه المحرمات قائمة، وقد اندفع حكمها بالخوف، فكل تحريم اندفع بالعذر والخوف مع إمكان تركه يسمى اندفاعه رخصة ولا يمنع من ذلك تغيير العبارة، بأن يجعل انتفاء العذر شرطا مضموما إلى الموجب، فإن قيل‏:‏ فالرخص تنقسم إلى ما يعصى بتركه، كترك أكل الميتة، والافطار عند خوف الهلاك، وإلى ما لا يعصى كالافطار والقصر وترك كلمة الكفر، وترك قتل من أكره على قتل نفسه، فكيف يسمى ما يجب الاتيان به رخصة‏؟‏ وكيف فرق بين البعض والبعض‏؟‏ قلنا أما تسميته رخصة وإن كانت واجبة فمن حيث أن فيه فسحة، إذ لم يكلف إهلاك نفسه بالعطش، وجوز له تسكينه بالخمر وأسقط عنه العقاب، فمن حيث إسقاط العقاب عن فعله هو فسحة ورخصة، ومن حيث إيجاب العقاب على تركه هو عزيمة‏.‏ وأما سبب الفرق‏:‏ فأمور مصلحية رآها المجتهدون، وقد اختلفوا فيها‏:‏ فمنهم من لم يجوز الاستسلام للصائل، ومنهم من جوز وقال‏:‏ قتل غيره محظور كقتله، وإنما جوز له نظرا له، وله أن يسقط حق نفسه إذا قابله مثله، وليس له أن يهلك نفسه ليمتنع عن ميتة وخمر، فإن حفظ المهجة أهم في الشرع من ترك اليمتة والخمر في حالة نادرة، ومنها السلم‏:‏ فإنه بيع ما لا يقدر على تسليمه في الحال، فقد يقال إنه رخصة لان عموم نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث حكيم بن حزام‏:‏ عن بيع ما ليس عنده يوجب تحريمه، وحاجة المفلس اقتضت الرخصة في السلم، ولا شك في أن تزويج الآبقة يصح ولا يسمى ذلك رخصة، فإذا قوبل ببيع الآبق فهو فسحة، لكن قيل النكاح عقد آخر فارق شرطه البيع، فلا مناسبة بينهما، ويمكن أن يقال‏:‏ السلم عقد آخر، فهو بيع دين، وذلك بيع عين، فافترقا، وافتراقهما في الشرط لا يلحق أحدهما بالرخص، فيشبه أن يكون هذا مجازا، فقول الراوي‏:‏ نهي عن بيع ما ليس عند الانسان وأرخص في السلم تجوز في الكلام، واعلم أن بعض أصحاب الرأي قالوا‏:‏ حد الرخصة أنه الذي أبيح مع كونه حراما، وهذا متناقض، فإن الذي أبيح لا يكون حراما، وحذق بعضهم وقال‏:‏ ما أرخص فيه مع كونه حراما، وهو مثل الأول، لان الترخيص إباحة أيضا، وقد بنوا هذا على أصلهم إذ قالوا الكفر قبيح لعينه فهو حرام، فبالاكراه رخص له فيما هو قبيح في نفسه، وعن هذا لو أصر ولم يتلفظ بالكفر كان مثابا، وزعموا أن المكره على الافطار لو لم يفطر يثاب، لان الافطار قبيح، والصوم قيام بحق الله تعالى، والمكره على إتلاف المال أيضا لو استسلم قالوا يثاب، والمكره على تناول الميتة وشرب الخمر زعموا أنه يأثم إن لم يتناول، وفي هذه التفاصيل نظر فقهي لا يتعلق بمحض الاصول، والمقصود أن قولهم أنه رخص في الحرام متناقض لا وجه له والله تعالى أعلم‏.‏ وقد تم النظر في القطب الأول وهو النظر في حقيقة الحكم وأقسامه فلننظر الآن في مثمر الحكم وهو الدليل‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة القطب الثاني في أدلة الاحكام
وهي أربعة الكتاب والسنة والإجماع، ودليل العقل المقرر على النفي الأصلي، فأما قول الصحابي وشريعة من قبلنا فمختلف فيه‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الأصل الأول من أصول الأدلة كتاب الله تعالى
واعلم أنا إذا حققنا النظر بان أن أصل الاحكام واحد، وهو قول الله تعالى، إذ قول مشغول الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحكم ولا ملزم، بل هو مخبر عن الله تعالى أنه حكم بكذا وكذا، فالحكم لله تعالى وحده، والإجماع يدل على السنة، والسنة على حكم الله تعالى، وأما العقل فلا يدل على الاحكام الشرعية بل يدل على نفي الاحكام عند انتفاء السمع، فتسمية العقل أصلا من أصول الأدلة تجوز على ما يأتي تحقيقه، إلا أنا إذا نظرنا إلى ظهور الحكم في حقنا فلا يظهر إلا بقول الرسول عليه السلام، لانا لا نسمع الكلام من الله تعالى ولا من جبريل، فالكتاب يظهر لنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذن إن اعتبرنا المظهر لهذه الاحكام فهو قول الرسول فقط، إذ الإجماع يدل على أنهم استندوا إلى قوله، وإن اعتبرنا السبب الملزم فهو واحد، وهو حكم الله تعالى، لكن إذا لم نجرد النظر وجمعنا المدارك صارت الاصول التي يجب النظر فيها أربعة كما سبق، فلنبدأ بالكتاب والنظر في حقيقته، ثم في حده المميز له عما ليس بكتاب، ثم في ألفاظه، ثم في أحكامه‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة النظر الأول‏:‏ في حقيقته ومعناه
هو الكلام القائم بذات الله تعالى، وهو صفة قديمة من صفاته، والكلام اسم مشترك قد يطلق على الالفاظ الدالة على ما في النفس تقول‏:‏ سمعت كلام فلان وفصاحته، وقد يطلق على مدلول العبارات، وهي المعاني التي في النفس كما قيل‏:‏ إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول‏}‏ ‏(‏المجادلة‏:‏ 8‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وأسروا قولكم أو اجهروا به‏}‏ ‏(‏الملك‏:‏ 31‏)‏ فلا سبيل إلى إنكار كون هذا الاسم مشتركا، وقد قال قوم‏:‏ وضع في الأصل للعبارات، وهو مجاز في مدلولها، وقيل عكسه ولا يتعلق به غرض بعد ثبوت الاشتراك، وكلام النفس ينقسم إلى خبر واستخبار، وأمر ونهي وتنبيه، وهي معان تخالف بجنسها الارادات والعلوم، وهي متعلقة بمتعلقاتها لذاتها كما تتعلق القدرة والارادة والعلم، وزعم قوم أنه يرجع إلى العلوم والارادات، وليس جنسا برأسه، وإثبات ذلك على المتكلم لا على الاصولي‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة فصل كلام الله تعالى واحد
وهو مع وحدته متضمن لجميع معاني الكلام كما أن علمه واحد، وهو مع وحدته محيط بما لا يتناهى من المعلومات، حتى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الارض، وفهم ذلك غامض، وتفهيمه على المتكلم لا على الاصولي، وأما كلام النفس في حقنا، فهو يتعدد كما تتعدد العلوم، ويفارق كلامه كلامنا من وجه آخر، وهو أن أحدا من المخلوقين لا يقدر على أن يعرف غيره كلام نفسه إلا بلفظ أو رمز أو فعل والله تعالى قادر على أن يخلق لمن يشاء من عباده علما ضروريا بكلامه من غير توسط حرف وصوت ودلالة، ويخلق لهم السمع أيضا بكلامه من غير توسط صوت وحرف ودلالة، ومن سمع ذلك من غير توسط فقد سمع كلام الله تحقيقا، وهو خاصية موسى صلوات الله تعالى عليه وعلى نبينا وسائر الانبياء، وأما من سمعه من غيره ملكا كان أو نبيا كان تسميته سامعا كلام الله تعالى، كتسميتنا من سمع شعر المتنبي من غيره بأنه سمع شعر المتنبي، وذلك أيضا جائز، ولاجله قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 6‏)‏‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة النظر الثاني في حده‏:‏
وحد الكتاب ما نقل إلينا بين دفتي المصحف على الاحرف السبعة المشهورة، نقلا متواترا، ونعني بالكتاب القرآن المنزل، وقيدناه بالمصحف لان الصحابة بالغوا في الاحتياط في نقله، حتى كرهوا التعاشير والنقط، وأمروا بالتجريد كيلا يختلط بالقرآن غيره، ونقل إلينا متواترا، فعلم أن المكتوب في المصحف المتفق عليه هو القرآن، وأن ما هو خارج عنه فليس منه، إذ يستحيل في العرف والعادة مع توفر الدواعي على حفظه أن يهمل بعضه، فلا ينقل أو يخلط به ما ليس منه، فإن قيل‏:‏ هلا حددت تموه بالعجز‏؟‏ قلنا‏:‏ لا، لان كونه معجزا يدل على صدق الرسول عليه السلام، لا على كونه كتاب الله تعالى لا محالة، إذ يتصور الاعجاز بما ليس بكتاب الله تعالى‏:‏ ولان بعض الآية ليس بمعجز، وهو من الكتاب، فإن قيل‏:‏ فلم شرطتم التواتر‏؟‏ قلنا‏:‏ ليحصل العلم به، لان الحكم بما لا يعلم جهل وكون، الشئ كلام الله تعالى أمر حقيقي ليس بوضعي، حتى يتعلق بظننا، فيقال إذا ظننتم كذا فقد حرمنا عليكم فعلا أو حللناه لكم، فيكون التحريم معلوما عند ظننا ويكون ظننا علامة يتعلق التحريم به، لان التحريم بالوضع، فيمكن الوضع عند الظن، وكون الشئ كلام الله تعالى أمر حقيقي ليس بوضعي، فالحكم فيه بالظن جهل، ويتشعب عن حد الكلام مسألتان‏:‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏حكم تتابع الصيام في كفارة اليمين‏)‏
التتابع في صوم كفارة اليمين ليس بواجب على قول، وإن قرأ ابن مسعود‏:‏ فصيام ثلاثة أيام متتابعات، لان هذه الزيادة لم تتواتر، فليست من القرآن، فتحمل على أنه ذكرها في معرض البيان لما اعتقده مذهبا، فلعله اعتقد التتابع حملا لهذا المطلق على المقيد بالتتابع في الظهار، وقال أبو حنيفة يجب، لانه وإن لم يثبت كونه قرآنا فلا أقل من كونه خبرا، والعمل يجب بخبر الواحد، وهذا ضعيف، لان خبر الواحد لا دليل على كذبه، وهو أن جعله من القرآن فهو خطأ قطعا، لانه وجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغه طائفة من الامة تقوم الحجة بقولهم، وكان لا يجوز له مناجاة الواحد به، وإن لم يجعله من القرآن احتمل أن يكون ذلك مذهبا له، لدليل قد دله عليه، واحتمل أن يكون خبرا، وما تردد بين أن يكون خبرا أو لا يكون فلا يجوز العمل به، وإنما يجوز العمل بما يصرح الراوي بسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏هل البسملة آية أم لا‏؟‏‏)‏
البسملة آية من القرآن، لكن هل هي آية من أول كل سورة‏:‏ فيه خلاف، وميل الشافعي رحمه الله إلى أنها آية من كل سورة الحمد، وسائر السور، لكنها في أول كل سورة آية برأسها، وهي مع أول آية من سائر السور آية، وهذا مما نقل عن الشافعي رحمه الله فيه تردد، وهذا أصح من قول من حمل تردد قول الشافعي على أنها هل هي من القرآن في أول كل سورة، بل الذي يصح أنها حيث كتبت مع القرآن بخط القرآن فهي من القرآن، فإن قيل القرآن لا يثبت إلا بطريق قاطع متواتر، فإن كان هذا قاطعا فكيف اختلفوا فيه، وإن كان مظنونا فكيف يثبت القرآن بالظن، ولو جاز هذا لجاز إيجاب التتابع في صوم كفارة اليمين بقول ابن مسعود، ولجاز للروافض أن يقولوا‏:‏ قد ثبتت إمامة علي رضي الله عنه بنص القرآن ونزلت فيه آيات أخفاها الصحابة بالتعصب، وإنما طريقنا في الرد عليهم أنا نقول‏:‏ نزل القرآن معجزة للرسول عليه السلام، وأمر الرسول عليه السلام بإظهاره مع قوم تقوم الحجة بقولهم وهم أهل التواتر، فلا يظن بهم التطابق على الاخفاء، ولا مناجاة الآحاد به حتى لا يتحدث أحد بالانكار، فكانوا يبالغون في حفظ القرآن، حتى كانوا يضايقون في الحروف، ويمنعون من كتبة أسامي السور مع القرآن، ومن التعاشير والنقط، كيلا يختلط بالقرآن غيره، فالعادة تحيل الاخفاء فيجب أن يكون طريق ثبوت القرآن القطع، وعن هذا المعنى قطع القاضي رحمه الله بخطأ من جعل البسملة من القرآن إلا في سورة النمل فقال‏:‏ لو كانت من القرآن لوجب على الرسول عليه السلام أن يبين أنها من القرآن بيانا قاطعا للشك والاحتمال، إلا أنه قال‏:‏ أخطئ القائل به ولا أكفره، لان نفيها من القرآن لم يثبت أيضا بنص صريح متواتر، فصاحبه مخطئ وليس بكافر، واعترف بأن البسملة منزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أول كل سورة، وأنها كتبت مع القرآن بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف ختم سورة وابتداء أخرى حتى ينزل عليه جبريل ببسم الله الرحمن الرحيم، لكنه لا يستحيل أن ينزل عليه ما ليس بقرآن، وأنكر قول من نسب عثمان رضي الله عنه إلى البدعة في كتبه بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة، وقال لو أبدع لاستحال في العادة سكوت أهل الدين عنه مع تصلبهم في الدين، كيف وقد أنكروا على من أثبت أسامي السور والنقط والتعشير فما بالهم لم يجيبوا بأنا أبدعنا ذلك، كما أبدع عثمان رضي الله عنه كتبه البسملة لا سيما واسم السور يكتب بخط آخر متميز عن القرآن، والبسملة مكتوبة بخط القرآن متصلة به بحيث لا تتميز عنه، فتحيل العادة السكوت على من يبدعها، لولا أنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والجواب أنا نقول‏:‏ لا وجه لقطع القاضي بتخطئة الشافعي رحمه الله، لان إلحاق ما ليس بقرآن بالقرآن كفر، كما أنه من ألحق القنوت أو التشهد أو التعوذ بالقرآن فقد كفر، فمن ألحق البسملة لم لا يكفر ولا سبب له إلا أنه يقال لم يثبت انتفاؤه من القرآن بنص متواتر، فنقول‏:‏ لو لم يكن من القرآن لوجب على الرسول الله صلى الله عليه وسلم التصريح بأنه ليس من القرآن وإشاعة ذلك على وجه يقطع الشك، كما في التعوذ والتشهد، فإن قيل‏:‏ ما ليس من القرآن لا حصر له، حتى ينفي إنما الذي يجب التنصيص عليه ما هو من القرآن، قلنا‏:‏ هذا صحيح لو لم تكتب البسملة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القرآن بخط القرآن، ولو لم يكن منزلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أول كل سورة، وذلك يوهم قطعا أنه من القرآن، ولا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يعرف كونه موهما، ولا جواز السكوت عن نفيه مع توهم الحاقه، فإذا القاضي رحمه الله يقول‏:‏ لو كان من القرآن لقطع الشك بنص متواتر تقوم الحجة به، ونحن نقول‏:‏ لو لم يكن من القرآن لوجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم التصريح بأنه ليس من القرآن وإشاعته ولنفاه بنص متواتر بعد أن أمر بكتبه بخط القرآن، إذ لا عذر في السكوت عن قطع هذا التوهم، فأما عدم التصريح بأنه من القرآن فإنه كان اعتمادا على قرائن الاحوال إذ كان يملي على الكاتب مع القرآن، وكان الرسول عليه السلام في أثناء إملائه لا يكرر مع كل كلمة وآية أنها من القرآن، بل كان جلوسه له وقرائن أحواله تدل عليه، وكان يعرف كل ذلك قطعا، ثم لما كانت البسملة أمر بها في أول كل أمر ذي بال، ووجد ذلك في أوائل السور، ظن قوم أنه كتب على سبيل التبرك، وهذا الظن خطأ، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ سرق الشيطان من الناس آية من القرآن لما ترك بعضهم قراءة البسملة في أول السورة، فقطع بأنها آية، ولم ينكر عليه كما ينكر على من ألحق التعوذ والتشهد بالقرآن، فدل على أن ذلك كان مقطوعا به وحدث الوهم بعده، فإن قيل بعد حدوث الوهم والظن صارت البسملة اجتهادية وخرجت عن مظنة القطع، فكيف يثبت القرآن بالاجتهاد‏؟‏ قلنا‏:‏ جوز القاضي رحمه الله الخلاف في عدد الآيات ومقاديرها، وأقر بأن ذلك منوط باجتهاد القراء وأنه لم يبين بيانا شافيا قاطعا للشك، والبسملة من القرآن في سورة النمل، هي مقطوع بكونها من القرآن، وإنما الخلاف في أنها من القرآن مرة واحدة أو مرات، كما كتبت، فهذا يجوز أن يقع الشك فيه، ويعلم بالاجتهاد، لانه نظر في تعيين موضع الآية بعد كونها مكتوبة بخط القرآن، فهذا جائز وقوعه، والدليل على إمكان الوقوع وأن الاجتهاد قد تطرق إليه أن النافي لم يكفر الملحق، والملحق لم يكفر النافي، بخلاف القنوت والتشهد، فصارت البسملة نظرية، وكتبها بخط القرآن مع القرآن مع صلابة الصحابة وتشددهم في حفظ القرآن عن الزيادة قاطع أو كالقاطع في أنها من القرآن، فإن قيل‏:‏ فالمسألة، صارت نظرية وخرجت عن أن تكون معلومة بالتواتر علما ضروريا فهي قطعية أو ظنية‏؟‏ قلنا‏:‏ الانصاف أنها ليست قطعية بل هي اجتهادية، ودليل جواز الاجتهاد فيها وقوع الخلاف فيها في زمان الصحابة رضي الله عنهم حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ سرق الشيطان من الناس آية، ولم يكفر بإلحاقها بالقرآن ولا أنكر عليه، ونعلم أنه لو نقل الصديق رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ البسملة من سورة الحمد، وأوائل السور المكتوبة معها، لقبل ذلك بسبب كونها مكتوبة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو نقل أن القنوت مع القرآن لعلم بطلان ذلك بطريق قاطع لا يشك فيه، وعلى الجملة‏:‏ إذا أنصفنا وجدنا أنفسنا شاكين في مسألة البسملة، قاطعين في مسألة التعوذ والقنوت، وإذا نظرنا في كتبها مع القرآن بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سكوته عن التصريح بنفي كونها من القرآن بعد تحقق سبب الوهم كان ذلك دليلا ظاهرا كالقطع في كونها من القرآن، فدل أن الاجتهاد لا يتطرق إلى أصل القرآن أما ما هو من القرآن وهو مكتوب بخطه فالاجتهاد فيه يتطرق إلى تعيين موضعه وأنه من القرآن مرة أو مرات، وقد أوردنا أدلة ذلك في كتاب حقيقة القرآن وتأويل ما طعن به على الشافعي رحمه الله من ترديده القول في هذه المسألة، فإن قيل‏:‏ قد أوجبتم قراءة البسملة في الصلاة، وهو مبني على كونها قرآنا، وكونها قرآنا لا يثبت بالظن، فإن الظن علامة وجوب العمل في المجتهدات، وإلا فهو جهل أي ليس بعلم، فليكن كالتتابع في قراءة ابن مسعود قلنا‏:‏ وردت أخبار صحيحة صريحة في وجوب قراءة البسملة، وكونها قرآنا متواترا معلوم وإنما المشكوك فيه أنها قرآن مرة في سورة النمل أو مرات كثيرة في أول كل سورة، فكيف تساوي قراءة ابن مسعود ولا يثبت بها القرآن ولا هي خبر، وهاهنا صحت أخبار في وجوب البسملة وصح بالتواتر أنها من القرآن، وعلى الجملة فالفرق بين المسألتين ظاهر‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس