يقول الدكتور محمد حبيب الذي كان نائبا للمرشد العام («الأهرام» 2 مايو 2011): «أنا متألم وحزين أن يصادر حق المؤسسين وخاصة أن أكثر من 95% من المؤسسين أعضاء من جماعة الإخوان والذين لهم باع في الدعوة.. إن ما حدث مصادرة حقيقية لإرادة المؤسسين الحرة والتعامل معهم على أنهم غير راشدين.. إن القيادات الثلاث للحزب أعضاء في مكتب الإرشاد، مما يعني أن قيادة الجماعة تفرض وصايتها بشكل كامل ومستمر على الحزب»
لقد أوردت لك وجهة نظر الدكتور حبيب النائب السابق للمرشد العام، ربما لتتساءل معي: لماذا أصبح هذا الرجل صاحب العقل الحر، قيادة «سابقة» في الجماعة؟ وإذا كانت الجماعة لا تتحمل أفكار الدكتور حبيب والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وغيرهما من أعضاء الجماعة، فماذا عن بقية البشر من خارج الجماعة؟
لا أحد على وجه الأرض، عندما يكتب أو يتكلم، قادر على إخفاء حقيقة ما يفكر فيه مهما بلغت قدرته على الإخفاء والتمويه. لذلك كانت أقصر الطرق على الأرض هي في الخط المباشر بين نقطتين. هذا الحزب بالشكل الذي تم إعلانه وبتركيبته التي صادرت مقدما حقوق أعضائه، تجسيد واضح لمدرسة فكرية في السياسة عانى منها المصريون طويلا ولا أعتقد أنهم بعد 25 يناير 2011 على استعداد لمواصلة تحملها. لم تتعلم الجماعة شيئا ولم تنس شيئا، وما زالت تمارس احتقارها للمنطق في قاعدته الأساسية وهي أن الشيء مستحيل أن يكون وألا يكون في الوقت نفسه، وبنفس الكيفية، هكذا كان من السهل عليهم تقديم حزب «يكون» تابعا للجماعة، ولا «يكون» تابعا لها، والمطلوب من الناس أن تصدق هذا الكلام.
في ميدان الإسلام السياسي، ظهرت بقوة على صفحة الأحداث في مصر جماعات تطرف جديدة أكثر راديكالية بالطبع، وهو ما يهدد الجماعة بأن تفقد جزءا من جماهيرها أو تأثيرها. ولعل ذلك هو السبب في نوعية التصريحات الجديدة التي أعلنها مؤخرا مرشد الجماعة الدكتور بديع («الدستور» 5 مايو 2011) عندما قال: «لن نسمح بارتفاع صوت المواطنة والديمقراطية على صوت الدين والعقيدة»، المرشد هنا يتصور أنه استطاع اللحاق بمقعد في الدرجة الأولى في قطار التطرف، وذلك عندما وضع الدين والعقيدة في مواجهة المواطنة والديمقراطية وهو الأمر الذي يستحيل تصوره، ماذا في الدين والعقيدة مما ينال من المواطنة والديمقراطية، كيف نتصور عداء بينهما أو خصومة؟ يقول المرشد العام إنه لا يمكن قبول قوانين تحل الحرام أو تحرم الحلال، وهل هناك داخل الحدود المصرية من طالب بذلك أو سعى إليه؟
الواقع أنه يقصد قوانين الأسرة، نفهم ذلك من كلمته التعريضية التي قال فيها: «لقد كنا نحكم بقوانين زليخة» المقصودة بزليخة هنا هي السيدة سوزان مبارك. الواقع أن قوانين الأسرة في مصر هي نتاج نضال طويل للمرأة المصرية، والقوانين درسها وكتبها وأجازها شيوخ أجلاء.
وحكاية «لن» نسمح هذه، على من تعود هذه النون، على الحزب أم على الجماعة؟ ومن سيقرر درجة ارتفاع الصوت، صوت المواطنة والديمقراطية، من سيكون مهندس الصوت المسؤول؟ وإذا كان من السهل معرفة المقصود بصوت الديمقراطية، إلا أن المرشد العام لم يكن واضحا عندما تكلم عن صوت «المواطنة». ماذا تقصد يا سيدي بارتفاع صوت المواطنة في مواجهة الدين والعقيدة الذي لن تسمح به؟ نحن نستخدم هذه الكلمة بشكل عام عندما نتكلم عن هموم المسيحيين في مصر، فهل ذلك هو المقصود من استخدام هذه الكلمة؟ لا أعتقد أنك تقصد ذلك، بدليل أنك أعلنت أن حزبكم سيقبل المسيحيين بين أعضائه.
أن تعلن شيئا بالكلمات وتفعل شيئا آخر من السهل اكتشافه فيما بعد، يشكل منهجا قديما في السلوك البشري تنبه له المصريون ربما منذ مئات السنين عندما لخصوه في مثل شعبي يتسم بالحكمة وطول الخبرة «أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب» لا بد أن المصريين قد عانوا طويلا من هؤلاء الذين يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر.