الموضوع: قرأت لك
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-30-2011, 04:20 PM   #27
العوضابي

الصورة الرمزية العوضابي



العوضابي is on a distinguished road

افتراضي تابع: قرأت لك (8)


............... تابع ما قبله:
قرأت لك (9)
* آداب المريد مع شيخه :
اعلموا اخوانى وفقنى الله وايّاكم لطاعته , وأعاننى وايّاكم على ما به أتمّ مرضاته , ان هذه الأمّة اتفقت خلفا عن سلف ان أول ما يجب على المرء بعد انتباهه من الغفلة , ان يعمد الى شيخ ناصح مرشد , عالم بعيوب النفس وأغراضها ودواعيها وأدوية أمراضها , .... يبصّره بعيوب نفسه ويخرجه من دائرة حسّه , لأن من لم يكن له شيخ يقوده الى طريق الهدى , قاده الشيطان لا محالة الى طريق الردى , ....... وأول ما يجب على المريد بعد الانتباه من الغفلة , قصد شيخ مؤتمن ناصح عارف بالطريق فيسلم نفسه لخدمته , ويتخذ الصدق حالا فى صحبته , لأن الشيخ هو دليله على الطريق المؤدى الى رشده , ... ويسهّل عليه سلوكها , ولا يجوز له مفارقة استاذه قبل انفتاح عين قلبه , ..... بل عليه أن يصير تحت أمره ونهيه فى خدمته حتى يكمل , ...... ولا بدّ له بعد ذلك من مجالسة الشيخ وقربه ولو نال الفتح فى دقائق العلوم وغوامض الأسرار , والمكاشفات والكرامات , ...... فانّه ربّما يحصل له الاعجاب والتعلق بها , واعتقاد أنه عين الكمال , فينقذه من ذلك قربه واخلاصه لشيخه , ..... بل ولو وصل الى التجليات الروحانية , لأن التجليات الروحانية كثيرا ما تلتبس بالتجليات الرحمانية , فيحسب المريد أنه وصل الى المقصد الأقصى " فينقطع " ......... ولا يميّز بينهما الاّ الشيخ الواصل الكامل .
* تنبيه :
اعلم ان قولهم الطرق الى الله كثيرة , يكفيه من الدليل فى السنّة قوله صلى الله عليه وسلم : " أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . " وهو الدليل أيضا على أنها كلها موصلة الى الله تعالى , ......... وليحذر من الاعترض على الشيخ بباطنه : " فانّه السم القاتل " ....... والاعتراض سبب الانقراض , وأصل كل خير : الانقياد وأصل كل شر : الانتقاد " .... فقلّ ان يكون مريد يعترض على الشيخ بباطنه فيسلم ,..... واعلم انه متى صحّ توجه المريد بالقصد التام الى الله تعالى , رماه الى شيخ ناصح , ... قال أبن عطاء الله : " جد صادقا تجد مرشدا . " ...... ولينظر المريد كون الشيخ بابا فتحه الله تعالى له الى جناب كرمه , منه يدخل واليه يرجع , فينزل به حوائجه ومهماته الدينية والدنيوية , اذ هو الوسيلة بينه وبين ربّه , ... وأعلم ان المريد اذا فارق الشيخ وتركه قبل آوان انفطامه , يناله من الاعلال فى الطريق بالرجوع الى الدنيا ومتابعة الهوى ما ينال الصبى المفطوم قبل آوان انفطامه ولذلك حرموا عليه المفارقة المذكورة قبل الآوان المطلوب لأنها : " القاء بالأيدى الى التهلكة " ....... وأعلم ان الشيخ اذا عاقب المريد على الخطرة واللحظة وضايق عليه أنفاسه , ... فاليبشر بالقبول والفتح والرضى , ....... واذا وقعت منه زلّة وسوء أدب وعرف أنه سامحه ولم يعاقبه , فليحذر من مكره فى ذلك أو من ان سكوته ناشىء عن علمه أنه لا يجىء منه شىء , .... أما اذا باسطه فلا يترك أدبه , بل كلما انبسط معه فليزد فى قلبه المهابة والتعظيم والاجلال والاحترام , ..... ويجب عليه كتمان ما أسرّ به اليه من الأسرار الالهية أو الأمور العادية اذ لا يوهب ذلك عندهم الاّ للامناء قال قائلهم :
من سارروه فأبدى السرّ منكشفا لم يأمنوه على الاسرار ما عاشا
وأبعدوه فلا يحظى بقربهم وأبدلوه مكان الانس ايحاشا
* قال القرطبى صاحب التفسير : " من لم يأخذ كلام شيخه بالقبول خرج نور الاقتداء من قلبه , ومن لم يرشّحه نائبا عن الحق فيما يأمره به لا يصل الى الحق , ومن تأدّب مع شيخه تيسر له الأدب مع ربه , .....وكل من أهله الحق لمعرفته قيّض له عالما وليّا يقتدى به " ......... وأحذر كل الحذر ان تقع بينك وبين الشيخ مفارقة معنوية وذلك بأن تكون مسلما له بالظاهر, معترضا بالقلب , وهذا مما يقطع الرابطة بينك وبينه فلا ينفع التسليم باللسان مع وجود الانكار بالباطن , ... اذ الرابطة أمر معنوى ولا تعلق لها باللسان وانّما تتعلق بالقلب فاذا تمكن الانكار فيه , زال اتّصال الباطن فلا تبقى بين قلبه وبين قلب الشيخ علاقة , فينسدّ طريق الفيض الذى يصل من قلب الشيخ الى قلوب المواريد عنه , وبسبب قطعه ينقطع عنه المدد , .... فيكون مع الشيخ باللسان , وبالقلب مع النفس والشيطان , ....... فيعدّ من جملة : " المخادعين " ومن قبيل : " المنافقين " .............. فاذا تحققت هذا وجدت ترك الاعتراض على الشيخ وقاية من الاعتراض على النبى صلى الله عليه وسلم , ..... لأنّه نائب عنه , وللواسطة حكم الموسوط , وترك الاعتراض على النبى وقاية من ترك الاعتراض على الله , قال تعالى : (( قل ان كنتم تحبون الله فاتّبعونى يحببكم الله . )) ....... واعلم ان الطرق وان تعددتواختلفت مرجها كلها لأمر واحد هو الفناء فى مشاهدة الله والنظر اليه عن كل ما سواه لأنّها طريق الملائكة والخلفاء من النبيين والمرسلين وعباد الله الصالحين , ......... وهولاء الأصناف هم : " أعلم الخلق بالعلوم الالهية التى هى أشرف العلوم وأجلّها , .... قال الغزالى رحمه الله : " ماذا يقول القائل فى طريقة أولها شغل القلب بالذكر , وآخرها الفناء بالكليّة فى الله الى ان تكون حركاتهم وسكناتهم فى ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة الذى ليس على وجه الأرض نور يستضاء به الاّ نوره . "
* أدب المريد فى توجهه الى الله :
اعلم يا أخى وفقنى الله وايّاك لأقوم طريق , وجعلنى وايّاك من أهل التحقيق , انه لما كان أهل الدنيا ضبطوا أمر دنياهم ورتبوا فيها لأنفسهم أمورا مكملة لأغراضهم ومتممة لأهوائهم , ....... كذلك أهل الآخرة ضبطوا أحوالهم فى وجهتهم الى الله بامور مكمّلة لمقاصدهم متممة لأحوالهم , ... ولكل فريق شرب معلوم : (( كل نمدّ هولاء وهولاء من عطاء ربك . )) ..........وأعلم أن ما وضعه أهل الطريق من الشروط الآداب فانّما هو على وجه الكمال لا على وجه اللزوم , فمن استدام ذكر الله على أى حال كان وبأى وجهة بنية صادقة يرجو فضل الله ومرضاته لابدّ من نجحه وظفره , الاّ انه مع الآداب والشروط أسرع للنجح وأولى للفضل .
* الشروط :
(1) المقصد : لأن المقاصد هى روح الأعمال ولا يستقيم عمل لا روح له , .....(2) المجاهدة : وهى تعنى المجاهدة فى مدافعة الخواطر عن الفكر المغائرة لمعنى الذكر وردّها على حسب الامكان لتصفو مرآة النفس , ولتلمح معنى الذكر , ..... فعلى قدر الخروج من شواغل الحس يكون خرق حجاب الغفلة , .....(3) الطهارة : (4) القبلة : ( الشرطين (3) و (4) سبق الكلام عنهما فى حلقة سابقة ) (5) الخلوة : يقصد بها مكانا خاليا عاريا عن الشواغل لما فى ذلك من تهيئة الفكر للاقبال على معنى الذكر وتهيئة الوارد على موارد الاخلاص وأسرار الاختصاص وفى انفراده صلى الله عليه وسلم بغار حراء أول أمره دليل على ذلك , ..... ولم تزل الخلوات من شأن أهل العبادات والرياضات وقلّما يفتح على سالك فتح أو يلوح له سر فى غير الخلوة , ... والمراد منها هنا العزلة وقت تأدية ما التزمه من عدد الأذكار بحسب اجتهاد مرشده فهو يعطى كل حسب حاله بحكم التيسير والتقريب , ....... جاء عنه صلى الله عليه وسلم : " هذا الدين متين فأوغلوا برفق ولا تبغضوا لأنفسكم عبادة الله . "

............... ونواصل باذن الله :

العوضابي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس