............... تابع ما قبله :
الدعوة والارشاد : الدعوة والارشاد الى الله من شأن أهل الله المتقين : من ولات الامور والعلماء العالمين , ... العاملين بعلمهم , فالداعى أو الوالى يجب أن يكون مستقيما فى نفسه تابعا للسنة المحمدية متخلقا بالأخلاق المرضية , بعيدا أو مجافيا عن أولئك الذين قال الله فيهم : ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم . )) ....... وقال أيضا : (( ياأيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون , كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . )) ............ وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أجذبوا الناس بأفعالكم , ولا تجذبوهم بأقوالكم " ......... من الأمور المستقبحة أن تحثّ الناس على البرّ وأنت غافل عن ذلك , ..بل أبعد الناس عمّا تدو اليه ,.......ومن هنا جاء التحزير فى الآيات السابقات بأن قرعهم الله بهذا الكلام , ..... وعن أنس رضى الله عنه قال , قال عليه السلام : " مررت ليلة أسري بى على قوم تقرض شفاههم بمقارض من النار , فقلت : يا أخى جبريل من هولاء ؟؟؟ ..... فقال : " هولاء خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم . " ....... وعنه أيضا برواية الشعبى : " يطلع قوم من أهل الجنّة على قوم من أهل النار , ...فيقولون لم دخلتم النار ونحن أنّما دخلنا الجنّة بفضل تعليمكم , ..... فقالوا انّا كنا نأمر بالخير ولا نعمله . " ............ وفى ذلك يقول الشاعر :
ابدأ بنفسك فأنهها عن غيّها فاذا انتهت عنه فانت حكيم
فهناك يقبل ان وعظت ويقتدى بالرأى منك وينفع التعليم
* يقول الامام على كرّم الله وجهه : " قصم ظهرى رجلان : عالم متهتك , وجاهل متنسك " ........... لذا يقول أيمتنا من الصفات التى يتصف بها المربى الذى تبوأ مهمة الأرشاد هى : " الجود , والتوكل , والحلم , والعبادة , والشكر, والرضى بالقضاء , والصبر على البلاء " ....... ومن علاماته : أنّه لا يفارق الأمر التكليفى شبرا , ولا يلتذّ الاّ بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم , ولا يطمئّن الاّ لاتّباع أقواله وأفعاله , وفى هذا المقام تلتذ له أعين الناظرين , وأسماع السامعين حتى أنه لو تكلم طول الدهر لا يملّ كلامه , وذلك لأنّ لسانه يترجم عمّا ألقاه الله تعالى فى قلبه من حقايق الأشياء, وأسرار الشريعة , فلا يتكلم كلمة الاّ وهى مطابقة لما قال الله ورسوله ,...... فهو هنا يفيض على الخلق بما أنعم الله سبحانه بع عليه من الحكم ,
* حقيقة الأدب : ان حقيقة الأدب : " هى اجماع أفعال الخير " ..... فالأديب هو الذى اجتمعت فيه خصال الخير , ....... قال صلى الله عليه وسلم : " المؤمنون هينون لينون كالجمل ( الأنف ) ... ان قيد انقاد وان أنيخ على صخرة استناخ . " ............ قال الامام عبد الله بن المبارك : " نحن الى قليل من الأدب أحوج منه الى كثير من العلم . "....... وقال أبوبكر الدينورى : " ما ارتفع من ارتفع بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة , ..... فانّما ارتفع بالأب وحسن الخلق . " ......... ويقول الخواض رضى الله عنه : " ثلاث خصال ليس معهم غربة : مجانبة أهل الريب , وحسن الأدب , وكفّ الأذى . " ............فاللّين فى القول أنفذ فى القلوب وأسرع الى الاجابة وأدعى الى الطاعة , .......ولذلك أمر الله موسى وهارون عليهما السلام فقال : (( فقولا له قولا ليّنا . ))....... وقال تعلى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلّم : (( ... لو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك . )).......... هكذا ينبقى أن يكون عليه علماء الآخرة الذين عصمهم الله وهداهم الى التمسك بالشريعة , والتحقق بآداب الحقيقة .
* آداب الذكر : (1) التوجه الى القبلة (2) ان يكون على طهارة (3) البعد عن البطنة (4) الأدب فى جلوسه كأنّه فى صلاة : فاستقبال القبلة لأنّ الذاكر يناجى ربّه , فينبقى أن يكون منتصبا الى بيت الله وحرمه , ..... أما الطهارة ضرورتها أن يكون الذاكر على أكمل الأحوال وأشرفها ,....... أما البطنة فقد قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم : " البطنة تذهب الفطنة . " ..... وقال : " ما ملأ ابن آدم وعاءا شرّا من بطنه . "
* اعلم أخى وفقك الله , ... ان الأقوال أشرفها على الاطلاق قول : " لا اله الاّ الله . " ....... لقوله صلى الله عليه وسلم : " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلى : لا اله الاّ الله . " ............ فهذه الكلمات هى أفضل الذكر لكونها نصا ظاهرا على أنّها لا أفضل منها , ....... وجاء عنه صلى الله عليه وسلم مخبرا عن الله عزّ وجلّ : " لا اله الاّ الله حصنى فمن دخل حصنى أمن عذابى . ".......... وقال أيضا : " أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة من قال لا اله الاّ الله مخلصا من قلبه ونفسه . " ....... وفى رواية قيل يا رسول الله وما اخلاصها قال : " أن تحجزه عمّا حرّم الله . " ....... وفى الحديث أيضا : " استكثروا من قول لا اله الا الله والاستغفار فانّ الشيطان قال : أهلكت الناس بالذنوب , وأهلكونى بلا اله الاّ الله والاستغفار , فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء حتى يحسبون أنّهم مهتدون فلا يستغفرون . "
* أنواع الذكر : الذكر قد يكون باللسان , وقد يكون بالقلب , وقد يكون بالجوارح , ....... فذكر الله باللسان : أن يحمدوه , ويسبحوه ويمجدوه ويقرأوا كتابه ,....... وذكرهم ايّاه بقلوبهم : أن يتفكروا فى أسرار مخلوقات الله تعالى , وأن يتفكروا فى أحكامه , وأوامره , ونواهيه , ووعده ووعيدة ,....... فاذا عرفوا ما فى الفعل من الوعد , وما فى الترك من الوعيد , ..... سهل عليهم التزام الفعل , ............ وحكى عن لقمان الحكيم أنّه قال لابنه : " يابنى اذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم فانّك ان تك عالما ينفعك علمك , وان تك جاهلا علّموك , ولعلّ يطلع برحمته فيصيبك معهم , ......... فاذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم , فانّك ان تك عالما لا ينفعك علمك , وان تك جاهلا يزيدك جهلا أو غيا , .... ولعل الله يطلع بسخطه فيصيبك معهم . ".......... والذكر على خلاف العبادات الموقوته ,... فالذاكر يذكر الله وهو : آكل , وهو شارب , وهو ماش , أو بايع أو شارى , ....... ويذكره دائما على الحالات كلها : قائما وقاعدا ومضجعا , ..... قال تعالى : (( ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم , ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار . )) ............ وجاء فى الخبر : " أن العبد ليأتى الى مجالس الذكر بذنوب كالجبال , فيقوم من المجلس وليس عليه منها . " ....... فلذلك سماه النبى صلى الله عليه وسلم : " روضة من رياض الجنّة " ....... حيث قال : " اذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا , قيل : وما رياض الجنة ؟ ..... قال : حلق الذكر. " ....... وجا عنه صلى الله عليه وسلم : " ليبعثنّ الله أقواما يوم القيامة فى وجوههم النور على منابر من اللؤلؤ , يقبطهم الناس , ليسوا بأنبياء , ولا شهداء , فجثا أعرابى على ركبتيه وقال : أجلّهم أى صفهم لنا يا رسول الله , قال : هم المتحابون فى الله من قبائل شتى وبلاد ومدائن شتّى , يجتمعون على ذكر الله تعالى يذكرونه . "............ يقول الامام الجنيد رحمه الله فى تفسير قوله تعالى : (( والذى يميتنى ثم يحيينى )) .... أى يميتنى بالغفلة ثم يحيينى بالذكر , ...... وعن الامام حسن البصرى رحمه الله قال : " ما جلس قوم يذكرون الله تعالى وفيهم أحد من أهل الجنّة الاّ شفّعه الله فى الجميع . "
............... نواصل باذن الله :