 |
|
 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب السابع
في فضل الصبر على المصيبة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ قلت : نعم ، قال : أحفظ لسانك وأحفظ الله يحفظك ، وأحفظ الله تعالى تجده أمامك ، تعرف الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد جف القلم بما هو كائن ، فلو أن الخلق أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله عليك لم يقدروا على ذلك ، ولو أردوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا على ذلك ، فاعمل لله بالشكر واليقين ، فإن لم تستطيع فأعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثير ، وأعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وان مع العسر يسرا .
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أيها الناس أحفظوا عني خمساً : ألا يخافن أحدكم إلا ذنبه ، ولا يرجوا إلا ربه ، ولا يستحي أحدكم أن يتعلم ، ولا يستحي أحكم إذا سئل وهو لا يعلم أن يقول لا أعلم ، واعلموا ، أن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد، فإن الرأس إذا فارق الجسد ، فسد الجسد ، وإذا فارق الصبر الأمور فسدة الأمور . ثم قال : ألا أدلكم على الفقيه وكل الفقيه ؟ قالوا بلى يا أمير المؤمنين . قال : من لم ييئس الناس من روح الله ، ولم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمن الناس من مكر الله ، ولم يزين للناس معاصي الله ، ولا تنزلوا العارفين الموحدين الجنة ، ولا تنزلوا العاصين المذنبين النار ، حتى يكون الرب هو الذي يقضي بينهم بحكمه وهو خير الحاكمين ، ولا يأمن خير هذه الأمة من عذاب الله ، والله يقول : (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) ولا ييأس من روح الله ، فإن الله تعالى يقول (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) . وقال يزيد الرقاشي إذا دخل الرجل قبره قامت الصلاة عن يمينه والزكاة عن شماله ، والبر يظل عليه ، والصبر يحاجج عنه ، فالصبر أفضل الأعمال والله تعالى قول : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .
وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت ، وأبو جهل وأصحابه جلوس وقد نحرت جذور بالأمس ، فقال أيكم يقوم إلى سلا جذور بني فلان يلقيه على كتف محمد إذا سجد ، فانبعث إليه أشقى القوم عقبة بن معيط فأخذه واتى به فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه فاستضحكوا والنبي ساجد لم يرفع رأسه ، حتى انطلق إنسان أخبر فاطمة رضي الله عنها فجاءت مسرعة وهي صغيرة حديثة السن فطرحته عن ظهره ثم أقبلت عليهم فشتمنهم جميعاً فلما قضى رسول الله صلى عليه وسلم صلاته رفع صوته فقال : اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعقبة وشيبة وعتبة والوليد وأبي بن خلف ، قال عبد الله بن مسعود : والذي بعثه بالحق لقد رأيت الذين سماهم صرعى يوم بدر .
وقال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما : شكا نبيا من الأنبياء إلى ربه فقال : يا رب العبد المؤمن يطيعك ويجتنب معاصيك ، وتزوي عنه الدنيا وتعرض له البلاء ، والعبد الكافر لا يطيعك ويتجرأ على معاصيك وتزوي عنه البلاء وتبسط له الدنيا ، فأوحى الله تعالى إليه ، إن العباد لي والبلاء لي ، ويكون المؤمن عليه من الذنوب ما يستوجب عليه العقوبة مني فأزوي عنه الدنيا وأعرض له البلاء فأجزيه بحسناته في الآخرة ، ويكون للكافر حسنات في الدنيا فأبس له الرزق وأزوي عنه البلاء فأجزيه بحسناته في الدنيا حتى يلقاني فأجازيه . وروي عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ، حتى الشوكة يشاكها ، فما فوقها إلا حط الله عز وجل بها عنه خطيئة ورفع له بها درجة في الجنة يوم القيامة ..
|
|
 |
|
 |
من المنجيات -الصبر على البلاء- للسيد محمد بن علوى المالكى رضى الله عنه
ومن المنجيات العظيمة - الصبر على بلاء الله والشكر لنعماء الله
والزهد فى الدنيا الشاغلة عن الله .
أما الصبر-ففضائله عظيمة . وحاجة المؤمن اليه فى الاحوال كلها
داعية وعامة وماورد فى الصبر عن الله تعالى . وعن رسوله صل الله عليه
واله وسلم من الامر والترغيب كثير منتشر ..
قال الله تعالى : ( يا ايها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )
وقال تعالى ( وبشّر الصابرين )
وقال تعالى : والله يحب الصابرين )
وقال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : ( واصبر وماصبرك الإ بالله )
(واصبر لحُكم ربك فإنك بأعيننا )
وقال تعالى : ( وجعلنا منهم ائمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا )
وقال تعالى ( إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب )
فيحتاج المؤمن حاجة شديدة إلى الصبر عند ورود البلايا :من الشدائد
والمصائب والفاقات والاذيات -بأن لايجزع إذا نزل به شىء منها
بل ويطمئن ويتوقر ولايضيق ولايتضجر ولايشكو الى الخلق ، بل يرجع
الى الله بخشوعه وخضوعه ، ودعائه وتضرعه ويحسن الظن بربه
ويعلم يقيناً أن الله تعالى لم ينزل به ذلك البلاء الا وله فيه خير كتير :
من رفع الدرجات وزيادة الحسنات وتكفير السيئات كما وردت بذلك
الاخبار الشهيرة الكثيرة ..
ويحتاج المؤمن الى الصبر حاجة شديدة عند فعل الطاعات بألا يكسل
عنها وبأن يؤديها كما امره الله من كمال الحضور مع الله فيها .
والاخلاص لله ,وان لايكون مرائيا ً ، ولا متصنعاً للخلق .
ومن شأن النفس التثاقل عن الطاعة والتكاسل عنها فيحتاج العبد الى
الى اكراهها على ذلك بحسن الصبر.
ويحتاج المؤمن الى الصبر حاجة شديدة فى كف نفسه عن المعاصى
والمحرمات لأن النفس قد تدعو اليها وتتحدث بالوقوع فيها ، فيمنعها
بحسن صبره عن فعل المعاصى ظاهراً ، وعن التحدث بها والميل اليها باطناً.
ويحتاج المؤمن حاجة شديدة الى الصبر عن الشهوات المباحات ، التى تكون
رغبة النفس فيها مقصورة على التلذذ والتمتع بالدنيا المجرد .فإن الانهماك
فى ذلك والاسترسال معه يجر الى الشبهات والمحرمات ويكثر الرغبة فى الدنيا
ويهيج الحرص عليها ، ويحمل على الايثار للدنيا والانس بها .وعلى نسيان
الاخرة والغفلة عنها .فقد عرفت رحمك الله بما ذكرناه حاجة المؤمن الى الصبر
فى عموم احواله ودوام اوقاته ، فعليك به تفز بكل خير وتظفر بكل سعادة ..