الموضوع: الملك
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-21-2020, 10:51 PM   #2
ود محجوب
المدير العام
الصورة الرمزية ود محجوب



ود محجوب is on a distinguished road

افتراضي رد: الملك


كان العام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانيين من القرن الماضي، وصلت إلي السفارة شفرة سرية معنونة لسعادة السفير الشاذلي الريح السنهوري، سفير السودان لدي المملكة المغربية؛ حملت الشفرة التي تلقتها السفارة نبأ زيارة للسيد رئيس مجلس رأس الدولة للمملكة المغربية في إطار جولة تشمل جمهورية مصر وليبيا ثم المغرب.. والساسة السودانيين مغرمون بالجولات الرئاسية، ولما كان العرف والتقليد في القصر الملكي المغربي في تصنيف الزيارات للملوك والرؤوساء بالتسمية إن كانت زيارة وفق لعرف دبلوماسي محدد، ولابد أن تكون وجهتها المباشرة (المملكة المغربية)، زيارة متفق عليها، وقد جدولتها بتوافق دبلوماسي مسبقاً، عندها يتأهب القصر الملكي ويصع كافة ترتيباتها الملكية؛ ولكن الزيارات التي تأتي دون ترتيب رسمي (زيارة رسمية أو زيارة عمل،أو زيارة خاصة)، أو (جولة رئاسية) كحال ما أخطرنا به آنذاك، فالتقاليد الملكية تعير مثل تلك الزيارات التي لا يكون زيارة المملكة المغربية هدفها الأول درجة إستعداد أقل نسبياً.
وكما جري العرف الدبلوماسي، فالبرقيات المشفرة يطّلع عليها سعادة السفير أولاً، وهو من يقرر فيها، ودائرة الإطلاع عليها، ولها إجراءات مشددة، في فتحها وحلها ورفعها لإطلاع السفير، وهناك دبلوماسي بدرجة رفيعة هو الذي يكلفه السفير رسمياً بتولي أعمال الشفرة، ويحفظ كتاب الشفرة في خزنة خاصة، ومفتاحها في خزنة أخري، ولا يحوز حفظهما معاً مطلقاً، وعندما تحل الشفرة يراجعها الدبلوماسي المعني بها عدة مرات ليتأكد من مضمونها، فلا مجال لغير المعني المحدد الذي من أجله أرسلت، ولا يجوز حفظ مسودة أولية منها، ويستلزم إعدامها، والإحتفاظ فقط بالنسخة النهائية (لأغراض الحفظ المراجعة) في خزنة السفير كمستند لأي مراجعة لاحقة.
وصلت تلك الشفرة، كان بالسفارة أحد أفضل الدبلوماسيين في وزارة الخارجية أنذاك، الوزير المفوض محمد أحمد عبدالغفار، وكان هناك أيضاً السكرتير الأول الفاضل عثمان أحيمر، أحد أبرز الدبلوماسيين، والذين لفظتهم الإنقاذ لا لخطأ أرتكبه، بل كيداً وتضييقاً وتربصاً، فضاق هو ذراعاً بمكائدهم وتربصهم به حتي من سكرتيرة محلية، وآثر الإبتعاد؛ وكنت أنا أصغر الدبلوماسيين درجة، بل كنت في أول السلم الدبلوماسي، سكرتيراً ثالثاً، (كان إسمي مكتوباً بالإستيكة كقول أستاذ الأجيال والسفير المخضرم سيد شريف أطال الله عمره وأبقاه)؛ دعا سعادة السفير الشاذلي السنهوري الدبلوماسيين، لإجتماع عاجل. وكان الإجتماع لمناقشة فحوي الشفرة التي حملت لنا نبأ زيارة السيد رئيس مجلس رأس الدولة، السيد أحمد علي الميرغني للمملكة المغربية في غضون أسبوعين. تداول كبار الدبلوماسيين الأراء والأفكار حول الإعداد للزيارة وترتيباتها. كان السفير الشاذلي، محل إحترام كبير لدي القصر الملكي، ومستشاري جلالة الملك، ومدير المراسم الملكية والعديد من الوزراء والمسؤولين رفيعي المستوي في البلاط الملكي. أرسلت السفارة مذكرة رسمية للقصر الملكي تعلن عن زيارة السيد الرئيس للمملكة وتطلب التكرم بالموافقة عليها وإعلامنا بالترتيبات لنتمكن من نقلها لرئاسة الوزارة في الخرطوم.
جاءنا رد غير متوقع. فقد أفاد القصر الملكي سعادة السفير، (شفاهة) بأن جلالة الملك وولي عهده لن يتمكنوا من الترحيب بالرئيس لدي الوصول في الرباط، ولكنهم سيرحبون به في مراكش بعد وصول طائرته إلي الرباط؛ بإعتبار أن جلالة الملك سيكون في القصر الصيفي في مدينة مراكش، وكذلك كامل الحكومة، لأنه يتعذر علي جلالته إستقبال السيد الرئيس في الرباط لدي هبوط طائرته؛ وربما يكون في إستقباله رئيس الوزراء وبعض الوزراء. بناءاً علي هذا الرد (غير المرضي لنا) عقد سعادة السفير إجتماعاً عاجلاً دعي له الدبلوماسيين؛ لمناقشه هذا المستجد غير المتوقع، وهنا جاءت الحنكة الدبلوماسية للوزير المفوض، محمد أحمد عبدالغفار، الذي أشار للسفير بأن نطلب إلي القصر الملكي بأننا نعتذر عن زيارة السيد الرئيس، "قائلاً، نبلغهم بأنه إن كان يتعذر علي جلالة الملك في إطار وجوده في مقره الصيفي إستقبال الرئيس رسمياً لدي وصوله في مستهل الزيارة في الرباط، علي أن يقابله لاحقاً في مراكش، في قصره الصيفي، وإن كانت المملكة غير مستعدة أو في ظرف لا يمكنها من إستقبال السيد الرئيس بما يليق من إستقبال، نلتمس إلغاء الزيارة كلية لوقت يحدد لاحقاً بالطرق الدبلوماسية"؛ وافق الإجتماع علي هذا الرأي الصائب، لأننا كنّا نري في عدم إستقبال جلالة الملك للرئيس لدي وصوله في الرباط تقليل من شأن الرئيس والسودان؛ ولعلاقة سعادة السفير بمدير المراسم الملكية نقل له ما أستقر عليه من رأي وإجماع داخل الإجتماع. هاتفياً؛ للصفة العاجلة للأمر؛ هنا حدثت مفاجئة لم نكن نتصورها، فقد جاء لسعادة السفير رداً شافياً،حازماً، نقله له مدير المراسم الملكية بعد أقل من ربع ساعة فقط، الذي بال له "أمهلني ربع ساعة"؛ قائلاً " سعادة السفير، جلالة الملك يقول لكم مرحباً بسيادة الرئيس في بلده الثاني المملكة المغربية في أي وقت؛ وبانه وبشخصه، أي جلالته، وولي عهده، ورئيس الوزراء وكامل الحكومة المغربية والسفراء المعتمدين لدي المملكة؛ وكبار قادة الجيش الملكي، (وسينقل كل أولئك المسؤوليين بطائرة خاصة إلي مراكش إستعداداً لإستقبال سيادة الرئيس) (يا سبحان الله!!) وسيكونون جميعاً في إستقبال سيادة الرئيس لدي وصول وهبوط الطائرة الرئاسية في مطار مراكش.

ود محجوب غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس