الموضوع: فراسة الختمية
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-26-2010, 11:38 PM   #11
أمة الختم
مُشرف النور البرَّاق
الصورة الرمزية أمة الختم



أمة الختم is on a distinguished road

افتراضي رد: فراسة الختمية


اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمة الختم [ مشاهدة المشاركة ]
بإذن الله نواصل

ولكن القوم لا يستحضرون هذا السر، ولا يهتدون إليه سبيلا، لأن )لهم قلوب لا يفقهون بها ([الأعراف:179].
ولقد اعترض المرابون في عهد رسول الله على تحريم الربا وتحليل البيع (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا )وكانت الشبهة التي ركنوا إليها هي أن البيع يحقق فائدة وربحا، كما أن الربا يحقق فائدة وربحا، وهي شبهة أوهى من بيت العنكبوت.
فالعمليات التجارية قابلة للربح والخسارة، أما العمليات الربوية فهي محدودة الربح في كل حالة، هذا هو مناط التحريم والتحليل: إن كل عملية يضمن فيها الربح على أية وضع هي عملية ربوية محرمة، بسبب ضمان الربح وتحديده، ولا مجال للمماحلة في هذا ولا للمداراة، ولذا (أحل الله البيع وحرم الربا ).
ولما كان الله تعالى لا يؤاخذ إلا بعد إقامة الحجة قال: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف )، فمن سمع موعظة من ربه فلا يكلّف بردّ ما أخذ من الناس قبل ذلك، وحسبه أن لا يزيد عليهم بعد الموعظة، لكن انظر إلى خطر الأمر وهو قوله تعالى: (وأمره إلى الله )ليظلّ متوجّسا من الأمر خائفا منه يقول: كفاني ما مضى، ولعل الله أن يغفر لي إذا تبت وأنبت ولم أقع فيه بعد ذلك.
(ومن عاد) بعد بيان الله وتذكيره وتوعّده لأكلة الربا (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ). وفي هذا التصريح بأن أكلة الربا في النار خالدون إلا من مات منهم على التوحيد، فإن خلوده ليس كخلود الكافرين، وإنما ينفعه التوحيد يوما ما، كما عُلم من النصوص الأخرى.
ولما علم الله أن من عباده من لا يقيم وزنا ليوم الحساب، ويسقطه من حسابه، فقد أنذرهم بالمحق في الدنيا (يمحق الله الربا ).
والمحق: هو محو الشيء والذهاب به، وقد اشتهر هذا حتى عرفه العامة، فكم من آكل ربا حل به البلاء ( فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) [النحل:26].
(ذلك لهم خزي في الدنيا )[المائدة:33].
(ثم يوم القيامة يخزيهم )[النحل:27].
(فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا )[النمل:52].
(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )[الحج:46].
والله سبحانه يعقّب على هذا الوعيد فيقول: (والله لا يحب كل كفار أثيم ) والكفار هو الذي كفر نعمة الله وجحد منّة ربه. والأثيم من أثم بإصراره على المعصية، وفي هذا النص إشارة إلى أن الله يحب الشاكرين ويحب التوابين.
ثم أدخل هذه الآية وهي قوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )أدخلها بين آيات الربا ليبين أن أكبر الأسباب التي تعين على ترك الربا الإيمان، وأن آكل الربا لا يأكل الربا وهو مؤمن، قال تعالى: (إن الذين آمنوا )أي: صدّقوا إذعان بما جاء من عند الله في هذه المسألة وغيرها ( وعملوا الصالحات )التي تصلح بها نفوسهم وشأن من يعيش معهم، ومنها مواساة المحتاجين، والرحمة بالبائسين وإنظار المعسرين (وأقاموا الصلاة )التي تذكّر المؤمن بالله فتزيد في إيمانه وحبّه لربه، حتى تسهل عليه طاعته في كل شيء (وآتوا الزكاة )التي تزكي النفس من رذيلة البخل والحرص وتمرّنها على أعمال البر حتى تسهل عليها ويكون ترك أكل أموال الناس بالربا أسهل.
وإنما ذكر الصلاة والزكاة لأنهما أعظم العبادة النفسية والمالية، فمن أتى بهما كاملتين سهل عليه كل عمل صالح.
والله يعدهم بأن (لهم أجرهم عند ربهم )يحفظه لهم (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) فهو وعد بالأمن فلا يخافون، وبالسعادة فلا يحزنون، في القوت الذي يتوعد فيه أكلة الربا بالمحق والسحق، وبالتخبط والضلال، وبالقلق والخوف.
وفي ظل هذا للرخاء الآمن الذي يعد الله به الجماعة المسلمة التي تنبذ الربا من حياتها فتنبذ الكفر والإثم، وتقيم هذه الحياة على الإيمان والعمل الصالح والصلاة والزكاة، في ظل هذا الرخاء الآمن يهتف بالذين آمنوا بالهتاف الأخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربوي الدنس المقيت، وإلا فهي الحرب المعلنة من الله ورسوله بلا هوادة ولا إمهال ولا تأخير: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) فوصفهم بالإيمان، وذكّرهم بالتقوى، ثم انتقل إلى الأمر بترك ما بقي من الربا لمن كانوا يرابون.
ثم وصل ذلك بقوله: (إن كنتم مؤمنين )أي إن كان إيمانكم تاما شاملا لجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الأحكام فذروا بقايا الربا.
ويؤخذ من هذا أن من لم يترك ما بقي من الربا بعد نهي الله تعالى عنه وتوعده عليه فلا يعدّ من أهل هذا الإيمان التام الشامل.
وهكذا يأخذهم بالترغيب أولا، ثم ثنىّ بالترهيب الذي يقصم الظهور، ويزلزل القلوب: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ).
أي: إن لم تتركوا ما بقي لكم من الربا كما أمرتم فاعلموا واستيقنوا بأنكم على حرب من الله ورسوله.
ويا للهول: حرب من الله ورسوله!! إن الخصم ليعرف أن عدوّه يعدّ العدة ليشن الغارة عليه فلا يهدأ ولا ينام، مع احتمال أن يدفع عن نفسه، وأن يكون هو المنتصر. فكيف إذا أعلم بالحرب من الله ورسوله؟! وهي حرب رهيبة معروفة المصير، مقررة العاقبة، لا هوادة فيها، وأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القدرة الجبّارة الساحقة الماحقة؟!.
وهذه الحرب المعلنة أعمّ من القتال بالسيف والمدفع. إنها حرب على الأعصاب والقلوب، وحرب على البركة والرخاء، وحرب على السعادة والطمأنينة، حرب يسلط الله فيها بعض العصاة على بعض، حرب المطاردة والمشاكسة، حرب الغبن والظلم، حرب القلق والخوف، وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوش، والدول، إنها الحرب المشبوبة دائما، وقد أعلنها الله على المرابين، وهي مسعرة الآن تأكل الأخضر واليابس، والبشرية غافلة عما يفعل بها.
ثم عرّض بالتوبة فقال: (وإن تبتم )يعني من المعاملات الربوية (فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون )الناس بأخذ الربا (ولا تظلمون )ببخسكم رؤوس أموالكم. فكل من تاب من الربا: فإن كانت معاملات سالفة فله ما سلف لا يكلّف ردّه ولا إضاعته، وأمره إلى الله ينظر فيه.
وإن كانت معاملات موجودة وجب عليه أن يقتصر على رأس ماله، فإن أخذ زيادة فقد تجرأ على الربا.
ثم يرشد صاحب المال إلى ما يجب عليه نحو الذي عليه الدين فيقول: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ).
إنها السماحة النديّة التي يحملها الإسلام للبشرية. إنه الظل الظليل الذي نادى إليه البشرية المتعبة في هجير الأثرة والشح والطمع والتكالب، إنها الرحمة للدائن والمدين، وللمجتمع الذي يظل الجميع.
إن المعسر في الإسلام لا يطارد من صاحب الدين أو من القانون والمحاكم، إنما ينظر حتى يوسر، ثم إن المجتمع المسلم لا يترك هذا المعسر وعليه دين، فالله يدعو صاحب الدين أن يتصدق بدينه إن تطوع بهذا الخير، وهو خير لنفسه كما هو خير للمدين، وهو خير للجماعة كلها ولحياتها المتكالفة ولو كان يعلم ما يعلمه الله من سريرة هذا الأمر.
وقد كثرت الأحاديث في الترغيب في إنظار المعسر والتجاوز عنه، ومنها: قوله : ((من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظلّه)).
وعن حذيفة [iرضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتى الله بعبد من عبيده يوم القيامة قال: ماذا عملت لي في الدنيا؟ فقال: ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها – قالها ثلاث مرات – ثم قال عند آخرها: يا رب إنك كنت أعطيتني فضل مال، وكنت رجلا أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر. فقال الله عز وجل: أنا أحق من ييسر، أدخل الجنة)).
ثم يجئ التعقيب العميق الإيحاء الذي ترجف منه النفس المؤمنة وتتمنى لو تنزل عن الدين كله ثم تمضى ناجية من الله يوم الحساب: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله )فأنجع شيء لمرض القلوب تذكر يوم الدين وهو يوم عسير، له في قلب المؤمن وقع شديد، (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ).
كان هذا التحذير من ربا النسيئة: وهو الزيادة في الثمن من أجل الزيادة في الأجل.
ومن باب سد الذرائع حرّم الإسلام نوعا آخر من الربا وهو ربا الفضل.
وربا الفضل معناه: بيع جنس بجنسه متفاضلاً.
وهو محصور في أصناف ستة، بيّنها قوله صلى الله عليه وسلم ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيدا)).
فهذه الأصناف الستة لا يجوز بيع الجنس منها بجنسه متفاضلا: فلا يجوز بيع مائة جرام ذهبا قديما بتسعين جراما ذهبا جديدا، وكذلك الفضة.
ولا يجوز بيع كيلتين من قمح رديء بكيلة من قمح جيد، وهكذا بقية الأصناف.
ولا يجوز التأخير في القبض وإن كان هناك تماثل، بل لابد من التقابض في المجلس.
فإن اختلفت الأجناس والعلة جاز البيع والشراء متفاضلا وجاز التأخير، كأن تشتري قمحا بنقد، أو ملحا بنقد.
وإن اختلفت الأجناس واتحدت العلة جاز التفاضل دون التأخير: فيجوز أن تشتري عشرين جراما ذهبا بمائة فضة مثلا. أو تشتري كيلتين قمحا بأربع شعيرا، أو تشتري مائة ريال سعوديا بتسعين جنيها مصريا، فهذا التفاضل جائز شريطة التقابض في المجلس. فلا يجوز أن تشتري مائة ريال بتسعين جنيها وتبقى لك أو عليك بقية.
وكذلك لا يجوز أن تشتري ذهبا بنسيئة، ولا أن تدفع بعض القيمة ويبقى عليك بعضها، بل لابد من دفع القيمة كلها نقدا قبل مغادرة المجلس. ومن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس عند استبدال الذهب القديم بجديد أنهم يبيعون القديم ولا يقبضون ثمنه، ثم يشترون الجديد ويدفعون الفرق، وهذا داخل في ربا الفضل، والصحيح أن تبيع ما معك وتقبض ثمنه، ثم تشتري الجديد وتدفع ثمنه.
فاعتبروا يا أولي الأبصار وخذوا حذركم، وتفقهوا في دينكم، فإنه ((من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدين)).

أمة الختم غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة أمة الختم ; 06-27-2010 الساعة 12:01 AM.
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس