مهما كبرت التحديات وتعاظمت الملمات والابتلاءات والمحن تظل قلاع الطريقة الختمية وصفوف الحركة الوطنية المتمثلة في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل صامدة شامخة, لا تهزها الأنواء ولا تحركها العواصف العابرة مهما تعاظمت وقويت.
ولأن حقن الدماء والحفاظ على سلامة المواطنين والحرص على مقدرات البلاد والعباد تظل سياسة ثابتة وناجحة ومنجية من قبل ورثة الدوحة النبوية ومن قبل قيادات حزبنا السياسية ففي كل بقاع العالم الإسلامي وفي كل قطر من أقطار دنيانا هنالك نسل ووجود لهذه الذرية من قبل العناية الغلهية ليتبنوا هذه الاقطار ويحولوا دون انهيارها فهم أوتاد الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها, إذ كان لهم وجود في كل المحن التي مرت بالبلاد والعباد وعلى مدى تأريخنا الطويل ففي التركية السابقة وفي كسلا كان لهم دور مشهود في حقن الدماء بين السلطة الحاكمة آنذاك ومن تمردوا عليها من قبائل الهدندوة وأورط الجيش وكان لهم دور في تحجيم سلطة الإدارة البريطانية مما قعد بها عن استعمال العنف بعد ن كسبوا ود الدولة الشريكة مصر فنعمت البلاد بالاستقرار مع استمرار المقاومة الوطنية بالتظاهر السلمي والعصيان دون أن يلحق بها أذى ماحقا, وحتى إبان المهدية وانحرافها عن جادة الطريق كان لهم دور بارز في المقاومة, وفي بداية الحكم الوطني واندلاع حوداث مارس كانت سياستهم التزام الناس لبيوتهم حتى لا تعم الفوضى وينتهز الانجليز الفرصة لإعلان الانهيار الدستوري لتعود البلاد إلى أحضان المستعمر, وكذلك الأمر في أحداث الجزيرة أبا إبان حكم نميري.
هكذا كانوا وسيظلوا فهم رسل السلام وتحقيق الغايات الوطنية عن طريق التسويات حتى تجتاز البلاد المآزق الخطيرة والمدمرة.
والاتفاق الأخير للمشاركة في الحكومة وكما شرحه سيادة مولانا الحسيب النسيب السيد تاج السر بن السيد محمد سر الختم الميرغني وكما قرأناه في الديباجة التي وزعت علينا لم يكن من أجل إنقاذ حكومة المؤتمر الوطني, بل كان من أجل السودان. فالبلاد تترنح للسقوط نحو الهاوية, فانفصال الجنوب لم يعد البلسم الشافي كما اعتقد البعض! بل انتقل الداء والقتال لجنوب كردفان والنيل الأزرق واشتعل أواره غرباً في دارفور. فكانت البلاد في حاجة إلى حكمائها ومنقذيها والذين إذا كنا نأخذ بنصحهم ورايهم وحكمتهم الموروثة لانتهت مشكلة الجنوب نفسها دون انفصال باتفاقية الميرغني قرنق ولكن تم التأمر عليها في 30 يونيو 1989م بالانقلاب, فلم تربح البلاد من ذلك غير الخسران , وتلك إرادة الله ولن نعض عليها اصابع الندم وسيظل الخيرون حادبين على على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا اشلاء سوداننا الحبيب حفظه الله من كل مكروه وأذى ومن دائرات الزمان.
ما أن أعلن تولي السيد تاج السر الميرغني الإشراف السياسي على البحر الأحمر حتى هبت جماهير الولاية إلى مقر الحزب بدائرة الميرغني زرافات ووحداناً, مما اثبت أن الحزب محتفظ بكل جماهيره فهي إن لم تزد لم تنقص وهذا ما عهدناه وشهد عليه التأريخ عقب عودة الديمقراطية بعد كل عهد شمولي. فقد استقظت جماهيرنا من سباتها وأفاقت من كراها وبياتها الشتوي الذي استمر طويلاً لحكمة يعلمها المولى عز شأنه.
ففي يوم الثامن من يناير اكتظت الدار بعضوية الحزب رجالاً ونساءاً, شيباً وشباباً ومناديباص وممثلين لكل المناطق. حاضرة الولاية بورتسودان جاءوا من مختلف أحياءها القديمة والحديثة العامرة منها والعشوائية ومن كل الطبقات, مثقفين ومعلمين وطلاب وتجار وعمال وعلى راسهم القيادات التأريخية للحزب بعضهم يتوكأ على عصاه وآخر يزرع الأرض بقوة واعتداد, فلاحظت بنهم المناضل علي الزين المساعد والأستاذ موسى عيسى وعثمان فضيل ومصطفى وداعة وعلي حسن الزين والشيخ أحمد شيباي والسيد نجم الدين أبو سبعة والأستاذ ريهماب محمود والباشمهندس عبيد الله مختار وغيرهم ممن لم استطع إحصائهم فلهم العتبى إن عجزت عن ذكرهم أو نسيت.
ومن الأجيال الجديدة السيد إبراهيم أبو فاطمة وطارق حسن علي والشاب النابه الخطيب المدوي والشاعر حسين حسن أبو دبيب وجعفر إمام الدين وشباب وطلاب وخريجي الجامعات الذين عجزت عيني عن تبيان أشخاصهم وفرز حشودهم فالهتاف الداوي بحياة أبو هاشم وحياة الحزب صم أذني وهز جنبات الدار الواسعة ورددت صداه أمواج البحر وتلال الشرق فأعادت ذكرى أيام خوالي شهدت فيها هذه الدار مثل هذه اللقاءات الضخمة واستمرت المحاولات طويلا وبعد رجاءات عدة لتهدئة الأصوات المتعالية والهتافات الداوية امتطى المنصة السيد تاج السر الميرغني محييا ومرحبا بالجماهير الوفية مؤكدا استمرارية المسيرة على خطى قائد النضال الوطني الحسيب النسيب السيد علي الميرغني وخليفته السيد محمد عثمان الميرغني وعلى أثر الرعيل الأول من قادة الحزب السيد اسماعيل الأزهري والشيخ علي عبد الرحمن وصحبهم الميامين ومناضلي الشرق الراحلين.