[علي الشريف احمد]

	وقول موسى "ارجع الى ربك فاسأله التخفيف" حتى خففت الصلاة من خمسين الى خمس دليل ايضا على المخاطبة والانتفاع بمن قد جرى عليه الموت من الصالحين . وفي الحديث ايضا عن أبي أيوب الأنصاري : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به مر على إبراهيم، فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد، فقال له إبراهيم: مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله».رواه ابن حبان واحمد والطبراني وفيه ايضا الدليل على المخاطبة والانتفاع بالعلم واللقاء والنصيحة . وعن ابن مسعود ، قال: قال رسول الله: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد: أقريء أمتك مني السلام واخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» . وفي هذا الحديث انتفاع هذه الأمة بابراهيم عليه السلام بتسليمه عليهم وبنصيحته وتعليمه لهم والله اعلم . وروى النسائي عن انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل حتى أممتهم "قلت.والله سبحانه يعلم كم في ذلك من الفوائد .ومما يدل على ما نقول نحن اهل السنة والجماعة ايضا ما أخرجه البيهقي وبطريقه أخرجه التقي السبكي في " شفاء السقام " وغيره ونص الحديث "أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب رضى عنه فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال " ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون " الحديث ..وقد أخرج هذا الحديث البخاري في تاريخه بطريق ابي صالح ذكوان مختصرا . وأخرجه ابن أبي خيثمة من هذا الوجه مطولا كما في الإصابة وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما نص عليه ابن حجر في الفتح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار قلت و لو أن رجلا منا قام على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد وعلم به "قرن الشيطان"لأنكروا عليه و لكفروه وأهانوه إن وجدوا إلى إهانته سبيلا فما أبعدهم عن حديث وهدي النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حبان "ذكر البيان بأن سلام المسلم على المصطفى يبلغ إياه ذٰلك في قبره"و روى في صحيحه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام " ألا يفهم من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على السلام عليه لأن في ذلك فائدة عظيمة لا ينبغي أن نفوتها على أنفسنا وهذه الفائدة هي أن النبي صلى الله عليه وسلم يبلغه سلام المسلم عليه في قبره أي بعد وفاته أليس هذا انتفاع من الحي بنبينا صلى الله عليه وسلم والذي سبق عليه الموت فأين يصير قولهم بعد ذلك إن الميت لا ينفع و العياذ بالله تعالى .. وروى النسائي عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي» قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي يقولون قد بليت، قال: «إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام».انتهى رواة هذا الحديث كلهم ثقات وروى هذا الحديث أبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي. كلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإن صلاتكم معروضة علي إلا لفائدة كبيرة تحصل بعرض الصلاة عليه أليس هذا ترغيبا بتحصيل هذه الفائدة أليس هذا يستدل به على الانتفاع به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فكيف يقال بعد ذلك إنه لاينتفع بمن قد جرى عليه الموت . وقد صح عن ابن عباس مرفوعا: «ما من أحد يمر على قبر أخيه المؤمن» وفي رواية: «بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه». ولابن أبي الدنيا: «إذا مر الرجل بقبر يعرفه فيسلم عليه رد عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه رد عليه السلام» .قلت والسلام دعاء ورده دعاء ايضا وهذا فيه ايضا رد السلام من الاموات على الاحياء وهو كما بينا دعاء وفي ذلك ما لا يخفى من الانتفاع للاحياء بالأموات . قال في لسان العرب وفي حديث التسليم قل السلام عليك فإن عليك السلام تحية الموتى قال هذه إشارة إلى ما جرت به عادتهم في المراثي كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء له وهذا في الدعاء بالخير والمدح ونقل عن محمد بن يزيد أنه قال معنى السلام الذي هو مصدر سلمت أنه دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه وتأويله التخليص. انتهى مختصرا ويندرج تحت ما ذكرناه ما ورد في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطانا. قال في" فتح الباري "ويؤخذ منه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين تبركا بهم. ومعلوم ان المرء في صلاته يقول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فالمرء يوجه سلامه الى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله عليك وهذه الكاف كاف الخطاب عند النحويين ثم يقول "أيها النبي"في أثناء صلاته التي هي عبادة ولو كان المصلي يصلي في الصين وهو مأجور على ذلك. ومخاطبة من سبق عليه الموت مع حصول المنفعةلم يثبت في الشريعة فحسب بل انه قد ثبت ايضا في الشريعة مخاطبة الجماد لطلب المنفعة . فقد ورد في الحديث أن موسى عليه السلام قد خاطب الجماد وهو الحجر عندما فر الحجر بثوبه وهذا الحديث رواه البخاري وأحمد وغيرهما فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى صلى الله عليه وسلم يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فخرج موسى في إثره يقول ثوبي يا حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا والله ما بموسى من بأس وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا فقال أبو هريرة والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالحجر قال في فتح الباري قوله ثوبي يا حجر أي أعطني , قلت يفهم من هذا الحديث انه ليست مجرد مخاطبة الجماد لطلب المنفعة عبادة للجماد مع اعتقاد أن الذي ينفع في الحقيقة هو الله كما فعل سيدنا موسى عليه السلام وذلك أن سيدنا موسى عليه السلام طلب من الحجر أن يعطيه الثوب وفي ذلك منفعة ظاهرة فهذه مخاطبة للجماد لطلب المنفعة من الجماد وهذا واضح لمن تدبره ولا شك أن اعتقاد سيدنا موسى عليه السلام أن الذي ينفع في الحقيقة هو الله. ومثل ذلك في مخاطبة الجماد ما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان.وهذا الحديث فيه الخطاب لجبل احد ليثبت فيندرج تحت الذي ذكرناه . ومن الحديث الصحيح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره ثم قال أذكركم بالله هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قالوا نعم .وهذا الحديث فيه مخاطبة حراء. ومثل ذلك من مخاطبة الجماد للمنفعة عن ابن عمر ، قال : كنا مع النبي في سفر، فأقبل أعرابي، فلما دنا منه، قال رسول الله: «أين تريد؟» قال: إلى أهلي، قال: «هل لك إلى خير؟» قال: ما هو؟ قال: «تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله»، قال: هل من شاهد على ما تقول؟ قال: «هذه السمرة»، فدعاها رسول الله وهي بشاطىء الوادي، فأقبلت تخد الأرض خدا حتى كانت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، وقال: إن يتبعوني أتيتك بهم، وإلا رجعت إليك، فكنت معك." وفيه انه دعاها اي السمرة وقد حصلت تلك المنفعة . ومثل ذلك مخاطبة الريح ايضا لأجل المنفعة . قال تعالى ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ويقول الله تعالى فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ومن كتاب الزهد للامام احمد في هذا الباب حدثنا عبد الله ، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا الأعمش ، عن خيثمة ، وعن حمزة ، عن شهر بن حوشب قال: دخل ملك الموت على سليمان ، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه ؛ يديم النظر إليه ، فلما خرج قال الرجل : من هذا؟ قال: هذا ملك الموت عليه السلام قال: لقد رأيته ينظر إلي كأنه يريدني قال: فما تريد؟ قال: « أريد أن تحملني الريح، فتلقيني بالهند قال: فدعا بالريح، فحمله عليها، فألقته بالهند، ثم أتى ملك الموت سليمان عليه السلام فقال: إنك كنت تديم النظر إلى رجل من جلسائي؟ قال: كنت أعجب منه ؛ إني أمرت أن أقبض روحه بالهند، وهو عندك». واذا كانت مخاطبة الريح و الجماد الذي لم يسبق ان حلت فيه الروح ليس كفرا ولا عبادة ولا حتى حراما ولو كان لطلب المنفعة على الوجه الذي بيناه فكيف يكون كفرا واشراكا مخاطبة من كان حيا قبل الموت بل هو الآن حي في قبره يصلي .هذا مع العلم ان الجماد هو مادة الاصنام اي من الجماد تصنع الاصنام فكيف يكون كفرا واشراكا قول يا محمد او مجرد مخاطبة من مات من الانبياء بعد الوفاة على الوجه الذي ذكرناه . فان قيل ان هذا عبادة للقبور قلنا لهم قلنا لهم نية العبادة للقبور غير موجودة والقائل يا محمد لا ينوي بندائه عبادته و ليست القبور كالأصنام فالذي يصلي صلاة الجنازة يجعل الميت بينه وبين القبلة وبذلك يكون من يصلي عليه مستقبلا للميت وهذا ليس عبادة للميت وهم لا يخالفوننا في ذلك. فإذا لم يحرم ذلك قبل دفنه فلم التشدد في النهي لمجرد الدعاء أو الذكر مستقبلا للقبر بعد دفن الميت وقد رأيت قرن الشيطان في المدينة المنورة ينهون الناس عن الدعاء مستقبلي القبر الشريف فإن كان النهي عن استقبال القبر لوجود من مات فيه معتقدين أن استقبال الميت بالذكر والدعاء هو نوع من العبادة له فقد انتفى أن يكون هذا التعليل صحيحا لأجل الذي ذكرناه عن صلاة الجنازة وإن كان لأنهم يتوهمون أن القبور كالأصنام فقد أخطؤوا الحق وتاهوا وجانبوا الصواب وضلوا الطريق فقبور المسلمين تحفر ليدفن فيها الأموات ويذكر الله عندها والأصنام تصنع لتعبد من دون الله وشتان بين هذا وهذا . قال القاضي أبو شجاع رحمه الله ما معناه ومن السنة أن يقول الذي يلحد الميت بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم. و قد روى الإمام أحمد رحمه الله عن الثقات قال حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي الصديق هو الناجي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وضعتم موتاكم في القبر فقولوا بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى الحديث . وقد روى البخاري في باب الصلاة على القبر بعدما يدفن عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن أسود رجلا أو امرأة كان يقم المسجد، فمات، ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته، فذكره ذات يوم فقال صلى الله عليه وسلم: ما فعل ذلك الإنسان؟ قالوا: مات يا رسول الله. قال: أفلا آذنتموني؟ فقالوا: إنه كان كذا وكذا قصته قال فحقروا شأنه. قال: فدلوني على قبره. فأتى قبره فصلى عليه». أليست الصلاة على الميت عبادة وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبره وصلى عليه فإذا كان لا يكفر من جاء قبرا وصلى عليه جاعلا القبر بينه وبين القبلة فكيف الحال بما هو دون الصلاة وهو استقبال القبر بالذكر أو الدعاء ومعلوم أن الذكر والدعاء هما جزءان من الصلاة والله أعلم فأين القياس بين القبور التي يذكر عندها الله وبين الأصنام التي صنعت ليشرك عندها بالله. وكما ان المؤمن الذي يستقبل الكعبة في الصلاة والذكر والدعاء ويمسح الحجر الاسود بيده ويقبله لا يعبد الكعبة ولا الحجر كذلك المؤمن الذي يزور قبرا لطلب المنفعة وهو يعلم ان الذي ينفع في الحقيقة هو الله . لقد اجمع المسلمون على ما سطرناه من عقيدة اهل السنة والجماعة ولم يخالف من فرق الضلال التي تنتسب الى الاسلام الا الوهابية قرن الشيطان.فكانت هذه البدعة من بدع ابن عبد الوهاب التي اختص بها وابتدعها هو بنفسه وتبعه اتباعه عليها انها فرقة شوشت على الكثيرين من الناس عقائدهم وكانوا دعاة الى النار ولقد رأينا من شدة فسادهم وتحريفهم للدين والشريعة وحرصهم على ذلك ما زادنا ايمانا وعلما بانهم فعلا استحقوا التسمية بقرن الشيطان