كتائب القذافي و دكتاتورية الجهل
من هم كتائب القذافي العسكرية وأعضاء اللجان الثورية وأعضاء الحرس الثوري و اللجان الشعبية والقيادات الشعبية الإجتماعية ورفاق القائد وأعضاء رابطة مواليد الفاتح و الراهبات الثوريات و مفارز التصفية الجسدية و الأجهزة الأمنية كالأمن الداخلي و الأمن الخارجي وغيرها من التسميات التي إختلقها القذافي و في مجملها تجتمع في أنها طرق شرعها القذافي للتقرب إليه و كلهم يجب عليهم إثبات الولاء و الطاعة للنظام و يتدرجون على سلم الأهمية و النفوذ بحسب مواقفهم الأمنية لصالح حماية القذافي وعبادته.
و لتحليل كل فئة على حده يحتاج الأمر إلى وقت طويل ، و لذلك سأتطرق إلى الأسباب الرئيسية التي ساعدت على تكوين تلك الفئات و سأركز على المناهج الذي إتبعها القذاقي لإذلال الشعب الليبي بصفة عامة و التي ساعدته على إستخدام ليبيين يقتلون شعبهم و من أهمها القمع و الخوف والفقر و التجهيل و تنويم الجماهير البسيطة و ترسيخ الأحقاد و الأحساد .
عمد القذافي أن يكون هو كل شيء في ليبيا و سخر ليبيا بأموالها و رجالها و مثقفيها لخدمته و حمايته بحيث أصبحت ليبيا هي القذافي و القذافي هو ليبيا ، فكل الأمور تبدأ عنده و تنتهي عنده . فأقر الكتاب الأخضر منهج و دستور ليبيا الجديد و هو عبارة عن تخاريف ليس لها أي علاقة بالواقع تناقض بعضها البعض ، و من خلاله ابتدع وهمية السلطة الشعبية و تجريم العمل الحزبي و به حكم الشعب بطريقة بهلوانية تمكنه من إدعاء أنه ليس الحاكم و به رسخ ثقافة الخوف و غدت العلاقات بين الليبيين غالب ومغلوب ، و قاهر ومقهور ، و كان القذافي يوهم الجميع أنه يستمد شرعيته وقوته من هذا الشعب بناءً علي دجلية السلطة الشعبية و المؤتمرات الشعبية ، أدي هذا الخوف إلى تنافر بين جموع الليبيين و بين أنصار القذافي ، و بما أن هذه السلطة فاقدة لمعناها لأنها سلطة فاقدة للشرعية فهى تعمل بلا قانون وبلا عدل ، فتحولت إلى تسلط واستبداد ولكونها مطلقة اليد والقرار فهي تبيح لنفسها جميع صنوف الفساد بلا رقيب ولا حسيب لأن الرقابة أصبحت شعبية و هذه دجلية أخرى ، و إدعاء أن صاحب الحق في ذلك وهو الشعب الذي يفترض أنه يمارس دوره في إقرار شرعيتها و تشريع قوانينها في المؤتمرات الشعبية الأساسية حسب الهيكليه الزئبقية لسلطة الشعب و لكنه في الواقع لا يمتلك من هذه السلطة و لا يقوى على ردعها ولا يملك من أمره غير تأييدها خوفا ولعنها سرا .
و بهزلية السلطة الشعبية صادر القذافي السلطة و السياسة من الشعب و بالتالي سلبت كل الحقوق وأصيب الشعب بالشلل خوفا من سلطة الردع ، وعجز عن التعبير عن إرادته وممارسة خياراته وقدراته الكامنة في التطور وتحقيق التنمية و نجح القذافي في بسط الاستبداد ونشر الفساد وترسيخ الخوف بالقمع و الإستبداد ، و أصبحت السلطة الغير شرعية أسيرة الخوف من تحرر الشعب فضيّقت على حرية التعبير والتفكير. وأدى فقدان الثقة المتبادل إلى الحل الأمني هو وسيلة السلطة لدفع الناس إلى تأييدها وصار التأييد الشعبي مجرد نفاق أو سلوك انتهازي لإتقاء شر السلطة أو حماية أنفسهم و مصالحهم أو التقرب والاستفادة منها. فأنصار القذافي أصبحوا أداة للسلطة لا رقيب عليهم ، و نموذج السلطة الشعبية لا هي شعبية ولا هي ديمقراطية ولا هي تسمح بتعدد الآراء والتداول على القيادة إلا في الحدود الدنيا ، و الشعب لعب دور الضحية في كل الأحوال لكونه لا يملك حق اختيار أو نقد ومحاسبة وتغيير اي شيء ، وهذا أدى إلى ضعف الانتماء و استحالة تحقيق المواطنة واستبدل مفهوم الحب والانتماء بالخوف والاختباء ، فقبع المواطن أسير الأجهزة الأمنية و فقد السيطرة على إرادته ومستقبله ، و أضحى الهاجس الأمني محور الاهتمام ، و به أهدرت الكرامة و الحقوق و زعزعة الذات فالقمع الفكرى و المعنوي والسياسي و عصا الجلاّد والأجهزة الأمنية و المخابرات ، و أساليب التعذيب التي لم تأتي على خاطر ولا بال أحد ، و الإعدامات الجماعية في الشوارع في شهر رمضان المبارك و داخل ساحات الحرم الجامعي أمام حشود الطلبة ، و ما وراء الشمس من كوابيس مرعبة.. تربينا عليها ورضعناها لتصبح أشبه بأسطورة خوف نؤمن بها إيماننا بالقدر . و أضعفت من قدرتنا على التعامل مع الواقع بشكل سليم و أنتجت إنساناً مهزوزاً دائم الخوف من المجهول لا يستطيع اتخاذ أي قرار ، فاقد الثقة بالنفس و ظل الإنسان الليبي يرزح تحت هيمنة هذا الكابوس المرعب لعقود من الزمن ، و في منظومة القذافي و نتيجة التراكمات الهائلة التي خلفتها آلتة الإستبداديه كان الخوف هو السائد و لم يكن قصراً على المواطن فحسب ، بل زرعه في عقول الوزراء و المقربين و المسؤولين والموظفين في دوائر السلطة مما قوض الكثير من الحقوق والحريات بداعي الأمن وبشكل غير مبرر ، فالكل خائف من إتخاذ أي قرار و خاصاً القرارات الأمنية ، بحيث أن كل الأمور يجب أن ترجع للقذافي و أولاده و رجال خيمته . و رزح الشعب الليبي تحت سلطة الشخص الواحد والمتكلم المنفرد القائم على الغطرسة والعنف واحتكار الرأي ومعاداة الحرية وردع من ينادي بها، وعاش عقود من الزمن يسند هذه الدكتاتورية إلى شرعية السلطة الشعبية الوهمية و المزعومة بعد أن تنازل هو عنها للشعب ليحكم نفسه بنفسه و إلى رمزية القائد محرر ليبيا من الإستعمار الأمريكي و البريطاني ، وأستلم أنصاره هذه الفكرة و إستثمارها و العزف على أوتارها لتبرّير سطوته الاستبدادية و قضاء مصالحهم الخاصة ، و مع مرور أجيال و أجيال و فرض فكره الأخضر المريض كمادة أساسية في المنهج التعليمي إبتداءً من المرحلة الإبتدائية إلى نهاية التعليم الجامعي ، نوم فئات كبيرة من البسطاء .
و كذلك عمد القذافي لإفقار الشعب فسارع بالقضاء على الرأسمال الوطني و أصدر قوانين و تشريعات منبثقة من الفصل الثاني من الكتاب الأخضر ، و منها مقوله أن التجارة ظاهرة إستغلاليه و بهذه المقولة صادر الشركات الوطنية و المحلات التجارية و مقولة شركاء لا أجراء و التي قضى بها على قطاع الصناعة و مقولة أن الإدخار الزائد عن الحاجة هو حاجة إنسان أخر من ثروة المجتمع و سلّط الفقراء على الأغنياء و رسخ في قناعة الجهلة منهم أن مكاسب رجال الأعمال و مدخراتهم هي فى الواقع سرقة لحقوقكم و ثروتكم و خلق الفتنة بين الناس و مقولة البيت لساكنة و التى قضى بها على قطاع المقاولات و البناء و التشييد و خصص البيوت و الأراضي و المزارع لمن لا يستحقها بعد أن صادرها من ملاكها الأصليين ، و مقولة الدينار لا يلد و إلغائه للعملة و أضاع أموال و حقوق الناس بدون وجه حق ، ونتيجة لهذه القرارات العشوائية توقفت العجلة الإقتصادية في البلاد و قضى بشكل ممنهج على القطاع الخاص و بالتالي تفاقم الفقر و استشرت البطالة و تجلت مظاهر الحرمان و المعاناة واضحاً في سوء الأحوال المعيشية . و تسبب الفقر و العوز في ظهور العديد من الامراض النفسية مثل الفصام و الاكتئاب و الادمان و ساعدت أجهزته الأمنية علي تسهيل ترويج المخدرات . و عانت الأسرة نتيجة لعدم تناسب الدخل الشهري مع عدد أفراد الأسرة واحتياجاتها بالتفكك وضعف الروابط الاجتماعية مما جعل رعاية الأطفال نفسياً وتربوياً والاهتمام بهم ومراقبتهم ليس من أولويات الوالدين بسبب انشغالهم وراء لقمة العيش .
و تراكم هذا القهر تفاقمت والنكبات و والمصائب والكوارث والإحباط واليأس والكآبة في نفوس أغلبية الشعب الليبي مما أدى إلى تفجير النفوس وتحطيم العواطف ، وتدمير المجتمع وتخريب الوطن، خاصاً و أن أنصار القذافي و الذين مكّنهم النظام من تولي المناصب الهامة و القيادية في جميع قطاعات الدولة بالشرعية الثورية و تمكنوا من فتح الخزائن و نهب أموال الشعب البائس و أنقسم المجتمع إلى طبقة حاكمة ثرية و طبقة محكومة فقيرة . و ظل الفاصل بينهما هو الولاء و الثورية للقائد الأوحد و من هذا المعيار الفاصل كان الباب مفتوح للجميع لإختيار أي الحزبين أنسب لينضم له و من هذا المدخل إنزلق الكثيرون من اليائسون في إنتهاكات في حق الشعب الليبي للقفز خطوة للأعلى في سلم الإنتهازية لإتجاه الثورة و بالتالي تحقيق المصلحة الخاصة للهروب من العوز و الفقر . و رغم التنكيل الذي حدث لأصحاب الأملاك و المصانع التي نهبت منهم و الذين لم ينصاعوا لشريعته الثورية حسب الكتاب الأخضر بأنه لا ثوري خارج اللجان الثورية ، لم يكتفى القذافي بالنكبات والكوارث والمصائب التي حدثت لهم بل تعمد إظهار التشفي منهم في كل مناسبة و محاربتهم و تحطيم الأكفاء الناجحين و المتفوقين منهم و محاولة إحباطهم وإقصائهم . و حوّل الوطن و الحياة فيه إلى جحيم لا يُطاق ، وشعر الأحرار بالإحباط والاغتراب النفسي في بلدهم فشرعوا في الهروب منه إلى أرجاء العالم بعد أن أصبح الوطن سجناً كبيراً .و بذلك نجح في تهجير رؤوس الأموال الوطنية و كذلك الأدمغه الليبية .
و بهذه السياسة فرغ البلد من العقول و الكفاءات و رؤوس الأموال و المخلصين و تخلص من كل المعارضين و ظن جاهلاً أنه استفرد ببقية الشعب ليكتمل السيناريو الذي طالما خطط له في الظلام ، ليتوج نفسه الشخص الواحد والمتكلم المنفرد و ليبني إمبراطورية سياسية قائمة على الغطرسة والعنف واحتكار الرأي ومعاداة الحرية وردع كل من ينادي بها ، ليسود ليبيا نمط حكم وتحكّم ظلوم غشوم ، و أتاح البيئة المناسبة لينتج صنفاً جديداً من الدكتاتورية المستندة في شرعيتها الاستبدادية إلى الجهل و طوره ليكون جهلاً مركّباً ليعم ليل أدهم حالك علي عقول الليبيين بلا قمر ولا نجوم. و كعادة الزبانية المطبلون أمثال أحمد إبراهيم و صالح إبراهيم و عبدالله عثمان و غيرهم من الذين سمّاهم حواريين ، و تحت بند توجيهات القائد التي إعتبرت مفاتيح سحرية لإختراق و إلغاء كل القوانين و التشريعات الليبية و عمدوا للتأسيس لهذا الجهل في كل المؤسّسات التعليمية والأكاديمية لتعيد إنتاج الجهل وتروّج لمناهج تجديده ليتحوّل الجهل "المؤسس" إلى "مقدّس" . و لا ينسى أحد شعاراتهم الكفرية مثل شعار الفاتح عقيدة و الفاتح إيمان و العياذ بالله ، و الهدف النهائي من كل هذه الفوضى هو تعميد القذافي ليكون هو "الشرعية" الواحدة الانفرادية الرافضة لأيّ منافس أو مواز أو مقابل أو محاور، فيحوّل رأيه إلى الرأي وحزبها إلى "الحزب" وعقيدته الثورية الى "العقيدة والمذهب" لترسيخ فكرة "الزعيم" الأوحد الملهم.
و مع مرور الزمن ترسخ في فكر العقيد ان الشعب الليبي عبارة عن قطيع بشري ، و لا يزال هذا الفكر مترسخ في عقله حتي لحظة انطلاق عملية فجر عروس البحر قنراه يقول لماذا تموتون بالتقسيط موتوا بالملايين ، فالإيحاءات و الانفعالات البدائية التي كرسها عبر عقود من الإستبداد و جعل أنصاره بعيدين عن التفكير العقلاني والمنطقي وجعلهم مستعدين لتنفيذ اعمال استثنائية يصعب ان يكون لديهم الاستعداد للقيام بها لو كانوا في حالتهم الفردية والمتعقلة ، و التي أضاف إليها اساليب جديدة بإستخدامه للسحر و حبوب الهلوسة و إثارة الرغبة الجنسية بتزويد جنوده بحبوب الفياغرا لتكون ضمانات إضافية لعملية انحلال كتائبه والذوبان الكلي فيه و يتحركون بشكل لا وعي فيه ، ويوجه مشاعرهم وافكارهم في اتجاه واحد. و كما كنا نراهم دائماً تتلاشى شخصيتهم الواعية وتصبح لاواعية و في حالة من الهياج ، وبخضوعهم لقوة التحريض تصيبهم عدوى انفلات العواطف ، بحيث تلغى شخصية الفرد المستقل منهم ويصبح عبارة عن انسان آلي ابتعدت ارادته عن القدرة على قيادته ، و استخدم القذافي انفعال الجماهير في ساحات الإعدام و طرقهم الهمجية في تنفيذها و كذلك عندما حرضهم على الزحف على الأغنياء و مصادرة ممتلكاتهم و كان دائماً يقودهم اللاوعي الكلي ، و ما كان ليستخدمهم لولا سذاجتهم و همجيتهم و تملقهم و غرائزهم و نزواتهم و إحساسهم بالدونية ، و طمعهم و زرع لهم الطلاسم والأعمال السحرية في أرض المعركة زاعما بأنها ستساعدهم و صدقوه ، و شاهدنا الساحر وأظافره الطويلة ولم يحلق شعر ذقنه في شكل غريب أسيراً ذليلاً في مصراته ، و جعلها الله تعالى كالحرب المعلنة بين موسى والفرعون ، و سيطر علي عقولهم بالإشاعات ليسقط ما في داخله و يلصقه بالثوار ، و هم نائمون غافلون لا يشعرون و يلذذوا بتعذيب الأسرى ، ويتلاعبوا بمقدرات الأمة ، ونشروا ثقافتهم التبريريه ليمارسوا النفعية الخاصة بعد أن قننوها ووضعوا له الضوابط و الأطر ، و نسوا الله فأنساهم أنفسهم و نسوا أن الخط الفاصل سيرسم عند مفرق الطريق بين الحق والباطل في عاصمتنا الموحدة طرابلس ، فسنن الله ثابتة لا تتغير و لا تتبدل . والجهل السبب الاساسي للخسران و لأنهم نسوا قول الله تعالى ( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون )
benlama@hotmail.com
كتبت ليلة سقوط طرابلس
22-08-2011
التاريخ : 21/8/2011
جريدة ليبيا اليوم