02-10-2010, 04:47 PM
|
#2
|
مُشرف المكتبة الصوتية
|
رد: الرسائل الميرغنية .
 |
|
 |
|
وبه الإعانة بدءاً وختماً وصلى الله على سيدنا محمد ذاتاً ووصفاً واسما
الحمد لله الذي جعل الطريقة محفوظة برجال متمكنين ، ودفع أهل التلبيس بأحباب أهل الشأن تعبير متعينين ، أحمده على أن جعل لنا الخلافة العظمى من حضرة رسوله الأمين وأشكره شكر من نال الرشد وطلب التكميل له ولإخوانه المنتسبين ، وأشهد أن لا إله إلا الله المنان على أوليائه بدفع إبليس عنهم اللعين ، المخاطب له بقوله : ) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير من أرشد إلى الله بالطريق المبين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المتقين :
أما بعد: فأقول وأنا الفقير للفيض والإحسان ، الميرغني المكي ختم أهل العرفان ، السيد محمد عثمان ، أيدني في سائر اللحظات المنان ، آمين:
إني لما دخلت أرض كردفان ، وأصلح الله على يدي من أحب من الرجال وفاض بحر المداد حتى عين خواص ، وأشرق عليهم شموس فتوحات وإخلاص وجرى سر الإمداد في كثير من إقليم السودان ، حتى امتلأ في عام واحد إلى أرض فور ، وبلغ المنتسبون إلينا فيه مئات الإخوان ، وتعين خلفاء من حضرة المصطفى وبان لهم حال وأنور وصلاح في كردفان إلا وزاد إلى دنقلا وورأها بديار ، وأصبح مقدم جيشه إلى بربر وشندي وسنار ، وبشرنا أنه يعم سائر الإقليم السوداني وفي عام واحد بلغ الآخذون طريقتنا فيه آلافاً ، والحال بفضل الله في الإكثار والحاصل أن التطويل ليس تحته طائل ، ولا هنا موضع له فأخشى الغوائل ، وأن المقصود من هذا التأليف ذكر خمس مسائل تحتوي على ما هو متعلق بالطريقة من لطيف وذلك بعد طلب جمل من الإخوان بل من خواص خلفائنا ممن أشرق عليهم نور الديان ، وتعينوا للخلافة في كردفان وهباً من المنان ، منهم العالم الفقيه الورع النبيه عين خلفائنا بالديار المشار إليها من إبتدأه من الحضرة بعض ما هو مركوز علها الخطيب محبنا عربي ، أيده الله بكمال القرب . ومنهم الشاب النبيه السالك الصادق خليفتنا بها صالح أنزله الله في مقام الحب ، ومنهم إبراهيم خليفتنا بدار فور من أشرق عليه نور الغفور . ومنهم خليفتا بها الفقيه بلوله ، ومنهم سرنا الحاج حماد صاحب الفيوضات المرسوله ، ومنهم الفقيه سلالة الأخيار ابن أبي صفية المشهور ، فأجبتهم رجاء أن يسعفني الحق وأوفق للوارد . وذلك دليل أنهم على قدم الصدق ، ووقع بعض الإلهام بتسمية هذا النظام :
(الهبات المقتبسة لإظهار مسائل خمسة) ، والعطايا الدقيقة في الوجوه المحتوية على كثير من أسرار الطريقة ) نفع الله بها سائر المسلمين ، وجعلها خالصة لوجهه فإنه قوي متين ، ورتبتها على خمسة فصول ليكون قريب المراجعة لمن أراد الوصول ، فالفصل الأول في ما هو مطلوب لشأن الحضرة العلية ، والفصل الثاني فيما تعلق بالحضرة المحمدية وحقوق الشيخ البهية ، والفصل الثالث في متعلقات الطريقة ومن تحقق بها على حسب مراتبها إجمالاً ، وبعض أحوال المتشبهين ، وبعض أحوال المتشبهين بالمتشبهين ، وبعض أحوال المدعين نعوذ بالله المتين ، والفصل الرابع فيما يعامل به إخوان السلوك أهل الدرجة الرفيعة ، والفصل الخامس فيما كان أجنبياً وما يعامل به من حيث الطريقة ، ونسأل الله أن يكمل لنا أسرار الحقيقة آمين .
الفصل الأول
اعلموا معاشر الإخوان أن الله خلق العباد للعبادة ، وجعل لهم في ذلك كمال السيادة ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ( وفي قوله )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ( سر مكنون ، وأحاديث ((يا عبادي)) كما يعلمه المخلصون ، واعلموا أن حقوق المولى لا تحصرها طروس ، والعبد واجب عليه في كل وقت الشغل بمولاه ليذهب عنه النحوس ، فمن حقوقه حفظ شريعته ومراعاة أهل طريقته ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحضور في الصلاة ومراقبته في الإسرار والعلانيات ، والإقبال عليه في جميع الساعات ، وحمده الموجب للحقوق والخيرات ، وشكره لمزيد الهبات ، والقيام في خدمته بالنصح فإنه يورث النجح ، ومن أعظم ما يسند عليه ذكر الله في كل الحالات ، وقد أشار لذلك بقوله في كتابه الحاوي المحكم الآيات ، )الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ( وفي الحديث (( أذكروا الله حتى يقولوا: مجنون )) فتنبهوا لشأنكم قال السيد أحمد البدوي الطنطاوي : كان لي وله الحق بالفيض الروي ، في هذا المقام : إنه تحقق به بيت شعر وقد سطرت البيت فا بصر :
مجانين إلا أن سر جنونا
تأمل لأذكار تعلمن سر شأننا
غياب بذكر الله يشهده النقل
منه فنون على أبوابنا يسجد العقل
والحاصل أن الذكر مفتاح القلوب ، والموجب لمطالعة الغيوب ، والموصل لحضرة الفتاح ، والمهدي للنجاح ، ومن اشتغل به والاه سيما من الخلفاء المكملين فلابد أن يظهر عليه بركة سره المتين إذ به رقى من رقى إلى حضرة القدس ، وبه وصل من وصل إلى كمال الأنس ، وقد أطال فيه الصوفية الكلام إن شئت بعض ذلك فعرج على رسالتنا الحاوية للنظام المسماة ((بالفتح المبروك في كثير من آداب السلوك ، وفي قصيدنا السر الظاهر ، فثم ترى أسرار الأكابر ، ومن حقوقه التخلق بأخلاقه وإيتاء زكاته وصوم رمضان وحج بيته ، والحج مع الاستطاعة ، فكن منتبهاً ، ومن حقوقه الإيمان به وحفظ صفاته والإيمان بكتبه ورسله والعمل بما ورد فيها من أوامره ، ومن حقوقه أن تعبده كأنك تراه ، وهذا مقام الإحسان ، حققنا به الله ، وحقوق مولاك كثيرة ، والله بيده التوفيق للمعاني اليسيرة اللهم أرزقنا القيام بالعبودية والترقي إلى المشاهدة العلية آمين .
الفصل الثاني
فيما تعلق بالحضرة المحمدية وحقوق الشيخ البهية
اعلموا معاشر الإخوان ، الطالبين لدخول الحان ، والطامعين لنيل مقام الإحسان ، الراجين للوصول للمشاهدة والإيقان ، أنه لا بد من الوسائط وأعظمها سيد ولد عدنان ، صلى الله عليه وآله وسلم ما سرت الركبان ، وكذلك لا بد من شيخ فمن لا شيخ له فشيخه الشيطان ، فما وصل إلى الله الرجال إلا بواسطة المصطفي ، وما وصل الأولياء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بواسطة المشايخ الخلفاء ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ () وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ( فهذه أسرار جليلة من قوله ) أنا فَرَطُكُمْ ( ترى أموراً عظيمة ، ورحم الله ابن مشيش حيث يقول في صلاته : فلا شيء إلا وهو به منوط ، إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط .
اعلموا أن حقوقه لا يقدر على ضبطها القلم ، ولا يستطيع أن يحيط بها الفهم فلنذكر تزراً منها في هذا المكان تنبيها لكم يا أيها الإخوان .
فمن حقوقه تصديقه في كل ما جاء به وإتباع ما حث عليه واجتناب ما نهى عن ارتكابه ، ومن حقوقه ، إتباع سنته والمحافظة على شريعته ، ومن حقوقه مراعاته في أهل بيته ، ومن حقوقه الصلاة والسلام عليه كلما ذكر ، ومن حقوقه سؤال الوسيلة له عند الآذان ، فأبصر ، وكذلك عند إقامة الصلاة فكن متدبراً ، ومن حقوقه كثرة الصلاة عليه الموجبة لنيل المقامات المرقية إلى عالي الحضرات ، ولا سيما إن جديت بصلاتنا (الجواهر المستظهرة) وفي الذكر بمثل راتبنا الأنوار المتراكمة ، وأساسنا الذي فيه الأنوار المعظمة ، ومن حقوقه أن لا تخليه من باطنك وإتباع أخلاقه لتكميلك ، ومن حقوقه ذوق أطوار سنته وتوجه قلبك لاستنزل منته وطلب القوة من عظيم تمكنه ، والحقوق التي لقدره الرفيع لا يقدر على حصرها الأنام جميعاً .
وأما الشيخ فهو واسطتك إلى الحضرة الأحمدية ، وبه تصل إلى المجالي المحمدية ، وترقى إلى المخطبات السنية ، وتسجد في بسط القرب العلية ) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ () قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ ( وفي الحديث ( أطلبوا العلم ولو بالصين ) وكذلك في حديث ( فانظروا عمن تأخذون دينكم ) أمر مبين
وقال بعض العارفين
ولا بد من شيخ يريك رسومها
وإلا فنصف العلم عنك بمعزل
وهنا كلام القوم كثير ، ومقصودنا في المحل التقصير ، فأعلموا أن حقوق الشيخ كثيرة ، ومن أراد كثيراً من ذلك فعليه بقصيدنا المذكورة سابقاً ، وكذلك رسالتنا المشهورة ، فمن ذلك التأدب بين يديه ، وحفظ ما لديه ، ومن حقوقه حفظ حرمته حياً وميتاً ، ومشاهدتك له في كل حال ورد عليك فإنه بواسطته إليك يا فتى ، ومنها أنة توالي من يواليه ، وتعادي من يعاديه ، ومنها أن تجلس جلوس الصلاة عنده ، وأن تفنى فيه ومريده . ومن حقوقه أن ترعى أهله وأقاربه وألا تقدم نفسك على من كان مقدمه عليك من إخوانك ومصاحبه ، ومن حقوقه ألا تجلس في سجادته ، وألا تتوضأ بإبريقه ، ولا تتكي على عكازه ، ولا ترتكب لخلافه ، وأسمع ما قال بعض الأصفياء أهل النجح : من قال لشيخه لم ؟ لا يفلح ، وأن تكن محضره في قلبك وخيالك ، فإن غفلت عنه وقتاً فهذا من مقتك ، وليكن تصورك بحسب ما تراه بحب من قبض وانبساط ، فالكل مقرب ، وأقلل الكلام بين يديه إلا إذا رأيت منه أنه يحب أنك تبديه ، واجتهد أن تنال مقام الفناء فيه فمن ثم ترقى إلى مقام البقاء به أمليه ،
تنبيه أعلم أن الفناءات ثلاثة والبقاءات ثلاثة ، فالأول: الفناء في بالشيخ ، وذلك أن تخلص حتى يكون مرادك مراده ، فهذا إذهاب التوسيخ ثم البقاء به وبذلك ترقى إلى الفناء في الرسول وهو الفناء الثاني ، ومن ثم شطح بعض أهل الوصول ، ثم البقاء بالنبي العظيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وبه تقوى لسطوع الأنوار العلية ، والتجليات الجلالية ، والمباسطة الجمالية ، وكم غاب في المشهد كمل الرجال ، ومعلوم أن الأولياء يصلون إلى مقامات تذهب فيها قواهم فتظهر لهم روحانية هذا المجال ، وبهذا المشهد ترقى إلى الفناء في الرحمن ، وتصل إلى الوقوف في حضرة المنان ، فتارة تكون في شطح وبهت ، فتارة تكون في سكر ونعت ، ومن ثم ترقون إلى البقاء بالأحد المتين ، وهنا منزلة خواص الأنبياء والمرسلين ، ومحل كمل الأولياء المقربين .
فعليكم يا إخواني بحفظ حقوق الشيخ المربي ، فقد قال بعض العارفين لولا المربي لما عرفت ربي . وهو في هذا الزمان أقل من الإكسير ، بل ومن قديم الزمن لا يجده إلا من سبق له حظ كبير ، ورحم الله الجد الغني بالله الميرغني سيدي عبد الله حيث يشير لهذا المعنى بقوله
والشيخ في ذاك الزمان الأنور
فكيف في هذا الزمان الأغبر
وفي خبر الاجتماع به قول ابن عطاء في حكمه سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه .
وأما حقوق الشيخ فكثيرة جداً ، ومن أجلها ألا تقدم عليه في ظاهرك وباطنك اللهم أرزقنا الأدب مع مشايخنا وقونا ب
الفصل الثالث
في متعلقات الطريقة
ومن تحقق بها على حسب مرتبها إجمالها ، وبعض أحوال المتشبهين بالمتشبهين وبعض صفات المدعين ، نعوذ بالله من ذلك إنه قوي متين آمين
اعلموا معاشر الإخوان أن الطريقة هي أشرف الأمور إذ هي المحتوية على أسرار وعليها الأنوار تدور ، ولكن حقيقتها صعبة لمن يتكاسل ويتغافل وثمارها قريبة لمن سهر وشد المئزر ، والطرق إلى الله تعالى بحسب أنفاس الخلائق: ومن قام على القدم المحمدي فقد سلك إكسير الطرائق ، فمن حقوقها أن تحثوا عليها الإخوان ، وأن تجعلوا اشتغالكم بها مقدماً على ما سواها باطمئنان ، وأن تعمروا أوقاتكم بالذكر ، والمراقبة للعلي البر ، ومن حقوقها أن تأتوا بوظائفها بالنشاط ، فإني أرى فيكم عن هذه الرتبة كثير انحطاط ، ومن أعظم ما يميز لكم من ذاق ومن لم يذق ، ومن اشتد حاله ، ومن هو في طعف يسبق ، فلأول يشتد في الرواتب والأذكار حتى كأنه جمل هادر ، فثم كمال المراتب ، ومن هذه الفتورات تأخر كثير من المتقدمين عن المتأخرين بالزمان ، كما أنه فعل مثل ذلك بقوم بقلة كمال الاشتغال بالشيخ وتخيله ، فسبحان المنان ، ومن حقوقها أنكم تعتقدون أن طريقتكم موصلة إلى الله تعالى .
وإن حوججتم في ذلك أصلحكم الله ، وأُنبهكم يا معشر السالكين أن طريقتنا هي أعظم الطرق وأقربها إلى الله تعالى وهي من أسهل الطرق ، وفيها كمال الانتباه ، إذ صاحبها ما يشعر إلا ويرى نفسه دنا من الكمال بفضل الله فاحمدوا مَنْ مَنّ عليكم بهذه المنة العظيمة ، فاشكروا من اجتباكم بهذه الأسوار المتينة ، وقد بشرت أنها تملأ الأرض ، وذلك فضل لمن له البسط والقبض ،
وأما إقليم السودان والحبشة : من كان منهم من الديار الإسلامية فلله كمال المنة ، فإنهم قد خلص سلوكهم لطريقتنا ، والمرشدون الذين ينزلون فيها من تلامذتنا وليس لأحد فيهم قدم من غير هذا المنوال إلا أن يكون قليل من الرجال ، ولم أعلم في وقت تأليفي لهذه الرسالة أن فيا من المشهورين أحد متمكناً في التربية سوى اثنين ، فواحد في الحبشة دنا من هذه المنزلة اسمه عبد القادر ، وقد أخذ عنا ليكمل ، وواحد في إقليم السودان من آل الممرحي يسمى الطيب ، وما عداهما أن يكون أحد مستوراً فحسب ، منهم قطب هذا الإقليم في وقته ، وهو من الأبدال من قرية نفاث بر نودبا قرية سيدي عبد الرحيم ، وأما الآخذون عنا في هذين الإقليمين فجمع غفير وفي غيرهما من الأقاليم كذلك كثير من دنا إلى مقام الإرشاد ، ومنهم من تحقق بأن يصلح العباد ، وله تلاميذ نائلون منه أمداد ، فكمال الحمد للملك الجود ، وأنبئكم عن بعض أوصاف المرشد ، وأترك كثيراً لئلا يدعيها من لم يسعد ، فمن أوصافه حفظ الشريعة وتعظيم أهل الطريقة ، له معراج روحي وسر سبوحي صاحب منزل في الحضرات العلية ، ومنهل في المشاهد الفردية ، ثم نزل في الحضرات الصمدانية وسجدت روحه على بساط القرب مع أهل المعاني السنية ، ذو مخاطبات أُنسية وتجليات جلالية ، يفرق بين تجلي الجلال ، وجلال الجلال ، ويعرف تجلي الجمال وجمال الجمال ، يفهم ما يظهر عن التجلي الكبرياء ، ويسمع ما يرد عليه من مقام النداء ، قد أمره الحق بالإرشاد للعباد وخلع عليه خلع الأنوار والاستعداد ، إن نطق فبالله ، وإن مد فمن الله ، وإن أخذ فعن الله ، وإن دعا فإلى الله ، أولئك أولياء الله ، أولئك خلفاء الله ، باطنه مستغرق في الحضرات ، وظاهره بارز للمكونات ، يدعوا الخلق بإمداده أكثر من دعائه بلسانه ، يستر ما كشف له منهم ، ولا يخبر بما يكشف له من حالهم ، إذا تكلم مع المريدين كان لسانه كالقلم يكتب في صورهم ما علم ، أكثر كراماته في حاله ، لا يلتفت لطي الأرض والمشاكلة قد سقط من نظره الالتفات إلى مقام الكرامات ، وينهى إخوانه عن الاشتغال بتلك الدرجات ، يأبى تتبع عورات المسلمين بصراً وبصيرةً ، حسن الخلق قائم على أحسن سيرة ، لا يبدءا الناس بالفحش والأذى ، بل يصبر على سوء أدبهم رجاء الهدى ، يسلّم لأهل الطريق في أحوالهم ويدعوا الله على منوالهم قد أذن له في التربية من حضرة الرسول صلى الله عليه الغفور ، له رقائق ممتدة إلى قلوب السالكين كما شهد ذلك كثير من إخواننا بالتنفيذ ، قليل الشطح دائم الفتح ، وأوصاف المربي تحتاج إلى كتاب :
فأسألك اللهم أن تحققنا بهذه الأوصاف فإنك وهاب ، وأسألكم يا معشر الإخوان بمن له الملك والملكوت ، والعزة والجبروت ، الحي القيوم الذي لا يموت أن لا يدعي هذا المقام ما لم يتحقق به ويؤذن له من حضرة العلام ، والله من ادعاه يخشى عليه سوء الخاتمة :
قال بعض العارفين أهل الإتقان : الدعوة بحق تطفئ نور المعرفة والدعوة بغير حق تطفئ نور الإيمان ، نسأل الله السلامة من لوبال والخسران : واخشوا يا إخواني من أنكم إذا وجدتم بعد حال تفتر همتكم فتفوتكم مقامات الرجال واخشوا يا إخواني من الدعوة ولو بشيء قليل فثم أكثر التعطيل ، والله لقد حجب قوم بعد الفتح عن أن ينالوا للسطح ، ولا يغرنكم معاش الإخوان من ترونهم من المتشبهين بل من المدعين الظاهرين ، فو الله أنهم من حقيقة الطريق أجانب ، بل هم في غابات ومصائب ، طالما وقع النظر على كثير من أهل هذا المنوال ، ولكن نسأل الله أن يخلصنا وإياكم مما للنفس فيه مقال ، ولا سيما في هذا الإقليم الذي بقي هدفاً للمدعين ، ولكن بعد دخولنا إليه بحول القوي المتين ، قد انطمست دعواهم ، وذهبت أهواؤهم فلا يجدون محلا فيه يتكلمون فيه الآن كثير من عرف الحقائق على ما هي عليه ، فعلى من يلبسون ؟ إلا من حجبه الله عن الانطواء في هذا الديوان فذلك تائه في خلاء . وبعد إن من أعجب ما رأيت في الكيان من أحوال المتلبسين يا إخواني رجلا معه بعض نور صلاح ، ولم يصل إلى مقام تلاميذ تلاميذ المرشدين أهل النجاح ، يأمر الناس ويسلك الطريق ولا يعرف حقيقة السلوك فضلا عن أن يعرف الدعاية لحضرت الملك ، ويدخل الناس للخلوات وهو تعبان في معالجة الشيطان فأينما هو أكثر معالجات النفس ، فنسأل الله الستران ، وأعظم من ذلك أن بعض الناس أجل منه حالاً ولكن معه حجاب يتبعه ، وكذلك بعض تلاميذ هذا الرجل يدعون السلوك ويدخلون الخلوات ، فكن منتبهاً بل حتى من تلاميذ تلاميذه ، فانظر إلى الحجاب وبنيانه ، والله إن الظن لا يغني من الحق شيئا ، وإن التلبيس لا ينتج عند الله فيئا ، فلما كشف لي عن حال الرجل الأول من هؤلاء وكونه في دعوا وشيخوخة ، بل في تلامذة تلاميذه ، هذا الذي نظرت إلى رقيقة نوره فوجدتها أضعف من بعض تلامذتنا ، بل من بعض تلامذة تلامذتنا ، فعجت من ستران الغفور ، وسألته السلامة و لإخواني فجل من ملك صبور :
فيا إخواني من تحقق منكم بالتربية فليدع مطلقاً ، ومن لم يكن بهذه تحقق فلينبه ، على أنه ليس من هذا الشأن ، وليقل عند إعطائه لأحد : يا أخي توجه في طلب إمدادك من شيخي فلان ، أي لشيخه المرشد في أي مكان كان ولا تضيعوا أنفسكم كما ضيع نفسه من سقط من البنيان ، فكم رأينا من هذه المناويل أٌناساً ضيعوا أوقاتهم سبهللا ، ولم ينالوا شرفاً يوصلهم إلى المجلا ، نعوذ بالله من المكر والبلاء آمين:
ثم اعلموا يا إخواني أن القائمين في هذا المنوال أربعة أصناف ، وبين كل صنف وصنف اختلاف ، فالصنف الأول صفت المتحققين الواصلين الأولياء المتكلمين ، وقد تقدم الكلام على صفتهم بالإفراد ، فاطلبوا منهم كمال الإمداد ، الثاني من الأصناف المسمون بالمتشبهين فالأنصاف ، وقد صنف الشعراني تأليفاً في شأنهم ، وأظهر كثير من نعتهم ، فأقول هنا فيهم عبارة بالاختصار ، خوفاً من الملل بالإكثار : هم قوم قلب عليهم الاشتغال بالطريق وأنفسهم فيها بحسب دعواهم بعض تعويق ، لاحت لهم مبادئ الفتح وقصرت همتهم عن طلب السطح ، فادعوا قبل أن يصلوا مع ذلك من لوامع الأنوار ولا يخلوا وكيف يكون خبيراً من لم يصل إلى الدار المطلوبة ، أم كيف يقود من لم يكن ناظراً الطريق المسلوكة ، فإنه لا يعرف مواضع المياه والكلأ ولا يدري محل الخوف من محل الأمان المعلا ، وحقيقة هذا الرجل أنه قد نال من أول الأسرار نائل ، ووقع على شيء من الأنوار ، ولكن ليس هو واصل وله كشف صحيح ، وحال سميح ، سطع معه أنوار الهدي النافعة ، وظهرت عليه إمدادات جامعة ، ذو مقامات في الولاية ، لكن لم يصل إلى الغاية ، ظن أن هناك مقام الوصول ، والظن في هذا المقام لا يجوز ، وتوهم أن الإرشاد ما وجده من حاله ، وكيف يكون ذلك إن لم ينل كماله ، أول ما يجد لائحة من السنا ، يقول ولا تمكن له : أنا أنا ، وسببه أنه طار عنه الوكر قبل أن يتم له وقت الطيران ، ظاناً أن ما وجده هو حال ذلك المكان ، مرة يجد وجداً يقيمه من غير مراده ، وأخرى يخلوا من إمداده . وأعلموا أن المتشبهين في وقتنا هذا قلوبهم الآن حالهم بالمناسبة إلى الذين بعدهم مجلو ، فإن كان في هذا الإقليم أحد ، فرجل واحد في دنقلا اسمه محمد ، وغيره لم أرى في الناس الظاهرين ، والعلم للملك المبين .
تنبيه : اعلم أن المظاهر الحقية أربع : اثنان منها للكمال تجمع ، وأحدها رتبة السالك المجذوب ، والولي المحبوب ، وهو من توجه بالأعمال ولأذكار وأخلص في معاملة الملك الغفار ، حتى أتاه في الفتح مع الاستعداد ، وعمه النور أفوجاً أفوجا بفضل الجواد ، فهو متمكن في أحواله ، ممد، إذا كمل بأسراره ، فهذه طريقة الترقي من كون إلى كون ، وعن الكون إلى المكون ، حتى يقطع الكيان ، ويشرف على حضرة الملك الديان ، ثم يرجع متدلياً إلى الكائنات ، ويرشد إذا أذن له كمالات ، وقريب منه مجذوب سالك ، ومحبوب مالك ، ما هو في غفلاته ، ولا منكب على شهواته ، فجاءه الفتح وطاب ، وترقى إلى مراتب الأحباب ، فأخذه السكر زماناً طويلاً ، ثم تتابع عليه المحو والتجليل ، حتى اندهك بنور الأسماء ونال للري من ذلك الحمى ، فخلع عليه خلع القوة الإلهية ، ونزلت به مبادئ الصحو الهباتية ، فهو في متدليه مترقي ، وفي ترقيه مسقى ، أفاق من سكره فاسترشد ، وثبت على يد واصل فأرشد ، وهولاء الصنفان المذكوران هما اللذان وصلا إلى إرشاد السالكين ، وأما الصنفان الآتيان فلا يصلحان مدداً للمتعلقين ، وإن كانوا خيراً وتحسين ، فأحدهما هو ثالث المراتب الأربعة ، وهو المجذوب المحض ، والولي المحض ، بينما هو في الإعراض عن مولاه ، أو مشتغلا به شغلا ليس بكامل هداه أخذه الحق بوارده الأقدس ، وأنزل عليه من نوره المقدس ، فسكره سكرةً لا يفيق منها مدة حياته ، وغرق في لجة لا يبرز منها إلا بعد مماته ، محبوب في الحضرات الإلهية ، ومصحوب بالعنايات السرمدية ، قد ذهب عنه التحجير ، فهو ليس بنفسه بصير ، ولا يؤاخذ بشيء من الحركات وهو كالمجنون في الشريعة بإثبات ، لا يقد إن مر على حفظ الذات ، بل يعجز عن حفظ إمداده للغيبات ، يشترط أهل الطريق ، شروطاً من وجهته لمن طلب التحقيق : وذلك أن لا يتزوج السالك مجذوبة ولا يتزوج المجذوب سالكة ، وأن لا يأكل معه ، وأن لا يكثر الجلوس بين يديه لأن له أحوالاً بغير اختيار ، فلعله يضرك وحاله عظيم مع أنفاسه . والقسم الرابع في هذه الأقسام الأخيرة هو السالك المحض ، وأموره مخيرة ، وهو محل الزهاد والعباد ومن وصل إلى ذلك الناد ، وهو كذالك ليس له قدم إرشاد ، وليس من الرجال المعدين للمدد ، ومع ذلك أنهم كثيرو الأذكار ، دائمو الاستغفار ، في مجاهدات ومكابدات ، محافظين على كثير من الخيرات ، عامرين أوقاتهم بالرواتب العظيمات لهم مراعاة كثيرة للآداب والسنة ، قائمين ليلهم كثيرو الخدمة ، محبون للمولى صائمون النهار ، مجتنبون في مأكلهم ومشربهم الإكثار ) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ( نازلون تحت الأوامر طاعة وسمعاً ، لهم شأن عند ملاهم ، طالبون للعلام هم للأنوار ، كما أن الأولين لهم الأنوار ، لهم بعض لوامع قليلة يفرحون بقليل من الأسرار الجليلة ، فو الله إنهم لممدوحون محبوبون ، ولكن أين هم من أولئك الواصلين المحبوبين ، وغالباً يغلب عليهم تحكم نفوسهم ، وأما الرياسة وحبها فتتمنع عليهم . اللهم إنا نسألك الكمال ، ولحوق مراتب الرجال .
وأما الثالثة من الأقسام السابقة فهم أشبه الناس بأهل هذه الدرجة الرابعة وسموا بالمتشبهين بالمتشبين ، لأنهم يتابعون المتشبهين ، وسبب ذلك ميلهم للمكاشفات والكرامات وكثير منهم عند أهل تلك المقامات ، ولا تظنوا أن المتشبهين هم المدعون والملبسون الظاهرون ، فأولئك القسم الرابع ليسوا في طور المتشبهين ، بل ولا في طور المتشبهين بالمتشبهين ، بل هم في تنكيس وتدنيس ، والله ما هم إلا خلفاء إبليس ، قد غلبت عليهم الغوايات النفسانية وظهرت عليم الأوصاف الشيطانية ، وقامت فيهم الأهواء ، وارتموا بما رمي به السوى ، فيا ليت شعري يا ليتهم شٌغلوا بأنفسهم . ويا ليتهم ثم ويلهم من بارئهم ، يا أيها المدعون لهذا المكان ، والله أن هذا هو الخسران ، أفضاق عليكم الكون وما فيه ، أم سبقتكم السابقة فكل ظهر بما فيه ، أم جعلتم الطرائق موضعاً لهواكم ، وحاربتم في الحقيقة مولاكم ، قد خسر هناك المبطلون ، وتعس بهذه الدعاوي المزبرقون ، وهذا الصنف في وقتنا هم الكثير فاخشوهم يا إخواني ، وليكن كل منكم حذير ، ولتحسن الظن في الناس ، مع البعد عنهم ، فنعم هذه الأساس ، وهذا بعض الكلام على سنن الطريقة ومن تحقق ومن تشبه بزيغه ومن تشبه بالمتشبهين ، والتحذير من الفئة المدعين ، وللقوم هنا مجالات تركنا كثيرها خوف الملل ، وذكرنا نزراً منها في هذا القالب ، المعتدل : اللهم حققنا بما حققت به الواصلين ، واكفنا شر ما تلبس به المتدلسون آمين .
الفصل الرابع
فيما يعامل به إخوان السلوك أهل الدرجة الرفيعة
اعلموا معاشر الإخوان المحبين ، والأصفياء السالكين ، المشار إلى شأن أمثالكم في الحديث القدسي عن ربي المعين ، وذلك في قوله (( المتحابون في جلاله على كراس من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء )) فاعملوا للسعي المشكور ، حققنا الله وإياكم به مع الانتباه ، وفي حديث (( الحب في الله والبغض في الله )) كمال هذه )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ( في كتاب الله (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )) ورد عن رسول الله ، وآخى رسول الله r بين الصحابة ، وأخوة الطريقة كأخوة القرابة ، أو ما ترون ما قال في مثل ذلك بعض الصالحين ، في الفرق بين الشيخ والأب متواضعين :
أرى فضل أستاذي على فضل والدي
فهذا مربي الروح والروح iiجوهر
وإن زادني براً وإن كان بي iiلطف
وذاك مربي الجسم والجسم كالصدف
فجعل الأبوة التي من جهة إمداد الأرواح ، أعظم من الأبوة التي للأشباح وكذلك الأخوة فأعلموا أسرار النجاح ، ونبهوا بعضكم بعضا بحب الفلاح فاعلموا أن حقوق الأخوة كثيرة ، وسنذكر من شأنها جملا يسيرة ، فمن حقوقها النصح فيما بينكم ، وتحريك الهمم لذكر ربكم ، ومن حقوقها التنبيه على شأن شيخكم وذكر أحواله الموجبة لترقيكم ، ومن حقوقها تذكير تفقد روحانية الشيخ في ذكركم بل في أغلب وقتكم ، ومن حقوقها إذا وقعت الغفلة من أحدكم أزعجه بعبارة ممزوجة لطفاً بعنف ، وليكن أعظم الإخوان عندكم ، من يحرككم إلى للاشتغال بشأنكم وينبهكم على ما يعليكم وعلى محبة شيخكم يجمعكم ، فو الله ثم نبأ الخيرات ، وهناك تجنون ثمار البركات ، ومن رأيتموه انقطع عن طريقتكم فاحسبوه من المبعدين عن المتمكنين ، ونعوذ بالله من السلب بعد العطاء ، فإنه حافظ الصادقين ، فاحفظنا اللهم بحفظك وإخواننا المخلصين آمين .
ومما ينبغي لكم تعطف خواطركم بعضكم بعضا ، والتودد فيما بينكم فإنه يوجب الحفظ والمراسلات بينكم من البعد ، لأجل النشاط ، وزجر من رأيتموه وهو معه انحطاط ، ومنها المزاورة كثيراً ، وتقديم من كان شيخكم مقدمه فثم تدبير ، وهو نظر الأعلى لمن هو دونه بعين الكريم ، ونظر من هو أدنى إلى من هو أعلى منه بعين التعظيم ، ومنها الاجتماع كثيراً على قراءة كتاب ولا سيما إن كان من الكتب المحتوية على الآداب ، وحقوق الأخوة تقصد فيها الأفكار ، ونسأل الله لنا ولكم كما الإبصار ، آمين .
الفصل الخامس
فيمن كان أجنبياً وما يعامل به من حيث هذه الطريقة
حققنا الله بها ولا سيما طريقتنا الرفيعة آمين
اعلموا معاش الإخوان والأجانب في عوائد الطريق ليس لهم الثقات ولا تزويق لكونهم عظيمي الحجاب ، مبعدين عن الباب ، وهم على صنفين ، وكل صنفٍ محتوٍ على أنواع مخربطين ، فأحدهم كان من أهل الانتساب في طريقة أخرى ، ولم يعرف آداب الطريق ، بل في تعبدات كبرى ، يحب أن يدفع غير طريقته من الطرق ، وهو بالمناسبة إلى الجميع أجنبي محقق ، إذ الطرق كلها داعية إلى سنن المصطفى ، وجميعها تستمد من حضرته الحاوية للصفات ، فيا ليت شعري هل أنكر عارف محقق عارفاً محققا ، أم نفى صحابي سنن صحابي مدقق ، ومن هذا المحل طالت ألسنة كثير من الفقهاء في الإنكار ، لاستماع بعض جهلة المدعين السلوك والفخار .
أم الصنف الثاني فهم بعض فقهاء جاهلين الطريق أن ليس له تحقيق ، وما سمعوا ، (( إن من العلم كهيئة المخزون المكنون لا يناله إلا أهل العزة بالله )) فاسمعوا وبعضهم قد ينكر شيئا من ذلك المنوال ، وإذا تأملت ذلك وجدته قصير نظر عن علوم الكمال ، وأما من ينكر بعض الأحوال من بعض الآكلين الحرام والمالئين بطونهم من أموال السلطنة العظام ، وأمثالهم من جهال عوام وممن لامس العلم مع غير معرفة كما سمعنا مثل ذلك في بعض الأعوام ، وسبب ذلك إما كبر سنٍ خذله أو حسد أو حرمان ، من حضرة الحق وبعد فأولئك ليس لهم إلا الخسران ، وما جزاؤهم إلا ما يفعل بكثير الكلاب في كثير الأحيان من أمثال ما قال بعض أهل الإحسان :
لو كلب عوى ألقمته iiحجراً
لأصبح الصخر مثقالا بدينار
ثم هذه فوائد جمة ، في مسائل مهمةٍ ، منها ما بلغنا عن بعض من لم يتمكن في العلوم ، وليس عنده قدرة على توجيه المسائل علو بعض مذاهب أهل الدقائق والفهوم ، ولا سيما إن كان البحث ليس في أمرٍ شديد ، بل في منواله يجيز العلماء التقليد ، وهو قولهم : الفاتحة للنبي r فيها كراهة ، فانظر إلى ضعف هذه النباهة ، فهنا أذكر عن طريق الاختصار هذا البحث ، والمؤمن من طور إيمانه يقبل بقليل حث ، فقد قال بعض العلماء بالكراهة ، واحتجوا أن الكامل لا يحتاج إلى زيادة ، ورد عليهم كثير بأن المقصود زيادة شرفه يا مسعود ، وقال: إن الصلاة عليه قريبة من هذا المنوال ، إذ الكل رحمة من الوال ، وقد مشى على هذا النسج كثير من العلماء والصالحين ، كمثل ابن العربي في حزبه المسمى بالدور الأعلى ، فإنه وضع في أوله فاتحة لروح للنبي r كامل الجلاد من ذلك ما وضعه الجد في راتبه المسمى بالكوكب الثاقب لنيل أعلى المراتب ، حيث أتى بفاتحة للنبي r في أول ترتيبها ، وكذلك فعل ذلك في آخر منوالها فقال : ولنختم بالفاتحة لروح سيد الكونين ، وعين حياة الدارين ، سيدنا محمد سيد المرسلين ، عليه أفضل الصلاة والسلام من رب العالمين ، ولو بحث في هذا البحث فقيه ، لوجد من كلام أئمة المذاهب ما فيه تنبيه :
انظر في نفس الفاتحة في الصلاة ، تفهم خلاف العلماء وتسكن بحول الله فالأحناف قائلون في قراءة المؤتم للفاتحة كراهة تحريم ، والشافعية يقولون إن نقص حرفاً منها بطلت الصلاة ، فهذا أقرب ما يهون عليك إن كنت ذا فهم من المسائل ما قال بعض الغافلين ، ما معنى تلقيب هذا الشيخ يا محبون بختم أهل العرفان ، فقلنا : يا بني كن يقظانا ليس فيه إدعاء ، ما فيه تحجير ، إذ هو إشارة لذوق في الولاية يستوفيه وهو في الدليل ما قيل : ما يقال المزية ما تقتضي الأفضلية ، وليس دعوى : أن ليس بعدي ولي ، فأفهم لهذا الإكسير الجلي ، ومنها ما بلغنا من بعض المتفقهين أن الخلوة إذا لم يظهر فيا إبليس اللعين فليس فيها تمكين ، قلنا : الطرق إلى الله بعدد أنفاس العباد ، والشيطان قل أن يتعرض إلى لكامل أو لتلميذه بإبعاد .
واعلموا أن أعظم الخلوات الثلاثة إذ ذكرت في القرآن في موضعين سنية . أما الاشتغال بالأذكار جماعة ، فذلك أكبر النفاعة ، إذ مثله الرسول برياض الجنة ، وكم ثم أسرار ومنة ، والحاصل أن المتكلم إما قصير باع في العلوم ، أو شقي محروم ، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك من السوء ، ونسأل سر النجوى آمين سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم .
وهذا ورد عن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم ، وآله وصحبه وما انتفع بهذا الرقيم ، وقد أمليتها من الصدر ، ولم أعتمد على حضور كتاب بفضل البر ، صلى الله على النبي وآله وصحبه ، وأسأل ببركته أن يجعلها خالصةً لوجهه ، وينفع بها عبده آمين . انتهت هذه الرسالة في يوم 29شوال سنة 1332 من الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة والتحية ، تحرك لهمم السالكين وتبين لأشياء عاضدةً لبعض ما في هذه الرسالة من تفنين ، ومن ذلك لما تمت هذه الرسالة ، رأيت ثاني يوم إتمامها أو ثالثه شيخنا أحمد بن إدريس ومعهم رجالا من الأفراد المناظرين للقطب من حيث المعرفة بالله ، ورأيت معهم كذلك رجلاً من الأوتاد ، كأنهم يشيرون إلى أن الرسالة هذه كملت لوجه الله ، وأنها أٌلقي عليها خلع القبول من المولى وأن الله سينفع بها الخلق ، نفعاً عاماً ، وأنها ستملأ الأرض ، وإشارات مثل هذه وفي هذين اليومين رأى تلميذنا الشيخ محمد النبي r وأثبت إليه خلافة من أشرت إليهم ، وخصوصية سائر أهل مجلسنا ، وإمداد النور في سائر من تعلق بنا ، وأيد كثيراً مما في هذه الرسالة من مثل هذه المذكورات ، ومن مثل أن إقليم السودان خلص لطريقتنا ، نبه بذلك عليه السلام ، ومن مثل أن جميع ما تكلمنا به حق ، ثم كذلك في تلك الليلة رأى كذلك الشريف الهادي مثل ذلك ، وتكرر عليه في ليلة واحدة منه r خمس مرات حتى قال في عموم إمدادنا في إقليم السودان رأى أنه عم حتى في قوم يئسوا بحسب العقول أهل قباحة ، بل حتى من بعض من لم يكن من أهل كما الاعتقاد فينا ، والحاصل أنها أمور كثيرة ، والله بيده الهبات الفخيرة ، وصلى الله على النبي المصطفى وآله وصحبه الحنفاء آمين .
قوله تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (*) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (*) يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾
ذكر شيخنا العارف بحر المعارف ، ختم أهل العرفان ، وحامل لواء الإيقان ، وسلطان أهل الشهود والعيان ، سيدنا السيد الشريف المكي الميرغني السيد محمد عثمان ، أيده المنان ، إشارة بديع لمن يسبق بها فيما علمنا وسمعنا ، لما قرأ هذه الآية في صلاة التراويح ونحن جماعة كثيرة خلفه في بلاد التاكا ، فالتفت إلينا بعد سلامه وقال لنا: لما قرأت هذه الآية خاطبني الحق جل جلاله وقال: أنت تذكرة لعبادي يا محمد عثمان فمن أراد طريقاً يوصله إليّ فليتخذك سبيلا ، وما يفعلون ذلك إلا أن أيريد إن كل من أحبك وأخذ عنك وتعلق بك هو الذي خلد في رحمتي وكل من أبغضك وتباعد عنك فهو الظالم المعدود له العذاب الأليم .
|
|
 |
|
 |
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى علي ; 02-15-2010 الساعة 05:35 PM.
|