عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2013, 04:24 PM   #9
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصوم كفارة‏)‏ كذا لأبي ذر والجمهور بتنوين باب، أي الصوم يقع كفارة للذنوب، ورأيته هنا بخط القطب في شرحه ‏"‏ باب كفارة الصوم ‏"‏ أي باب تكفير الصوم للذنوب، وقد تقدم في أثناء الصلاة ‏"‏ باب الصلاة كفارة ‏"‏ وللمستملي ‏"‏ باب تكفير الصلاة ‏"‏ وأورد فيه حديث الباب بعينه من وجه آخر عن أبي وائل، وقد تقدم طرف من الكلام على الحديث ويأتي شرحه مستوفى في علامات النبوة إن شاء الله تعالى، وفيه ما ترجم له لكن أطلق في الترجمة والخبر مقيد بفتنة المال وما ذكر معه، فقد يقال لا يعارض الحديث السابق في الباب قبله وهو كون الأعمال كفارة إلا الصوم لأنه يحمل في الإثبات على كفارة شيء مخصوص وفي النفي على كفارة شيء آخر، وقد حمله المصنف في موضع آخر على تكفير مطلق الخطيئة فقال في الزكاة ‏"‏ باب الصدقة تكفر الخطيئة ‏"‏ ثم أورد هذا الحديث بعينه، ويؤيد الإطلاق ما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضا مرفوعا ‏"‏ الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر ‏"‏ وقد تقدم البحث في الصلاة‏.‏
ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا ‏"‏ من صام رمضان وعرف حدوده كفر ما قبله ‏"‏ ولمسلم من حديث أبي قتادة ‏"‏ إن صيام عرفة يكفر سنتين وصيام عاشوراء يكفر سنة ‏"‏ وعلى هذا فقوله ‏"‏ كل العمل كفارة إلا الصيام ‏"‏ يحتمل أن يكون المراد إلا الصيام فإنه كفارة وزيادة ثواب على الكفارة، ويكون المراد بالصيام الذي هذا شأنه ما وقع خالصا سالما من الرياء والشوائب كما تقدم شرحه، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الرَّيَّانُ لِلصَّائِمِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏الريان‏)‏ بفتح الراء وتشديد التحتانية وزن فعلان من الري‏:‏ اسم علم على باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه، لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين، وسيأتي أن من دخله لم يظمأ‏.‏
قال القرطبي‏:‏ اكتفي بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه، قلت أو لكونه أشق على الصائم من الجوع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو حازم‏)‏ هو ابن دينار، وسهل هو ابن سعد الساعدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن في الجنة بابا‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ إنما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة فيكون أبلغ في التشوق إليه‏.‏
قلت‏:‏ وقد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ ‏"‏ إن للجنة ثمانية أبواب، منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون‏"‏‏.‏
أخرجه هكذا الجوزقي من طريق أبي غسان عن أبي حازم، وهو للبخاري من هذا الوجه في بدء الخلق، لكن قال ‏"‏ في الجنة ثمانية أبواب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد‏)‏ كرر نفي دخول غيرهم منه تأكيدا، وأما قوله ‏"‏ فلم يدخل ‏"‏ فهو معطوف على ‏"‏ أغلق ‏"‏ أي لم يدخل منه غير من دخل‏.‏
ووقع عند مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد شيخ البخاري فيه ‏"‏ فإذا دخل آخرهم أغلق ‏"‏ هكذا في بعض النسخ من مسلم، وفي الكثير منها ‏"‏ فإذا دخل أولهم أغلق‏"‏‏.‏
قال عياض وغيره‏:‏ هو وهم‏.‏
والصواب آخرهم‏.‏
قلت‏:‏ وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده وأبو نعيم في مستخرجيه معا من طريقه، وكذا أخرجه الإسماعيلي والجوزقي من طرق عن خالد بن مخلد، وكذا أخرجه النسائي وابن خزيمة من طريق سعيد بن عبد الرحمن وغيره وزاد فيه ‏"‏ من دخل شرب ومن شرب لا يظمأ أبدا ‏"‏ وللترمذي من طريق هشام بن سعد عن أبي حازم نحوه وزاد ‏"‏ ومن دخله لم يظمأ أبدا ‏"‏ ونحوه للنسائي والإسماعيلي من طريق عبد العزيز بن حازم عن أبيه لكنه وقفه، وهو مرفوع قطعا لأن مثله لا مجال للرأي فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن عبد الرحمن‏)‏ في رواية شعيب عن الزهري الآتية في فضل أبي بكر ‏"‏ أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ اتفق الرواة عن مالك على وصله، إلا يحيى بن بكير وعبد الله بن يوسف فإنهما أرسلاه، ولم يقع عند القعنبي أصلا‏.‏
قلت‏:‏ هذا أخرجه الدار قطني في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ من طريق يحيى بن بكير موصولا فلعله اختلف عليه فيه، وأخرجه أيضا من طريق القعنبي فلعله حدث به خارج الموطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أنفق زوجين في سبيل الله‏)‏ زاد إسماعيل القاضي عن أبي مصعب عن مالك ‏"‏ من ماله ‏"‏ واختلف في المراد بقوله ‏"‏ في سبيل الله ‏"‏ فقيل أراد الجهاد، وقيل ما هو أعم منه، والمراد بالزوجين إنفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد كما سيأتي إيضاحه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هذا خير‏)‏ ليس اسم التفضيل، بل المعنى هذا خير من الخيرات، والتنوين فيه للتعظيم وبه تظهر الفائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان‏)‏ في رواية محمد بن عمرو عن الزهري عند أحمد ‏"‏ لكل أهل عمل باب يدعون منه بذلك العمل، فلأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان ‏"‏ وهذا صريح في مقصود الترجمة، وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في فضائل أبي بكر إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَالَ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يقال‏)‏ كذا للأكثر على البناء للمجهول، وللسرخسي والمستملي ‏"‏ هل يقول ‏"‏ أي الإنسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن رأى كله واسعا‏)‏ أي جائزا بالإضافة وبغير الإضافة، وللكشمهيني ‏"‏ ومن رآه ‏"‏ بزيادة الضمير وأشار البخاري بهذه الترجمة إلى حديث ضعيف رواه أبو معشر نجيح المدني عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا شهر رمضان ‏"‏ أخرجه ابن عدي في الكامل وضعفه بأبي معشر‏.‏
قال البيهقي‏:‏ قد روي عن أبي معشر عن محمد ابن كعب وهو أشبه، وروي عن مجاهد والحسن من طريقين ضعيفين، وقد احتج البخاري لجواز ذلك بعدة أحاديث‏.‏
انتهى‏.‏
وقد ترجم النسائي لذلك أيضا فقال ‏"‏ باب الرخصة في أن يقال لشهر رمضان رمضان ‏"‏ ثم أورد حديث أبي بكرة مرفوعا ‏"‏ لا يقولن أحدكم صمت رمضان ولا قمته كله ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ عمرة في رمضان تعدل حجة ‏"‏ وقد يتمسك للتقييد بالشهر بورود القرآن به حيث قال ‏(‏شهر رمضان‏)‏ مع احتمال أن يكون حذف لفظ شهر من الأحاديث من تصرف الرواة، وكأن هذا هو السر في عدم جزم المصنف بالحكم، ونقل عن أصحاب مالك الكراهية، وعن ابن الباقلاني منهم وكثير من الشافعية إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا يكره، والجمهور على الجواز‏.‏
واختلف في تسمية هذا الشهر رمضان فقيل‏:‏ لأنه ترمض فيه الذنوب، أي تحرق لأن الرمضاء شدة الحر، وقيل وافق ابتداء الصوم فيه زمنا جارا، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من صام رمضان‏.‏
وقال‏:‏ لا تقدموا رمضان‏)‏ أما الحديث الأول فوصله في الباب الذي يليه وفيه تمامه، وأما الثاني فوصله بعد ذلك من طريق هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لا يتقدمن أحدكم ‏"‏ وأخرجه مسلم من طريق علي بن المبارك عن يحيى بلفظ ‏"‏ لا تقدموا رمضان‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سهيل‏)‏ هو نافع بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن أبي غيمان - بالغين المعجمة والتحتانية - الأصبحي، عم مالك بن أنس بن مالك، وأبوه تابعي كبير أدرك عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة‏)‏ كذا أخرجه مختصرا، وقد أخرجه مسلم والنسائي من هذا الوجه بتمامه مثل رواية الزهري الثانية، والظاهر أن البخاري جمع المتن بإسنادين وذكر موضع المغايرة وهو ‏"‏ أبواب الجنة ‏"‏ في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ وأبواب السماء ‏"‏ في رواية الزهري‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني ابن أبي أنس‏)‏ هو أبو سهيل نافع بن أبي أنس مالك بن أبي عامر شيخ إسماعيل بن جعفر، وهو من صغار شيوخ الزهري بحيث أدركه تلامذة الزهري وهو أصغر منهم كإسماعيل بن جعفر‏.‏
وهذا الإسناد يعد من رواية الأقران، وقد تأخر أبو سهيل في الوفاة عن الزهري‏.‏
وقد بين النسائي أن مراد الزهري بابن أبي أنس نافع هذا فأخرج من وجه آخر عن عقيل عن ابن شهاب ‏"‏ أخبرني أبو سهيل عن أبيه ‏"‏ وأخرجه من طريق صالح عن ابن شهاب فقال ‏"‏ أخبرني نافع بن أبي أنس ‏"‏ وروى هذا الحديث معمر عن الزهري فأرسله وحذف من بينه وبين أبي هريرة، ورواه ابن إسحاق عن الزهري عن أويس ابن أبي أويس عديل بني تميم عن أنس، قال النسائي وهو خطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مولى التيميين‏)‏ أي مولى بني تيم، والمراد منهم آل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وكان أبو عامر والد مالك قد قدم مكة فقطنها وحالف عثمان بن عبيد الله أخا طلحة فنسب إليه، وكان مالك الفقيه يقول‏:‏ لسنا موالي آل تيم، إنما نحن عرب من أصبح، ولكن جدي حالفهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسلسلت الشياطين‏)‏ قال الحليمي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد من الشياطين مسترقو السمع منهم، وأن تسلسلهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه، لأنهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ، ويحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر‏.‏
وقال غيره‏:‏ المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم، وترجم لذلك ابن خزيمة في صحيحه وأورد ما أخرجه هو والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ‏"‏ وأخرجه النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ وتغل فيه مردة الشياطين ‏"‏ زاد أبو صالح في روايته ‏"‏ وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد‏:‏ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ‏"‏ لفظ ابن خزيمة، وقوله ‏"‏صفدت ‏"‏ بالمهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت، ونحوه للبيهقي من حديث ابن مسعود وقال فيه ‏"‏ فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب الشهر كله‏"‏‏.‏
قال عياض‏:‏ يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو، وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين‏.‏
قال‏:‏ ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ فتحت أبواب الرحمة ‏"‏ قال‏:‏ ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ والأول أوجه، ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره‏.‏
وأما الرواية التي فيها ‏"‏ أبواب الرحمة وأبواب السماء ‏"‏ فمن تصرف الرواة، والأصل أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار، واستدل به على أن الجنة في السماء لإقامة هذا مقام هذه في الرواية وفيه نظر، وجزم التوربشتي شارح المصابيح بالاحتمال الأخير وعبارته‏:‏ فتح أبواب السماء كناية عن تنزل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنم كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث عن المعاصي بقمع الشهوات‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأنه من الله بمنزلة عظيمة، وفيه إذا علم المكلف ذلك بأخبار الصادق ما يزيد في نشاطه ويتلقاه بأريحية‏.‏
وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره‏:‏ فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك‏؟‏ فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية‏.‏
وقال غيره‏:‏ في تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفع عذر المكلف كأنه يقال له قد كفت الشياطين عنك فلا تعتل بهم في ترك الطاعة ولا فعل المعصية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ عَنْ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ وَيُونُسُ لِهِلَالِ رَمَضَانَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأيتموه‏)‏ أي الهلال وسيأتي التصريح بذلك بعد خمسة أبواب مع الكلام على الحكم، وكذا هو مصرح بذكر الهلال فيه في الرواية المعلقة، وإنما أراد المصنف بإيراده في هذا الباب ثبوت ذكر رمضان بغير لفظ شهر، ولم يقع ذلك في الرواية الموصولة وإنما وقع في الرواية المعلقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره عن الليث الخ‏)‏ المراد بالغير المذكور أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، كذا أخرجه الإسماعيلي من طريقه قال ‏"‏ حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب ‏"‏ فذكره بلفظ ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا ‏"‏ الحديث‏.‏
ووقع مثله في غير رواية الزهري‏.‏
قال عبد الرزاق ‏"‏ أنبأنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي بيان اختلاف ألفاظ هذا الحديث حيث ذكرته إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حذف الجواب إيجازا واعتمادا على ما في الحديث، وعطف قوله نية على قوله احتسابا لأن الصوم إنما يكون لأجل التقريب إلى الله، والنية شرط في وقوعه قربة‏.‏
قال‏:‏ والأولى أن يكون منصوبا على الحال‏.‏
وقال غيره‏:‏ انتصب على أنه مفعول له أو تمييز أو حال بأن يكون المصدر في معنى اسم الفاعل أي مؤمنا محتسبا، والمراد بالإيمان الاعتقاد بحق فرضية صومه، وبالاحتساب طلب الثواب من الله تعالى‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ احتسابا أي عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يبعثون على نياتهم‏)‏ هذا طرف من حديث وصله المصنف في أوائل البيوع من طريق نافع بن جبير عنها وأوله ‏"‏ يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، ثم يبعثون على نياتهم ‏"‏ يعني يوم القيامة ووجه الاستدلال منه هنا أن للنية تأثيرا في العمل لاقتضاء الخبر أن في الجيش المذكور المكره والمختار فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، ووقع في رواية معاذ بن هشام عن أبيه عن مسلم ‏"‏ حدثني أبو سلمة ‏"‏ ونحوه في رواية شيبان عن يحيى عند أحمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من قام ليلة القدر‏)‏ يأتي الكلام عليه في الباب المعقود لها في أواخر الصيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ زاد أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ‏"‏ وما تأخر ‏"‏ وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن محمد ابن عمرو بدون هذه الزيادة، ومن طريق يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بدونها أيضا، ووقعت هذه الزيادة أيضا في رواية الزهري عن أبي سلمة أخرجها النسائي عن قتيبة عن سفيان عنه، وتابعه حامد بن يحيى عن سفيان، أخرجه ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد ‏"‏ واستنكره، وليس بمنكر، فقد تابعه قتيبة كما ترى، وهشام ابن عمار وهو في الجزء الثاني عشر من فوائده، والحسين بن الحسن المروزي أخرجه في كتاب الصيام له، ويوسف بن يعقوب النجاحي أخرجه أبو بكر المقري في فوائده كلهم عن سفيان، والمشهور عن الزهري بدونها‏.‏
وقد وقعت هذه الزيادة أيضا في حديث عبادة بن الصامت عند الإمام أحمد من وجهين وإسناده حسن‏.‏
وقد استوعبت الكلام على طرقه في ‏"‏ كتاب الخصال المكفرة، للذنوب المقدمة والمؤخرة ‏"‏ وهذا محصله‏.‏
وقوله ‏"‏من ذنبه ‏"‏ اسم جنس مضاف فيتناول جميع الذنوب، إلا أنه مخصوص عند الجمهور، وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الوضوء وفي أوائل كتاب المواقيت‏.‏
قال الكرماني‏:‏ وكلمة ‏"‏ من ‏"‏ إما متعلقة بقوله ‏"‏ غفر ‏"‏ أي غفر من ذنبه ما تقدم فهو منصوب المحل، أو هي مبنية لما تقدم وهو مفعول لما لم يسم فاعله فيكون مرفوع المحل‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب أَجْوَدُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ فِي رَمَضَانَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ وجه التشبيه بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي برسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سببا لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يدع‏)‏ أي يترك ‏(‏قول الزور والعمل به‏)‏ زاد في نسخة الصغاني ‏"‏ في الصوم‏"‏‏.‏
قال الزبير بن المنير‏:‏ حذف الجواب لأنه لو نص على ما في الخبر لطالت الترجمة، أو لو عبر عنه بحكم معين لوقع في عهدته فكان الإيجاز ما صنع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعد المقبري عن أبيه‏)‏ كذا في أكثر الروايات عن ابن أبي ذئب، وقد رواه ابن وهب عن ابن أبي ذئب فاختلف عليه‏:‏ رواه الربيع عنه مثل الجماعة، ورواه ابن السراج عنه فلم يقل ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ أخرجها النسائي، وأخرجه الإسماعيلي من طريق حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب بإسقاطه أيضا، واختلف فيه على ابن المبارك فأخرجه ابن حبان من طريقه بالإسقاط، وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة بإثباته، وذكر الدار قطني أن يزيد بن هارون ويونس بن يحيى روياه عن ابن أبي ذئب بالإسقاط أيضا، وقد أخرجه أحمد عن يزيد فقال فيه ‏"‏ عن أبيه‏"‏، والذي يظهر أن ابن أبي ذئب كان تارة لا يقول عن أبيه وفي أكثر الأحوال يقولها، وقد رواه أبو قتادة الحراني عن ابن أبي ذئب بإسناد آخر فقال ‏"‏ عن الزهري عن عبد الله ابن ثعلبة عن أبي هريرة ‏"‏ وهو شاذ والمحفوظ الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قول الزور والعمل به‏)‏ زاد المصنف في الأدب عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب ‏"‏ والجهل ‏"‏ وكذا لأحمد عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب‏.‏
وفي رواية ابن وهب ‏"‏ والجهل في الصوم ‏"‏ ولابن ماجة من طريق ابن المبارك ‏"‏ من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به ‏"‏ جعل الضمير في ‏"‏ به ‏"‏ يعود على الجهل، والأول جعله يعود على قول الزور والمعنى متقارب، ولما روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا قال‏:‏ وفي الباب عن أنس‏.‏
قلت‏:‏ وحديث أنس أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ ‏"‏ من لم يدع الخنا والكذب ‏"‏ ورجاله ثقات، والمراد بقول الزور‏:‏ الكذب، والجهل‏:‏ السفه، والعمل به أي بمقتضاه كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه، وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه، وهو مثل قوله ‏"‏ من باع الخمر فليشقص الخنازير ‏"‏ أي يذبحها، ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر‏.‏
وأما قوله ‏"‏ فليس لله حاجة ‏"‏ فلا مفهوم له، فإن الله لا يحتاج إلى شيء، وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة، وقد سبق أبو عمر بن عبد البر إلى شيء من ذلك‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به‏:‏ لا حاجة لي بكذا، فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول السالم منه، وقريب من هذا قوله تعالى ‏(‏لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‏)‏ فإن معناه لن يصيب رضاه الذي ينشأ عنه القبول‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه، ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله ‏"‏ ليس لله حاجة ‏"‏ مجاز عن عدم القبول، فنفى السبب وأراد المسبب والله أعلم‏.‏
واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم، وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر‏.‏
وأجاب السبكي الكبير بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول، لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقا والصوم مأمور به مطلقا، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين‏:‏ أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيرها، والثاني البحث على سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم، فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها‏.‏
قال‏:‏ فإذا لم يسلم عنها نقص‏.‏
ثم قال‏:‏ ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة، وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات لأنه يشترط له النية بالإجماع، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه الغافل بذلك على الإمساك عن المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده، فيكون اجتناب المفطرات واجبا واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات، والله أعلم‏.‏
وقال شيخنا في شرح الترمذي‏:‏ لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم، وهو مشكل لأن الغيبة ليست قول الزور ولا العمل به، لأنها أن يذكر غيره بما يكره، وقول الزور هو الكذب، وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث، وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق، ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي‏.‏
وأما قوله ‏"‏ والعمل به ‏"‏ فيعود على الزور، ويحتمل أن يعود أيضا على الجهل أي والعمل بكل منهما‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ فليس لله ‏"‏ وقع عند البيهقي في ‏"‏ الشعب ‏"‏ من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب ‏"‏ فليس به ‏"‏ بموحدة وهاء ضمير، فإن لم يكن تحريفا فالضمير للصائم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يقول إني صائم إذا شتم‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل ستة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ
الشرح‏:‏
قوله فيه ‏(‏ولا يصخب‏)‏ كذا للأكثر بالمهملة الساكنة بعدها خاء معجمة، ولبعضهم بالسين بدل الصاد وهو بمعناه، والصخب الخصام والصياح، وقد تقدم أن المراد النهي عن ذلك تأكيده حالة الصوم، وإلا فغير الصائم منهي عن ذلك أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لخلوف‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ لخلف ‏"‏ بحذف الواو كأنها صيغة جمع، ويروى في غير البخاري بلفظ ‏"‏ لخفة ‏"‏ على الوحدة كتمر وتمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏للصائم فرحتان يفرحهما‏:‏ إذا أفطر فرح‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ بفطره‏"‏، وقوله ‏"‏يفرحهما ‏"‏ أصله يفرح بهما فحذف الجار ووصل الضمير كقوله صام رمضان أي فيه‏.‏
قال القرطبي‏:‏ معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم، وقيل إن فرحه بفطره إنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه‏.‏
قلت‏:‏ ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر، ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، فمنهم من يكون فرحه مباحا وهو الطبيعي، ومنهم من يكون مستحبا وهو من يكون سببه شيء مما ذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا لقي ربه فرح بصومه‏)‏ أي بجزائه وثوابه‏.‏
وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه على الاحتمالين‏.‏
قلت‏:‏ والثاني أظهر إذ لا ينحصر الأول في الصوم بل يفرح حينئذ بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُزْبَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة‏)‏ بضم المهملة وسكون الزاي بعدها موحدة، كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ العزوبة ‏"‏ بزيادة واو، والمراد بالخوف من العزوبة ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت‏.‏
ثم أورد المصنف فيه حديث ابن مسعود المشهور، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، والمراد منه هنا قوله فيه ‏"‏ ومن لم يستطع ‏"‏ أي لم يجد أهبة النكاح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعليه بالصوم فإنه له وجاء‏)‏ بكسر الواو وبجيم ومد وهو رض الخصيتين، وقيل رض عروقهما، ومن يفعل به ذلك تنقطع شهوته، ومقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح‏.‏
واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة، لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس