عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 02:57 PM   #23
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


مسألة ‏(‏هل المباح من الشريعة‏؟‏‏)‏
المباح من الشرع، وقد ذهب بعض المعتزلة إلى أنه ليس من الشرع، إذ معنى المباح رفع الحرج عن الفعل والترك وذلك ثابت قبل السمع، فمعنى إباحة الشرع شيئا أنه تركه على ما كان عليه قبل ورود السمع ولم يغير حكمه وكل ما لم يثبت تحريمه ولا وجوبه بقي على النفي الأصلي، فعبر عنه بالمباح، وهذا له غور، وكشف الغطاء عنه أن الافعال ثلاثة أقسام‏:‏ قسم بقي على الأصل، فلم يرد فيه من الشرع تعرض لا بصريح اللفظ ولا بدليل من أدلة السمع، فينبغي أن يقال‏:‏ استمر فيه ما كان ولم يتعرض له السمع فليس فيه حكم‏.‏ وقسم صرح الشرع فيه بالتخيير وقال‏:‏ إن شئتم فافعلوه، وإن شئتم فاتركوه، فهذا خطاب، والحكم لا معنى له إلا الخطاب، ولا سبيل إلى إنكاره، وقد ورد‏.‏ وقسم ثالث لم يرد فيه خطاب بالتخيير، لكن دل دليل السمع على أنه نفي الحرج عن فعله وتركه، فقد عرف بدليل السمع، ولولا هذا الدليل لكان يعرف بدليل العقل نفي الحرج عن فاعله، وبقاؤه على النفي الأصلي، فهذا فيه نظر إذ اجتمع عليه دليل العقل والسمع، وفي الطرفين الآخرين أيضا نظر، إذ يمكن أن يقال‏:‏ قول الشارع إن شئت فقم، وإن شئت فاقعد ليس بتجديد حكم، هو تقرير للحكم السابق، ومعنى تقريره أنه ليس يغير أمره بل يتركه على ما هو عليه، فليس ذلك أمرا حادثا بالشرع، فلا يكون شرعيا، وأما الطرف الآخر وهو الذي لم يرد فيه خطاب ولا دليل، فيمكن أيضا إنكاره، بأن يقال‏:‏ قد دل السمع على أن ما لم يرد فيه طلب فعل ولا طلب ترك، فالمكلف فيه مخير، وهذا دليل على العموم فيما لا يتناهى من الافعال، فلا يبقى فعل إلا مدلولا عليه من جهة الشرع، فتكون إباحته من الشرع، وإلا عورض أن الاباحة من جهة الشرع تقرير لا تغيير، وليس مع التقرير تجديد أمر، بل بيان أنه لم يجدد فيه أمرا، بل كف عن التعرض له، وسيأتي لهذا تحقيق في مسألة إقامة الدليل على النافي‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏التفريق بين المندوب والمباح‏)‏
المندوب مأمور به، وإن لم يكن المباح مأمورا به، لان الامر اقتضاء وطلب، والمباح غير مقتضى، أما المندوب فإنه مقتضى لكن مع إسقاط الذم عن تاركه، والواجب مقتضى، لكن مع ذم تاركه إذا تركه مطلقا، أو تركه وبدله، وقال قوم‏:‏ المندوب غير داخل تحت الامر، وهو فاسد من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه شاع في لسان العلماء أن الامر ينقسم إلى أمر إيجاب وأمر استحباب، وما شاع أنه ينقسم إلى أمر إباحة وأمر إيجاب مع أن صيغة الامر قد تطلق لارادة الاباحة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حللتم فاصطادوا‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 2‏}‏ ‏(‏فإذا قضيت الصلاة فانتشروا‏}‏ ‏(‏الجمعة‏:‏ 01‏)‏‏.‏ الثاني‏:‏ إن فعل المندوب طاعة بالاتفاق، وليس طاعة لكونه مرادا، إذ الامر عندنا يفارق الارادة، ولا لكونه موجودا أو حادثا أو لذاته أو نفسه إذ يجري ذلك في المباحات، ولا لكونه مثابا عليه، فإن المأمور وإن لم يثب ولم يعاقب إذا امتثل كان مطيعا، وإنما الثواب للترغيب في الطاعة، ولا نه قد يحبط بالكفر ثواب طاعته، ولا يخرج عن كونه مطيعا، فإن قيل‏:‏ الامر عبارة عن اقتضاء جازم لا تخيير معه، والندب مقرون بتجويز الترك والتخيير فيه، وقولكم‏:‏ أنه يسمى مطيعا، يقابله أنه لو ترك لا يسمى عاصيا، قلنا‏:‏ الندب اقتضاء جازم لا تخيير فيه، لان التخيير عبارة عن التسوية، فإذا رجح جهة الفعل بربط الثواب به ارتفعت التسوية والتخيير، وقد قال تعالى في المحرمات أيضا‏:‏ ‏{‏فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 92‏)‏ فلاينبغي أن يظن أن الامر اقتضاء جازم، بمعنى أن الشرع يطلب منه شيئا لنفسه، بل يطلب منه لما فيه من صلاحه، والله تعالى يقتضي من عباده ما فيه صلاحهم، ولا يرضى الكفر لهم، وكذلك يقتضي الندب لنيل الثواب ويقول‏:‏ الفعل والترك سيان بالاضافة إلي، أما في حقك فلا مساواة ولا خيرة، إذ في تركه ترك صلاحك وثوابك فهو اقتضاء جازم، وأما قولهم‏:‏ أنه لا يسمى عاصيا، فسببه أن العصيان اسم ذم، وقد أسقط الذم عنه، نعم يسمى مخالفا وغير ممتثل، كما يسمى فاعله موافقا ومطيعا‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏الواجب غير الحرام‏)‏
إذا عرفت أن الحرام ضد الواجب لانه المقتضى تركه، والواجب هو المقتضى فعله، فلا يخفى عليك أن الشئ الواحد يستحيل أن يكون واجبا حراما، طاعة معصية، لكن ربما تخفى عليك حقيقة الواحد، فالواحد ينقسم إلى واحد بالنوع، وإلى واحد بالعدد، أما الواحد بالنوع كالسجود مثلا، فإنه نوع واحد من الافعال، فيجوز أن ينقسم إلى الواجب والحرام، ويكون انقسامه، بالاوصاف والاضافات، كالسجود لله تعالى، والسجود للصنم، إذ أحدهما واجب، والآخر حرام، ولا تناقض، وذهب بعض المعتزلة إلى أنه تناقض، فإن السجود نوع واحد مأمور به، فيستحيل أن ينهى عنه، بل الساجد للصنم عاص بقصد تعظيم الصنم لا بنفس الجسود، وهذا خطأ فاحش، فإنه إذا تغاير متعلق الامر والنهي لم يتناقض، والسجود للصنم غير السجود لله تعالى، لان اختلاف الاضافات والصفات يوجب المغايرة، إذ الشئ لا يغاير نفسه، والمغايرة تارة تكون باختلاف النوع، وتارة باختلاف الوصف، وتارة باختلاف الاضافة، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله‏}‏ ‏(‏فصلت‏:‏ 73‏)‏ وليس المأمور به هو المنهي عنه، والإجماع منعقد على أن الساجد للشمس عاص بنفس السجود والقصد جميعا، فقولهم إن السجود نوع واحد لا يغني مع انقسام هذا النوع إلى أقسام مختلفة المقاصد، إذ مقصود بهذا السجود تعظيم الصنم دون تعظيم الله تعالى، واختلاف وجوه الفعل كاختلاف نفس الفعل في حصول الغيرية الرافعة للتضاد فإن التضاد إنما يكون بالاضافة إلى واحد، ولا وحدة مع المغايرة‏.‏

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة مسألة ‏(‏الواحد بالتعيين‏)‏
ما ذكرناه في الواحد بالنوع ظاهر، أما الواحد بالتعيين، كصلاة زيد في دار مغصوبة من عمرو، فحركته في الصلاة فعل واحد بعينه هو مكتسبه ومتعلق قدرته، فالذين سلموا في النوع الواحد نازعوا ههنا فقالوا‏:‏ لا تصح هذه الصلاة إذ يؤدي القول بصحتها إلى أن تكون العين الواحدة من الافعال حراما واجبا وهو متناقض، فقيل لهم‏:‏ هذا خلاف إجماع السلف، فإنهم ما أمروا الظلمة عند التوبة بقضاء الصلوات المؤداة في الدور المغصوبة مع كثرة وقوعها، ولا نهوا الظالمين عن الصلاة في الاراضي المغصوبة، فأشكل الجواب على القاضي أبي بكر رحمه الله فقال‏:‏ يسقط الوجوب عندها لا بها، بدليل الإجماع، ولا يقع واجبا، لان الواجب ما يثاب عليه، وكيف يثاب على ما يعاقب عليه، وفعله واحد وهو كون في الدار المغصوبة وسجوده وركوعه، أكوان اختيارية هو معاقب عليها ومنهي عنها‏؟‏ وكل من غلب عليه الكلام قطع بهذا نظرا إلى اتحاد أكوانه في كل حالة من أحواله، وإن الحادث منه الاكوان لا غيرها، وهو معاقب عليها عاص بها، فكيف يكون متقربا بما هو معاقب عليه ومطيعا بما هو به عاص‏؟‏ وهذا غير مرضي عندنا، بل نقول الفعل وإن كان واحدا في نفسه، فإذا كان له وجهان متغايران يجوز أن يكون مطلوبا من أحد الوجهين مكروها من الوجه الآخر، وإنما المحال أن يطلب من الوجه الذي يكره بعينه، وفعله من حيث أنه صلاة مطلوب، ومن حيث أنه غصب مكروه، والغصب معقول دون الصلاة، والصلاة معقولة دون الغصب، وقد اجتمع الوجهان في فعل واحد، ومتعلق الامر والنهي الوجهان المتغايران، وكذلك يعقل من السيد أن يقول لعبده‏:‏ صل اليوم ألف ركعة، وخط هذا الثواب، ولا تدخل هذه الدار، فإن ارتكبت النهي ضربتك، وإن امتثلت الامر أعتقتك، فخاط الثوب في الدار، وصلى ألف ركعة في تلك الدار فيحسن من السيد أن يضربه ويعتقه ويقول‏:‏ أطاع بالخياطة والصلاة، وعصى بدخول الدار، فكذلك فيما نحن فيه من غير فرق، فالفعل وإن كان واحدا فقد تضمن تحصيل أمرين مختلفين، يطلب أحدهما ويكره الآخر، ولو رمى سهما واحدا إلى مسلم بحيث يمرق إلى كافر، أو إلى كافر بحيث يمرق إلى مسلم، فإنه يثاب ويعاقب، ويملك سلب الكافر ويقتل بالمسلم قصاصا لتضمن فعله الواحد أمرين مختلفين، فإن قيل‏:‏ ارتكاب المنهى عنه إذا أخل بشرط العبادة أفسدها بالاتفاق ونية التقرب بالصلاة شرط، والتقرب بالمعصية محال، فكيف ينوي التقرب‏؟‏ فالجواب من أوجه‏:‏ الأول‏:‏ إن الإجماع إذا انعقد على صحة هذه الصلاة فليعلم به بالضرورة أن نية التقرب ليس بشرط أو نية التقرب بهذه الصلاة ممكن، وأبو هاشم والجبائي ومن خالف في صحة الصلاة مسبوق بإجماع الامة على ترك تكليف الظلمة قضاء الصلوات مع كثرتهم، وكيف ينكر سقوط نية التقرب‏؟‏ وقد اختلفوا في اشتراط نية الفرضية ونية الاضافة إلى الله تعالى، فقال قوم‏:‏ لا يجب إلا أن ينوي الظهر أو العصر، فهو في محل الاجتهاد، وقد ذهب قوم إلى أن الصلاة تجب في آخر الوقت، والصبي إذا صلى في أول الوقت ثم بلغ آخره أجزأه، ولو بلغ في وسط الوقت مع أنه لا تتحقق الفرضية في حقه، فإن قيل‏:‏ من نوى الصلاة فقد تضمنت نيته القربة‏؟‏ قلنا‏:‏ إذا صحت الصلاة بالإجماع واستحال نية التقرب فتلغى تلك النية، ويصح أن يقال‏:‏ تعلقت نية التقرب ببعض أجزاء الصلاة من الذكر والقراءة، وما لا يزاحم حق المغصوب منه، فإن الاكوان هي التي تتناول منافع الدار، ثم كيف يستقيم من المعتزلة هذا، وعندهم لا يعلم المأمور كونه مأمورا، ولا كون العبادة واجبة قبل الفراغ من الامتثال كما سيأتي، فكيف ينوي التقرب بالواجب وهو لا يعرف وجوبه‏؟‏ الجواب الثاني‏:‏ وهو الاصح، أنه ينوي التقرب بالصلاة ويعصي بالغصب، وقد بينا انفصال أحدهما عن الآخر، ولذلك يجد المصلي من نفسه نية التقرب بالصلاة، وإن كان في دار مغصوبة، لانه لو سكن ولم يفعل فعلا لكان غاصبا في حالة النوم، وعدم استعمال القدرة، وإنما يتقرب بأفعاله، وليست تلك الافعال شرطا لكونه غاصبا، فإن قيل‏:‏ هو في حالة القعود والقيام غاصب بفعله، ولا فعل له إلا قيامه وقعوده وهو متقرب بفعله، فيكون متقربا بعين ما هو عاص به‏؟‏ قلنا‏:‏ هو من حيث أنه مستوف منافع الدار غاصب، ومن حيث أنه أتى بصورة الصلاة متقرب، كما ذكرناه في صورة الخياطة، إذ قد يعقل كونه غاصبا، ولا يعلم كونه مصليا، ويعلم كونه مصليا، ولا يعلم كونه غاصبا، فهما وجهان مختلفان، وإن كان ذات الفعل واحدا‏.‏ الجواب الثالث‏:‏ هو أنا نقول‏:‏ بم تنكرون على القاضي رحمه الله حيث حكم بأن الفرض يسقط عندها لا بها بدليل الإجماع‏؟‏ فسلم أنه معصية، ولكن الامر لا يدل على الاجزاء إذا أتى بالمأمور ولا النهي يدل على عدم الاجزاء، بل يؤخذ الاجزاء من دليل آخر كما سيأتي‏.‏ فإن قيل‏:‏ هذه المسألة اجتهادية أم قطعية‏؟‏ قلنا‏:‏ هي قطعية، والمصيب فيها واحد، لان من صحح، أخذ من الإجماع، وهو قاطع، ومن أبطل أخذ من التضاد الذي بين القربة والمعصية، ويدعى كون ذلك محالا، بدليل العقل، فالمسألة قطعية، فإن قيل‏:‏ ادعيتم الإجماع في هذه المسألة، وقد ذهب أحمد بن حنبل إلى بطلان هذه الصلاة، وبطلان كل عقد منهي عنه حتى البيع في وقت النداء يوم الجمعة، فكيف تحتجون عليه بالإجماع‏؟‏ قلنا‏:‏ الإجماع حجة عليه، إذ علمنا أن الظلمة لم يؤمروا بقضاء الصلوات مع كثرة وقوعها، مع أنهم لو أمروا به لانتشر وإذا أنكر هذا فيلزمه ما هو أظهر منه، وهو أن لا تحل امرأة لزوجها وفي ذمته دانق ظلم به، ولا يصح بيعه ولا صلاته ولا تصرفاته، وأنه لا يحصل التحليل بوطئ من هذه حاله، لانه عصى بترك رد المظلمة، ولم يتركها إلا بتزويجه، وبيعه وصلاته وتصرفاته، فيؤدي إلى تحريم أكثر النساء، وفوات أكثر الاملاك، وهو خرق للإجماع قطعا، وذلك لا سبيل إليه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس