الفصل الرابع في انقسام البرهان إلى برهان علة وبرهان دلالة أما برهان الدلالة فهو أن يكون الامر المتكرر في المقمتين معلولا ومسببا، فإن العلة والمعلول يتلازمان، وكذلك السبب والمسبب والموجب والموجب، فإن استدللت بالعلة على المعلول فالبرهان برهان علة، وإن استدللت بالمعلول على العلة فهو برهان دلالة، وكذلك لو استدللت بأحد المعلولين على الآخر. ومثال قياس العلة من المحسوسات: أن تستدل على المطر بالغيم وعلى شبع زيد بأكله، فتقول: من أكل كثيرا فهو في الحال شبعان، وزيد قد أكل كثيرا فهو إذا شبعان، وإن قلت: إن كل شبعان قد أكل كثيرا وزيد شبعان، فإذا قد أكل كثيرا، فهذا برهان دلالة، ومثاله من الكلام قولك: كل فعل محكم، ففاعله عالم، والعالم فعل محكم، فصانعه عالم، ومثال الاستدلال بإحدى النتيجتين على الاخرى في الفقه قولنا: الزنا يوجب حرمة المصاهرة، لان كل وطئ لا يوجب المحرمية، فلا يوجب الحرمة، وهذا لا يوجب المحرمية فلا يوجب الحرمة، فإن الحرمة والمحرمية ليست إحداهما علة للاخرى، بل هما نتيجتا علة واحدة، وحصول إحدى النتيجتين يدل على حصول الاخرى بواسطة العلة، فإنها تلازم علتها والنتيجة الثانية أيضا تلازم علتها، وملازم الملازم ملازم لا محالة، وجميع استدلالات الفراسة من قبيل الاستدلال بإحدى النتيجتين على الاخرى، حتى أنه يستدل بخطوط حمر في كتف الشاة على إراقة الدماء في تلك السنة، ويستدل بالخلق على الاخلاق، ولا يمكن ذلك إلا بطريق تلازم النتائج الصادرة عن سبب واحد، ولنقتصر من مدارك العقول على هذا القدر فإنه كالعلاوة على علم الاصول، ومن أراد مزيدا عليه فليطلبه من كتاب محك النظر وكتاب معيار العلم
ولنشتغل الآن بالاقطاب الاربعة التي يدور عليها علم الاصول
والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وعلى جميع أصحابه.