- قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الْآيَةَ [219]:
نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: أَفْتِنَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَإِنَّهُمَا مَذْهَبَةٌ لِلْعَقْلِ مَسْلَبَةٌ لِلْمَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

.- قولُهُ تَعَالَى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [220]:
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن السراج قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى بن معاذ قال: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مسعود قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظلْمًا} [النساء: 10] عَزَلُوا أَمْوَالَهُمْ عَنْ أَمْوَالِهِمْ. فَنَزَلَتْ:{قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} فَخَلَطُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ.
- أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد الزاهد قال: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الفقيه قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد البغوي قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شيبة قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَ{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالُ يَتِيمٍ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، وَجَعَلَ يُفَضِّلُ الشَّيْءَ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسَدَ، وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تخَالِطوهمْ} فتخلطوا طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم.

.- قولُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} الْآيَةَ [221]:
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ ابن أَبِي عمرو الحافظ قال: أَخْبَرَنَا جَدِّي أخبرنا أبو عمر أَحْمَدُ بن محمد الحرشي قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن قتيبة قال: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَنَاقَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَهِيَ امْرَأَةٌ مِسْكِينَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَتْ ذَاتَ حَظٍّ مِنْ جَمَالٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ وَأَبُو مَرْثَدٍ مُسْلِمٌ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهَا لَتُعْجِبُنِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}
- أَخْبَرَنَا أبو عثمان قال: أخبرنا جدي قال: أَخْبَرَنَا أبو عمرو قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بن حماد قال: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءُ وَإِنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهَا فَلَطَمَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ فَزِعَ، فَأَتَى النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«مَا هِيَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُحْسِنُ الْوُضُوءَ، وَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُهُ، فَقَالَ:«يَا عَبْدَ اللَّهِ هذه مؤمنة» قال عَبْدُ اللَّهِ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَأَعْتَقِنَّهَا وَلَأَتَزَوَّجَنَّهَا، فَفَعَلَ فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: نَكَحَ أَمَةً، وَكَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَنْكِحُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَيَنْكِحُوهُمْ رَغْبَةً فِي أَحْسَابِهِمْ فَأَنْزَلَ الله تعالى فيه:{وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} الْآيَةَ.
- وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلًا مِنْ غَنِيٍّ يُقَالُ لَهُ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ حَلِيفًا لِبَنِي هَاشِمٍ إِلَى مَكَّةَ، لِيُخْرِجَ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا أُسَرَاءَ؛ فَلَمَّا قَدِمَهَا سَمِعَتْ بِهِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: عَنَاقُ، وَكَانَتْ خَلِيلَةً لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: وَيْحَكَ يَا مرثد ألا تخلو؟ فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ وَحَرَّمَهُ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتِ تَزَوَّجْتُكِ، إِذَا رَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجْتُكِ، فَقَالَتْ لَهُ: أَبِي تَتَبَرَّمُ؟ ثُمَّ اسْتَغَاثَتْ عَلَيْهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبًا شَدِيدًا ثُمَّ خَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ بِمَكَّةَ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَاجِعًا وَأَعْلَمَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ عَنَاقَ وَمَا لَقِيَ فِي سَبَبِهَا، فَقَالَ: يَا رسول الله، أتحل أن أتزوجها؟ فأنزل اللَّهِ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}

.- قولُهُ تَعَالَى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ [222]:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن جعفر قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بن زكريا قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الدغولي قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن مشكان قال: حدثنا حيان قال: حدثنا حماد حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، فَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادٍ.
- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْخَشَّابُ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قال: أخبرنا أبو عمران مُوسَى بْنُ العباس الجويني قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَرْدُوَانِيُّ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَابِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيِّ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ، فَكَانَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَا يَدَعْنَ أَزْوَاجَهُنَّ يأتونهن من أدبارهن، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلُوهُ عَنْ إِتْيَانِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، وَعَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} يَعْنِي الِاغْتِسَالَ{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} يَعْنِي الْقُبُلَ{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فَإِنَّمَا الْحَرْثُ حَيْثُ يَنْبُتُ الْوَلَدُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ منهم لم تؤاكلها ولم تشاربها ولم تساكنها فِي بَيْتٍ كَفِعْلِ الْمَجُوسِ، فَسَأَلَ أَبُو الدَّحْدَاحِ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِالنِّسَاءِ إِذَا حِضْنَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

.- قولُهُ تَعَالَى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الْآيَةَ [223]:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الحسن القاضي قال: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بن أحمد قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بن منيب قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا: إِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَ{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ.
- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زيد البجلي قال: حَدَّثَنَا أبو كريب قال: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عرضات من فاتحته إِلَى خَاتِمَتِهِ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ. فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ بِمَكَّةَ وَيَتَلَذَّذُونَ بِهِنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ تَزَوَّجُوا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَذَهَبُوا لِيَفْعَلُوا بِهِنَّ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِمَكَّةَ، فَأَنْكَرْنَ ذَلِكَ وَقُلْنَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ نَكُنْ نُؤْتَى عَلَيْهِ، فَانْتَشَرَ الْحَدِيثُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قَالَ: إِنْ شِئْتَ مُقْبِلَةً وَإِنْ شِئْتَ مُدْبِرَةً وَإِنْ شِئْتَ بَارِكَةً، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ لِلْحَرْثِ يَقُولُ: ائْتِ الْحَرْثَ حَيْثُ شِئْتَ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْمُحَارِبِيِّ.
- أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ محمد الحياني قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بكر الفقيه قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ جعد قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ ابن المنكدر قال: سمعت جابر قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى امْرَأَتَهُ بَارِكَةً كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الْآيَةَ.
- أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ محمد الحياني قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن حمدون قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الشرقي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الأزهر قال: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جرير قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مُجَبِّيَةً جَاءَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد بن الشرفي: هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ يُسَاوِي مِائَةَ حَدِيثٍ، لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ.
- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المطوعي قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ قال: حَدَّثَنَا أبو عليّ قال: حدثنا زهير قال: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ محمد قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ القمي قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ، فَقَالَ:«وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ، قَالَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الْآيَةُ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يَقُولُ: أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد الأصفهاني قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد الحافظ قال: حَدَّثَنَا أَبُو يحيى الرازي قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عثمان قال: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْعَزْلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ذَكَرُوا إِتْيَانَ النِّسَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَالْأَنْصَارَ وَالْيَهُودَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِنَّ وَمِنْ خَلْفِهِنَّ إِذَا كَانَ الْمَأْتِيُّ وَاحِدًا فِي الْفَرْجِ، فَعَابَتِ الْيَهُودُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِنَّ خَاصَّةً، وَقَالُوا: إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ التَّوْرَاةِ أَنَّ كُلَّ إِتْيَانٍ يُؤْتَى النِّسَاءَ غَيْرَ مُسْتَلْقِيَاتٍ دَنَسٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَمِنْهُ يَكُونُ الْحَوَلُ وَالْخَبَلُ، فَذَكَرَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا في الجاهلية وبعدما أَسْلَمْنَا نَأْتِي النِّسَاءَ كَيْفَ شِئْنَا، وَإِنَّ الْيَهُودَ عَابَتْ عَلَيْنَا ذَلِكَ، وَزَعَمَتْ لَنَا كَذَا وَكَذَا فَأَكْذَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْيَهُودَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ يُرَخِّصُ لَهُمْ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} يَقُولُ: الْفَرْجُ مَزْرَعَةٌ لِلْوَلَدِ{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يَقُولُ: كَيْفَ شِئْتُمْ، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَمِنْ خَلْفِهَا فِي الْفَرْجِ.
.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [224]:
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَنْهَاهُ عَنْ قَطِيعَةِ خَتَنِهِ بَشِيرِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ رَوَاحَةَ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا يُكَلِّمَهُ، وَلَا يُصْلِحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَيَقُولُ: قَدْ حَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ، وَلَا يَحِلُّ لِي إِلَّا أَنْ أَبِرَّ فِي يَمِينِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ [226]:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بن الفضل قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يعقوب قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن مرزوق قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبراهيم قال: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عبيد قال: حَدَّثَنَا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِيلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَقَّتَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إِيلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ الْإِيلَاءُ مِنْ ضِرَارِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ لَا يُرِيدُ الْمَرْأَةَ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَيَحْلِفُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَبَدًا، وَكَانَ يَتْرُكُهَا كَذَلِكَ لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَجَلَ الَّذِي يَعْلَمُ بِهِ مَا عِنْدَ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ.