سورة النساء:.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
.- قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} الْآيَةَ [2]:
قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ غَطَفَانَ كان عنده مالك كَثِيرٌ لِابْنِ أَخٍ لَهُ يَتِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيمُ طَلَبَ الْمَالَ، فَمَنَعَهُ عَمُّهُ، فَتَرَافَعَا إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَلَمَّا سَمِعَهَا الْعَمُّ قَالَ: أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحُوبِ الْكَبِيرِ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وَرَجَعَ بِهِ هَكَذَا فَإِنَّهُ يَحُلُّ دَارَهُ»، يَعْنِي جَنَّتَهُ، فَلَمَّا قَبَضَ الْفَتَى مَالَهُ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«ثَبَتَ الْأَجْرُ وَبَقِيَ الْوِزْرُ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُ ثَبَتَ الْأَجْرُ، فَكَيْفَ بَقِيَ الْوِزْرُ وَهُوَ يُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ:«ثَبَتَ الْأَجْرُ لِلْغُلَامِ وَبَقِيَ الْوِزْرُ عَلَى وَالِدِهِ».
.- قولُهُ تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الْآيَةَ [3]:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن محمد قال: حَدَّثَنَا أبو يحيى قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عثمان قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا} الْآيَةَ. قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ وَهُوَ وَلِيُّهَا وَلَهَا مَالٌ وَلَيْسَ لَهَا أَحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا، فَلَا يُنْكِحُهَا حبًّا لمالها، ويضربها وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} يَقُولُ: مَا أَحْلَلْتُ لَكُمْ وَدَعْ هَذِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ.
- وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيَتَرَخَّصُونَ فِي النِّسَاءِ، وَيَتَزَوَّجُونَ مَا شَاءُوا، فَرُبَّمَا عَدَلُوا وَرُبَّمَا لَمْ يَعْدِلُوا، فَلَمَّا سَأَلُوا عن اليتامى، فنزلت آيَةُ الْيَتَامَى:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} الْآيَةَ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الْآيَةَ. يَقُولُ: كما خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فيهن، فلا تزوجوا أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُكُمُ الْقِيَامُ بِحَقِّهِنَّ، لِأَنَّ النِّسَاءَ كَالْيَتَامَى فِي الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ.

.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الْآيَةَ [6]:
نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ رِفَاعَةَ وَفِي عَمِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رِفَاعَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَهُ ثَابِتًا وَهُوَ صَغِيرٌ، فَأَتَى عَمُّ ثَابِتٍ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي يَتِيمٌ فِي حِجْرِي، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ، وَمَتَى أَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

.- قولُهُ تَعَالَى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الْآيَةَ [7]:
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ أَوْسَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ امْرَأَةً يُقَالُ لها: أم كجة وَثَلَاثَ بَنَاتٍ لَهُ مِنْهَا، فَقَامَ رَجُلَانِ: هُمَا ابْنَا عَمِّ الْمَيِّتِ وَوَصِيَّاهُ، يُقَالُ لَهُمَا: سُوَيْدٌ وَعَرْفَجَةُ، فَأَخَذَا مَالَهُ وَلَمْ يُعْطِيَا امْرَأَتَهُ شيئًا وَلَا بَنَاتَهُ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصَّغِيرَ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا، إِنَّمَا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ الْكِبَارَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُعْطَى إِلَّا مَنْ قاتل على ظهور الْخَيْلِ وَحَازَ الْغَنِيمَةَ، فجاءت أم كجة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَوْسَ بْنَ ثَابِتٍ مَاتَ وَتَرَكَ عَلَيَّ بَنَاتٍ وَأَنَا امْرَأَتُهُ وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَرَكَ أَبُوهُنَّ مَالًا حَسَنًا وَهُوَ عِنْدَ سُوَيْدٍ وَعَرْفَجَةَ لَمْ يُعْطِيَانِي وَلَا بَنَاتِهِ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا وَهُنَّ فِي حِجْرِي، وَلَا يُطْعِمَانِي وَلَا يَسْقِيَانِي وَلَا يَرْفَعَانِ لَهُنَّ رَأْسًا. فَدَعَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَدُهَا لَا يَرْكَبُ فَرَسًا وَلَا يَحْمِلُ كَلًّا وَلَا يُنْكِي عَدُوًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«انْصَرِفُوا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ اللَّهُ لِي فِيهِنَّ»، فَانْصَرَفُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الْآيَةَ [10]:
قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ زَيْدٍ وَلِيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيمٌ صَغِيرٌ، فَأَكَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ.

.- قولُهُ تَعَالَى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الْآيَةَ [11]:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جعفر قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ المخلدي قال: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلَمَةَ يَمْشِيَانِ، فَوَجَدَنِي لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ مِنْهُ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الْآيَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
- أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَنْصُورِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِابْنَتَيْنِ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ بِنْتَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، أَوْ قَالَتْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدِ اسْتَفَاءَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا إِلَّا أَخَذَهُ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا يُنْكَحَانِ أَبَدًا إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، فَقَالَ:«يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ»، فَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ وَفِيهَا:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«ادْعُ لِيَ الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا»، فَقَالَ لِعَمِّهِمَا:«أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَلَكَ».

.- قولُهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الْآيَةَ [19]:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَصْفَهَانِيُّ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ: وَذَكَرَهُ عَطَاءُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّوَائِيُّ، وَلَا أظنه إلا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- فِي هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، وَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ. وَرَوَاهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَسْبَاطٍ.
- قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ امْرَأَةٌ جَاءَ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ قَرِيبُهُ مِنْ عَصَبَتِهِ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَصَارَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَمِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ، إِلَّا الصَّدَاقَ الَّذِي أَصْدَقَهَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ وَأَخَذَ صَدَاقَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا وَضَارَّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا وَرِثَتْ مِنَ الْمَيِّتِ، أَوْ تَمُوتُ هِيَ فَيَرِثُهَا، فَتُوُفِّيَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ كُبَيْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، فَقَامَ ابْنٌ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا يُقَالُ لَهُ: حِصْنٌ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، فَطَرَحَ ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَوَرِثَ نِكَاحَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا، فَلَمْ يقربها ولم ينقق عَلَيْهَا يُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا، فَأَتَتْ كُبَيْشَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا قَيْسٍ تُوُفِّيَ وَوَرِثَ ابْنُهُ نِكَاحِي وَقَدْ أَضَرَّ بِي وَطَوَّلَ عَلَيَّ، فلا هو ينقق عَلَيَّ، وَلَا يَدْخُلُ بِي، وَلَا هُوَ يُخْلِي سَبِيلِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«اقْعُدِي فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَأْتِيَ فِيكِ أَمْرُ اللَّهِ» قَالَ: فَانْصَرَفَتْ وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ النِّسَاءُ فِي الْمَدِينَةِ، فَأَتَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُلْنَ: مَا نحن إلا كهيأة كُبَيْشَةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْكِحْنَا الْأَبْنَاءُ وَنَكَحَنَا بَنُو الْعَمِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الْآيَةَ [22]:
نَزَلَتْ فِي حِصْنِ ابن أَبِي قَيْسٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ: كُبَيْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ، وَفِي الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ: فَاخِتَةَ بِنْتَ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَفِي مَنْظُورِ بْنِ زَبَّانٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ: مُلَيْكَةَ بِنْتَ خَارِجَةَ.
- وَقَالَ أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ: تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ، فَخَطَبَ ابْنُهُ قَيْسٌ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَعُدُّكَ وَلَدًا، وَلَكِنِّي آتِي رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْتَأْمِرُهُ، فَأَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

.- قولُهُ تَعَالَى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبُنَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ، فسألنا النبي عليه الصلاة والسلام فَنَزَلَتْ:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَاسْتَحْلَلْنَاهُنَّ.
- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ. لَمَّا سَبَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ أَوْطَاسٍ قُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ نَقَعُ عَلَى نِسَاءٍ قَدْ عَرَفْنَا أَنْسَابَهُنَّ وَأَزْوَاجَهُنَّ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي صالح أبي الخيل، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ وَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، وَكَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
.- قولُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [32]:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابن أَبِي الْقَاسِمِ الصُّوفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رسول الله تغزو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}
- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ النِّسَاءَ سَأَلْنَ الْجِهَادَ، فَقُلْنَ: وَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَنَا الْغَزْوَ فَنُصِيبُ مِنَ الْأَجْرِ مَا يُصِيبُ الرِّجَالُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}
- وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} قَالَ الرِّجَالُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّسَاءِ بِحَسَنَاتِنَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا فُضِّلْنَا عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ أَجْرُنَا عَلَى الضِّعْفِ مِنْ أَجْرِ النِّسَاءِ، وَقَالَتِ النِّسَاءُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْوِزْرُ عَلَيْنَا نِصْفَ مَا عَلَى الرِّجَالِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا لَنَا الْمِيرَاثُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ نَصِيبِهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}