عرض مشاركة واحدة
قديم 12-06-2012, 02:50 PM   #13
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: كتاب المستصفى من علم الاصول للامام الغزالى رضى الله عنه


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الفصل الثاني‏:‏ من فن المقاصد في بيان مادة البرهان

وهي المقدمات الجارية من البرهان مجرى الثوب من القميص، والخشب من السرير، فإن ما ذكرناه يجري مجرى الخياطة من القميص، وشكل السرير من السرير، وكما لا يمكن أن يتخذ من كل جسم سيف وسرير، إذ لا يتأتى من الخشب قميص، ولا من الثوب سيف، ولا من السيف سرير، فكذلك لا يمكن أن يتخذ من كل مقدمة برهان منتج، بل البرهان المنتج لا ينصاغ إلا من مقدمات يقينية، إن كان المطلوب يقينا، أو ظنية إن كان المطلوب فقهيا، فلنذكر معنى اليقين في نفسه لتفهم ذاته، ولنذكر مدركه لتفهم الآلة التي بها يقتنص اليقين، أما اليقين فشرحه أن النفس إذا أذعنت للتصديق بقضية من القضايا وسكنت إليها فلها ثلاثة أحوال‏:‏ أحدها‏:‏ أن يتيقن ويقطع به وينضاف إليه قطع ثان وهو أن يقطع بأن قطعها به صحيح ويتيقن بأن يقينها فيه لا يمكن أن يكون به سهو ولا غلط ولا التباس، فلا يجوز الغلط في يقينها الأول ولا في يقينها الثاني، ويكون صحة يقينها الثاني كصحة يقينها الأول، بل تكون مطمئنة آمنة من الخطأ، بل حيث لو حكى لها عن نبي من الانبياء أنه أقام معجزة وادعى ما يناقضها فلا تتوقف في تكذيب الناقل، بل تقطع بأنه كاذب، أو تقطع بأن القائل ليس بنبي وأن ما ظن من معجزة فهي مخرقة، وبالجملة فلا يؤثر هذا في تشكيكها، بل تضحك من قائله وناقله، وإن خطر ببالها إمكان أن يكون الله قد أطلع نبيا على سر به انكشف له نقيض اعتقادها، فليس اعتقادها يقينا، مثاله قولنا الثلاثة أقل من الستة، وشخص واحد لا يكون في مكانين، والشئ الواحد لا يكون قديما حادثا موجودا معدوما ساكنا متحركا، في حالة واحدة‏.‏ الحالة الثانية‏:‏ أن تصدق بها تصديقا جزما لا تتمارى فيه ولا تشعر بنقيضها البتة، ولو أشعرت بنقيضها تعسر إذعانها للاصغاء إليه، ولكنها لو ثبتت وأصغت وحكى لها نقيض معتقدها عمن هو أعلم الناس عندها كنبي أو صديق أورث ذلك فيها توقفا ولنسم هذا الجنس اعتقادا جزما، وهو أكثر اعتقادات عوام المسلمين واليهود والنصارى في معتقداتهم وأديانهم، بل اعتقاد أكثر المتكلمين في نصرة مذاهبهم بطريق الأدلة، فإنهم قبلوا المذهب والدليل جميعا بحسن الظن في الصبا فوقع عليه نشؤهم، فإن المستقل بالنظر الذي يستوي ميله في نظره إلى الكفر والاسلام عزيز‏.‏ الحالة الثالثة‏:‏ أن يكون لها سكون إلى الشئ والتصديق به، وهي تشعر بنقيضه أو لا تشعر، لكن لو أشعر ت به لم ينفر طبعها عن قبوله، وهذا يسمى ظنا وله درجات في الميل إلى الزيادة والنقصان لا تحصى، فمن سمع من عدل شيئا سكنت إليه نفسه، فإن انضاف إليه ثان زاد السكون، وإن انضاف إليه ثالث زاد السكون والقوة فإن انضافت إليه تجربة لصدقهم على الخصوص زادت القوة، فإن انضافت إليه قرينة، كما إذا أخبروا عن أمر مخوف وقد اصفرت وجوههم واضطربت أحوالهم زاد الظن، وهكذا لا يزال يترقى قليلا قليلا إلى أن ينقلب الظن علما عند الانتهاء إلى حد التواتر، والمحدثون يسمون أكثر هذه الاحوال علما ويقينا، حتى يطلقوا القول بأن الاخبار التي تشتمل عليها الصحاح توجب العلم والعمل، وكافة الخلق إلا آحاد المحققين يسمون الحالة الثانية يقينا، ولا يميزون بين الحالة الثانية والأولى، والحق أن اليقين هو الأول، والثاني مظنة الغلط، فإذا ألفت برهانا من مقدمات يقينية على الذوق الأول وراعيت صورة تأليفه على الشروط الماضية فالنتيجة ضرورية يقينية يجوز الثقة بها، هذا بيان نفس اليقين‏.‏ أما مدارك اليقين فجميع ما يتوهم كونه مدركا لليقين والاعتقاد الجزم ينحصر في سبعة أقسام‏:‏ الأول‏:‏ الأوليات‏:‏ وأعني بها العقليات المحضة التي أفضى ذات العقل بمجرده إليها من غير استعانة بحس أو تخيل مجبل على التصديق بها، مثل علم الانسان بوجود نفسه وبأن الواحد لا يكون قديما حادثا، وأن النقيضين إذا صدق أحدهما كذب الآخر، وأن الاثنين أكثر من الواحد ونظائره، وبالجملة هذه القضايا تصادف مرتسمة في العقل، منذ وجوده، حتى يظن العاقل أنه لم يزل عالما بها ولا يدري متى تجدد ولا يقف حصوله على أمر سوى وجود العقل إذ يرتسم فيه الموجود مفردا والقديم مفردا والحادث مفردا والقوة المفكرة تجمع هذه المفردات وتنسب بعضها إلى بعض، مثل أن القديم حادث، فيكذب بالعقل به، وأن القديم ليس بحادث، فيصدق العقل به، فلا يحتاج إلا إلى ذهن ترتسم فيه المفردات، وإلى قوة مفكرة تنسب بعض هذه المفردات إلى البعض، فينتهض العقل على البديهة إلى التصديق أو التكذيب‏.‏ الثاني‏:‏ المشاهدات الباطنة‏:‏ وذلك كعلم الانسان بجوع نفسه وعطشه وخوفه وفرحه، وجميع الاحوال الباطنة التي يدركها من ليس له الحواس الخمس، فهذه ليست من الحواس الخمس ولا هي عقلية، بل البهيمة تدرك هذه الاحوال من نفسها بغير عقل، وكذا الصبي، والأوليات لا تكون للبهائم ولا للصبيان‏.‏ الثالث‏:‏ المحسوسات الظاهرة‏:‏ كقولك‏:‏ الثلج أبيض، والقمر مستدير والشمس مستنيرة، وهذا الفن واضح، لكن الغلط يتطرق إلى الابصار لعوارض، مثل بعد مفرط وقرب مفرط، أو ضعف في العين، وأسباب الغلط في الابصار التي هي على الاستقامة ثمانية والذي بالانعكاس كما في المرآة، أو بالانعطاف كما يرى ما وراء البلور والزجاج فيتضاعف في أسباب الغلط، واستقصاء ذلك في هذه العلاوة غير ممكن، فإن أردت أن تفهم منه أنموذجا فانظر إلى طرف الظل فتراه ساكنا، والعقل يقضي بأنه متحرك، وإلى الكواكب فتراها ساكنة وهي متحركة، وإلى الصبي في أول نشوئه والنبات في أول النشوء وهو في النمو والتزايد في كل لحظة على التدريج، فتراه واقفا، وأمثال ذلك مما يكثر‏.‏ الرابع‏:‏ التجربيات‏:‏ وقد يعبر عنها باطراد العادات، وذلك مثل حكمك بأن النار محرقة، والخبز مشبع، والحجر هاو إلى أسفل، والنار صاعدة إلى فوق، والخمر مسكر، والسقمونيا مسهل فإذا المعلومات التجربية يقينية عند من جربها والناس يختلفون في هذه العلوم لاختلافهم في التجربة، فمعرفة الطبيب بأن السقمونيا مسهل، كمعرفتك بأن الماء مرو، وكذلك الحكم بأن المغناطيس جاذب للحديد عند من عرفه، وهذه غير المحسوسات، لان مدرك الحس هو أن هذا الحجر يهوي إلى الارض، وأما الحكم بأن كل حجر هاو فهي قضية عامة لا قضية في عين، وليس للحس إلا قضية في عين، وكذلك إذا رأى مائعا وقد شربه فسكر فحكم بأن جنس هذا المائع مسكر فالحس لم يدرك إلا شربا وسكرا واحدا معينا، فالحكم في الكل إذا هو للعقل، ولكن بواسطة الحس، أو بتكرر الاحساس مرة بعد أخرى، إذ المرة الواحدة لا يحصل العلم بها، فمن تألم له موضع فصب عليه مائعا فزال ألمه لم يحصل له العلم بأنه المزيل، إذ يحتمل أن زواله بالاتفاق، بل هو كما لو قرأ عليه سورة الاخلاص فزال فربما يخطر له أن إزالته بالاتفاق، فإذا تكرر مرات كثيرة في أحوال مختلفة انغرس في النفس يقين، وعلم بأنه المؤثر، كما حصل بأن الاصطلاء بالنار مزيل للبرد، والخبز مزيل لالم الجوع، وإذا تأملت هذا عرفت أن العقل قد ناله بعد التكرر على الحس بواسطة قياس خفي ارتسم فيه، ولم يشعر بذلك القياس، لانه لم يلتفت إليه، ولم يشغله بلفظ، وكأن العقل يقول‏:‏ لو لم يكن هذا السبب يقتضيه لما اطرد في الاكثر، ولو كان بالاتفاق لاختلف، وهذا الآن يحرك قطبا عظيما في معنى تلازم الاسباب والمسببات التي يعبر عنها باطراد العادات، وقد نبهنا على غورها في كتاب تهافت الفلاسفة والمقصود تمييز التجربيات عن الحسيات، ومن لم يمعن في تجربة الامور تعوزه جملة من اليقينيات فيتعذر عليه ما يلزم منها من النتائج، فيستفيدها من أهل المعرفة بها، وهذا كما أن الاعمى والاصم تعوزهما جملة من العلوم التي تستنتج من مقدمات محسوسة، حتى قدر الاعمى على أن يعرف بالبرهان أن الشمس أكبر من الارض، فإن ذلك يعرف بأدلة هندسية تنبني على مقدمات حسية، ولما كان السمع والبصر شبكة جملة من العلوم قرنهما الله تعالى بالفؤاد في كتابه في مواضع‏.‏ الخامس‏:‏ متواترات‏:‏ كعلمنا بوجود مكة، ووجود الشافعي، وبعدد الصلوات الخمس بل كعلمنا بأن من مذهب الشافعي أن المسلم لا يقتل بالذمي، فإن هذا أمر وراء المحسوس إذ ليس للحس إلا أن يسمع صوت المخبر بوجود مكة، وأما الحكم بصدقة فهو للعقل، وآلته السمع، ولا مجرد السمع، بل تكرر السماع، ولا ينحصر العدد الموجب للعلم في عدد ومن تكلف حصر ذلك فهو في شطط، بل هو كتكرر التجربة، ولكل مرة في التجربة شهادة أخرى إلى أن ينقلب الظن علما ولا يشعر بوقته، فكذلك التواتر، فهذه مدارك العلوم اليقينية الحقيقية الصالحة لمقدمات البراهين وما بعدها ليس كذلك‏.‏ السادس‏:‏ الوهميات‏:‏ وذلك مثل قضاء الوهم بأن كل موجود ينبغي أن يكون مشارا إلى جهته، فإن موجودا لا متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه ولا داخلا ولا خارجا محال، وأن إثبات شئ مع القطع بأن الجهات الست خالية عنه محال، وهذا عمل قوة في التجويف الاوسط من الدماغ، وتسمى وهمية، شأنها ملازمة المحسوسات ومتابعتها والتصرف فيها، فكل ما لا يكون على وفق المحسوسات التي ألفتها فليس في طباعها إلا النبوة عنها، وإنكارها ومن هذا القبيل نفرة الطبع عن قول القائل‏:‏ ليس وراء العالم خلاء ولا ملاء، وهاتان قضيتان وهميتان كاذبتان، والأولى منهما ربما وقع لك الانس بتكذيبها، لكثرة ممارستك للأدلة العقلية الموجبة لاثبات موجود، ليس في جهة والثانية ربما لم تأنس بتكذيبها لقلة ممارستك لادلتها، وإذا تأملت عرفت أن ما أنكره الوهم من نفي الخلاء والملاء غير ممكن لان الخلاء باطل بالبراهين القاطعة، إذ لا معنى له، والملاء متناه بأدلة قاطعة، إذ يستحيل وجود أجسام لا نهاية لها وإذا ثبت هذان الأصلان علم أنه لا خلاء ولا ملاء وراء العالم، وهذه القضايا مع أنها وهمية فهي في النفس لا تتميز عن الأوليات القطعية، مثل قولك لا يكون شخص في مكانين، بل يشهد به أول الفطرة، كما يشهد بالأوليات العقلية، وليس كل ما تشهد به الفطرة قطعا هو صادق بل الصادق ما يشهد به قوة العقل فقط، ومداركه الخمسة المذكورة، وهذه الوهميات لا يظهر كذبها للنفس إلا بدليل العقل، ثم بعد معرفة الدليل أيضا لا تنقطع منازعة الوهم بل تبقى على نزاعها فإن قلت فبماذا أميز بينها وبين الصادقة، والفطرة قاطعة بالكل، ومتى يحصل الامان منها فاعلم أن هذه ورطة تاه فيها جماعة، فتسفسطوا وأنكروا كون النظر مفيد العلم اليقين، فقال بعضهم‏:‏ طلب اليقين غير ممكن، وقالوا بتكافؤ الأدلة، وادعوا اليقين بتكافؤ الأدلة، وقال بعضهم‏:‏ لا تيقن أيضا بتكافؤ الأدلة، بما هو أيضا في محل التوقف، وكشف الغطاء عن هذه الورطة يستدعي تطويلا، فلا نشتغل به، و نفيدك الآن طريقين نستعين بهما في تكذيب الوهم الأول جملي وهو أنك لا تشك في وجود الوهم، والقدرة والعلم والارادة، وهذه الصفات ليست من النظريات، ولو عرضت على الوهم نفس الوهم لا نكره، فإنه يطلب له سمكا ومقدارا ولونا، فإذا لم يجده أباه، ولو كلفت الوهم أن يتأمل ذات القدرة والعلم والارادة لصور لكل واحد قدرا ومكانا مفردا، ولو فرضت له اجتماع هذه الصفات في جزء واحد أو جسم واحد لقدر بعضها منطبقا على البعض، كأنه ستر رقيق مرسل على وجهه، ولم يقدر على اتحاد البعض بالبعض بأسره فإنه ربما يشاهد الاجسام، ويراها متميزة في الوضع، فيقضي في كل شيئين، بأن أحدهما متميز في الوضع عن الآخر‏.‏ الطريق الثاني‏:‏ وهو معيار في آحاد المسائل‏:‏ وهو أن نعلم أن جميع قضايا الوهم ليست كاذبة، فإنها توافق العقل في استحالة وجود شخص في مكانين، بل لا تنازع في جميع العلوم الهندسية والحسابية وما يدرك بالحس، وإنما تنازع فيما وراء المحسوسات، لانها تمثل غير المحسوسات بالمحسوسات إذ لا تقبله إلا على نحو المحسوسات، فحيلة العقل مع الوهم في أن يثق بكذبه مهما نظر في غير محسوس، أن يأخذ مقدمات يقينية ليساعده الوهم عليها، وينظمها نظم البرهان الذي ذكرناه، فإن الوهم يساعد على أن اليقينيات إذا نظمت كذلك كانت النتيجة لازمة كما سبق في الامثلة، وكما في الهندسيات، فتجد ذلك ميزانا وحاكما بينه وبينه، فإذا رأى الوهم قد زاغ عن قبول نتيجة دليل قد ساعد على مقدماته وساعد على صحة نظمها وعلى كونها نتيجة علم أن ذلك من قصور في طباعه عن إدراك مثل هذا الشئ الخارج عن المحسوسات، فاكتف بهذا القدر، فإن تمام الايضاح فيه تطويل‏.‏ السابع‏:‏ المشهورات‏:‏ وهي آراء محمودة يوجب التصديق بها إما شهادة الكل أو الاكثر، أو شهادة جماهير الافاضل، كقولك الكذب قبيح، وإيلام البرئ قبيح، و كفران النعم قبيح وشكر المنعم وإنقاذ الهلكى حسن، وهذه قد تكون صادقة، وقد تكون كاذبة فلا يجوز أن يعول عليها في مقدمات البرهان، فإن هذه القضايا ليست أولية ولا وهمية، فإن الفطرة الأولى لا تقضي بها بل إنما ينغرس قبولها في النفس بأسباب كثيرة تعرض من أول الصبا، وذلك بأن تكرر على الصبي، ويكلف اعتقادها ويحسن ذلك عنده وربما يحمل عليها حب التسالم وطيب المعاشرة، وربما تنشأ من الحنان ورقة الطبع، فترى أقواما يصدقون بأن ذبح البهائم قبيح ويمتنعون عن أكل لحومها وما يجري هذا المجرى فالنفوس المجبولة على الحنان والرقة أطوع لقبولها، وربما يجبل على التصديق بها الاستقراء الكثير، وربما كانت القضية صادقة ولكن بشرط دقيق لا يفطن الذهن لذلك الشرط، ويستمر على تكرير التصديق فيرسخ في نفسه كمن يقول مثلا‏:‏ التواتر لا يورث العلم لان كل واحد من الآحاد لا يورث العلم، فالمجموع لا يورث، لانه لا يزيد على الآحاد، وهذا غلط، لان قول الواحد لا يوجب العلم بشرط الانفراد وعند التواتر فات هذا الشرط، فيذهل عن هذا الشرط لدقته ويصدق به مطلقا وكذلك يصدق بقوله‏:‏ إن الله على كل شئ قدير مع أنه ليس قادرا على خلق ذاته وصفاته وهو شئ لكن هو قدير على كل شئ بشرط كونه ممكنا في نفسه، فيذهل عن هذا الشرط ويصدق به مطلقا لكثرة تكرره على اللسان، ووقع الذهول عن شرطه الدقيق، وللتصديق بالمشهورات أسباب كثيرة، وهي من مثارات الغلط العظيمة، وأكثر قياسات المتكلمين والفقهاء مبنية على مقدمات مشهورة يسلمونها بمجرد الشهرة، فلذلك ترى أقيستهم تنتج نتائج متناقضة فيتحيرون فيها، فإن قلت‏:‏ فبم يدرك الفرق بين المشهور والصادق، فأعرض قول القائل‏:‏ العدل جميل والكذب قبيح على العقل الأول الفطري الموجب للاوليات، وقدر أنك لم تعاشر أحداولم تخالط أهل ملة ولم تأنس بمسموع، ولم تتأدب باستصلاح، ولم تهذب بتعليم أستاذ ومرشد، وكلف نفسك أن تشكك فيه، فإنك تقدر عليه وتراه متأتيا وإنما الذي يعسر عليك هذه التقديرات أنك على حالة تضادها، فإن تقدير الجوع في حال الشبع عسير، وكذا تقدير كل حالة أنت منفك عنها في الحال، ولكن إذا تحذقت فيها أمكنك التشكك، ولو كلفت نفسك الشك في أن الاثنين أكثر من الواحد لم يكن الشك متأتيا، بل لا يتأتى الشك في أن العالم ينتهي إلى خلاء أو ملاء وهو كاذب وهمي، لكن فطرة الوهم تقتضيه، والآخر يقتضيه فطرة العقل، وأما كون الكذب قبيحا فلا يقتضيه فطرة العقل الوهم ولا فطرة العقل، بل ما ألفه الانسان من العادات والاخلاق والاستصلاحات وهذه أيضا معارضة مظلمة يجب التحرز عنها، فهذا القدر كاف في المقدمات التي منها ينتظم البرهان، فالمستفاد من المدارك الخمسة بعد الاحتراز عن مواقع الغلط فيها يصلح لصناعة البرهان، والمستفاد من غلط الوهم لا يصلح البتة، والمشهورات تصلح للفقهيات الظنية والاقيسة الجدلية، ولا تصلح لافادة اليقين البتة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس