بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى :
من كفر بالله من بعد أيمانه اٍلا من أُكره وقلبه مطمئن بالأيمان ولكن من شرح بالكُفر صدراَ فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذابٌ عظيم / صدق الله العظيم / (( سورة النحل آية 106 ))
((5)) عمَار بن ياسر رضى الله عنه
من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وممن بايع بيعة الرضوان رضى الله عنهم , (( لقد رضى الله عن المؤمنين اٍذ يبايعونك تحت الشجرة )) ومن فرسان بدر الذين شاركتهم فى معركتهم هذه ملائكة مسوَمة .
وعمار قبل هذا من الأسرة التى تحملت الجزء الأكبر من تعذيب قريش للمستضعفين , فوالده ياسر بن عامر كان يمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُلقى على الرمضاء الملتهبة فيقول له صبراَ آل ياسر
فأن موعدكم الجنة , وأمه سمية أول شهيدة فى الأسلام , وأخوه عبد الله مات قتيلاَ بيد بنى الديل فى الجاهلية .
أما عن أوصافه .. فقد كان رجلاَ آدم طوالاَ , يجلس كانه واقف , ويسير انه راكب , وكان أشهل العينين , بعيد مابين المنكبين , غزير الشعر , أبيض الفودين , كثير الصمت , قليل الكلام , عائذاَ بالله من فتنة , سمع
بدعوة الأسلام مبكراَ ووصلت الى مسامعه آيات القرآن يتلوها الرسول صلى الله عليه وسلم فى جوف الكعبة فقرر أن يلتقى به ليستمع كثيراَ اليه , ولكن كيف السبيل اٍلى ذلك ؟؟ وقريش كلها اٍلا من عصم الله عيون
ترصد بيت الأرقم بن أبى الأرقم وتحول بين أتباع محمد وبين الدخول فيه وتذيقهم من العذاب ألواناَ أذا جلسوا اٍليه وأستمعوا اٍلى حديثه , كل ذلك يعرفه عمار ولكنه لم يستطيع أن يقاوم ولم يكن ذلك فى مقدوره ...
اٍن أضواء القرآن تجذبه اٍلى محمد وحلاوة الأيمان تدفعه اٍليه فأندفع اٍلى دار الأرقم .
يقول عمار : لقيت صهيب بن سنآن على باب دار الارقم ورسول الله فيها فقلت له ماذا تريد ؟؟ فقال لى وما تريد أنت ؟؟ فقلت : أردت أن أدخل على محمد فاسمع كلامه فقال وأنا ايضاَ اريد ذلك , فدخلنا فعرض علينا
الاسلام فأسلمنا ثم مكثنا يوماَ على ذلك حتى أمسينا ثم خرجنا ونحن مستخفون , وأسلم عمار وحسن أسلامه .
وأتخذ مسجداَ فى بيته يصلى فيه مع أهله وذويه بعد أن آمنوا بمحمد وتابعوه فى كل ما جاء به , وفى مسجده هذا كان يقرأ آيات القرآن ويقرئها أهله وهو حريص على خفض صوته والاسرار بكلماته وكان فى بعض
الاحيان يخرجه صدق القرآن وحلاوة كلماته عما أخذ نفسه عليه به فيرتفع صوته مدوياَ بالقرآن ومجاهراَ به , وتسمّعت قريش اٍلى صوت القرآن منبعثاَ من دار عمار وتلصصت عيونهم فشاهدوا صلواتهم وخشوعهم
واقتحمت قريش عليهم دآرهم وأخذت تصب عليهم العذاب صبَا .
ولم تكتف بذلك بل كانت تخرج بهم اٍلى الصحراء وتجردهم من ملابسهم وتلقى بهم على الرمضاء وتثقل بطونهم بالحجارة وتدمى أجسادهم بالسياط وتضع فوق أطرافهم جمرات النآر ليعودوا اٍلى عبادة الاصنام ويكفروا
بدعوة محمد .
قال عمرو بن ميمون :
أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويمرر يده على راسه فيقول : يانار كونى برداَ وسلاماَ على عمار كما كنت على اٍبراهيم ..
ويقول عثمان بن عفان رضى الله عنه : أقبلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيدى نتماشى فى البطحاء حتى اتينا على أبى عمار وعمار وأمه وهم يعذبون فقال ياسر : الدهر هكذا , فقال له النبى صلى الله عليه
وسلم أصبر , اللهم أغفر لآل ياسر وقد فعلت , وفى رواية , أبشروا آل ياسر فاٍن موعدكم الجنة .
ويستمر العذاب رهيباَ متصلاَ لا تكف قريش ولا تمل , ويدخل أبو جهل على سمية (( أم عمار )) يرفسها ويركلها وهى تقول أحد أحد, ويقوم كالثور الهائج كلما سمع منها هذه الكلمة يضربها ويدعوها أن تكف عنها وتسب
محمداَ ولكنها لا تستمع اٍليه ولا تجيبه اٍلى طلبه بل اخذت فى ترديد كلمتها المحببة اٍليهم جميعا (( أحد ... أحد )) .
ولم يطث صبرا وتناول حربته وساعده شيطانه وآزره وطعنها فى قلبها طعنة قاتلة فاستسلمت لقضاء ربها وقدره وفارقت روحها جسدها وسقطت أول شهيدة فى الأسلام (( سميَة أم عمَار )) .
هل ترعوى قريش وتكف عما هى فيه ؟؟
الحقيقة لقد زادها دم سميّة اٍصراراَ على الأثم واستمراراَ على التنكيل بهؤلاء الذين يقولون ربنا الله , ويتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يستطيع أن يفعل لهم شيئا ويطالبهم بالهجرة اٍلى الحبشة وتتابع المؤمنون
اٍلى هنالك ووجدوا فى جوار النجاشى الأمن والسكينة والراحة والأطمئنان التى مكنتهم من عبادة ربهم .
ولكن عمارا لم يستطع أن يهاجر وحالوا بينه وبين ذلك وبقى فى مكة هدفاَ لحقدهم وغرضاَ لكيدهم ولكنه أستطاع أن يفلت منهم وهاجر مع المسلمين اٍلى الحبشة فى الهجرة الثانية , وفى رحاب ملك الحبشة استراح جسمه
وهدأت روحه ولكن لم يستطع أن يصبر على فراق حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم .
وأشاعت قريش أنها تابعت محمد فيما يدعو اٍليه , حتى يعود اٍليها هؤلاء الفارون بدينهم والذين لم تشف غيظها منهم بعد , وعاد عمار مع العائدين , ولم يستمر فى مكة طويلاَ , فقد أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم
بالهجرة اٍلى المدينة , وهاجر اٍلى يثرب وعاش فى المدينة يترقب وصول الرسول صلى الله عليه وسلم اٍليها , وكان يخرج كل يوم اٍلى مشارف المدينة يسأل الرُكبان ويتنسم الاخبار ويرقب الطريق الطويل (( طريق مكة ))
لعله يحظى بوصول ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم اٍليها .
حتى وصل صلوات ربى وسلامه عليه اٍلى يثرب فخرج الناس جميعا فى استقباله مرددين : طلع البدر علينا من ثنيات الوداع , وجب الشكر علينا ما دعا لله داع , ايها المبعوث فينا جئت بالأمر المُطاع , جئت شرفت المدينة
مرحبا يا خير داع .
فعاش عمار بالمدينة مع حبيبه الرسول صلى الله عليه وسلم ومع أخوانه المسلمين وقد آخى الرسول بينه وبين حذيفة بن اليمان رضى الله عنه .
وفى يوم صفين نادى عمار : ائتونى بشربة لبن فاٍن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لى : اسن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن , فأُتى بلبن فشربه ثم تقدم وهو يرتجز :
نحن ضربناكم على تنزيله x فاليوم نضربكم على تأويله
ضرباَ يزيل الهام عن مقيله x ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق اٍلى سبيله.
فتقدم فقاتل حتى قتل
قتل عمار بن ياسر الطيب المطيب حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قتلته الفئة الباغية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يروى عن هنى مولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : كنت أول شى مع معاوية على على , فكان أصحاب معاوية يقولون لا والله لا نقتل عمار أبدا, اٍن قتلناهو فنحن كما يقولون , فلما كان يوم صفين ذهبت أنظر فى القتلى
فاذا عمار بن ياسر مقتول فجئت الى عمرو بن العاص وهو على سريره فقلت أبا عبد الله , قال ما تشاء ؟؟ قلت أنظر أكلمك فقام اٍلى فقلت :عمار بن ياسر ما سمعت فيه ؟؟؟ فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمار
تقتله الفئة الباغية , فقلت هو ذا والله مقتولا , فقال هذا باطل , فقلت بصر به عينى مقتولا , قال فانطلق فارنيه , فذهبت به فأوقفته عليه , فساعة رآه أمتقع لونه ثم اعرض فى شق , ويختصم الرجلان اللذان قتلا عماراَ , كل منهما
يدعى قتله , فقال عمرو بن العاص : والله اٍن يختصمان اٍلا فى النار .
فسمعهما معاوية , فلما أنصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص :ما رأيت مثل ما صنعت , قومٌ بذلوا أنفسهم دوننا تقول أنهما يختصمان فى النار ؟؟ فقال عمرو هو والله ذاك , والله اٍنك لتعلمه ولو وددت أنى ميت قبل هذه
بعشرين سنة , وتدوى فى سماء المعركة كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخترق كل أذن وتستقر فى كل قلب (( ويحك أبن سميّة , تقتلك الفئة الباغية )) .
ويحمله الأمام على رضى الله عنه اٍلى حيث صلى عليه والمسلمون معه ثم دفنه بثيابه.
لقد كانت الجنة فى شوق الى عمار كما حدث بذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وها هو ذا فى الطريق اٍليها .
أسباب النزول :
عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال :
اخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى نال من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير فلما أتى النبى صلى الله عليه وسلم قال : ما ورائك ؟؟؟
قال شرٌ يا رسول الله , ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير , قال : فكيف تجد قلبك ؟؟ قال : مطمئن بالأيمان , قال : فاٍن عادوا فعد .
فأنزل الله تعالى (( اٍلا من أُكره وقلبه مطمئن بالأيمان ))
قال بن عباس رضى الله عنهما :
نزلت فى عمار بن ياسر , وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسر وامه سمية وصهيبا وبلالا وسالماَ فعذبوهم , فأما سمية فانها ربطت بين بعيرين ووجىء قبلها بحربة وقيل لها أنها اسلمت من أجل الرجال
فقتلت وقتل زوجها ياسر , وهما أول قتيلين فى الاسلام , وأما عمار فأنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها , فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عمار كفر , فقال كلا , اٍن عمارا ملىء أيماناَ من قرنه اٍلى قدمه
وأختلط الأيمان بلحمه ودمه , فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه ويقول : (( اٍن عادوا لك فعد لهم بما قلت )), فأنزل الله تعالى الآية .